سريان قواعد الاثبات من حيث المكان
تقضي المادة (13 / أولا) من قانون الاثبات على ان يسري في شان ادلة الاثبات قانون الدولة التي تم فيها التصرف القانوني، ولكن الشطر الثاني من هذا البند اجاز للمحكمة تطبيق القانون العراقي، اذا كان دليل الاثبات فيه أيسر من الدليل الذي يشترطه القانون الأجنبي، ولكن الأولى بالمشرع عدم الاخذ بهذا المبدأ لأن ما ورد فيه قد يثير مشكلات عملية، اذ ليس من مصلحة القضاء او يتدخل في قضية وقعت بين أجانب اتفقوا على ان يطبق عليهم قانونهم الخاص الذي أبرموا العقد في ظله، فليس من المنطق ان يلجأ أحد هؤلاء الى القانون العراقي ويأخذ حقه من صاحبه لمجرد ا ن القانون العراقي يسر له الاثبات فجعل من الممكن ان يثبت بالشهادة ما كان يجب ان يثبته بالكتابة بموجب القانون الذي تم العقد في ظله (1).
ويرى رأي أن المشرع اراد بهذا الاستثناء تأكيد المبدأ المعروف في القانون الدولي الخاص، وهو تفضل القانون الاجنبي عند الاختلاف في الاحكام (2). كما في حالة مسافر عراقي مع آخر سواء كان عراقيا او غير عراقي في حالة سرعة او اجتياح مفاجئ يلجأ الى شخص آخر سواء كان من ابناء وطنه او اجنبي ويستقرض منه مبلغا لسد هذه الحاجة، ففي هذه الحالة لا يفكر الشخص بعقد اتفاق وانما كل ما في الأمر يحتاج الى هذا المبلغ. ثم تقام الدعوى امام المحكمة العراقية يصدف في هذه الحالة، ان ينص القانون الاجنبي الذي جرت الحادثة في مكانه على نفاذه على هذه الحالة، فلمكافأة هذا الشخص على حسن خلقه ولتقديره هذه الضرورة، يقدم القانون حلا ميسوراً للوصول الى الحق مكافأة له على ما قدمه في هذا المجال، وهذا ما ينادي به فقه القانون الدولي الخاص ومركز القانون الدولي في لاهاي وقد اعتمد مثل هذا النص وعممه على شكل توصيات (3)، فالحالة محتملة فقط في حالة عرض النزاع أمام المحاكم العراقية، والنص يهدف الى تبسيط وتيسير الاثبات (4). وبموجب القانون العراقي، يقاضى العراقي امام محاكم العراق عما ترتب في ذمته من حقوق حتى ما نشأ منها في الخارج، اما الاجنبي فيتقاضى امام محاكم العراق في الاحوال الآتية :-
1 . وجد في العراق. 2. اذا كانت المقاضاة في حق متعلق بعقار موجود في العراق او بمنقول موجود فيه وقت رفع الدعوى. 3. اذا كان موضوع التقاضي عقدا تم ابرامه في العراق او كان واجب التنفيذ فيه او كان التقاضي عن حادثة وقعت في العراق (5). اما اجراءات الاثبات، فقد نص البند (ثانيا) من المادة 13 من قانون الاثبات على أن يسري بشأنها قانون الدولة التي تقام فيها الدعوى، وبذلك فان دعوة الشهود وكيفية اداء الشهادة واداء اليمين واجراءات التحقق من صحة السندات تتم وفق قانون القاضي، اي قانون الدولة التي تقام فيها الدعوى ودون النظر الى مكان نشوء التصرف القانوني او جنسية أطراف الدعوى. ذلك ان اجراءات الاثبات وضعت لتحقيق العدالة والوصول الى الحقيقة القضائية بأيسر وأقصر السبل.
_____________________
1-استاذنا الدكتور سعدون العامري. حديث اثناء الطاولة المستديرة. مجلة العدالة. العدد الثاني 1980 ص342.
2-الدكتور عباس الصراف. المصدر السابق ص358.
3-النداوي. المصدر السابق ص349.
4-النداوي. شرح ص85.
5-المادتان 14. 15 من القانون المدني العراقي وانظر المواد (22-25) من القانون المدني الاردني.
سريان قواعد الاثبات من حيث الزمان
الاصل في سريان القانون، ان القانون الجديد يسري من وقت نفاذه حتى على الوقائع القانونية السابقة التي لم تترتب عليها بعد كل آثارها، اي ان يكون لها أثر فوري مباشر، ينقطع معه سريان القوانين السابقة من وقت الغائها، فالقانون الجديد يسري بالنسبة للمستقبل دون الماضي، وهذا ما يُطلق عليه (عدم رجعية القوانين) وهو مبدأ يهدف الى تحقيق العدل والحفاظ على استقرار المعاملات (1). ونصت المادة العاشرة من القانون المدني العراقي على ان لا يعمل بالقانون الا من وقت صيرورته نافذا، فلا يسري على ما سبق من الوقائع الا اذا وجد نص في القانون الجديد يقضي بغير ذلك أو كان القانون الجديد متعالقاً بالنظام العام او الاداب (2). اما بالنسبة لقواعد الاثبات، فالامر يحتاج الى تفصيل، ذلك ان بعض أدلة الاثبات تعد مقدما كما هو الحال بالنسبة للسندات الرسمية والسندات العادية، فأي قانون يسري على هذه الأدلة، هل القانون الذي كان نافذا في تاريخ اعداد الدليل ام القانون النافذ في يوم تقديم الدليل امام القضاء؟ نصت المادة 12 من قانون الاثبات على ان تسري في شان الادلة التي تعد مقدما النصوص المعمول بها في الوقت الذي يعد فيه الدليل او في الوقت الذي يستطاع او ينبغي فيه اعداده. وبذلك حسم هذا النص اي خلاف كان من المتوقع ان يثور بشان الموضوع وتطبيقا لذلك قضت محكمة التمييز (لما كانت الواقعة المراد اثباتها قد حصلت في ظل قانون يجيز اثبات الالتزامات التجارية أيا كانت قيمتها بطرق الاثبات كافة، فيطبق القانون المذكور ولو خالف أحكام القانون النافذ وقت نظر الدعوى تمييزاً (3). فاذا انشأ القانون الجديد وسيلة للأثبات او ألغي وسيلة كان يأخذ بها القانون القديم، فلا يجوز ان يسري على التصرفات التي تمت في ظل القانون القديم، فالأثبات يجب ان يظل خاضعا للقانون القديم الذي تم التصرف في ظله. فاذا كان القانون يوجب الاثبات بالكتابة في عقد من نوع معين ثم صدر قانون جديد يجيز اثباته بالشهادة، فان ما تم من نوع هذا العقد في ظل القانون القديم لا يسري عليه القانون الجديد ولا يجوز اثباته الا بالكتابة وفقا للقانون السابق (4) والعكس أيضاً صحيح، غير أنه اذا كان القانون الجديد متعلقا بالنظام العام كما لو الغي القانون، الاثبات من طريق اليمين لاعتبارات تتعلق بصيانة اخلاق الناس، فان هذا الالغاء يسري حتى بالنسبة الى التصرفات القانونية التي تمت او المدعى تمامها قبل صدوره (5). ونصت المادة (42) من قانون الاثبات على أنه (لا يعتمد بتوقيع السند ببصمة الابهام الا اذا تم بحضور موظف عام مختص او بحضور شاهدين وقعا على السند واذا تبين ان الشاهدين قد توطأ مع من حرر السند لمصلحته في استحصال بصمة الابهام فللمحكمة ان تحكم بتعويض يتناسب والاضرار التي اصابت صاحب البصمة جراء ذلك). في حين كانت المادة 455 الملغاة من القانون المدني تنص على أن :-
1-يعتبر السند العادي صادرا ممن وقعه، ما لم ينكر صراحة هو او من يقوم مقامه ما هو منسوب إليه من خط او امضاء او ختم او بصمة ابهام.
2-ويكتفي من الوارث او الخلف بأن يحلف يمينا بأنه لا يعلم ان الخط او الامضاء او الختم او البصمة هو لمن تلقى عنه الحق اذا عجز المحتج بالسند عن الاثبات).
فاذا نظم السند قبل نفاذ قانون الاثبات، اي في ظل احكام المادة 455 من القانون المدني، فان هذه الاحكام هي التي تسري على السند، اذا اثير نزاع بصدده في ظل قانون الاثبات، لان العبرة بما تنظمه النصوص المعمول بها حين اعداد السند، ويبقى القانون القديم ساريا على الوقائع المتعلقة بالأدلة المعدة في ظله حفاظا على حقوق المتعاقدين (6). ويذكر ان القانون رقم (46) لسنة (2000) قد عدل نص المادة (42) من القانون رقم (107) لسنة 1979 بشكل جوهري حيث اصبح النص على النحو الآتي : (أولاً – اذا أنكر الخصم بصمة الابهام المنسوبة إليه في السند فلا يعتمد بهذا السند الا اذا اثبت انه تم بحضور موظف عام مختص او بحضور شاهدين وقعا على السند. ثانيا – لا يعتمد بالسندات التي تذيل بالأختام الشخصية، عدا السندات التي تذيل بالختم الشخصي المصدق من الكاتب العدل للمعوق المصاب بكلتا يديه، على ان يتم ذلك بحضور المعوق شخصيا مع شاهدين امام موظف مختص). وثار خلاف حول ما اذا كانت القرائن القانونية تأخذ حكم الادلة المعدة مسبقة للاثبات؟ فذهب أغلبية الفقهاء الى ان القرائن القانونية تعد من الأدلة المعدة مسبقاً للأثبات، وان كانت مقررة بحكم القانون، لذلك يسري عليها القانون النافذ وقت توفر الوقائع التي يقيم عليها القانون هذه القرائن (7). في حين يرى رأي آخر، انه لا يسعه التسليم بان القرائن القانونية تعد من الادلة التي تتطلب اعدادا سابقا قبل خصومة قضائية، فما دام الاثبات غير واجب الاعداد مقدما، فانه لا يكون واجبا وقت حصول المنازعة ومن ثم يتحدد مركز الخصوم في الاثبات في هذا الوقت، لا في وقت حصول الواقعة المستخلصة منها القرينة (8)، اما الادلة التي تقدم للقضاء والتي لم تعد مسبقا، فهي تعد وتقدم اثناء سير المرافعة كالإقرار واليمين والشهادة، ففي هذه الحالة يسري القانون الجديد على الوقائع والتصرفات كافة حتى ما كان منها سائغا قبل نفاذ القانون، وهذا ما يستخلص عن طريق مفهوم المخالفة للنص المادة 12 من قانون الاثبات (9). وفيما يتعلق بقواعد الاثبات الاجرائية التي توضح طريقة تقديم الدليل امام القضاء، فان القانون الجديد يسري عليها فور صدوره حتى تلك التي تتعلق بالوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم، فما دام القاضي لم يصدر حكمه فان اجراءات الاثبات تبقى معلقة ويمكن تغييرها بقواعد جديدة، بهدف تعزيز العدالة وتسهيل الطريق أمام القاضي في التوصل الى الحقيقة (10). ويلاحظ ان قانون الاثبات لم ينص صراحة على سريان اجراءات الاثبات بأثر فوري. ولكن هذا الأمر مسلم به، وكذلك الحال بالنسبة لقانون الاثبات المصري الذي لم يرد فيه نص حول الموضوع، فاعتبار ان سريان اجراءات الاثبات باثر فوري، آمر بديهي ومسلم به ولا يحتاج الى نص صريح في القانون.
______________________
1-الدكتور سعيد عبدالكريم مبارك. اصول القانون. مطبعة جامعة الموصل 1982 ص134.
2-انظر المادة (129) من الدستور والمادة 1 / ثانيا من قانون النشر في الجريدة الرسمية رقم 78 لسنة 1977.
3-القرار التمييزي المرقم (24 / م1 / 1979 في 17 / 2 / 1980 مجلة الوقائع العدلية العدد (2) 1980 ص301 – 302 وقضت محكمة التمييز ان سند الكمبيالة مؤرخ في 10/3/1979 فيكون غير مشمول بأحكام المادة (42) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 النافذ في 3/9/ 1979 القرار المرقم 211 / موسعة اولى / 1990 في 30/9/1990. الصحيح ان القانون دخل حيز التنفيذ بتاريخ 3/10 / 1979 وليس في 3/9/1979 كما ورد في القرار. وانظر المادة 149 من القانون.
4-الدكتور سليمان مرقس. عقد الايجار، القاهرة 1968 فقرة 3 ص13 وفقرة 109. وما بعدها ص 215 وما بعدها. الاستاذ ضياء شيت خطاب. شرح قانون المرافعات العراقي، بغداد 1967 ص17-19.
5-أدور عيد. قواعد الاثبات ج1 ص118. مرقس. اصول الاثبات ج1 فقرة 12 ص46.
6-ادور عيد. ص119 وقضت محكمة التمييز، على محكمة الموضوع وتكليف مبرز السند المحرر قبل صدور قانون الاثبات بان يثبت وجود شاهدين شهدا على ان المدين وضع بصمته على السند أمامهما وهو عالم بمضمونه (م 564 قانون التجارة م12 اثبات) القرار المرقم 233 / ج/ 1980 في 3/13/1980 مجموعة الأحكام العدلية. العدد الرابع 1980 ص128.
7-تناغو . النظرة العامة فيا لاثبات ص17. النداوي. شرح ص84.
8-جلال العدوي. ص11.
9-العبودي. احكام قانون الاثبات ص101.
10-رمضان ابو السعود. اصول الاثبات في المواد المدنية والتجارية. بيروت 1985 ص36.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً