بقلم ذ يونس النهاري
حاصل على دبلوم الماستر في القانون الجمركي بطنجة
لقد تعددت التعاريف من أجل تحديد مفهوم الدعوى العمومية، حيث يعرفها بعض الفقهاء بأنها: “نشاط إجرائي يبدو في طلب موجه من النيابة العامة أو غيرها ممن خوله المشرع هذه السلطة إلى القاضي لإصدار حكمه بشأن إخطار بجريمة[1]، ويعرفها البعض الآخر: “بأنها مجموعة من الإجراءات يحددها القانون وتستهدف الوصول إلى حكم قضائي يقرر تطبيقا صحيحا للقانون في شأن وضع إجرامي معين”[2]، أو أنها ذلك “الطلب الموجه من الدولة بواسطة جهازها المختص بالاتهام إلى القاضي تجاه المتهم بارتكاب الجريمة لإقرار مدى للدولة من سلطة معاقبته”[3].
و تستمد الدعوى خاصية العمومية انطلاقا من طبيعة موضوعها فهي تسهر على حماية مصلحة عامة تتعلق بإثبات أو نفي سلطة الدولة في العقاب، فالقاعدة أنه لا يمكن تصور توقيع عقوبات جنائية بدون دعوى جنائية[4]، وكل جريمة لابد وأن ينشأ عنها دعوى جنائية (المادة 2 قانون المسطرة الجنائية)،
وهو ما أكد عليه الفصل 249 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، ومن تم يترتب على مخالفة القوانين والأنظمة الجمركية إقامة الدعوى العمومية من طرف إدارة الجمارك كمبدأ، ومن طرف النيابة العامة – كاستثناء –، وذلك أمام المحكمة المختصة و بكافة الطرق القانونية الممكنة.
وبذلك، فإذا كان المبدأ العام المتمثل في أن حق إقامة الدعوى العمومية تعود للمجتمع في شخص النيابة العامة فلها أيضا أن تحركها، أو تمتنع لسبب قام لديها، ولا يمنعها من هذا الحق إلا القانون نفسه، أي في حالة وجود موانع مؤبدة أو مؤقتة.
هكذا، فإن الدعوى الجمركية باعتبارها دعوى عمومية من نوع خاص لم يجعل المشرع أمر تحريكها حكرا على النيابة العامة فحسب، بل وضع الإدارة على قدم المساواة معها، بل يمكن القول أن مدونة الجمارك جعلت دور الإدارة في تحريك الدعوى هو الأصل ودور النيابة العامة استثنائي، غير أنه في هذا الإطار يجب أن نميز عنها إذا كان تحريك الدعوى ناتج عن ارتكاب جنحة أو مخالفة.
ففي الحالة التي يتم فيها ارتكاب إحدى الجنح المنصوص عليها والمحددة في الفصلين 279 المكرر مرتين و 281 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، فإن النيابة العامة هي التي تتولى تحريك الدعوى العمومية[5]. ويمكنها في هذه الحالة مباشرة الدعوى الجبائية عوض الإدارة الجمركية التي تبقى لها الصلاحية أيضا في تحريك هذه الدعوى، عن طريق مديرها، أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك، أو الوزير المكلف بالمالية[6].
يعتبر البعض[7]، أن إسناد المشرع المغربي للنيابة العامة أحقية تحريك الدعوى العمومية في الجنح الجمركية، لما لهذا الجهاز القضائي من سلطة تقديرية واسعة في ممارسة هذه المهمة، كما أن قانون المسطرة الجنائية أعطاها الحق في حفظ الأوراق إن هي ارتأت ذلك.
من ناحية أخرى، فإن منح تحريك الدعوى العمومية لكل من الوزير المكلف بالمالية، أو مدير الإدارة، أو أحد ممثليه جاء تطبيق لمقتضيات المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أنه : “يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا”.
وبمجرد تحريك المتابعة من لدن النيابة العامة في الجنح الجمركية، فإن إدارة الجمارك لا تملك سوى حق التدخل بجانبها والمطالبة بتوقيع العقوبات المالية، فمركزها في هذه الحالة يقترب من مركز المطالب بالحق المدني[8].
نشير هنا، أن من خصوصيات هذه الدعوى أنه في حالة قيام النيابة العامة وحدها بتحريك المتابعة وصدور الحكم الابتدائي في غياب إدارة الجمارك، فإنه يخول لهذه الأخيرة أن تنتصب كطرف مدني أمام محكمة الاستئناف[9]، أما في حالة ارتكاب المخالفات الجمركية المنصوص عليها والمحددة في الفصول 285 و294 و299 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ، فإن تحريك الدعوى العمومية لا تكون إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة، أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك، بمعنى أن المخالفات الواردة في الفصول أعلاه لا تتولد عنها سوى دعوى جبائية تقيمها وتمارسها إدارة الجمارك دون سواها.
من هنا، فإن إدارة الجمارك ليست إلا مجرد طرف مدني يهدف من خلال الإجراءات التي يقوم بها إلى تحصيل الحقوق والرسوم الجمركية وتطبيق العقوبات الجنائية على المتهم لفائدة الخزينة العامة، بل هي طرف يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى تتمثل في حماية الاقتصاد الوطني والمحافظة على النظام العام ومكافحة التهريب حفاظا على المصلحة العامة ككل، وليس من أجل المصلحة الخاصة لإدارة الجمارك فحسب كطرف خاص[10].
وسواء كانت الدعوى العمومية ناتجة عن جنحة أو مخالفة جمركية ، فإن أي إخلال بالقوانين والأنظمة الجمركية ينتج عنه دعويين، وهو ما أكدته المحكمة العليا الجزائرية في عدة مناسبات، إذ جاء في إحدى قراراتها[11]: “تتولد عن الجرائم الجمركية دعويان : دعوى عمومية تحركها وتباشرها النيابة العامة استنادا إلى نص المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية للمطالبة بالعقوبات المالية والدعويان مستقلتان عن بعضهما البعض”.
[1]- آمال عبد الرحيم عثمان: “شرح قانون الإجراءات الجنائية”، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، الصفحة: 51.
[2]- محمد نجيب حسني : “شرح قانون الإجراءات الجنائية”، دار النهضة العربية، مصر 1982، الصفحة: 62.
[3]- أحمد فتحي سرور: “الوسيط في الإجراءات الجنائية”، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980، الصفحة: 150.
[4]- محمد أحداف: “شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد-الجزء الأول-“، مطبعة وراقة سجلماسة، 2010-2011، الصفحة: 99.
[5]- وهو نفس التوجه الذي يتبناه المشرع الفرنسي الذي اعتبر أن الدعاوى الجمركية المعاقب عليها بالحبس تنفرد بممارستها النيابة العامة.
– حميد الوالي، حميد الوالي: “المنازعات الجمركية بين القواعد الجزائية العامة ومدونة الجمارك”، مقال منشور بالمجلة الإلكترونية لندوات محاكم فاس -عدد خاص بمدونة الجمارك –، العدد: 3، يناير2006، الصفحة: 72.
[6]- الفصل 249/ف 1 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
[7]- محمد الشريف بنخي: “المنازعات الجمركية بالمغرب بين ازدواجية القضاء ووحدة القانون الجمركي”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية ،جامعة محمد الخامس-الرباط-، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية-سلا-، السنة الجامعية 2015-2016، الصفحة: 93.
[8]- راجع: عبد الرزاق بلقسح: عبد الرزاق بلقسح: “عرض حول المنازعات الجمركية الزجرية “، الجزء الثاني، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد: 88، ماي/يونيو 2001، الصفحة: 24.
[9]- أنظر الفصل 258 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
[10]- عادل العلاوي: “تحريك الدعوى العمومية في ضوء المحاضر الجمركية”، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص”، المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس – السويسي-، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الرباط- ، السنة الجامعية: 2010 – 2011، الصفحة: 17.
[11] – قرار رقم: 07307، المؤرخ في 17-04-1984، أوردته:
– بليل سمرة: “المتابعة الجزائية في المواد الجمركية”، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية تخصص قانون جنائي، جامعة الحاج لخضر – باتنة- كلية الحقوق والعلوم السياسية – الجزائر- ،السنة الجامعية 2012-2013، الصفحة: 118.
اترك تعليقاً