حجية الدفاتر التجارية في الإثبات
ندى عبدالحميد الخاير
قانونية – جامعة الملك عبدالعزيز
يستطيع التاجر الاستناد إلى دفاتره التجارية لإثبات ماله من حقوقه كما يستطيع خصم التاجر أن يستند لهذه الدفاتر فثبات ماله من حقوق ضد التاجر، ويعد ذلك استثناء عن القواعد العامة في الإثبات التي تقضي بأن: (لا يجبر الشخص على تقديم دليل ضد نفسه)، و (لا يجوز للشخص اصطناع دليل لنفسه).
وقد اعترف نظام الدفاتر التجارية بدور تلك الدفاتر في الإثبات، وأجاز للجهة القضائية عند نظر الدعوى أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم تقديم الدفاتر التجارية لفحص القيود المتعلقة بالموضوع المتنازع فيه. واستخلاص ما ترى استخلاصه منها. وللجهة القضائية المختصة عند امتناع التاجر عن تقديم دفاتره أن تعتبر امتناعه بمثابة قرينة على صحة الوقائع المراد إثباتها بالدفاتر.
ومن الجدير بالذكر أن القضاء غير ملزم بالأخذ أو الاعتداد بالدفاتر التجارية ولو كانت منتظمة، حيث أعطى الدفاتر التجارية للقاضي سلطة تقديرية في الاعتداد بها كوسيلة من وسائل الإثبات، كما سمح له بممارسة سلطته التقديرية في أن يطلب تقديم الدفاتر واستخلاص ما يرى استخلاصه منها، كما سمح للقاضي بممارسة سلطته التقديرية في قبول أو رفض طلب تقديم الدفاتر التجارية.
أولا: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر:
خروجا على القواعد العامة في الإثبات، والتي تحظر على الشخص أن يصطنع دليلا لنفسه، فقد أجاز المنظم اعتبار الدفاتر التجارية وسيلة إثبات كتابية يمكن للتاجر أن يستند إليها لإثبات حق له في مواجهة الغير، وفي هذه الحالة تختلف حجية الدفاتر بحسب ما إذا كان الإثبات ضد تاجر أم غير تاجر.
(1) حجية الدفاتر التجارية ضد تاجر آخر:
إذا كان الإثبات يتم لمصلحة تاجر ضد تاجر آخر بسبب نزاع يتعلق بعملية تجارية بينها فلا صعوبة بذلك، فيجوز لأي منهما التمسك بدفاتره التجارية تجاه الآخر. وللقاضي المعروض عليه النزاع – بحسب سلطته التقديرية _ أن يستخلص ما يرى من هذه الدفاتر. إلا أنه لكي يعتد بالدفاتر التجارية كوسيلة للإثبات أمام القضاء ضد تاجر آخر، يلزم أن تتوفر الشروط التالية:
1– أن يكون النزاع بين تاجرين أو أكثر.
2- أن يتعلق النزاع بأعمال ترتبط بتجارة الطرفين.
3– أن تكون الدفاتر المحتج بها منتظمة.
فإذا توافرت الشروط السابقة يمكن للقاضي التحقق من صحة البيانات المثبتة بالدفاتر عن طريق مضاهاة ومقارنة دفاتر كل من الخصمين لاستخلاص الحقيقة منهما. وهنا لا يخرج الأمر عن فرضين:
• الفرض الأول: أن تطابق بيانات دفاتر كل منهما. ولا تثير هذه الحالة صعوبة حيث يكون تمسك التاجر ببيانات دفاتره على أساس سليم ومن ثم تصبح حجة في الإثبات،
• الفرض الثاني:
: أن تختلف بيانات دفاتر كل منهما. وفي هذه الحالة إذا كان كانت أحد الدفاتر منتظمة بينما الأخرى غير منتظمة، فتكون الحجية للدفاتر المنتظمة وترجح على الأخرى، أما إذا كانت دفاتر الطرفين منتظمة أو غير منتظمة واختلفت البيانات، فهنا يجوز للقاضي أن يهدر حجية دفاتر كلا الطرفين لانتفاء المرجح بينهما. فإذا كان أحد التاجرين ممسكا للدفاتر بينما الآخر غير ممسكا لدفاتر إما لكونه غير ملزم نظاما، أو لإخلاله بالالتزام بمسك الدفاتر، فهنا يصبح للقاضي سلطة تقدير مدى حجية الدفاتر المقدمة من التاجر ضد خصمه أو اطراحها.
(2) حجية الدفاتر التجارية ضد شخص غير تاجر:
الأصل عدم الاعتداد بحجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر ضد غير التاجر، لتعذر مقابلة القيود الواردة بها لعدم مسك غير التاجر دفاتره التجارية. ومن ثم لا سبيل إلا إعمال القواعد العامة في الإثبات والتي بموجبها لا يجوز للشخص أن ينشئ دليلا بنفسه لمصلحته ضد غيره، مالم يكن هذا الغير تاجرا.
ويذهب البعض من شراح الأنظمة إلى أن ه يجوز للقاضي أن يستمد من دفاتر التاجر قرائن يستخلص منها ما يريده، أو الاعتماد عليها كدليل غير كامل مع توجيه اليمين إل أي من الطرفين.
ثانيا: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد مصلحة التاجر:
الأصل وفقا للقواعد العامة في الإثبات أن ه لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه إلا أن هذا الأصل يمكن الخروج عليه في المعاملات التجارية أو التي باعتبار أنه قام بقيد تلك البيانات بنفسه أو عن طريق وكيله أو أحد تابعيه. ومن ثم يعتبر ذلك بمثابة إقرار كتابي صادر من جانبه، وفي هذه الحالة يجوز التمسك بهذه الدفاتر حتى وإن كانت ضد مصلحة التاجر.
ولا يشترط لاعتبار الدفاتر التجارية دليل ضد التاجر أن تكون هذه الدفاتر منتظمة، فالدفاتر غير المنتظمة هي حجة ضدصاحبها، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إفادة المهمل من إهماله والمقصر من تقصيره.
ومن الجدير بالذكر أن الدفاتر التجارية تشكل إقرارا كتابيا،لذلك فيأخذ بالدفتر كله استنادا إلى عدم جواز تجزئة الإقرار،وترتيبا على ذلك لا يجوز للخصم أن يأخذ بجزء من البيانات الواردة بالدفاتر ويترك جزءا (أي يأخذ ما يفيده في قضية ويترك أي جزء آخر قد يكون في غير مصلحته)، فإذا أثبت تاجر في دفتر اليومية أنه اشترى بضاعة بثمن تم سداده في الحال، فلا يجوز الأخذ بواقعة الشراء واستبعاد واقعة الوفاء بالثمن.
ومن الجدير بالذكر أن حجية الدفاتر التجارية في الإثبات،ليست حجية مطلقة بحيث يجوز للتاجر أن يثبت بكافة طرق الإثبات عكس ما ورد في دفاتره من بيانات كما في حالة أن يثبت في الدفاتر أنه قام بشراء بضاعة بثمن مؤجل، ولم يرد بالدفاتر ما يفيد السداد، بينما تبين في الواقع أن التاجر أوفى بقيمة البضاعة من خلال شيك مصرفي مصدق، ولم يدون في دفاتره التجارية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً