قانون الكسب غير المشروع، أو قانون من أين لك هذا؟
هل من الممكن إصداره؟
أ.د. فيــاض القضـــاة
عضو مجلس هيئة مكافحة الفساد
ظهر على السطح أثناء مناقشات مجلس النواب لبيان طلب الثقة المقدم من الحكومة الحديث عن إمكانية تقديم الحكومة لمشروع قانون “الكسب أو الإثراء غير المشروع Unjust Enrichment” والمعروف بقانون “من أين لك هذا؟” أو “من أين لكل كل هذا؟”. وتبين ذلك من إقتراح دولة الرئيس هذا الأمر وإشارته بان هناك جهات لا تؤيد إصداره فهمت من قبل مجموعة من النواب بانها هي المقصودة بذلك. وقد رد النواب بتوقيع مذكرة من عدد منهم موجهه الى الرئيس تطلب تقديم مشروع بهذا الخصوص يكفي عددهم في حال تمسكهم بموقفهم الى سن هذا القانون. والأهم من وجود النية سواء من قبل الحكومة أو من قبل النواب على سن مثل هذا القانون بيان محتويات هذا القانون وإلاجراءات التنفيذية له وعدم وجود شبه دستورية تمنع سنه بالطريقة التي يتداولها المجتمع.
الحاجة الى القانون:
تظهر الحاجة الى سن مثل هذا التشريع لدعم جهود مكافحة الفساد وبالذات في مكافحة جرائم الاعتداء على المال العام ومنها تلك المتعلقة بإستثمار الوظيفة العامة للحصول على كسب غير مشروع خاصة لما لها من آثار سلبيه وخيمة على الاقتصاد الوطني. فهذه الجرائم هي جرائم ذات طابع خاص مختلف عن الجرائم التقليدية سواء من حيث مرتكبيها أو الضرر الناجم عنها. فمرتكبي هذه الجرائم يتمتعون بمستوى ثقافي وعلمي وخبره فى مجال عملهم تمكنهم من إرتكاب تلك الجريمة وإخفاء معالمها عن الأجهزة الرقابية. كما أن حجم الضرر الناتج عنها يقع بصفة مباشرة على المال العام مما يؤدي إلى إضعاف كيان ومقومات الإقتصاد الوطني. ولذلك لا بد من إيجاد آلية وإجراءات معينة تسهل عملية إكتشاف وإثبات تلك الجرائم وتؤدي الى تسهيل عمليات إسترداد الأموال المتحصلة عنها.
تجارب الدولة المجاورة:
لقد سبقت دول كمصر وسوريا وفلسطين الأردن في سن قوانين في هذا المجال. ففي مصر صدر قانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 وفي سوريا صدر قانون الكسب غير المشروع رقم 64 لسنة 1958 وفي فلسطين صدر قانون الكسب غير المشروع رقم 1 لسنة 2005. ففي القانون المصري يعد كسباً غير مشروع “كل مال حصل عليه أحد الخاضعين لأحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب إستغلال الخدمة أو الصفة أو نتيجة لسلوك مخالف لنص قانوني عقابي أو للآداب العامة”. وقد عاقب قانون الكسب غير المشروع المصري في المادة (18) “كل من يحصل لنفسه أو لغيره على كسب غير مشروع بالسجن[1] وبغرامه مساوية لقيمة الكسب غير المشروع”. ووفقا للقانون السوري فانه “يعد كسباً غير مشروع كل مال حصل عليه أي شخص من المذكورين في المادة الأولى بسبب استغلال أعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه وكل زيادة يعجز مقدم الإقرار عن إثبات مصدرها تعتبر كسبا غير مشروع”. كما و”يعد كسباً غير مشروع كل مال حصل عليه أي شخص طبيعي أو اعتباري عن طريق التواطؤ مع أي شخص ممن ذكروا في المادة الأولى على استغلال وظيفته أو مركزه” .أما في القانون الفلسطيني فان الكسب غير المشروع هو “كل مال حصل عليه أحد الخاضعين لأحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب استغلال الوظيفة أو الصفة أو نتيجة لسلوك مخالف لنص قانوني أو للآداب العامة أو بأية طريقة غير مشروعة وإن لم تشكل جرما ويعتبر كسبا غير مشروع كل زيادة في الثروة تطرأ بعد تولي الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو على زوجه أو على أولاده القصر متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها. ويدخل في حكم الكسب غير المشروع ايضا “كل مال حصل عليه أي شخص طبيعي أو اعتباري عن طريق تواطؤ مع أي شخص من الخاضعين لهذا القانون على استغلال وظيفته أو صفته”.
وقد اتفقت هذه التشريعات على إعتبار جريمة الكسب غير المشروع جناية تستوجب عقوبة الاشغال الشاقة إضافة الى الحكم برد قيمة المبلغ المتحصل عن فعل الكسب غير المشروع مع فرض غرامة مساوية له ايضا في بعض التشريعات.
ويغطي نطاق هذه القوانين في العادة رئيس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس الأمة والقضاة وموظفو الدرجات العليا في الدولة والموظفون العامون ورئيس وأعضاء مجالس الشركات المساهمة العامة على أن يطلب منهم إشهار ذمتهم المالية مسبقا وعند توليهم لوظائفهم. ويغطي في القانون الفلسطيني رئيس السلطة الوطنية ونوابه ومستشاريه.
الحالـة الأردنيـة:
لا يوجد قانون خاص في الاردن يتعلق بتجريم الكسب غير المشروع بنفس الطريقة المعمول بها في الدول العربية حيث تم إختزال مشاريع القوانين المتعددة بهذا الخصوص في قانون إشهار الذمة المالية رقم 54 لسنة 2006. وقد ركز هذا القانون على إجراءات إشهار الذمة المالية أكثر من تركيزه على معاقبة فعل الإثراء او الكسب غير المشروع. ومع أن هذا القانون قد عاقب على فعل الإثراء غير المشروع إلا أن إجراءات تقديم الشكوى وإثباتها ووسيلة الحصول على المعلومات المقدمة في ملف إشهار الذمة المالية قد حالت دون إيجاد أي فعالية تذكر لهذا القانون. فوفقا لهذا القانون تنشأ دائرة في وزارة العدل تسمى “دائرة إشهار الذمة المالية” يراسها قاضي تمييز يسميه المجلس القضائي. وتختص الدائرة بتلقى اقرارات الذمة المالية الخاصة بمن تسري عليهم احكام هذا القانون واي بيانات وايضاحات واخبارات متعلقة بها. وتسري احكام هذا القانون على رئيس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب واعضاء المجلسين والقضاة ورئيس مجالس المفوضين واعضائها ورؤساء المؤسسات الرسمية العامة المدنية والعسكرية ومديريها وموظفي الفئة العليا ومن يماثلهم في الرتبة والراتب في الدوائر والمؤسسات الرسمية العامة والسفراء وامين عمان واعضاء مجلس امانة عمان ورؤساء واعضاء البلديات الكبرى ورؤساء واعضاء لجان العطاءات المركزية والعطاءات الخاصة المدنية والعسكرية ولجان العطاءات والمشتريات في الدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية العامة والبلديات ورؤساء مجالس ادارات الشركات التي تساهم بها الحكومة باكثر من (50%) وعموما شاغل اي وظيفة يقرر مجلس الوزراء سريان احكام هذا القانون عليه.
ويلتزم كل من هؤلاء الاشخاص بتقديم اقرار في مغلف (ظرف) عن ذمته المالية وذمة زوجه واولاده القصر خلال ثلاثة اشهر من تاريخ تزويده بالنماذج المعتمدة من الدائرة والتي تحدد المعلومات المطلوبة لهذه الغاية. ويجب تقديم هذا الاقرار بصورة دورية خلال شهر كانون الثاني الذي يلي انقضاء سنتين على تقديم الاقرار السابق وذلك طيلة مدة خضوع الشخص لاحكام قانون إشهار الذمة المالية وعند تركه الوظيفة او زوال الصفة عنه، على ان تتضمن هذه الاقرارات مصدر الزيادة في الذمة المالية اضافة الى البيانات المطلوبة اصلا. وتحتفظ الدائرة بهذا الظرف مغلقا كما ورد اليها ويعامل بسرية ويحظر فتحه الا في حال تلقي الدائرة شكوى تتعلق بمقدم الاقرار معززة بالبيانات والايضاحات والوثائق اللازمة على ان يتم فتحه من قبل رئيس محكمة التمييز الذي يقوم بدراسة الشكوى فاذا ثبت له جديتها يقوم باحالة الشكوى مع اقرارات الذمة المالية الى هيئة من هيئات فحص اقرارات الذمة المالية المشكلة بموجب القانون من قبله من قاض من قضاة محكمة التمييز رئيسا وعضوية قاضيين من الدرجة الخاصة لتقوم هذه الهيئة بتدقيق الشكوى واتخاذ الاجراءات اللازمة بشأنها. ولهذه الهيئة الحق بطلب البيانات والايضاحات والوثائق من مقدم الاقرار او من اي جهة اخرى وذلك على الرغم مما ورد في اي قانون اخر.
