جرى القول أحياناً على أن للخطأ درجتين : خطأ يسير وخطأ جسيم وهو قول يبدو متأثراً بما كان سائداً في القانون الروماني من تقسيم الخطأ الى درجات : جسيم و يسير و يسير جداً . ويرتبط مثل هذا التقسيم للخطأ الجنائي بفكرة المدني اذ أن من شأن القول بوجود درجتين للخطأ أن تقوم بأحدهما فقط ” الخطأ الجسيم ” المسؤولية الجنائية بينما تكفي الثانية ” الخطأ اليسير ” لتوافر المسؤولية المدنية . كما يترتب على القول بتقسيم الخطأ الى درجتين اعتبار أن الخطأ الفني أو المهني كما في أخطاء الأطباء والمهندسين وأصحاب الحرف لا يرتب المسئولية الجنائية الا اذا كان جسيماً .
وقد تجاوز الفقه والقضاء هذه النظرية الثنائية للخطأ . فالخطأ ليس له الا درجة واحدة و ان تعددت صوره اذ يتمثل في مخالفة واجبات الحيطة و الحذر سواء تلك التي تفرضها قواعد الخبرة الانسانية العامة أو الخاصة أم التي تستخلص من محالفة القوانين واللوائح والقرارات والأنظمة . فالخطأ الجنائي اذن اما أن يقوم أو لا يقوم ، ولا وسط بين الفرضين . ولربما تكمن فائدة التمييز ” واقعياً ” بين درجات الخطأ في مجال تقدير القاضي العقوبة ، حيث يملك بما له من سلطة تقديرية أن يصعد نحو الحد الأقصى للعقوبة متي استبان له جسامة الخطأ . وقد تستفاد هذه الجسامة من كون الخطأ مصحوباً بالتوقع وهو ما يعرف بالخطأ الواعي أو البصير ، كما قد تستخلص جسامة الخطأ من وجود التزام اضافي على الجاني بالحيطة والحذر بحكم مهنته . بل ان جسامة الخطأ قد تستفاد من مسلك الجاني المعاصر لفعله أو اللاحق له : كأن لا يمنع تفاقم الأضرار المتوالدة عن خطأه ، أو ينكص عن محاولة اصلاحها . ولكن في كافة هذه الأحوال فان الأمر لا يتعدى مجال تقدير العقوبة .
ويترتب على التقرير بوحدة الخطأ الجنائي التساؤل لمعرفة ما اذا كان هذا الخطأ يختلف عن الخطأ المدني أم أن لهما معاً نفس المعنى ؟ وللتساؤل أهميته في مجال حجية الحكم الجنائي أمام القاضي المدني الذي ينظر دعوى التعويض الناشئة عن الجريمة ، فلو قيل بوحدة الخطأ الجنائي والمدني لكان معنى هذا أن الحكم الجنائي بالبراءة لانتفاء الخطأ الجنائي يوجب على القاضي المدني الحكم برفض التعويض . أما لو قيل بازدواج الخطأ فان الحكم الجنائي في الفرض السابق لا يمنع القاضي المدني من الحكم بالتعويض لاختلاف مفهوم الخطأ في الدعوى المدنية عنه في الدعوى الجنائية .
وقد ذهب البعض للقول بازدواجية الخطأ واختلافه بالتالي في المسؤولية الجنائية عنه في المسؤولية المدنية . فلئن كان الخطأ الجسيم يصلح أساساً لكل من المسؤولية الجنائية و المسؤولية المدنية ، فان الخطأ اليسير لا تتوافر به سوى المسؤولية المدنية وحدها . لكن الراجح فقهاً هو القول بوحدة الخطأ ، وبالتالي وهذا هو الأهم فان الخطأ اليسير يصلح أساساً لكل من المسؤولية الجنائية والمدنية معاً .
اترك تعليقاً