الرأي الفقهي في قانون التأمينات الاجتماعية
الـتأمينات /الباب الثاني: في إنشاء مؤسسة التأمينات الاجتماعية/مادة 1/
الرأي الفقهي:
يلاحظ من مطالعة النص أنه قد أورد تعريفات جديدة استلزمها توسع القانون في مجال التطبيق فأضاف إلى المادة التعريف:
بالمؤمن عليه.
بالمريض.
بالعجز الكامل.
كما أحالت المادة التعريف بالأجر إلى المادة 3 من القانون رقم 91 لسنة 1959 ونصها:
«يقصد بالأجر في تطبيق أحكام هذا القانون كل ما يعطى للعامل لقاء عمله مهما كان نوعه مضافاً إليه جميع العلاوات أياً كان نوعها وعلى الأخص مايأتي:
1 ـ العمالة التي تعطى للطوافين والمندوبين والجوابين والممثلين التجاريين.
2 ـ الامتيازات العينية وكذلك العلاوات التي تصرف لهم بسبب غلاء المعيشة وأعباء العائلة.
3 ـ كل منحة تعطى للعامل علاوة على الأجر ومايصرف له جزاء امانته أو كفاءته أو ماشابه ذلك إذا كانت هذه المبالغ مقررة في عقود العمل الفردية أو المشتركة أو الأنظمة الأساسية للعمال أو جرى العرف بمنحها حتى أصبح العمال يعتبرونها جزءاً من الأجر لاتبرعاً.
ولا يلحق بالأجر ما يعطى على سبيل الوهبة إذا جرى العرف بدفعها وكانت لها قوانين تسمح بضبطها.
ويجوز في بعض الأعمال كأعمال الفنادق والمطاعم والمقاهي والمشارب ألا يكون للعامل أجر سوى مايحصل عليه من وهبة ومايتناوله من طعام على أن يحدد عقد العمل قواعد ضبطها».
والجديد في قانون التأمينات أنه قد أورد تعريفاً عن الاصابة سوّى فيه بين اصابات العمل وأمراض المهنة وذلك خلافاً لما كانت تجري عليه القوانين الملغاة التي استقر الفقه والقضاء في ظلها على تعريف الاصابة بأنها كل ضرر مادي يمس جسم العامل فجأة سواء أكان هذا الضرر ظاهراً أو خفياً. فلم يكن للضرر المعنوي أي أثر وهو الضرر الذي يصيب العامل في سمعته أو في شخصيته. ولقد قيل بأن الضرر الذي يصيب العامل ببطء لايستحق عنه مكافأة على أساس قانون الاصابات وإن كان يستحق عنه تعويضاً على اعتباره من أمراض المهنة. وأراد البعض أن يميز بين أمراض المهنة واصابة العمل فقال بوجوب أن يكون الضرر الذي يصيب العامل له أصل خارجي واعترض رأي آخر على هذا الشرط بمقولة أن الاصابة قد تقع بفعل داخلي ومع ذلك يكون التعويض لازماً كما لو حدث نتيجة ارهاق العامل في العمل في لحظة معينة (حلمي مراد ص623 والعريف ص44).
ولقد اشترط المشرع أن تكون الاصابة نتيجة حادث بسبب العمل وفي أثناء تأديته بمعنى أن الاصابة لم تكن لتحدث لولا مباشرة العامل لعمله ولاأهمية لذلك أن تتعدد الأسباب المؤدية بالاصابة مادامت من بينها إصابة العمل. كما اعتبر المشرع في حكم ذلك كل حادث يقع للمصاب خلال فترة ذهابه لمباشرة العمل وعودته أياً كانت وسيلة المواصلات على أن يكون الذهاب والاياب دون تخلف أو توقف أو انحراف عن الطريق الطبيعي. وهذا يعني أنه لايشترط أن تقع الاصابة أثناء ساعات العمل الرسمية بل يكفي أن يكون العامل يعمل لمصلحة رب العمل. هذا ومن المقرر أن عبء اثبات حصول الإصابة بسبب العمل وفي أثنائه يقع على عاتق العامل وله في سبيل ذلك أن يسلك جميع طرق الاثبات.
وقد اتجهت أحكام القضاء في مصر اتجاهاً مؤداه الأخذ بوجهة النظر الجديدة التي اوردها المشرع في قانون التأمينات الموحد. فقضت محكمة القاهرة الابتدائية بأنه يشترط لوجوب التعويض المنصوص عنه بقانون اصابات العمل أن تكون الاصابة بسبب العمل وفي أثناء تأدية… فإذا لم تكن هناك علاقة كافية بين الحادث وبين العمل فلامحل لايجاب التعويض على صاحب العمل (المدونة العمالية ـ الجزء الثاني ـ ص46 ومابعدها).
كما قضى بأن وقوع الإصابة أثناء العمل قد يكون قرينة على أنها كانت بسبب العمل إلا أنها قرينة قابلة لاثبات العكس. كما حكم بأن صاحب العمل غير ملزم بالتعويض عند انقطاع رابطة السببية بين الاصابة والعمل وأن علاقة السببية لايشترط أن تكون مباشرة من العمل ذاته بل يكفي أن تكون هناك علاقة كافية بحيث يمكن القول بأنه لولا العمل لما كان الحادث. (المرجع السابق ص79 ومابعدها).
وقد أفتى مجلس الدولة ـ الشعبة الاجتماعية والثقافية بتاريخ 11 / 7 / 1954 ـ بأن رجوع العامل بعد تأدية المأمورية المكلف بها إلى محل عمله يعتبر داخلاً في تأدية تلك المأمورية… وبذلك فإن اصابته أثناء رجوعه تعتبر اصابة أثناء تأدية العمل وبسببه ويستحق التعويض اللازم عنها وفقاً لأحكام قانون الإصابات.
كما أفتى المجلس المذكور بتاريخ 22 / 9 / 1956 بشأن تحديد المقصود بالاصابة والمقصود بالواقعة ذات الأصل الخارجي. (المرجع السابق ـ لنفس المؤلف ـ ص106 ومابعدها).
وحكمت محكمة القاهرة الابتدائية ـ الدائرة العاشرة ـ القضية رقم 875 سنة 55 ع كلي ـ بجلسة 27 / 3 / 1956 بأن الاصابة التي تبرر التعويض يجب أن تكون حاصلة نتيجة حادث فجائي ومن ثم فلا يعتبر من قبيل ذلك الاصابات الجسمانية الناشئة عن أسباب بطيئة ولو حصلت بسبب العمل أو أثناء تأديته.
وأيدها في ذلك حكم ذات المحكمة الدائرة العاشرة ـ في القضية رقم 88 / 56 ـ بجلسة 28 / 1 / 1957.
كما قضى بأنه يشترط أن يحدث الضرر من مصدر خارجي عن العامل أي بسبب خارج عن جهازه العضوي وليس لسبب داخلي فيه كالمرض.
(راجع أسباب هذا الحكم بالمدونة العمالية ـ الجزء الثاني ـ طبعة 58 لنفس المؤلف ـ ص57 وما بعدها).
ويلاحظ أن ضابط التفرقة بين المرض المهني وحادث العمل يتصل بالفعل المسبب.. فكلما كان المسبب للضرر واقعة محددة فجائية كلما كانت الأضرار الناتجة عنها حادث عمل فالتسمم يعتبر حادثاً إن كانت نتيجة جرعة سامة ويعتبر مرضاً إن تولد عن العمل المسترم في مركبات الزرنيخ مثلاً وفقد البصر يعتبر حادثاً إن نتج عن اصطدام بآلة أو عن انبثاق فجائي لوهج شديد أما إذا تسبب عن التعرض المتكرر للوهج أو الحرارة الشديدة فيعتبر من الأمراض المهنية. ولهذا قيل بأن المرض المهني يحدث نتيجة تأثير تدريجي ولايمكن من ثم أن يعزى ظهوره إلى واقعة محددة أو يحدد لبدايته ساعة معينة.
كما قيل بأنه يشترط أن يكون العامل يعمل في العمل المسبب له حسبما ورد بالجدول الملحق بالقانون بشأن أمراض المهنة وإلا فلا وجه لانطباق القانون حتى ولو ثبت علمياً علاقة المرض بصناعة العامل مادامت هذه الصناعة غير واردة بالجدول المذكور. (كامل بدوي ص330).
العجز الكامل:
ولقد عرف القانون العجز الكامل بأنه كل عجز من شأنه أن يحول كلية وبصفة مستديمة بين المؤمن عليه وبين مزاولة أية مهنة أو عمل يكتب منه وعلى ذلك يجب لتحقيق العجز الكامل:
1 ـ أن يصاب العامل بعجز مستديم غير قابل للشفاء.
2 ـ أن يحول هذا العجز بصفة كلية ومستديمة بين العامل وبين مزاولة أية مهنة أو صناعة يكتسب منها.
ومن الملاحظ أن القانون قد أورد حالات اعتبرها من حالات العجز الكامل ـ لاتحول فعلاً بين بعض المصابين بها وبين أداء عمل معين كالأعمى الذي يقوم ببعض الصناعات ومقطوع الساقين الذي يؤدي عملاً يدوياً مناسباً لحالته. ولم يورد القانون تفسيراً صحيحاً لهذه الحالات إلا أن يكون قصد الشارع أن يكون من شأن العجز أن يحول في العادة بين العامل وبين أي عمل أو مهنة يكتسب منها. والقانون لم يضع في اعتباره إلا العامل أو عامة العمال ولم يلتفت إلى العامل الذي لاتقعده صحته عن ممارسة عمل مناسب رغم فقد بصره أو ساقيه أو ساق او ذراع. وهذا النظر أعدل لأنه لايجوز أن تجني همة العامل عليه فيكون الأكثر نشاطاً والأقوى ارادة من العمال أقل حظاً في التأمين ممن تقعدهم هذه الحالات من العجز دون السعي على الرزق كما أن في اشتراط امتناع هؤلاء العجزة عن أي عمل مناسب حتى يستأدوا التأمين كاملاً مايشجع على البطالة مما لايمكن أن يكون في أي اعتبار مشرع (راجع كامل بدوي ـ ص402 و 403).
والأعمال التي أورد لها القانون حالات العجز الكامل هي تلك الأعمال المأجورة عند أصحاب الأعمال والتي تبرم من أجلها عقود العمل فيكون عجز العامل كاملاً إذا كان من شأنه أن يمنعه عن أداء أي عمل مأجور. ويعتبر كذلك إذا كان العجز الكامل لم يمنع العامل من الاتجار أو ممارسة عمل خاص كعملية السمسرة وخلافها مما يسهل على الكثير ممارسته.
العجز الجزئي:
والعجز الجزئي شأنه شأن العجز الكلي يشترط أن يكون مستديماً غير قابل للشفاء مدى الحياة. فالعجز الجزئي وإن كان من شأنه أن لايعجز العامل عن أداء عمل أو مهنة أخرى غير أنه يؤثر في ادائه لعمله الأصلي مثال ذلك إذا فقد الكاتب إبهام يده اليسرى فإن ذلك يعتبر عاهة مستديمة جزئية رغماً عن عدم تأثير هذا العجز في مهنة الكتابة التي يزاولها المصاب إذ قد يضطر الكاتب إلى تغيير مهنته وعندئذ يتضح الضرر (س مختلطة ـ مجلة التشريع 52 ص27).
وقد أورد القانون في الجدول الملحق به بعض حالات العجز الجزئي المستديم وإن كان لم يقرر حداً أدنى لدرجة العجز. وعلى العموم فإن سلامة جميع أعضاء الجسم تعطيه القدرة الكاملة على القيام بما قد يعهد إليه وأن أي عجز عن أداء أي عمله يؤدي بطبيعة الحال إلى التأثير في قدرة العامل على العمل. وقد قيل بأن تشويه الجمال قد يكون حائلاً بين العامل أو العاملة وبين أداء أعمال معينة. (شاسيه ـ 1 ـ بند 534 ـ ص337).
