غياب المشورة القانونية سبب فشل المشروعات الصغيرة
المحامي :خالد السريحي
دومًا تكون المشاريع الصغيرة في بدايتها؛ مهددة بالفشل لعدة أسباب، ويكاد يتفق أغلب خبراء المال والأعمال على مجموعة أسباب أهمها: عدم وجود دافع غير جني المال، إدارة ضعيفة وغير منتجة، تحديد رأس مال غير كافٍ، اختيار موقع للمشروع خاطئ، الإفتقار إلى التخطيط، التركيز على النمو بشكلٍ سريع، الاستهانة بالحاجة لمستشار قانوني ومحاسب مالي.
وبحكم تخصصي سأعرج على ما يخصنا معشر القانونيين من أسباب، وهو ثقافة عدم الحاجة إلى محامٍ أو مستشار قانوني بشكلٍ مطلق، فضلاً عن حاجته لأن يواكب المشروع منذ بداية تأسيسه، والاعتقاد أنها من مظاهر الترف.
ولن تكون الأسطر القادمة عزيزي القارئ ترويجية أو تسويقية للمحامين، على قدر ما هي توعوية لرياديَّ الأعمال، فأنَّ أهمية المحامي تكمن في أشياء كثيرة جدًا، ويُفضل أنْ يكون دوره وقائي، وليس علاجي.
المحامي عليه أنْ يبدأ دوره بالتزامن مع الرغبة بإطلاق المشروع الصغير والناشئ، وذلك في إخضاع فكرة المشروع للنظام، ومطابقتها للأنظمة (حوكمتها)، وأنْ يشرف ويراقب عن كثب كافة العقود التي تُبرمها المنشأة (أيًا كان شكل المشروع الصغير القانوني)، ويتدخل في حال وجود الرغبة بإنشاء التزام مرهق ماديًا، وكذا تقليل المخاطر التعاقدية، والتأكد من وجود كافة الحقوق التي ينبغي من خلالها المشروع الانطلاق نحو مرحلته الثانية ألا وهي التوظيف والاستعانة بالمواهب التي يحتاجها تحقيقًا لأهدافه.
وهذه مدعاة أخرى ضرورية للاستعانة بالمحامين، فكثير من المشروعات الصغيرة يقع في شرك هذه المسألة ظنًا بأنها بسيطة، ولا يترتب عليها أي التزامات حالية ومستقبلية، وهذا خطأ فوجود المحامي قبل إبرام عقود العمل، وأثناء تنفيذها، وبعد نهايتها لهو أمرٌ ضروري، لتقليل حجم الالتزامات المالية ووضعها عند حدها الأدنى، حتى لا تغرق المنشأة وهي في خطواتها الأولى في معضلة سداد من كانت تسعى لأنَّ يساعدها في الانطلاق نحو أهدافها بدلاً من أنَّ يثبطها ويؤخرها.
كما أنَّ التعامل مع المنشآت الأخرى لاسيما الصغيرة والمماثلة لها بذات الحجم، يُوجب التعامل بحذر حتى لا يكون التعاقد بينهما أحد أسباب فشلهما، فإنِّ كان (قوقل) يوفر قوالب لأغلب العقود، مما يرتكن معه الرياديَّ لتوفير المال بهذا التصرف، مما سيكبده بطبيعة الحال أضعاف ما سيكلفه لو لجأ لمختص (محامِ أو مستشار قانوني) لصياغة ذاك العقد.
فالعقود دومًا عند صياغتها يجب أنَّ تصاغ على أنْ طرفيها مختلفين وليسا متفقين، كون العقد لو تمت صياغته على أنهما متفقين، فلا داعٍ له! ولكن الواقع العملي يكشف عن أنَّ العقود ذات الطبيعة الحريرية أو الناعمة، هي أول من تُكسر وتُخالف من طرفيها لسهولة التملص من الالتزامات، ولعدم دقتها أحيانًا وأحيانًا أخرى لعدم التطرق إليها أصلاً في العقد.
فكما سيتكلف الرياديَّ حينذاك ثمنًا لاستهانته بالمسألة وظنًا منه أنَّ القوالب (القوقلية) تفيد وتنطبق على كافة الحالات والتعاقدات، أكيد أنَّ سيدفع ثمنًا مرتفعًا عند يكاتب الطرف الثاني والمتعاقد معه ويطلب منه الوفاء بالتزاماته، فيأتيه الرد بالرفض، فيتجه للقضاء مطالبًا بحقه، فيكتشف أنَّ العقد ينص على التحكيم كوسيلة لفض النزاعات بينهما، وهو لا يعرف شيء عن التحكيم وما سيكبده من مصاريف لا يتسطيع توفيرها خاصةً في بداية عمل مشروعه.
ختامًا؛ يجب أنَّ تتغير ثقافتنا من أنّ المحامي ترف إلى أنه ضرورة، وعلينا أنَّ نحذو حذو المجتمعات التي سبقتنا في ذلك، خاصةً وأنَّ المملكة وتحقيقًا لرؤية ٢٠٣٠ تسعى لمزيدٍ من التنظيم الحكومي، مما يعني مزيدًا من القوانين والأنظمة التي لن يتمكن الرياديَّ من استداركها ولا يجب عليه ذلك؛ فهذا ليس تخصصه فعليه الاستعانة بالمتخصصين (المحامين) توفيرًا لجهده ووقته وماله.
اترك تعليقاً