بعد صدور قانون الخلع وهو القانون المعروف بأنه القانون رقم 1لسنة 2000 والذي ينظم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بدستورية القانون الذي يتيح للمرأة أن تطلق من زوجها بدون موافقته!!! مقابل تنازلها عن حقوقها المادية وأن ترد له ما دفعه من مهر وغيره ، وجاء في حكم المحكمة الدستورية أن القانون المذكور لا يخالف الشريعة الإسلامية.
وقد تم الإطلاع على حيثيات الحكم المذكور الذي أصدره المستشار ماهر البحيري النائب الأول لرئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار فتحي نجيب .
قضى الحكم بدستورية أحكام التطليق للزوجة بالخلع وبدون موافقة الزوج وتكون طلقة بائنة واحدة لا يجوز الطعن عليها أمام أي محكمة أخرى مثلما يحدث في قضايا الطلاق للضرر – رغم صدورها من محكمة الأحوال الشخصية الابتدائية .
أكدت المحكمة في حكمها شرعية ومشروعية الخلع وعدم مخالفتة لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور واستندت في موافقة قانون الخلع للشريعة الإسلامية إلى أن موضوع الخلع من القضايا الاجتهادية التي يجوز لولي الأمر أن يصدر فيها قانوناً يمكن له فيه أن يتبع أحد المذاهب الفقهية واستند القانون للفقه المالكي كما أشارت الحيثيات والذي يمكن المرأة من خلع نفسها من زوجها عن طريق حكم القاضي بدون موافقة الزوج .
وكان أحد الأزواج المصريين المتضررين من القانون قد رفع قضية أمام المحكمة الدستورية العليا تطعن في القانون بسبب مخالفته للشريعة الإسلامية من جهة وبسبب مخالفته قواعد التقاضي إذ إنه دون غيره من القوانون الأخرى يعد حكمه نهائياً ولا يجوز الطعن عليه أمام أي محكمة أخرى وهو ما يخل بمبدأ المساواة بين المراكز القانونية للمتخاصمين لصالح المرأة في مواجهة زوجها ، وأشارت دعوى الزوج إلى أن القانون لم يعرض على مجلس الشورى باعتباره من القوانين المكملة للدستور .
وردت المحكمة على ذلك بقولها: إن مشروع القانون عرض على مجلس الشورى ووافق عليه ، كما أن عدم الطعن على القانون في أي درجة أعلى يرجع إلى أن الحكم بالخلع يبنى على حالة نفسية وجدانية تقرها الزوجة وحدها وتشهد الله على بغضها لزوجها خشية أن لا تقيم حدود الله ومن ثم تنتفي كلية علة التقاضي على درجتين.
وكان رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار فتحي نجيب قد تخلى عن نظر القضية لأنه كان المهندس الذي صاغ قانون الخلع ووقف خلفه حتى خرج إلى الوجود .
وماذا بعد حكم المحكمة :
مثَّل قانون الخلع معركة ضارية بين علماء الأزهر المعارضين له وبين ترزيّة القوانين في وزارة العدل المصرية الذين كانوا يفصلون القانون استجابة لضغوط دولية فيما يتصل بأجندة قال معارضو القانون أنها مفروضة من الخارج بقصد تحطيم الأسرة المصرية والإجهاز علي البقية الباقية من آثار الشريعة الإسلامية في قانون الأحوال الشخصية ، وكانت ضغوط هائلة مارسها بعض أعضاء مجلس الشعب من الحزب الوطني الحاكم نفسه قادت لتعديل بعض مواد القانون رقم 1لسنة 2000 الذي ينظم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ومن بين هذه المواد عدم السماح للمرأة بالسفر بدون إذن زوجها ، فقد رأى هؤلاء الأعضاء أن ذلك كفيل بتهديد أسرهم ذاتها خاصة وأن الأسر الكبيرة المصرية ترتبط بشكل قوي بعلاقات ومصالح في الغرب .
ورأى علماء الأزهر المعارضين للقانون أن القانون يهدد الأسرة المصرية ويهز قوامة الرجل بل ويضعف مركزه القانوني أمام زوجته وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتوسيع شقة الخلافات الزوجية وحسمها بشكل سريع ومتعجل من جانب الزوجة باللجوء إلى الخلع دون مراعاة لمصالح الأولاد الصغار ، ورأى هؤلاء أن القانون هو جزء من ضغوط دولية غربية تسعى لتبني الاتجاه النسوي الذي يدعو إلى أنماط جديدة وغريبة من السلوك كانت دعت لها وثيقة المرأة والسكان التي صدرت عن مؤتمر القاهرة عام 1993 وهي تعكس رؤية غربية شاذة لوضع المرأة والأسرة تجعل من إرادة المرأة وحدها متحكما في مصير الأسرة بما في ذلك إقامة علاقات غير شرعية خارج إطار الزواج .
محاولات دائبة :
كما أن قانون الأحوال الشخصية تعرض لمحاولات تغييره مرات عديدة كان أبرزها عام 1979م حين حاولت زوجة الرئيس السادات الضغط على المشرعين القانونيين وقتها لإخراج قانون يلبي مطالب الأجندة الغربية لكن وقفة علماء الأزهر وقتها حالت دون ذلك، ثم تعرض قانون الأحوال الشخصية عام 1985م لتعديل جعل من حق الزوجة طلب التطليق للضرر إذا تزوج زوجها بأخرى ، وهو ما جعل علماء الشريعة يتحدثون عن أن القانون يجرم الحق الشرعي للزوج بينما يفتح أبواب العلاقات غير الشرعية على مصاريعها .
وكان القانون الأخير رقم 1لسنة 2000 هو قمة انتصار اللوبي النسوى في مصر، ورغم وصف القانون بأنه قانون لتبسيط الإجراءات لكنه عالج أموراً موضوعية في منتهى الخطورة ، ويرى الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ بجامعة الأزهر والذي كان من أبرز معارضي القانون وقت صدوره أن القانون مخادع لأنه تضمن أحكاماً موضوعية وادعى أن الهدف هو تبسيط إجراءات الطلاق!!
ويتساءل الدكتور إبراهيم الخولي لم لا تيسر إجراءات التطليق للضرر إذا كان ذلك هو الهدف وهو كفيل بعلاج المشكلة التي تقول بوجود مليون قضية طلاق في ظل نظام قضائي فاسد .
ويؤكد الدكتور الخولي أن قانون الخلع هو تنفيذ لما طالبت به المادة 15 و16 من وثيقة الأمم المتحدة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة لأن المادة 20 في القانون التي تمنح المرأة حق الخلع تعني أن المرأة أصبحت تملك تطليق نفسها بإرادتها المستقلة رغم أنف الزوج والقاضي . فالمرأة تستطيع كما يشرح الدكتور الخولي – أن تخلع زوجها بإرادتها المنفردة ما دامت تصر أنها تكرهه فالقاضي ملزم بتطليقها طلقة بائنة وكون الحكم القضائي من درجة واحدة يسلب القاضي والزوج سلطة التقدير ويلغي إمكانيات الإصلاح .
والآن ما هى المطالب القادمة للوبي النسوي المصري بعدما استطاعت المرأة أن تحصل على حق تطليق زوجها والتحرر من مسؤولياتها الأسرية؟ هل هذا اللوبي سيمضي قدماً في الضغط من أجل فرض مطالب جديدة فيما يتصل بالقواعد المنظمة للعلاقات الأسرية والأحوال الشخصية تحت دعاوى التحرر من الثقافة الذكورية السائدة في المجتمعات الإسلامي .
إن اللوبي النسوي عندنا متخلف لأنه يطالب بمطالب جرى تجاوزها في الغرب ، والمرأة الغربية تطالب بعد مشوار الحرية المفرطة الطويل بالعودة إلى بعض فطرتها، أما عندنا فاللوبي النسوي ماض في المطالبة بمطالب وأجندة غربية لا تعرف عنها غالب نساء مصر شيئاً ، كما أن المرأة المصرية هي الأخرى تسعى للعودة إلى فطرتها ودينها .
وتبقى مطالب اللوبي النسوي مطالب ضيقة جداً لأجندة قلة من النسوة المرتبطات بالغرب ، وهن يمثلن ( مع بعض الذيول والمنتفعين ) صوته في العالم الإسلامي ، ومطالبهم هي وهم لظن التحرر والالتحاق بالحضارة الغربية ، وكم هو وهم زائف .
اترك تعليقاً