ويعتبر من حالات العجز الجزئي المستديم ضعف بصر العينين وفقد جزء من منفعة الذراع والقص المستديم في منفعة اليد وعن إمكان ثني أصبع اليد والعسر في حركات العنق وخلع الكتف وتخلف عسر مستديم في حركته وفقد صيوان الأذن بأكمله بصرف النظر عما يلحق حاسة السمع من ضعف. (حلمي مراد ص647).
يجب توفر علاقة كافية بين العمل وبين الإصابة:
هذا الشرط يجب أن يتحقق لكي يقوم الضمان وبمعنى آخر يجب أن يثبت أنه لولا ظروف العمل لما وقع الحادث. (المدونة العمالية ـ المرجع السابق).
ولقد قيل بأنه يكفي أن تكون الإصابة متسببة عن العمل بوجه عام (مراد ـ بند 964) فلا يلزم أن يكون الحادث متعلقاً بتنفيذ التزام المصاب نفسه وبهذا يكفي لاستحقاق التعويض أن تقع الإصابة بسبب ظروف العمل ولو انقطعت الصلة بين الحادث ومهمة العامل (نقض فرنسي سيري ـ 193 ـ 1 ـ 142) كما لو لحقت الإصابة بالعامل نتيجة تصرف عمال آخرين بالمنشأة أو نتيجة رصاصة طائشة أصابته من عامل يعبث بمسدس معه أو نتيجة اعتداء أحد زملائه عليه أثناء العمل لاختلافهما على من له الحق في استخدام آلة معينة ذلك لأنه في مثل هذه الفروض تكون علاقة السببية قائمة بين الإصابة والعمل. ومن ثم فقد ذهب رأي إلى أنه لايشترط في السببية التي يتطلبها القانون أن تكون مباشرة من العمل ذاته بل يصح أن تكون بسبب العمل بطريقة غير مباشرة مادام أن العلاقة بين العمل وبين الحادث قائمة سواء من ناحية طبيعة العمل أو ظروفه أو مكانه أو غير ذلك مما يعتبر علاقة كافية بين الحادث وبين العمل بحيث يمكن القول بأنه لولا العمل لما كان الحادث أما القول بأن السببية مقصود بها أن يكون الحادث ناشئاً بالذات عن العمل فإن ذلك يقصر المسؤولية على حوادث مخاطر المهنة وهو قيد لايحتمله تصميم النص ولا يتفق مع ماقصده القانون من المسؤولية الشاملة عن اصابات العمال ليس فقط المستخدمين بأعمال الصناعة حيث يمكن القول بتوافر أخطار المهنة بل أيضاً المستخدمين في المحال التجارية وما يلحق بها من محال الموسيقى والغناء ومحال الادارة المتعلقة بجميع الأعمال الخاصة حيث لايمكن القول بأن لطبيعة الاعمال بها خطرا خاصا يمكن أن يسبب الاصابة بصفة مباشرة. ويؤيد هذا الرأي ما اتجه اليه بقوله أن ماجاء بالمادة 7 ق 89 سنة 50 من أنه اذا كانت الاصابة الموجبة للتعويض طبقا لأحكام هذا القانون تقتضي قانوناً مسؤولية شخص آخر خلاف رب العمل جاز للعامل أن يطالب بالتعويض رب العمل أو ذلك الشخص الآخر إذ أن هذا الفرض هو ما يتحقق في حالات السببية غير المباشرة أكثر من غيرها (شرح التأمينات الاجتماعية للاستاذ سعد عبد السلام حبيب ص 56 استئناف الاسكندرية الدائرة الاولى منيب ص 464).
هذا وقد قضى حديثا بأنه:
وحيث أنه عن التعويض المطلوب وقدره 600 جنيه فقد تبين من حكم المحكمة العسكرية العليا في قضية الجناية رقم 371 ـ 53 عابدين، ورقم 479 سنة 1953 عسكرية عليا، أن المتهمين فيها عقدوا العزم على سرقة البار الذي كان يعمل فيه مورث المدعين فدخلوه مدججين بالمسدسات وأخذوا يحتسون الخمر وبعد ذلك قام المتهمون الثلاثة الى الجالسين الى البار وقد شهروا أسلحتهم النارية وأمروهم بألا يتحركوا وأن يخرج كل منهم مامعه من النقود وأن يخرج الساقي الذي يقف الى الخزانة مابها، فصدع الرواد للأمر، وبدأ كل منهم يخرج نقوده كما أخرج الساقي النقود التي كانت بالخزانة، وعندئذ انفلت أحمد على حسين (مورث المدعين) هاربا الى المكتب لينفذ منه الى المطبخ، فتبعه المتهم الثاني وأطلق عليه مقذوفاً نارياً أصابه فأرداه قتيلا، وحيث أنه تبين من هذا الحكم أن الحادث على هذه الصورة لم يكن بسبب العمل فما أن رأى مورث المدعين المتهمين يشهرون أسلحتهم حتى لاذ بالفرار لينجو بنفسه من التهديد والأذى ولو أنه صمد أو قاوم حفظاً على مصالح رب العمل وزبائنه وأمواله لتغير الوضع ولكنه آثر السلامة فكانت حياته ثمناً لذعره، ولاشك أن رب العمل لايسأل عن التعويض في هذه الحالة إذ أن المادة 3 من القانون رقم 89 لسنة 1950 اشترطت لوجوب التعويض إصابة العامل بسبب العمل وفي أثناء تأديته ويلاحظ أن هذه المادة نقلت في بادىء الأمر من المادة الأولى من القانون الفرنسي الصادر في 1898 التي تقول: الحوادث التي تصيب العمال أو المستخدمين بسبب العمل او بمناسبة من مناسبات العمل… «ولقد خشي أن تفسر عبارة» أو بمناسبة من مناسبات العمل، على الوجه الذي يؤدي إلى إدخال الحوادث التي لايوجد بينها وبين العمل علاقة كافية لايجاب التعويض على صاحب العمل، ولذلك عدل عن هذه العبارة واختير بدلها النص الوارد في القانون وهذا النص لايعطي ورثة العامل الحق في التعويض عن وفاته مادام قد ثبت أن الوفاة نشأت عن حادث أتى من الخارج ولايتصل بالعمل ومن ثم يتعين الحكم برفض هذا الطلب.
(القاهرة الابتدائية ـ الدائرة العشرين عمال ـ جلسة 13 / 3 / 1956 ـ المدونة العمالية ـ الجزء الثاني ـ طبعة 1958).
ويرى البعض أن هذا الحكم محل نظر لأنه لولا العمل لما كان الحادث، فعلاقة السببية قائمة في هذه الحالة المطروحة واصطلاح القانون يتسع لكل إصابة تلحق العامل «بسبب» قيامه بتنفيذ العمل أو بعبارة أخرى وجوده في مكان العمل ولايهم ماإذا نجمت الاصابة عن فعل الغير، فلو لم يكن العامل وقت وقوعها، في أثناء تنفيذ العمل، لكتبت له النجاة من آثارها (من هذا الرأي جمال زكي ـ ص262 ـ والأستاذ سعد حبيب ـ ص50 ومابعدها).
وغني عن الذكر أن نشير هنا إلى أن القانون الخاص لاينطبق على من وجد بالمحل ولم يكن عاملاً فيه (انظر نقض مدني في 27 / 3 / 1952 ـ المحاماة س33 رقم 651 ص1485).
على أنه مما يخرج عن نطاق الضمان اصابة العامل في أثناء العمل، ولكن السبب لايرجع إليه، كاعتداء عاملين على بعضهما لنزاع شخصي، حتى ولو أصابتهما الماكينة التي يعملان عليها أو أصابت أحدهما.
هذا ولقد قضي بأن «اصابة المدعي قد حدثت له أثناء توجهه إلى دورة المياه بالمصنع الذي كان يشتغل فيه لازالة ضرورة، الأمر الذي يدل على أن الحادث قد وقع أثناء العمل، لاأنه لم يكن بسببه، إذ يجب لاعتبار الحادث من حوادث العمل أن تقوم علاقة كافية بين وقوع الحادث وبين ظروف العمل، بحيث لولا هذه الظروف الأخيرة لما وقع».
(المدونة العمالية ـ الجزء الثاني ـ طبعة 1958 ـ قاعدة 28).
والضمان في التشريع الفرنسي يقوم عن الحوادث التي تصيب العمال بسبب العمل «أو بمناسبة من مناسبات العمل» وقد خشي المشرع عندنا أن تفسر العبارة الأخيرة على الوجه الذي يؤدي إلى إدخال الحوادث التي لاتوجد بينها وبين العمل علاقة كافية لايجاب التعويض على صاحب العمل، ولذلك عدل عن هذه العبارة واختير بدلها للتضييق من دائرة تطبيق القانون النص الذي يقضي بتعويض العامل عن اصابته «بسبب العمل وفي أثناء تأديته» لا «بسبب العمل أو بمناسبة من مناسبات العمل» انظر المذكرة الايضاحية للقانون رقم 64 سنة 36. ويعتبر القضاء الفرنسي عبارة «أو بمناسبة من مناسبات العمل» مرادفة لعبارة «في وقت العمل وفي مكان العمل».
وبذلك يدخل في نطاق الضمان الحوادث التي تقع في ساعة العمل ومكانه ولو لم تكن تمت إلى العمل بصلة أي ولو كان سببها على غير صلة بالعمل كاعتداء يقع وقت العمل لضغينة شخصية. (المدونة العمالية المرجع السابق).
ولا يشترط أن يكون العمل هو السبب الوحيد للاصابة وإنما قد يشترك العمل مع أسباب أخرى في حدوث الإصابة ولايؤثر ذلك في استحقاق المؤمن عليه للتعويض طبقاً لأحكام القانون كعامل سقط على الأرض أثناء العمل فمات ففي هذه الحالة ينعدم التناسب بين الحادثة والضرر مما قد يقطع بأن ثمة حالة مرضية كانت موجودة قبل الحادثة وأن هذه الحالة المرضية لاتؤثر على علاقة السببية فتنعدم بوجودها إلا إذا كان الضرر يرجع إليها وحدها بحيث لاتسهم الحادثة بأي نصيب في وقوعه بل تظل دون أدنى تأثير في وجوده أو في جسامته (نقض فرنسي في 19 / 10 / 1932 ـ جازيت دي باليه 1932 ـ 2 ـ 867 وفي 11 / 2 / 1930 ـ دالوز الأسبوعي 1930 ص177، وفي 13 / 12 / 1927 دالوز الاسبوعي 1928 ص18) ويكون الحكم الذي رفض دعوى التعويض بمجرد ثبوت الحالة المرضية السابقة على الحادثة لدى رافعها مخالفاً للقانون إذا لم يظهر في أسبابه رجوع الإصابة إلى الحالة المرضية وحدها دون تأثير لأي سبب خارجي عنها، طالما كانت تلك الحادثة هي التي أظهرت هذه الحالة، وكان لها بالتالي أثر على تطور المرض (نقض فرنسي في 16 / 4 / 1931 ـ جمال زكي ـ هامش 4 ـ ص265 وانظر نقض فرنسي في 8 / 2 / 1911 ـ دالوز 1911 ـ 5 ـ 61) الذي نقض الحكم الذي قضى برفض دعوى التعويض تأسيساً على أن «السقوط لايعتبر حادثة إلا إذا نشأ عن سبب خارجي عنيف، بينما سقوط المدعي يمكن إرجاعه إلى حالة الضعف التي كان يعانيها نتيجة لمرض سابق، ولم يقم هذا العامل بإثبات العكس» وانظر نقض فرنسي دوائر مجتمعة في 7 / 4 / 1921 ـ سيري 1921 ـ 1 ـ 81 «كل إصابة تنشأ عن حادثة تقع بسبب العمل، أو بمناسبته يجب اعتبارها ناتجة عن هذه الحادثة، مالم يثبت العكس».
هذا ولا يجوز تخفيض ما يستحقه المصاب من تعويض عن طريق تجزئة الضرر والاكتفاء بتعويضه عن القدر الذي يقابل مايمكن إسناده من الضرر إلى الحادثة دون القدر الذي يرجع مثلاً إلى استعداد مرضي موجود قبل الحادثة لأن نص المادة 24 ق 92 صريح في تخويل كل مصاب أو المستحقين عنه بعد وفاته الحق في الحصول على تعويض طبقاً لأحكام القانون دون التفات إلى بقية الأسباب التي اشتركت مع العمل في حدوث الإصابة سواء تمثلت هذه الأسباب في مرض، أو استعداد لمرض، أو في عاهة هيأت أو يسرت أو أسهمت في حدوث الإصابة ذلك لأنه لولا وقوع الحادثة لما ترتب الضرر كما أن صعوبة تعيين العوامل التي ساهمت في استفحال نتائج الحادثة أو زيادة تطور الإصابة واستحالة تحديد نصيب كل منها في هذه المساهمة تؤديان إلى إعاقة الحكم للعامل بالتعويض عن أخطار المهنة الذي أراد الشارع في كل الحالات توفيره له (جمال زكي، بند 109).
على أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية لا تضمن نتيجة الإصابة إذا ماتدخل ظرف بعد الحادث وساهم في إحداث هذه النتيجة، أو بالغ في خطورتها. فلا قيام للتعويض مع وفاة العامل نتيجة لعملية أجريت لعلاجه من علة لاصلة لها بالإصابة، أو مع مرض ألم به بعد يومين من إصابته بحادثة لاتؤدي عادة إليه، أو اتصلت به عدواه في أثناء اقامته بالمستشفى لعلاجه ولو ثبت أن حالة الضعف التي ترتبت على الحادثة قد سهلت الفتك به لجراثيم المرض. كما طبق القضاء الفرنسي تلك القاعدة من ناحية أخرى، على المضاعفات التي تقع في أثناء علاج العامل المصاب إذا كان وقوعها وليد خطأ منه كإهماله تعليمات الطبيب أو رفضه اجراء عملية جراحية لاخطر منها عليه إنما لايعتبر العامل مخطئاً إذا لم يقبل اجراء عملية جراحية مادام في إجرائها خطر، ولو يسيراً على حياته (انظر جمال زكي المشار إليه بند 109 والأحكام المشار إليها بهذا المرجع بهامش ص269 وص270).
ولا يكفي وجود رابطة سببية بين الإصابة والعمل، بل يلزم حتى يقوم الضمان للعامل، أن تقع الإصابة أثناء تأدية العمل. وبذلك يخرج من نطاق الضمان مايصيب العامل في غير وقت العمل لسبب يتصل به، كاعتداء يقع خارج المنشأة على الرئيس المباشر، أثناء جلوسه في مقهى أو تواجده في سينما لتوقيعه جزاء على عامل فلا يصح المطالبة هنا بالتعويض عن هذه الإصابة طبقاً لأحكام القانون مهما كان السبب أو الدافع على هذا الاعتداء مادامت العلاقة الزمنية منعدمة بينها وبين العمل (نقض، في 14 / 5 / 1943 ـ مجموعة القواعد القانونية لمحمود عمر، ج3 ص438).
ويلاحظ أنه لا يشترط أن تقع الإصابة في محل العمل بالذات بل يكفي أن تقع الإصابة أثناء قيام العامل بتنفيذ التزامه المنوط به لصالح صاحب العمل، كما هو الحال بشأن الطوافين والمندوبين الجوابين (انظر فتوى مجلس الدولة الشعبة الاجتماعية والثقافية ـ ملف رقم 26 ـ 1 ـ 2 بتاريخ 11 / 7 / 1954) التي جاء بها أن رجوع العامل بعد تأديته المأمورية المكلف بها إلى محل عمله يعتبر داخلاً في تأدية تلك المأمورية، وبذلك فإن اصابته أثناء رجوعه تعتبر اصابة أثناء تأدية العمل وبسببه. وانظر في هذا المعنى القاهرة الابتدائية، الدائرة التاسعة عمال، في القضية 3390 سنة 1953، وانظر نقض فرنسي في 19 / 11 / 1928 ـ دالوز الاسبوعي 1928 ص605 الذي اعتبر الإصابة التي لحقت الوسيط التجاري نتيجة سقوطه أثناء نزوله على سلم منزله ليقوم بعمله إصابة موجبة للضمان.
ولقد ثار الخلاف حول ما إذا أصيب العامل بسبب العمل ولكن في خلال الفترة السابقة أو اللاحقة على الساعات المحددة للعمل الفعلي كما إذا أصيب بسبب العمل ولكن أثناء تسلمه أو تسليمه لأدوات العمل أو أثناء ارتداء ملابس العمل استعداداً للبدء فيه، أو أثناء الوقت الذي يقتضيه الفراغ من العمل كالاغتسال وتغيير الملابس بعده. والواقع أن هذه الأعمال تتعلق بالعمل وتدخل في تنفيذ المهمة المنوط بالعامل تنفيذها باعتبارها من الأعمال الممهدة أو المكملة لها، فضلاً عن أنها تتم في الوقت الذي يكون فيه العامل في خدمة صاحب العمل وتحت ادارته أو اشرافه، والقول بخلاف ذلك يتنافى وإرادة المشرع التي لم تقيد قيام الضمان بوقوع الإصابة أثناء العمل الفعلي (قارن المادة 114 من قانون العمل رقم 91 سنة 1959 التي تنص على التشغيل الفعلي وكذلك المادة الأولى من القانون الملغى رقم 147 لسنة 1935 الخاص بتحديد ساعات العمل في بعض الصناعات التي تنص هي الأخرى على التشغيل «الفعلي» ولو أراد الشارع تقييد قيام الضمان بوقوع الإصابة أثناء العمل «الفعلي» لنص على ذلك صراحة).
هذا وقد قضت محكمة استئناف القاهرة بأنه ليس من الضروري أن تقع الإصابة أثناء ساعات العمل، بل يكفي أن تحدث أثناء قيام العامل بعمله، ولو كان قبل حلول ميعاد العمل أو بعد انتهائه تأسيساً على أن مسؤولية صاحب العمل قائمة طالما أن العامل يعمل لمصلحته (الاستئنافان المقيدان برقم 746 سنة 54 و 421 سنة 55 ق في 13 / 12 / 38 الأستاذ مصطفى كامل منيب، المبادىء القانونية في مواد عقد العمل الطبعة الأولى رقم 21 ص117 ـ 120 ومجلة المحاماة 10420 ـ 195) كما قضت محكمة الاستئناف المختلطة في 10 / 6 / 1942 بسريان أحكام قانون إصابات العمل على حادث أصيب فيه سائق ترام قبل الميعاد المحدد لبدء عمله بدقائق ولكن في الوقت الذي كان يتسلم فيه عمله (مجموعة عمر 54 ـ 237).
وتأييداً لوجهة النظر هذه فقد جعل المشرع في حكم إصابة العمل الموجبة للضمان كل حادث يقع للمؤمن عليه أثناء توجهه لعمله وعودته منه. (المادة 1 / ج ق92 سنة 59 وكذلك المادة 1 / ب ق202 سنة 58).
كذلك تعتبر اصابة العمل التي تقع خلال فترات الراحة التي يبقى المؤمن عليه فيها داخل المنشأة أنها وقعت أثناء تأدية العمل. وذلك على أساس أن فترة الراحة ضرورية للعمل ولايتصور أداؤه بغيرها ومن ثم يجب أن تدخل فيه وتأخذ حكمه. (جمال زكي بند 108 ص261).
اترك تعليقاً