ووفقا لأحكام قانون إشهار الذمة المالية يعد “إثراء غير مشروع” “كل مال، منقول او غير منقول، أو منفعة او حق منفعة يحصل عليه اي شخص تسري عليه احكام هذا القانون، لنفسه او لغيره، بسبب استغلال الوظيفة او الصفة، واذا طرأت زيادة على ماله او على مال اولاده القصر بعد توليه الوظيفة او قيام الصفة وكانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز هذا الشخص عن اثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة فتعتبر ناتجة من استغلال الوظيفة او الصفة”. وقد أجاز القانون لهيئة فحص إقرارات الذمة المالية إذا تبين لها “أن زيادة قد طرأت على ثروة من قامت بفحص اقرارات ذمته المالية او على ثروة اولاده القصر وكانت هذه الزيادة لا تتناسب مع مواردهم المالية” الحق بالطلب من مقدم الاقرار “تقديم البيانات والايضاحات اللازمة لبيان اسباب هذه الزيادة ومصدرها”. واذا تبين للهيئة وجود دليل كاف على اثراء غير مشروع “فعليها ان تحيل الاوراق ونتائج فحصها وتدقيقها الى الجهات المختصة بالتحقيق والمحاكمة”. واذا رأت ان الادلة غير كافية تصدر قرارا بعدم وجود سبب لإقامة الدعوى. وكإجراء إحترازي وقائي فللهيئة القضائية إذا وجدت أثناء تفحصها لإقرارات الذمة المالية وتدقيقها، ادلة واضحة على اثراء غير مشروع الحق بأن “تأمر بمنع الشخص المعني من التصرف بأمواله واموال اولاده القصر، كلها او بعضها”. ولها الحق باتخاذ الاجراءات التحفظية لتنفيذ الامر. وإذا لم تتم احالة الاوراق الى الجهات المختصة بالتحقيق والمحاكمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور هذا الامر يعتبر قرارها ملغى حكما. ويجوز لمن صدر ضده قرار المنع من التصرف، الاعتراض على ذلك لدى الهيئة ولها العدول عن تنفيذ الامر او تعديله، وفي حالة رفض الاعتراض يجوز للمتضرر الطعن بقرار الهيئة لدى محكمة العدل العليا.
ووفقا للمادة (11/أ) من قانون إشهار الذمة المالية “يعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة كل من حصل على اثراء غير مشروع، لنفسه او لغيره، وبغرامة تعادل مقدار ذلك الاثراء ورد مثله”. وعلى المحكمة المختصة وفقا للفقرة (ب) من نفس المادة “أن تحكم على الغير الذي استفاد من الاثراء غير المشروع بالرد من امواله الى خزينة الدولة بقدر ما استفاد”. ولا يمنع سقوط الدعوى بالوفاة من الحكم برد الاثراء غير المشروع وذلك خلال سنتين من تاريخ الوفاة. وعلى الرغم مما ورد في اي قانون اخر، تسقط دعوى الاثراء غير المشروع سندا للمادة (10) من القانون بانقضاء خمس سنوات من تاريخ انتهاء وظيفة او صفة من يخضع لاحكام هذا القانون ما لم يكن التحقيق بشأنها قد بدأ قبل ذلك التاريخ. ووفقا للمادة (14) من القانون “يعفى كل من الشريك والمتدخل في جريمة الاثراء غير المشروع من العقوبة اذا باح بالامر الى الجهات المختصة او اعترف بما وصل اليه من اثراء غير مشروع او بما قام به من افعال قبل احالة القضية الى المحكمة ولا يخل ذلك بوجوب الحكم بالرد”.
وللتأكيد على تقديم اقرارات الذمة المالية من قبل الاشخاص الملتزمين بتقديمها وفي المواعيد المحددة قررت المادة (12) من القانون معاقبة كل شخص ملزم بتقديم إقرار الذمة المالية بالحبس أو بالغرامة أو بكلتا هاتين العقوبتين “إذا تخلف دون عذر مشروع عن تقديم إقرارات الذمة المالية رغم تبليغه بذلك”. كما قررت المادة (13) من القانون المعاقبة بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات لكل من “قدم عمدا بيانات غير صحيحة في اقرارات الذمة المالية” أو “قدم اخبارا كاذبا عن اثراء غير مشروع بقصد الاساءة للغير ولو لم يترتب على الاخبار اقامة الدعوى”.
عدم تفعيل النصوص أم عدم كفايتها؟
من الواضح بان قانون إشهار الذمة المالية قد نص على تجريم “الإثراء غير المشروع” على حساب المنصب الوظيفي أو الصفة الوظيفية ومع ذلك لم يلاحق لغاية الآن أي شخص من الاشخاص الخاضعين لنطاق تطبيق هذا القانون بهذه الجريمة. والسؤال الذي يثور هو لماذا؟
من الواضح بان المتطلبات الشكلية لتفعيل نص التجريم المشار اليه هي متطلبات صعبة التحقيق. فلا بد أولا من تقديم نموذج إقرار الذمة المالية والذي لوحظ بأن العديد من رجالات الصف الأول في الدولة لا يقدمونه بالرغم من وجود عقوبة على عدم تقديمه خلال مدة معينة لم يتم تفعيلها. ولذلك لا بد أولا من تفعيل نص المادة (12) من القانون التي تعاقب كل من يتخلف عن تقديم نموذج إقرار الذمة المالية بالحبس أو بالغرامة أو بكلتا العقوبتين. كذلك فان القانون وعلى فرض ان المكلف بتقديم الاقرار قد قام بتقديمه فأنه يقدم بمغلف مغلق وسري لا يجوز لمدير دائرة إشهار الذمة المالية أو موظفي الدائرة فتح المغلف أو الاطلاع على محتوياته تحت طائلة المسؤولية الجزائية. وبالتالي فليس هناك وسيلة للتأكد من صحة المعلومات المقدمة بالرغم من أن القانون يعاقب كل من قدم عمدا بيانات غير صحيحة في اقرارات الذمة المالية بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات. وأخيرا فان القانون لا يجيز فتح المغلف الذي يحتوي إقرار الذمة المالية إلا بناء شكوى تقدم الى دائرة إشهار الذمة المالية تتعلق بمقدم الاقرار وعلى أن تكون هذه الشكوى معززة بالبيانات والايضاحات والوثائق اللازمة. وفي هذه الحالة تحيل الدائرة هذه الشكوى الى رئيس محكمة التمييز ليقوم بدراستها فاذا ثبت له جديتها يقوم باحالة الشكوى مع اقرارات الذمة المالية الى هيئة قضائية من هيئات فحص اقرارات الذمة المالية المشكلة من قبله لتدقيقها واتخاذ الاجراءات اللازمة بشأنها. ويحق للهيئة القضائية طلب البيانات والايضاحات والوثائق من مقدم الاقرار او من اي جهة اخرى وذلك على الرغم مما ورد في اي قانون اخر. وسندا للمادة (8) من القانون فانه اذا تبين للهيئة ان زيادة قد طرأت على ثروة من قامت بفحص اقرارات ذمته المالية او على ثروة اولاده القصر وكانت هذه الزيادة لا تتناسب مع مواردهم المالية فعليها الطلب منه تقديم البيانات والايضاحات اللازمة لبيان اسباب هذه الزيادة ومصدرها. واذا وجدت هذه الهيئة دليل كاف على اثراء غير مشروع توجب عليها إحالة أوراق التحقيق ونتائج فحصها وتدقيقها الى الجهات المختصة بالتحقيق والمحاكمة. أما اذا اذا وجدت أن الادلة غير كافيه فلها أن تصدر قرارا بعدم وجود سبب للإستمرار بالشكوى.
ولم يبين القانون من له صلاحية تقديم شكوى الى دائرة إشهار الذمة المالية وفيما اذا كانت تشمل المواطن العادي ام لا خاصة وأن المادة (13) من القانون تعاقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات كل من “قدم اخبارا كاذبا عن اثراء غير مشروع بقصد الاساءة للغير ولو لم يترتب على الاخبار اقامة الدعوى”. ويفترض ان للجهات الرقابية مصلحة في الكشف عما اذا كان شخص ما قد اثرى على حساب الوظيفة العامة ام لا كهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة. وفي هذه الحالة الأخيرة لا يمكن تصور إنطباق المادة (13) لانها تنطبق على الشخص الطبيعي وليس الشخص المعنوي. ويمكن القول ايضا بان هذه الجريمة هي جريمة قصدية حيث ورد فيها النص على ان تقديم الاقرار يجب ان يكون “بقصد الاساءة للغير” ليتم تطبيق العقوبة.
ما هو المطلوب:
لتفعيل تطبيق جريمة الاثراء أو الكسب غير المشروع المنصوص عليها في قانون إشهار الذمة المالية لا بد من إجراء التعديلات التالية:
1- إشتراط تقديم إقرار الذمة المالية قبل مباشرة العمل وربط مباشرة العمل او الصفة بتقديم الاقرار. كذلك الزام الخاضع للقانون بتقديم إقرار آخر عند تركه العمل أو المنصب وإعتبار ذلك جزء من متطلبات براءة الذمة المطلوبة لغايات الحصول على مستحقاته الوظيفية.
2- الزام مقدم الاقرار بارفاق البينات القانونية مع إقرار الذمة المالية التي تعزز إقراره بوجود ملكية معينة وليس مجرد ذكرها. فمثلا اذا ذكر مقدم الاقرار بانه يملك قطعة أرض فعليه تقديم سجل أموال غير منقوله من دائرة الاراضي والمساحة، واذا ذكر بان له رصيد لدى أحد البنوك بمليون دينار فعليه تقديم كشف حساب وهكذا على أن تعامل هذه المعلومات بسرية وضمن الظرف المغلف المغلق. وسيساعد هذا المتطلب لاحقا بكشف صحة المعلومة في حالة قدمت شكوى ضد مقدم الاقرار وتم فتح الظرف حتى ولو لم يتم تدقيق هذه المعلومات عند تقديمها بالرغم من أن بعض الدول تتطلب تدقيقها أو التصريح علنا عنها. وإعتبار اي ادعاء بوجود ملكية غير معزز بإثبات قانوني كأن لم يكن.
3- السماح للجهات الرقابية كهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة بالإطلاع على إقرارات الذمة المالية دون المرور بالمتطلب الشكلي المنصوص عليه في القانون شريطة أن يكون ذلك من قبل الضابطة العدلية وفي قضية تحقيقية ضد مقدم الاقرار خاصة وأن هذه الجهات ملزمة بالمحافظة على سرية المعلومات المقدمة في التحقيق تحت طائلة المسؤولية الجزائية وإعطائها الحق بالتحقيق مع مقدم الاقرار حول أي زيادة تطرأ على ثروته بعد تسلمه الوظيفة أو المنصب وعلى أن تقارن مع إقرار آخر يقدمه عند خروجه من الوظيفة أو المنصب.
4- لقد جاءت المادة (8) من القانون قاصرة في نقل عبء اثبات أن الاثراء كان مشروعا وأنه لم يكن ناتجا عن الوظيفة أو بسببها الى مقدم الاقرار حيث انها منحت الهيئة القضائية صلاحية الطلب من مقدم الاقرار “تقديم البيانات والايضاحات” لبيان اسباب الزيادة في ثروته ومصادرها ولكنها لم تنص صراحة على انه في حال عجزه عن تقديم ما يثبت أن الزيادة في الثروة أثناء تولية الوظيفة أو المنصب لم تكن ناتجة عن وظيفته أو صفته أو بسببهما بل أنها ناتجة عن اسباب مشروعة كالارث مثلا يؤدي الى إعتباره مرتكبا لجرم الاثراء بلا سبب بالرغم من ان تعريف الاثراء غير المشروع في القانون قد اشار الى أن أي زيادة في الثروة يعجز مقدم الاقرار عن اثبات مشروعيتها تعتبر إثراء غير مشروع.
5- إعتبار جريمة “الاثراء غير المشروع” من جرائم الفساد التي تختص هيئة مكافحة الفساد بالتحقيق فيها.
الشبهه الدستورية:
يمكن القول بان جريمة الاثراء أو الكسب غير المشروع هي جريمة معروفة في معظم التشريعات العالمية ومنذ مدة طويله. فالقانون المصري مثلا عرف هذه الجريمة في القانون رقم 193 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 35 لسنة 1952 وبعد ذلك بالقانون رقم 191 لسنة 1952 وأخيرا بقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 والمستمدة في معظمها من القانون الفرنسي الصادر في 6 يناير من عام 1945. أما في سوريا فقد صدر لديها قانون الكسب غير المشروع رقم 64 في عام 1958.
وجريمة الاثراء أو الكسب غير المشروع هي في حقيقتها صورة من صور الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة المنظمة بالمواد (170 – 177 و182 و183) من قانون العقوبات وبالذات جرائم الاختلاس واستثمار الوظيفة والرشوة وإساءة استعمال السلطة. ولكن الفرق بين هذه الجرائم وجريمة الكسب غير المشروع أو الاثراء غير المشروع هو في طريقة الاثبات وليس في كيفية تحقق الكسب غير المشروع. فالكسب أو الاثراء غير المشروع او الزيادة في الثروة ستتحقق للموظف او لمن هو خاضع لنطاق القانون من خلال إستغلاله لوظيفته او لمنصبه. ففي جميع هذه الجرائم فإن عبء إثبات تحقق أركان الجريمة وإرتكابها من قبل المتهم يكون على النيابة العامة أستنادا الى قرينة البراءة المفترضة في القانون الجزائي. فوفقا للمادة (147/1) من قانون اصول المحاكمات الجزائية فإن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”. وإذا لم تقم البينة على الواقعة المنسوبة الى المتهم من قبل النيابة العامة فإن على القاضي وسندا للفقرة (4) من المادة (147) من قانون اصول المحاكمات الجزائية أن “يقرر براءة المتهم أو الظنين أو المشتكى عليه من الجريمة المسندة اليه”. وقرينة البراءة مصانة بنص دستوري حيث تنص المادة (101) من الدستور الاردني بأن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي”.
ولذلك فان هناك شبهه دستورية في النص القانوني الذي يجعل من الموظف مسؤولا جزائيا عن اي زيادة في ثروته اذا لم يثبت مشروعية هذه الزيادة حيث ان مثل هذا النص يهدم قرينة البراءة ويقلب عبء إثبات أن الزيادة في الثروة اثناء تولي الوظيفة العامة قد تحققت بفعل جرمي من عاتق النيابة العامة الى المتهم أو الظنين. فالحكم بالادانة في القضايا الجزائية مرتبط بمبدأ وجود ومشروعية الدليل والقول بغير ذلك يؤدي الى مخالفة الأصل الدستوري المقرر في المادة (101) من الدستور الاردني والتي كانت من ضمن التعديلات الدستورية الأخيرة (تعديل عام 2011). لذلك لا يجوز دحض قرينة البراءة تلك دون قيام النيابة العامة بتقديم الادلة الكافية التي يجب ان تبلغ قوتها الاقناعية درجة الجزم واليقين بحيث يتم إثبات كل واقعة ضرورية لقيام كل ركن من أركان الجريمة وبغير ذلك فلا ينهدم اصل البراءة الذي يعد في الدستور الاردني من أهم الركائز التي يستند اليها حق المواطن في الحصول على محاكمة عادلة ومنصفة حيث أن إفتراض التجريم يمس اصل وجوهر هذا الحق. والنص الموجود في قانون إشهار الذمة المالية لم يصل الى هذه الدرجة حيث انه قد نص صراحة على انه “اذا تبين للهيئة وجود دليل كاف على اثراء غير مشروع فعليها ان تحيل الاوراق ونتائج فحصها وتدقيقها الى الجهات المختصة بالتحقيق والمحاكمة”. فالنص لم يقضي مثلا بانه اذا لم يقدم المتهم دليلا على مشروعية الزيادة في الثروة تعتبر هذه الزيادة إثراءا غير مشروع بالرغم من الاشارة الى ذلك في تعريف الاثراء غير المشروع. ولذلك وفي ضوء موجود شك في هذا الأمر فان عبء إثبات الاثراء غير المشروع يقع على النيابة العامة.
وتاليا إيجاز للنصوص القانونية المقارنة ومنها القانون المصري والقانون السوري والقانون الفلسطيني.
فالمادة (3) من قانون الكسب غير المشروع السوري تنص على ما يلي:
“يعد كسباً غير مشروع كل مال حصل عليه أي شخص من المذكورين في المادة الأولى بسبب استغلال أعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو مركزه، وكل زيادة يعجز مقدم الإقرار عن إثبات مصدرها تعتبر كسبا غير مشروع” .
والمادة (2/2) من قانون الكسب غير المشروع المصري تنص على ما يلي:
“وتعتبر ناتجة بسبب استغلال الخدمة أو الصفة أوالسلوك المخالف كل زيادة فى الثروة تطرأ بعد تولى الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو على زوجته أو أولاده القصر متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها”.
والمادة (1) من قانون الكسب غير المشروع الفلسطيني تنص على ما يلي:
“الكسب غير المشروع: كل مال حصل عليه أحد الخاضعين لأحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب استغلال الوظيفة أو الصفة أو نتيجة لسلوك مخالف لنص قانوني أو للآداب العامة أو بأية طريقة غير مشروعة وإن لم تشكل جرما ويعتبر كسبا غير مشروع كل زيادة في الثروة تطرأ بعد تولي الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو على زوجه أو على أولاده القصر متى كانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها.
ويدخل في حكم الكسب غير المشروع كل مال حصل عليه أي شخص طبيعي أو اعتباري عن طريق تواطؤ مع أي شخص من الخاضعين لهذا القانون على استغلال وظيفته أو صفته”.
ولذلك فإن هذه التشريعات جميعها قد اقامت قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع بسبب استغلال الخدمة إذا طرأت زيادة فى ثروة الخاضع لا تتناسب مع موارده متى عجز عن إثبات مصدر مشروع لها. اي ان هذه النصوص قد نقلت الى المتهم عبء إثبات براءته.
وقد عرفت المادة (6) من قانون إشهار الذمة المالية الاردني “الإثراء غير المشروع” بأنه:
“كل مال، منقول او غير منقول، منفعة او حق منفعة يحصل عليه اي شخص تسري عليه احكام هذا القانون، لنفسه او لغيره، بسبب استغلال الوظيفة او الصفة، واذا طرأت زيادة على ماله او على مال اولاده القصر بعد توليه الوظيفة او قيام الصفة وكانت لا تتناسب مع مواردهم وعجز هذا الشخص عن اثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة فتعتبر ناتجة من استغلال الوظيفة او الصفة”.
وإذا أخذنا بهذا النص وتجاهلنا الفقرة الثانية من المادة (8) من القانون التي نصت على انه “واذا تبين للهيئة وجود دليل كاف على اثراء غير مشروع فعليها ان تحيل الاوراق ونتائج فحصها وتدقيقها الى الجهات المختصة بالتحقيق والمحاكمة”، اي اذا تجاهلنا القول بان هذه الفقرة تتطلب تقديم “دليل كاف” على واقعة الاثراء غير المشروع، فاننا سنصل الى وجود تشابه لا بل تطابق بين القانون الاردني والقوانين المقارنة المشار اليها. وهذا يعني ان القانون الاردني قد أخذ أيضا بنفس التوجه بهدم قرينة البراءة خلافا للنص الدستوري في المادة (101) لأنه يعتبر عجز الشخص عن إثبات مشروعية الزيادة في دخله كافيا لأعتبار هذه الزيادة “اثراء غير مشروع”. أما وجهة النظر الأخرى التي يمكن الأخذ بها للخروج من هذه الشبهه الدستورية فهي القول بان القانون قد أفترض قرينة مفادها أن اي زيادة غير معقولة في ثروة الموظف العام أو من في حكمه لا تتناسب مع دخله تعد إثراء غير مشروع وأن هذا النص يتعلق فقط بايجاد قرينه قانونية يجوز دحضها وهو ليس قلبا لعبء الاثبات. وهذه الطريقة في الإثبات يجيزها القانون خاصة وأن القاضي الجزائي له حرية مطلقة في تقدير الدليل. وعليه فان هذا النص لا يكون مخالفا للدستور لأن القانون نفسه أعتبر هذه القرينة دليلا كافيا لإثبات ارتكاب جرم “الاثراء غير المشروع”. وبالطبع فان هذه القرينة تتطلب من النيابة العامة تقديم الدليل على وجود زيادة كبيرة غير معقولة في دخل الموظف أو من في حكمه لا تتناسب مع دخله الوظيفي المعروف للنيابة.
وفي التطبيقات القضائية المقارنة (ولعدم وجود تطبيقات قضائية أردني بهذا الخصوص) فاننا نجد بان محكمة النقض المصرية/الدائرة الجنائية قد قررت بتاريخ 28/4/2004 وفي القضية رقم (30342) نقض الحكم الصادر من محكمة جنايات الجيزة رقم 4836 لسنة 1989 العجوزة (والمقيدة بالجدول الكلى برقم 616 لسنة 1989 الجيزة ) المتضمن موضوعها إتهام المحافظ الأسبق لمحافظة الجيزة عبدالحميد حسن ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة (وآخرين) بالكسب غير المشروع وتضخم ثروته بقيمة بلغت 556 ألف جنيه و22 ألف دولار أمريكى و798 حيث اصدرت المحكمة حكما يقضي ببرائته من هذه التهم استناداً إلى الثغرة القانونية فى المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع المصري السابق الاشاره اليه بالقول بعدم دستورية هذه المادة لمخالفتها لنص المادة (67) من الدستور المصري التي تنص على أن “المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه “. حيث وجدت محكمة النقض في أن هذا النص الدستوري يؤكد قرينة البراءة بأن الأصل فى المتهم البراءة وأن إثبات التهمة قبله يقع على عاتق النيابة العامة التي عليها وحدها عبء تقديم الدليل علي ارتكاب المتهم للجريمة حيث لا يملك المشرع نقل عبء الإثبات الى المتهم خلافا لهذا النص الدستوري والذي تم تأييده من قبل المشرع نفسه في قوانين الاجراءات الجنائية.
وقد ورد في قرار محكم النقض المصرية بأنه “ولمّا كان الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول لعجزه عن إثبات مصدر مشروع لما طرأ على ثروته من زيادة لا تتناسب مع موارده يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون لأنه قام على افتراض ارتكاب المتهم للفعل المؤثم وهو الكسب غيرالمشروع لمجرد عجزه عن إثبات مصدر الزيادة فى ثروته وكان الحكم المطعون فيه إذ دان المتهم بناء على هذا الافتراض الظني وقلب عبء الإثبات مستندا إلى دليل غير مشروع وقرينته فاسدة تناقض الثوابت الدستورية التى تقضى بافتراض أصل البراءة ووجوب بناء الحكم بالإدانة على الجزم واليقين لا على الافتراض والتخمين فإنه يكون مستوجبا للنقض ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه وإعلان براءة الطاعن الأول مما أسند إليه”.
وبالرغم من أن هذا الحكم قد صدر من محكمة النقض المصرية وليس من المحكمة الدستورية العليا في مصر (صاحبة الصلاحية في البت بدستورية القوانين) -وبالتالي فهو لم يهدم القانون نفسه باعتباره غير دستوري- إلا أن ما ورد فيه من تفاصيل تستوجب التوقف عندها وقد تأخذ بها المحكمة الدستورية فيما لو عرض الأمر عليها. فمحكمة النقض وهي تتعرض لدستورية نص ما يقتصر دورها (كمحكمة التمييز في الاردن) على مجرد الامتناع عن تطبيق التشريع الأدنى (القانون) المخالف للتشريع الأعلى (الدستور) دون أن تملك إلغائه أو القضاء بعدم دستوريته. وحجية الحكم فى هذه الحالة نسبية قاصرة على أطراف النزاع دون غيرهم. ومع ذلك فيجب أخذ الأمر بعين الاعتبار فيما لو تم مناقشة مشروع قانون أردني بهذا الخصوص يعتمد مبدأ من اين لك هذا لأن مثل هذا القانون يتطلب قلب عبء الاثبات ليصبح على عاتق المتهم وليس على النيابة العامة مما يحتمل بان تحكم المحكمة الدستورية بعدم دستوريته بالرغم من ضرورة ذلك للكشف عن قضايا الاثراء غير المشروع وهي من أهم قضايا الفساد في العالم الثالث والتي غالبا ما يصعب على النيابة العامة إثباتها بالنظر الى طبيعتها وهوية أطرافها ومراكزهم الوظيفية وقدراتهم على إستثمار الثغرات القانونية.
اترك تعليقاً