الدولة كطرف في التنفيذ:
توجد قاعدة أساسية في كل مجتمع منظم تقضى بأنه لا يجوزان يقضى المرء حقه بيده. وهذه القاعدة تلزم كل صاحب حق بأن يلجأ إلى الدولة لكى تقتضى له حقه من خصمه.
فهو (أولاً) لا ينتصب لنفسه بل يجب أن يعرض على القضاء خصومته ليحصل على حكم بفض المنازعة ويقرر حقه ويلزم غريمه بأداء ذلك الحق اليه.
وهو (ثانيا) لا ينفذ ذلك الحكم بنفسه مباشرة بل بواسطة عمال التنفيذ المكلفين بذلك من قبل الدولة.
فالمرء اذن لابد أن يلجأ إلى الدولة في مرحلة التقاضي وفى مرحلة التنفيذ، ولئن جاز في مرحلة التقاضي الاحتكام إلى أي فرد عادى، والتجاوز بذلك عن الالتجاء إلى المحاكم، الا أنه في مرحلة التنفيذ لا يجوز مطلقا التغاضي عن الالتجاء إلى السلطة العامة، والاستعاضة عن رجالها بقوم آخرين، الا إذا تم التنفيذ اختيارياً. وفى مرحلة التقاضي، نجد أن الذى يقوم بمهمة الفصل في الخصومات هو السلطة القضائية. وهى احدى سلطات الدول الثلاث. ولها استقلالها وحصانتها وضماناتها.
أما في مرحلة التنفيذ، فان الذى يقوم باقتضاء الحق لصاحبه من خصومه، هو السلطة التنفيذية، لأن الحق قد تقرر، والنزاع قد انتهى، فلم يبق الا القيام بالأعمال المادية التي تؤدى إلى اقتضاء الحق لصاحبه عمليا، وهذه المهمة تنفيذية محضة فلا مناص من اسنادها إلى السلطة التنفيذية. الا أنه نظرا لأن مرحلة التنفيذ هى التكملة الضرورية لمرحلة التقاضي وتعتبر امتدادا لها أو فرعا منها – فان الذهن يتجه بالضرورة إلى جعل هذه المهمة خاضعة لإشراف القضاء ورقابته. هذا بالإضافة إلى أن اجراءات التنفيذ قد تثير منازعات يقتضى الأمر عرضها على القضاء لفضها. فمرحلة التنفيذ اذن ليست منفصلة تماما عن مرحلة التقاضي السابقة عليها بل أن المدعى لا يعتبر نفسه قد ظفر بحقه أو انتصر بمجرد حصوله على حكم لصالحه وانما يتحقق ذلك في نظره عندما يتم تنفيذ الحكم. فالتنفيذ إذن مرحلة – وان كانت لاحقة لمرحلة التقاضي الا أنها مكملة لها ومتصلة بها بالضرورة.
ولهذا فكر البعض في اسناد أعمال التنفيذ إلى القضاة أنفسهم على اعتبار أن التنفيذ عمل قضائي، أو يوصف بأنه (تنفيذ قضائي) – ولكن هذه فكرة خاطئة لأنها تصطدم بطبيعة العمل نفسه([14]) فالتنفيذ علم ادارى. قد يثير منازعات قضائية ولكن ذلك لا ينفى عنه الصفة التنفيذية. وكل مهمة القضاء تنحصر في تصفية تلك المنازعات التي تعترضه ا في تقدير مشروعية الاجراءات المتخذة في شأنه ومدى مطابقتها للقانون.
ومهما يكن من أمر، فإننا نخلص مما تقدم إلى أن الدولة تعتبر طرفا ضروريا في التنفيذ بحكم القواعد الأساسية في تنظيم المجتمع، والتي تفرض على كل ذي حق أن يلجأ إلى الدولة لتقتضي له حقه بواسطة جهاز من أجهزتها تخصصه لهذا الغرض أو بعبارة أخرى بواسطة عمال التنفيذ الذين تسند الدولة اليهم هذه المهمة.
وفى هذا المقام يتردد الفكر ما بين نظامين، لكل منهما مزاياه:
(أولهما) هو نظام المحضرين وهو النظام الذى كان معمولا به وحده في ظل قانون المرافعات السابق ولا يزال معمولا به إلى الآن في ظل قانون المرافعات الجديد – إلى جانب نظام قاضى التنفيذ.
(وثانيهما) هو نظام قضاة التنفيذ، وهو نظام معمول به من قديم في العراق وفى سوريا وفى لبنان.
وقد أخذ به قانون المرافعات المصري الجديد، واتضح أيضاً أنه كان معروفا في بعض الدول الأوروبية – كإيطاليا – وقد اتبعته فرنسا أخيراً.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً