مقال قانوني مميز بعنوان الديمقراطية بين عالمية الفكرة و خصوصية التطبيق
هذه هي المفارقة والاشكالية التي طرحها الباحث ابراهيم أبراش في كتابه الصادر أخيرا عن منشورات الزمن في اطار سلسلة شرفات تحت عنوان «الديمقراطية بين عالمية الفكرة وخصوصية التطبيق»، الذي يقارب فيه التجربة الديمقراطية بالمغرب ويطرح فيه اشكالية الديمقراطية قي العالم العربي واشكالية الكتابة حولها من قبل الكتاب العرب الذين غالبا ما تقصى الموضوعية عن كتاباتهم في هذا المجال ويتم تفضيل الكتابات الأجنبية عن العالم العربي والاسلامي عن كتابات الكتاب العرب لا لأن هؤلاء الكتاب
الأجانب ـ كما يقول الكاتب ـ أكثر ثقافة أو علما أو ذكاء من الكتاب العرب، بل لأنهم «يكتبون بدون محاذير أو تخوفات من أي خطوط حمراء لأنهم يعيشون في بلدان ديمقراطية… أما الكتاب العرب فهم وإن علموا الحقيقة فإنهم يخشون البوح بها خوفا من بعض القيم السائدة في المجتمع، حيث من السهل أن يعتقل الكاتب أو يهدد في رزقه أو يكفر من طرف البعض بزعم مسه بالمقدسات. فبعد تحديد الكاتب أبراش في مقدمة كتابه هذا لاشكالية البحث وفرضياته ومنهج المقاربة والتحليل المبني على المنهج التاريخي والنسقي المقارني أو منهج المسح الاجتماعي، عمد في الفصل الأول «هل هناك نموذج مثالي للديمقراطية أم
مبادئ ومداخل متعددة؟» الى تقديم مقاربة فكرية مفاهيمية للديمقراطية وتحول دلالاتها ومعانيها عبر التاريخ منذ اليونان الى الآن، حيث يصبح معنى الديمقراطية «حكم الشعب بالشعب» من باب المستحيل اليوم لأن التعريف المناسب
حاليا ـ حسب الكاتب ـ هو «حكم الشعب بنخبة من الشعب لصالح الشعب». وفي الفصل الثاني «الفكر السياسي العربي بين النزعة الثورية الانقلابية والتحدي الديمقراطي» قام الكاتب برصد جميع الطروحات العربية التي يقدمها الفكر السياسي العربي حول الديمقراطية وشروطها العالمية وعوائق تحققها في العالم العربي الذي عرف غياب لأعراف ديمقراطية للتداول على السلطة في مقابل تداول عن طريق المؤامرات والثورات والانقلابات أو الزعامات التي لا تنتهي عادة الا بموت صاحبها. وقد أرجع الكاتب غياب الديمقراطية عن المجتمعات العربية فكرا وممارسة الى مجموعة من الأسباب منها: غياب نموذج عربي أو اسلامي للحكم الديمقراطي، غياب مفكرين ديمقراطيين متنورين في مركز القرار السياسي أو في مركز التأثير على أصحاب القرار قادرين على بلورة رؤية أو مشروع يربط ما بين عالمية الفكرة الديمقراطية والخصوصية الاجتماعية الثقافية العربية والاسلامية، وغياب طبقة مثقفة ديمقراطيا لتكون بمثابة القاطرة التي تقود عملية التحول الديمقراطي.
وفي الفصل الثالث المخصص للتجربة الديمقراطية بالمغرب تحدث الكاتب عن خصوصية النموذج المغربي الذي ظهرت الديمقراطية فيه كفكر وممارسة في الثلاثة عقود الأخيرة، هذا ناهيك من الممارسة الدستورية التي عرفها المغرب مند بداية هذا القرن وقبل وقوعه تحت الحماية الفرنسية عام .1912 ليخلص الى أن المسار الديمقراطي في الحياة السياسية المغربية ليس وليد التحولات الدولية الأخيرة ولا بفعل ضغوط أجنبية، بل هو خيار استراتيجي للمغرب منذ بداية الاستقلال، حيث صعد سلم الديمقراطية منذ درجته الأولى وبشكل مدروس لا يخلو من هزات وتعثرات في عملية البناء الديوقراطي التي عرفها المغرب والتي تتوزع الى خمس مراحل:
- المرحلة الأولى: تبدأ مباشرة بعد الاستقلال وتمتد حتى الاعلان عن أول دستور للمملكة عام .1962
- المرحلة الثانية: من اعلان أول دستور الى اعلان حالة الاستثناء عام .1965
- المرحلة الثالثة: من اعلان حالة الاستثناء الى عودة الحياة النيابية عام .1977
- المرحلة الرابعة: من عودة الحياة النيابية عام 1977 الى المراجعة الدستورية عام .1992
- والمرحلة الخامسة: من انطلاق الاصلاحات الدستورية الى تحقيق التناوب لأول مرة بالمغرب عام .1998
وفي الفصل الرابع تناول الكاتب بالتحليل حكومة التناوب بالمغرب باعتبارها تتويجا للمسلسل الديمقراطي بالمغرب ونضجا للمجتمع والقوى السياسية بالمغرب التي قامت في بنائها لـ«المسلسل الديمقراطي» بالمغرب على سياسة الخطوة خطوة والبناء المتأني التدريجي، وهو ما عبر عنه الملك الراحل الحسن الثاني في العديد من خطبه واستجواباته حيث اكد أن الديمقراطية المتوخاة بالمغرب هي تلك الديمقراطية المتوطنة والممارسة بمقادير مدروسة تتكيف مع الواقع المعاش، وليس تلك الديمقراطية التي تزرع عنوة وبشكل عنيف في مناخ يفتقد الجذور الملائمة، وهو نفس الشيء الذي قام به العاهل المغربي الملك محمد السادس بعد توليه العرش عام 1999 حيث عمل على ترسيخ أسس الديموقراطية في المغرب، وأعطى مفهوما جديدا للسلطة ينزع فيه القداسة عن ممارسيها ويخضعهم للنقد والمحاسبة إن اقتضى الأمر.
وفي نهاية الكتاب يخلص الباحث الى جملة من الاستنتاجات التي تؤكد أن أي ديمقراطية لا تتحقق بالشعارات ولا بالقرارات الفوقية، وإنما بدمقرطة أجهزة السلطة والادارة وبترسيخ ثقافة ديمقراطية عند رجال السلطة، مع اشاعة الوعي في مختلف جوانب الحياة الفردية والجماعية لتشكيل مجتمع مدني قادر على ممارسة الديمقراطية وتحصينها. الكتاب: الديمقراطية بين عالمية الفكرة وخصوصية التطبيق الكاتب
اترك تعليقاً