خصائص القانون الدولي البيئي
إن للقانون الدولي البيئي مجموعة من الخصائص والسمات تستند إلى خطورة موضوعه وطبيعته ، وهو حماية البيئة ، والذي يؤدي التهاون في تنظيمه إلى اختلال التوازن الطبيعي بين عناصر البيئة ومكوناتها ، وتدمير النظم البيئية كافة ، بما يهدد في النهاية الإنسان وسائر المخلوقات على كوكب الأرض . ومن تلك الخصائص نذكر:
أولاً ـ قانون حديث النشأة:
إن التعدي على البيئة ونظمها الطبيعية قديم في عمر الزمن ، ولا أدل على ذلك أن تلوث الهواء وجد منذ عرف القدماء النار وأشعلوها في الأخشاب ، وتصاعدت منها جزئيات الكربون غير المحترقة ، والدخان والغازات الأخرى([11]) .
وقد استند البعض إلى تلك الحقائق التاريخية وقرر أن مبادئ القانون الدولي البيئي ولدت منذ زمن بعيد . ويمكن اعتبار أوائل القرن التاسع عشر بداية لذلك . . . فقد بدأ الاهتمام بتنظيم مجاري المياه والأنهار والبحيرات الدولية ، خصوصاً مع إبرام معاهدة باريس عام 1814 التي تضع المبادئ التي تحكم تنظيم استخدام مياه نهر الراين بين الدول التي يمر بها . ومنذ عام 1815 أبرمت العديد من الاتفاقيات المنظمة لحقوق الصيد والرقابة الملاحية في الأنهار الدولية ، ومناطق المياه العذبة الحدودية([12]) .
ولكن ميلاد هذا القانون من الناحية الواقعية يرجع إلى مشارف النصف الثاني من القرن العشرين ، وتمثل ذلك في إبرام عدد من الاتفاقيات الدولية ، ومنها اتفاقية لندن لعام 1954 الخاصة بمنع تلوث مياه البحار بالبترول ، واتفاقية جنيف للحماية من الإشعاع الذري لعام 1960 ، وكذلك اتفاقية موسكو لعام 1963 الخاصة بحظر تجارب الأسلحة النووية في الفضاء الخارجي أو تحت الماء أو في أعالي البحار([13]) .
غير أن تلك المحاولات كانت محدودة الفعالية ، نظراً لكونها نسبية الأثر من حيث قلة عدد الدول المنضمة إليها ، بالإضافة إلى عدم وضوح الالتزامات التي تقررها وعدم كفايتها من الناحية القانونية .
ويمكن الجزم بأن البداية الحقيقية للقانون الدولي البيئي كانت مع عقد مؤتمر استوكهولم بالسويد عام 1972 لمناقشة الأخطار المحدقة ببيئة الإنسان . وقد تمخض عن هذا المؤتمر مجموعة مهمة من المبادئ والتوصيات ، تضمنها إعلان استوكهولم لعام 1972 ، هذه المبادئ والتوصيات كانت ولا تزال نبراساً ومرشداً للعديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحماية البيئة في قطاعاتها المختلفة .
ثانياً ـ قانون ذو طابع فني:
من الخصائص المميزة للقانون الدولي البيئي أن قواعده ذات طابع فني . . . فهي تحاول المزاوجة بين الأفكار القانونية والحقائق العلمية البحتة المتعلقة بالبيئة ، وذلك في رسم السلوك الذي ينبغي التزامه في التعامل مع عناصر البيئة والأنظمة الإيكولوجية ، من حيث مواصفاته والحدود التي يمارس فيها ، وحكم الخروج عليها([14]) .
والجانب الفني في هذا القانون نلمسه في أن قواعده لا ترمي فقط إلى الحفاظ على البيئة ، بل إلى وضع بعض القيود الفنية على القواعد القانونية التي تقرها فروع قانونية أخرى([15]) .
فعلى سبيل المثال فإن القاعدة القانونية التي تقرر أن أعالي البحار مفتوحة لكل الدول ، ساحلية كانت أو غير ساحلية ، ولكل دولة أن تمارس فيها حرية الملاحة وحرية التحليق وحرية وضع الكابلات وخطوط الأنابيب ، وإقامة الجزر والمنشآت الصناعية ، وحرية صيد الأسماك ، والبحث العلمي ( وذلك وفقاً للمادة رقم 2 من اتفاقية جنيف لأعالي البحار لعام 1958 ، والمادة 87 من قانون البحار الجديد لعام 1982 ) .
ثم يأتي القانون الدولي البيئي ليضع الحدود والقيود على ممارسة تلك الحرية ، ويقرر أن هناك
« التزاماً » على الدول بالحفاظ على البيئة البحرية لأعالي البحار من التلوث ، وإلا تحملت الدولة المخالفة تبعة المسؤولية الدولية عن عملها([16]) .
والجانب الفني للقانون الدولي البيئي نلمسه في كيفية تنفيذ وإعمال أحكام قواعده . . وإذا كانت هناك جوانب علمية فنية خاصة بالبيئة ، كنوعية الملوثات ومركباتها العضوية وغيرها من المعلومات الكيميائية والفيزيائية ، وهو ما يجب على القواعد القانونية استيعابها ، فإن الهيئات والأجهزة المختصة لدى المنظمات الدولية المعنية ، سوف تسهم في جلاء العديد من تلك الجوانب .
ومن الأجهزة المهمة نذكر: برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي أنشئ في أعقاب مؤتمر استوكهولم عام 1972 ، ومنظمة الصحة العالمية ، ومنظمة الأغذية والزراعة ، والوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها .
ثالثاً ـ قانون ذو طابع تنظيمي آمر:
يهدف المشرع الدولي من هذا القانون ، الحفاظ على البيئة والصحة الإنسانية من الأخطار الناتجة عن التلوث وغيره من مصادر تهديد البيئة . ولكي يحقق هذا الهدف فقد أسبغ على قواعد القانون الدولي البيئي طابعاً ملزماً . بمعنى أن هناك جزاءات قانونية تترتب على مخالفة قواعده .
فعلى سبيل المثال: تنص المادة /235/ من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على أن([17]): « 1ـ الدول مسؤولة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها وهي مسؤولة وفقاً للقانون الدولي .
2ـ تكفل الدول أن يكون اللجوء إلى قضائها متاحاً وفقاً لنظمها القانونية ، من أجل الحصول السريع على تعويض كافٍ أو على أي ترضية أخرى فيما يتعلق بالضرر الناتج عن تلوث البيئة البحرية الذي يسببه الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريون الخاضعون لولايتها » .
كما نصت المادة /12/ من اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث لعام 1976 على أن « تتعهد الأطراف المتعاقدة بالتعاون في أقرب وقت ممكن في صياغة وإقرار الإجراءات المناسبة المتعلقة بتحديد المسؤولية القانونية والتعويض عن الأضرار الناجمة عن تلوث البيئة البحرية بسبب خرق أحكام هذه الاتفاقية والبروتوكولات المعمول بها » .
والطابع الإلزامي للقانون الدولي البيئي تبرره طبيعة المصلحة التي يحميها هذا القانون ، فهي مصلحة مشتركة ينبغي على جميع الدول العمل على حمايتها ، عن طريق الاستعمال المعقول والمفيد لموارد البيئة لصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلة([18]) .
ولذلك ينبغي على جميع الدول أن تتعاون لتطوير القانون الدولي البيئي فيما يتعلق بقواعد المسؤولية الدولية وتعويض ضحايا التلوث والأضرار البيئية المختلفة ، ويمكن أن يتم ذلك على أساس دخول الدول في اتفاقيات دولية عالمية وإقليمية ، سواء متعددة الأطراف أو ثنائية كما ورد النص على ذلك في مبادئ مؤتمر استوكهولم لعام 1972 ([19]) .
ونشير أخيراً إلى أن موارد البيئة باعتبارها تراثاً مشتركاً للإنسانية يجب أن تتضافر جميع الجهود الدولية للحفاظ عليها وحمايتها من الأخطار المحدقة بها .
اترك تعليقاً