بحث قانوني حول السياسة الجنائية لمكافحة المخدرات في فلسطين
الفصل الأول
المخدرات والتطور التاريخي للسياسة الجنائية و مصادر وتقسيمات السياسة الجنائية
المبحث الأول: المخدرات والمؤثرات العقلية
المطلب الاول : تعريف بالمخدرات :
المخدرات (بكسر الدال ) هي مواد نباتيه أو كيميائية لها تأثيرها العقـلي والبدني على من يتعاطاها ، فتصيب جسمه بالفتور والخمول وتشــل نشاطه وتغطي عقلـه وتؤدي إلى حاله من الإدمان والتعـود عليـها بحيث إنه لو أمتنع عنها قليلاً فسد طبعه وتغير حاله وساء مزاجه
تاريخ ظهور وتعاطي المخدرات :
ورد في تراث الحضارات القديمة آثار كثيرة تدل على معرفة الإنسان بالمواد المخدرة منذ تلك الأزمنة البعيدة، وقد وجدت تلك الآثار على شكل نقوش على جدران المعابد أو كتابات على أوراق البردي المصرية القديمة أو كأساطير مروية تناقلتها الأجيال. فالهندوس على سبيل المثال كانوا يعتقدون أن الإله (شيفا) هو الذي يأتي بنبات القنب من المحيط، ثم تستخرج منه باقي الإلهة ما وصفوه بالرحيق الإلهي ويقصدون به الحشيش. ونقش الإغريق صوراً لنبات الخشاش على جدران المقابر والمعابد، واختلف المدلول الرمزي لهذه النقوش حسب الإلهة التي تمسك بها، ففي يد الإلهة (هيرا) تعني الأمومة، والإلهة (ديميتر) تعني خصوبة الأرض، والإله (بلوتو) تعني الموت أو النوم الأبدي. أما قبائل الإنديز فقد انتشرت بينهم أسطورة تقول بأن امرأة نزلت من السماء لتخفف آلام الناس، وتجلب لهم نوماً لذيذاً، وتحولت بفضل القوة الإلهية إلى شجرة الكوكا حيث كان الهنود يقطفون اوراق نبات الكوكا ويقوموا بتحويله الى عصير سمي بمشروب الكوكا وصبح مشروبا شعبيا لديهم.
المطلب الثاني :أنواع المخدرات.
أولا :-الكحوليات
تعتبر الكحوليات من أقدم المواد المخدرة التي تعاطاها الإنسان، وكانت الصين أسبق المجتمعات إلى معرفة عمليات التخمير الطبيعية لأنواع مختلفة من الأطعمة، فقد صنع الصينيون الخمور من الأرز والبطاطا والقمح والشعير، وتعاطوا أنواعاً من المشروبات كانوا يطلقون عليها “جيو” أي النبيذ، ثم انتقل إليهم نبيذ العنب من العالم الغربي سنة 200 قبل الميلاد تقريباً بعد الاتصالات التي جرت بين الإمبراطوريتين الصينية والرومانية. واقترن تقديم المشوربات الكحولية في الصين القديمة بعدد من المناسبات الاجتماعية مثل تقديم الأضاحي للآلهة أو الاحتفال بنصر عسكري. وهذا نموذج ليس متفردا في قدم وتلقائية معرفة الإنسان للكحوليات، كما لهذا النموذج شبيه في الحضارات المصرية والهندية والرومانية واليونانية، كما عرفت الكحوليات المجتمعات والقبائل البدائية في أفريقيا وآسيا
ثانيا:- الحشيش(القنب)
القنب كلمة لاتينية معناها ضوضاء، وقد سمي الحشيش بهذا الاسم لأن متعاطيه يحدث ضوضاء بعد وصول المادة المخدرة إلى ذروة مفعولها. ومن المادة الفعالة في نبات القنب هذا يصنع الحشيش، ومعناه في اللغة العربية “العشب” أو النبات البري، ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقة من الكلمة العبرية “شيش” التي تعني الفرح، انطلاقاً مما يشعر به المتعاطي من نشوة وفرح عند تعاطيه الحشيش.وقد عرفت الشعوب القديمة نبات القنب واستخدمته في أغراض متعددة، فصنعت من أليافه الحبال وأنواعا من الأقمشة، واستعمل كذلك في أغراض دينية وترويحية.
ومن أوائل الشعوب التي عرفته واستخدمته الشعب الصيني، فقد عرفه الإمبراطور شن ننج عام 2737 ق.م وأطلق عليه حينها واهب السعادة، أما الهندوس فقد سموه مخفف الأحزان.
وفي القرن السابع قبل الميلاد استعمله الآشوريون في حفلاتهم الدينية وسموه نبتة “كونوبو”، واشتق العالم النباتي ليناوس سنة 1753م من هذه التسمية كلمة “كنابيس” Cannabis.
وكان الكهنة الهنود يعتبرون الكنابيس (القنب – الحشيش) من أصل إلهي لما له من تأثير كبير واستخدموه في طقوسهم وحفلاتهم الدينية، وورد ذكره في أساطيرهم القديمة ووصفوه بأنه أحب شراب إلى الإله “أندرا”، ولايزال يستخدم هذا النبات في معابد الهندوس والسيخ في الهند ونيبال ومعابد أتباع شيتا في الأعياد المقدسة حتى الآن.
وقد عرف العالم الإسلامي الحشيش في القرن الحادي عشر الميلادي، حيث استعمله قائد القرامطة في آسيا الوسطى حسن بن صباح، وكان يقدمه مكافأة لأفراد مجموعته البارزين، وقد عرف منذ ذلك الوقت باسم الحشيش، وعرفت هذه الفرقة بالحشاشين.
أما أوروبا فعرفت الحشيش في القرن السابع عشر عن طريق حركة الاستشراق التي ركزت في كتاباتها على الهند وفارس والعالم العربي، ونقل نابليون بونابرت وجنوده بعد فشل حملتهم على مصر في القرن التاسع عشر هذا المخدر إلى أوروبا.وكانت معرفة الولايات المتحدة الأميركية به في بدايات القرن العشرين، حيث نقله إليها العمال المكسيكيون الذين وفدوا إلى العمل داخل الولايات المتحدة.
ثالثا:- الأفيون :
أول من اكتشف الخشاش (الأفيون) هم سكان وسط آسيا في الألف السابعة قبل الميلاد ومنها انتشر إلى مناطق العالم المختلفة، وقد عرفه المصريون القدماء في الألف الرابعة قبل الميلاد، وكانوا يستخدمونه علاجاً للأوجاع، وعرفه كذلك السومريون وأطلقوا عليه اسم نبات السعادة، وتحدثت لوحات سومرية يعود تاريخها إلى 3300 ق.م عن موسم حصاد الأفيون، وعرفه البابليون والفرس، كما استخدمه الصينيون والهنود، ثم انتقل إلى اليونان والرومان ولكنهم أساؤوا استعماله فأدمنوه، وأوصى حكماؤهم بمنع استعماله، وقد أكدت ذلك المخطوطات القديمة بين هوميروس وأبو قراط ومن أرسطو إلى فيرجيل.
وعرف العرب الأفيون منذ القرن الثامن الميلادي، وقد وصفه ابن سينا لعلاج التهاب غشاء الرئة الذي كان يسمى وقتذاك “داء ذات الجُنب” وبعض أنواع المغص، وذكره داود الأنطاكي في تذكرته المعروفة باسم “تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب” تحت اسم الخشخاش وفي الهند عرف نبات الخشاش والأفيون منذ القرن السادس الميلادي، وظلت الهند تستخدمه في تبادلاتها التجارية المحدودة مع الصين إلى أن احتكرت شركة الهند الشرقية التي تسيطر عليها إنجلترا في أوائل القرن التاسع عشر تجارته في أسواق الصين.وقد قاومت الصين إغراق أسواقها بهذا المخدر، فاندلعت بينها وبين إنجلترا حرب عرفت باسم حرب الأفيون (1839 – 1842) انتهت بهزيمة الصين وتوقيع معاهدة نانكين عام 1843 التي استولت فيها بريطانيا على هونغ كونغ، وفتحت الموانئ الصينية أمام البضائع الغربية بضرائب بلغ حدها الأقصى 5%.
واستطاعت الولايات المتحدة الأميركية الدخول إلى الأسواق الصينية ومنافسة شركة الهند الشرقية في تلك الحرب، فوقعت اتفاقية مماثلة عام 1844، وكان من نتائج تلك المعاهدات الانتشار الواسع للأفيون في الصين، فوصل عدد المدمنين بها عام 1906 على سبيل المثال خمسة عشر مليوناً، وفي عام 1920 قدر عدد المدمنين بـ 25% من مجموع الذكور في المدن الصينية.واستمرت معاناة الصين من ذلك النبات المخدر حتى عام 1950 عندما أعلنت حكومة ماوتسي تونغ بدء برنامج فعال للقضاء على تعاطيه وتنظيم تداوله.
رابعا:- المورفين :
وهو أحد مشتقات الأفيون، حيث استطاع العالم الألماني سير تبرز عام 1806 من فصلها عن الأفيون، وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الإله مورفيوس إله الأحلام عند الإغريق. وقد ساعد الاستخدام الطبي للمورفين في العمليات الجراحية خاصة إبان الحرب الأهلية التي اندلعت في الولايات المتحدة الأميركية (1861 – 1861) ومنذ اختراع الإبرة الطبية أصبح استخدام المورفين بطريقة الحقن في متناول اليد
خامسا:- الهيرويين :
وهو أيضاً أحد مشتقات المورفين الأشد خطورة، اكتشف عام 1898 وأنتجته شركة باير للأدوية، ثم أسيء استخدامه وأدرج ضمن المواد المخدرة فائقة الخطورة.
سادسا:- ألأمفيتامينات(المنشطات) :
تم تحضيرها لأول مرة عام 1887 لكنها لم تستخدم طبياً إلا عام 1930، وقد سوقت تجارياً تحت اسم البنزورين، وكثر بعد ذلك تصنيع العديد منها مثل الكيكيدرين والمستيدرين والريتالين.
وكان الجنود والطيارون في الحرب العالمية الثانية يستخدمونها ليواصلوا العمل دون شعور بالتعب، لكن استخدامها لم يتوقف بعد انتهاء الحرب، وكانت اليابان من أوائل البلاد التي انتشر تعاطي هذه العقاقير بين شبابها حيث قدر عدد اليابانيين الذين يتعاطونها بمليون ونصف المليون عام 1954، وقد حشدت الحكومة اليابانية كل إمكاناتها للقضاء على هذه المشكلة ونجحت بالفعل في ذلك إلى حد كبير عام 1960.
سابعا:- القات
شجرة معمرة يراوح ارتفاعها ما بين متر إلى مترين، تزرع في اليمن والقرن الأفريقي وأفغانستان وأواسط آسيا.
اختلف الباحثون في تحديد أول منطقة ظهرت بها هذه الشجرة، فبينما يرى البعض أن أول ظهور لها كان في تركستان وأفغانستان يرى البعض الآخر أن الموطن الأصلي لها يرجع إلى الحبشة.
عرفته اليمن والحبشة في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث أشار المقريزي (1364 – 1442) إلى وجود “.. شجرة لا تثمر فواكه في أرض الحبشة تسمى بالقات، حيث يقوم السكان بمضغ أوراقها الخضراء الصغيرة التي تنشط الذاكرة وتذكر الإنسان بما هو منسي، كما تضعف الشهية والنوم..”.
وقد انتشرت عادة مضغ القات في اليمن والصومال، وتعمقت في المجتمع وارتبطت بعادات اجتماعية خاصة في الأفراح والمآتم وتمضية أوقات الفراغ، مما يجعل من مكافحتها مهمة صعبة. وكان أول وصف علمي للقات جاء على يد العالم السويدي بير فورسكال عام 1763.
المبحث الثاني : التطور التاريخى للسياسة الجنائية
المطلب الاول: السياسة الجنائية في العصر البدائي
في العصور البدائية عرفت المجتمعات الانسانية قبل نشاه الدولة رد فعل غريزي هو الثار والانتقام الفردي وفي مرحلة تالية ومع ازدياد سلطة شيخ القبيلة عرفت المجتمعات القبلية نظم أخرى لرد الفعل ضد العدوان كاصطناع المحنة ورد الفعل في شخص الجاني والعمل على إلا يشمل غيره من إفراد أسرته أو التخلي عن الشخص الجاني أو تسليمه إلى ذوي المجني عليه ليستوفوا منه ثأرهم شخصيا .
أو تحريم الاقتتال في أشهر معينة كما استخدم نظم بديلة كنظامي القصاص والدابة وهذا يدل بدوره على بلوغ المجتمعات الإنسانية قدر معين من التحاور والرقي.
وبعد نشوء الدولة أدى قيامها إلى تدخل الدولة في مجال التشريع ورسم السياسة الجنائية التي تخدم مصالح البلد للدفاع عن مصالحها حيث حلت سلطة الدولة محل سلطة رب الأسرة أو العشيرة في القصاص من الجاني .
دون تغيير في مفهوم المسئولية عن الفعل حيث ظلت مع ذلك السياسة الجنائية للدولة في مجال العقوبة هو الانتقام أو شبه الانتقام من الجاني انظر في ذلك قوانين محوراي والقوانين الرومانية ولكن ملاحظ انه في بداية نشوء الدولة كانت السياسة الجنائية للدولة منصبة على الجرائم السياسية كالخيانة والتجسس والتأمر على نظام الحكم أو السلطان ترى الجرائم المضرة بالمصلحة العامة للدولة وترك حق القراد للثار والقصاص بالنسبة للأفعال الأخرى أو العقوبات الخاصة ولكن مع ازدياد سلطان الدولة تقلصت العقوبات الخاصة تدريجيا لتحل محلها العقوبات العامة لتتحول الجرائم الخاصة إلى جرائم عامة تعاقب عليها الدولة .
المطلب الثاني : السياسة الجنائية في العصور الوسطى .
اتجهت السياسة الجنائية في العصور الوسطى مع ازدياد سلطان الدولة التي قامت على الفكر الديني فقد تحكم رجال الدين في سن القوانين التي تحرم الأفعال وتعاقب عليها حتى إن كثير من المفكرين والمخترعين لاقوا إعدامات من قبل رجال الدين بحجة أنهم مشعوذون وسحرة حيث اعتمدت السياسة الجنائية على فكرة الانتقام الإلهي باعتبار الجريمة مظهر من مظاهر الإخلال بالتعاليم الإلهية والعقوبة عبارة عن تعذيب لا بد منه انتقاما للإلهة وتهدئة لسخطهم وتطهيرا للمجرم من إثمه وتكفيرا عن ذنبه وكان الإعدام هو الجزاء المقرر لعدد كبير من الجرائم وعقوبات أخرى كالكي والخازوق والحجز في الحديد والأقفاص والشد على العجلات والضرب بالكرباج ودفن الإحياء هذا بالنسبة للعقوبات البدنية وهي لا تثير مشكلة بسبب أنها لا تأخذ وقت كبير في تنفيذها إما العقوبات السالبة للحرية فقد كانت تنفذ في سجون قذرة لا تدخلها لا الشمس ولا الهواء بإشراف سجانين عتاة قساه القلوب حيث كان لا يفرق بين المساجين من حيث المدة والسن والمجرمين الخطرين من غيرهم ممن ارتكب جرائم بسيطة والذين لا يشكلون خطورة إجرامية .المطلب الثالث : السياسة الجنائية في العصر الحديث
أولا:التجريم والعقاب في ظل السياسة الجنائية التقليدية .
أثارت الحالة التي كان عليها القانون الجنائي في أوروبا أقلام الفلاسفة فقاموا بحملة ينكرون فيها قسوة العقوبات وقسوة تنفيذها التي لا مبرر لها .
منهم مونتسكيو وجاك جان روسو وقولني حيث اتجهت الفلسفة نحو المادية أو فلسفة العقل وقد انعكس ذلك بأثره على الفلسفة الجنائية حيث شهد الفكر الجنائي في ظل هذه الفلسفة مدرستين من مدارس السياسة الجنائية هي المدرسة التقليدية والمدرسة التقليدية الجديدة حيث أرست الأساس الأول لسياسة جنائية غزت مبادئها التشريعات الجنائية كافة .
1- المدرسة التقليدية : يعود إلى هذه المدرسة الفضل في تنبيه الأذهان إلى الأساليب الوحشية التي كانت تسود سياسة التجريم والعقاب في القرون الوسطى لذلك هي تمثل الحد الفاصل بين السياسة الجنائية التي قامت على شرعية الجرائم والعقوبات حيث إن هذه السياسة توفر للدولة حقها في اخذ حق المجتمع من المجرم بتطبيق العقوبة عليه وهنا توفر السياسة الجنائية الردع العام والخاص .
2- المدرسة التقليدية الجديدة:
وفي هذه المدرسة اتجهت السياسة الجنائية إلى إحداث تطوير في سياسة التجريم والعقاب بحيث تكون عادلة بمعنى إن تتناسب العقوبة مع الجريمة المرتكبة، ويعود إلى هذه المدرسة الفضل في ظهور الوظيفة الثانية للعقوبة وهي أنها وسيلة للإصلاح.
ونظرا لان العدالة التي سعت إليها هذه السياسة الجنائية هي عدالة حسابية فقد عزى إليها فشل التشريعات في مكافحة الظاهرة الإجرامية لان اعتماد العقوبة وحدها وسيلة المجتمع لمكافحة الجريمة أدى إلى إهمال فكرة التدابير الوقائية .
ثانيا : السياسة الجنائية العلمية للتجريم والعقاب
إزاء هذا الوضع المتردي وإفلاس السياسة الجنائية التقليدية في الحد من موجه الإجرام وذيوع الفلسفة الوضعية لأوجست كونت بالإضافة إلى ظهور دراسات الإحصاء الجنائي اتجه فقهاء القانون الجنائي إلى المناداة بسياسة جنائية تقوم على أسس علمية واقعية وقد تمخض عن هز الاتجاه عن ثلاثة مدارس للسياسة الجنائية هي الوضعية والتوفيقية والدفاع الاجتماعي .
1- المدرسة الوضعية :
اتبعت هذه المدرسة منهجا واقعيا في تفسير الظاهرة الإجرامية إلا وهو التفسير ألسببي حيث إن دراسة أي ظاهرة من الظواهر إنما تأتي من طريق معرفة أسباب وجود الظاهرة وهذا يأتي عن طريق بحث أسباب الإجرام في شخص المجرم ذاته ويتفق أقطاب هذه المدرسة على نفس حرية الاختيار لدى الجاني والاعتماد على مبدأ الحتمية كأساس للمسئولية الجنائية حيث هدف التجريم والعقاب هنا هو الدفاع عن المجتمع مستقبلا و مناط توقيع العقوبة هو درجة الخطورة التي تنطوي عليها شخصية المجرم أي درجة استعداده لارتكاب جريمة مستقبلا نجحت هذه النظرية في معاملة الإحداث المنحرفين حيث أساس البحث في أسباب الجريمة هو شخصية الجاني .
2-المدرسة التوفيقية :
أدت التساؤلات عن مدى كفاية العقوبة كوسيلة للردع العام في مكافحة الظاهرة الإجرامية حتى تيقظ فقهاء القانون الجنائي فتبنوا اتجاها جديدا يهدف إلى رسم سياسة جنائية تضم أفضل ما في السياسة الوضعية والسياسة التقليدية الجديدة واهم المباد التي يقوم عليها المذهب التوفيقي هي الجمع بين رد الفعل العقابي ورد الفعل العلاجي بمعنى الإبقاء على العقوبة على إن يراعى التناسب بين الجريمة والعقوبة بالإضافة إلى ضرورة الدفاع الاجتماعي التي تحققها التدابير الوقائية وتختلف من جريمة لأخرى ومن مجرم لأخر لإرضاء العدالة من جهة ولحماية المجتمع من الخطورة الإجرامية من ناحية أخرى .
3- مدرسة الدفاع الاجتماعي:
وهي تمثل احدث الاتجاهات في السياسة الجنائية المعاصرة وهي تسعى لرسم سياسة جنائية اجتماعية إنسانية لمكافحة الظاهرة الإجرامية والانحراف .
ترجع نشاه هذه المدرسة إلى تأثر أقطابها بالفكر الإنساني الحالي وحقوق الإنسان وحريته وتدخل علم النفس الجنائي والدراسات الاجتماعية في مجال المجرمين وان الجريمة ترجع أسبابها إلى عوامل داخلية وعوامل اجتماعية وهذه المدرسة تضم مذهبين يوصف احدهم بأنه متطرف وهو مذهب جرافارتيا حيث ينادى بإلغاء فكرة المسئولية الجنائية وإحلال فكرة الانحراف الاجتماعي وإلغاء العقوبات والاستعاضة عنها بتدابير جديدة للدفاع الاجتماعي إما المذهب الثاني فيوصف بأنه معتدل ويقود هذا المذهب مارك انسل حيث يتمسك بالقانون الجنائي أو بفكرة حرية الإرادة كما يعتبر مع التدابير الاحترازية نظاما متكاملا يجمع بين العقوبة والتدابير الاحترازية يعتمد على الفحص الطبي والنفسي و الاجتماعي وهدفه إعادة المجرم إلى حظيرة المجتمع وإعادة تأهيله اجتماعيا .
المبحث الثالث :ماهية السياسة الجنائية ومصادرها وشروط تحقيق العدالة الاجتماعية
المطلب الاول :المبادئ التي تقوم عليها السياسة الجنائية
إن ضمان حقوق الإنسان و الاستقرار القانوني هو التزام يقضيه تحقيق الهدف العلمي من السياسة الجنائية، و هو الحماية الاجتماعية الإنسانية أمام احترام الضمانات الدستورية التي تزيد عن حقوق الإنسان و تكفل حقوق كافة المواطنين، فهي التزام تشريعي تقتضيه طبيعة السياسة الحنائية كسياسة تشريعية للقانون الجنائي وذلك في إطار حقوق الإنسان و يعتبر القانون الدولي العام، ممثلاً في الأمم المتحدة و قراراتها في الاتفاقيات الدولة، مصدراً هاماً لحقوق الإنسان، ويلتزم القانون الوطني باحترام هذه القواعد.وتتمثل القواعد الدولية لحقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية و السياسية لعام 1966م
و الضمانات الدستورية حيث تنص الدساتير على احترام عدد من الحقوق و الحريات العامة و لكن مدى احترام هذه الحقوق و الحريات من الناحية الواقعة يتفاوت من دولة إلى أخرى ويتوقف إلى حد كبير على الوعي السياسي و درجة التقدم الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي الذي حققته الدولة .
المطلب الثاني :تعريف السياسة الجنائية:
السياسة الجنائية هي المبادئ و الأهداف التي يسعى مجتمع ما لتحقيقها في مرحلة تاريخية معينة أملاً في تحقيق عدالة جنائية متمثلة في الوقاية من الجريمة و مكافحتها و ذلك في ضوء سياسات سياسة و اقتصادية و اجتماعية و أمنية واضحة المعالم في دستور و تشريعات ذلك المجتمع مستخدماً في ذلك القوانين و اللوائح التنفيذية و أجهزة العدالة الجنائية بصورة متناسقة كوسائل لتحقيق هذه المبادئ و الأهداف.
يتضح من التعريف السابق أن السياسة الجنائية للمجتمع يجب أن تتميز بالآتي:
1-أن تكون نظرتها ممتدة إلى المرحلة السابقة لصدور القوانين وكذلك اللوائح و الأوامر التنفيذية التي تقوم على تنفيذها السلطات التنفيذية لدراسة تلك المرحلة و تحديد سلبيات تلك القوانين و التشريعات.
2- كذلك تنظر السياسة الجنائية إلى مرحلة تطبيق القانون سواء كان التطبيق بمعرفة أفراد الهيئة القضائية و أعضاء النيابة العامة أو المعاونون لهم مثل الخبراء أو المحضرين و كذلك رجال الشرطة التنفيذية الموكول إليهم تنفيذ القوانين مثل الشرطة وشرطة السجون أياً كان تبعيتها.
3- إن المشرع يجب عليه الاهتداء بمبادئ السياسة الجنائية فيما يس من قواعد جنائية سواء كانت عقابية أو تجريمي و كذلك يجب على القضاة و أعضاء النيابة و الشرطة و معاونيهم في مرحلة تطبيق القانون الجنائي و إجراءاته الاهتداء أيضاً بمبادئ السياسة الجنائية في مرحلة القانون و تفسير نصوصه.
4- أن السياسة الجنائية لا تطور التشريع فقط و أنما تطور تفسير القوانين سواء بواسطة الفقهاء ولا يصلح فقيهاً قانونياً من لا يهتم بموائمة تفسير القانون مع الأفكار و المبادئ السائدة في المجتمع.
5- إن السياسة الجنائية إقليمية تختلف من مجتمع لآخر فهي ليست سياسة جنائية مطلقة تصلح لكافة المجتمعات فوسائل السياسة الجنائية هي القوانين و اللوائح التي تصلح لمجتمع ما قد لا تصلح لمجتمع آخر لاختلاف النظم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية من مجتمع لآخر.
6- يجب أن نعترف إن السياسات السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية توجه و تؤثر في السياسة الجنائية و تحدد مسارها حسب مدى سيطرة المجتمع على هيئاته التشريعية التي تضع سياساته السياسية و الاجتماعية والاقتصادية.
7- أن السياسة الجنائية تتميز بالتطور و النمو وفقاً لسياسات المجتمع التي يسعى لتحقيقها و لذلك يجب أن تكون السياسة الجنائية محل تقييم و مراجعة مستمرة و ذلك بناء على منهج علمي يقوم بجمع المعلومات عن الجريمة و حجمها و مدى فاعلية القوانين و اللوائح في تحقيق أهداف السياسة الجنائية في الجريمة و مكافحتها.
8- أن السياسة الجنائية ليس من وسائلها قانون العقوبات و الإجراءات الجنائية فقط بل تمتد إلى التدابير الاحترازية و التدابير الاجتماعية لمنع الجريمة و كذلك إلى اللوائح و النظم الإدارية التي تنظم عمل الجهات المعاونة للقضاء و النيابة و الشرطة في تنفيذ القوانين.
9- أن السياسة الجنائية لا تقف عند مرحلة توقيع الجزاء الجنائي أو التدابير الاحترازي بل تمتد إلى مرحلة تنفيذ العقوبة أو التدابير الاحترازي و يجب على المسئولين عن تنفيذ العقوبة داخل السجون أن يكون أسلوب تنفيذهم للعقوبة أو التدبير الاحترازية بناء على دراسة علمية لشخصية المجرم و ظروفه الاجتماعية حتى يمكن تحقيق الهدف من العقوبة أو التدبير الاحترازي و هو الإصلاح الاجتماعي.
10- أن قانون الإجراءات الجنائية يعد من أهم الوسائل التنفيذية لتحقيق السياسة الجنائية و هناك حقيقة يجب ألا نغفل عنها وهي أن قانون العقوبات الصالح لمجتمع ما إذا لم يتوافر له إجراءات جنائية تحقق أهدافه سواء في الردع العام أ, الردع الخاص يصبح قانوناً عقابياً هزيلاً و ضعيفاً ولا صيما لو كان ذلك القانون هو قانون مكافحة المخدرات و الذي يواجه أكثر العصابات تنظيماً و تسليحاً لممارسة نشاطها الإجرامي و بالتالي إذا لم يتوافر لقانون مكافحة المخدرات الصارم قانون الإجراءات الجنائية يتفق معه لتحقيق أهداف السياسة الجنائية لقانون مكافحة المخدرات أصبحنا أمام قانون عاجز مشلول غير قادر على مواجهة مشكلة المخدرات ووجد رجال القانون وأعوانهم الذين يبسطون حمايتهم ويكرسون خدماتهم القانونية لرجال العصابات المنظمة التي تمارس نشاطها في مجال الاتجار في المخدرات ضالتهم المنشود ة في قانون الإجراءات بحيث يسعون فساداً في الأرض و يتلاعبون في كافة الاتجاهات بقانون مكافحة المخدرات بحيث يصبح عاجزاً و مشلولاً لا تصل يداه إلى أعناق مهربي و متجري المخدرات ليقتص منهم ويعيد تأهيلهم محققاً الأهداف التي كان يأمل المشرع الجنائي تحقيقها عند إصداره لذلك القانون الصارم و هناك أمثلة حية لقضايا مخدرات تم ضبطها بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ومع ذلك لم تطبق عليها مواد قانون المخدرات التي كان يجب تطبيقها على مثل تلك الحالات و كان السبب الأول لذلك هو عجز قانون الإجراءات الجنائية أو عدم اقتناع القاضي الجنائي في تطبيق مواد قانون مكافحة المخدرات
و السياسة الجنائية تهدف إلى تحقيق توازن بين حق الدولة في العقاب ومنع الجرائم بهدف حماية المصلحة الاجتماعية، و بين حق الإنسان في الحرية فالدولة بحكم وظيفتها عليها أن تحمي كافة المصالح القانونية، و هي ليست مقصورة على المصالح الاجتماعية، إنما تشمل أيضاً الحقوق الإنسانية للفرد، أي حقوق الإنسان، و الحقوق بحكم طبيعتها الإنسانية يجب أن يحميها القانون ولا يجوز إهدارها بدعوى المحافظة على مصلحة المجتمع. لذا يتعين التوفيق بين المصلحتين في إطار العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تحكم المجتمع و السياسة الجنائية هي سياسة تشريعية للقانون الجنائي حيث يفترض حتما أن يكون هذا القانون المعبر عن اتجاهات السياسة الجنائية و لتحقيق الشعور بالاستقرار القانوني عند الأفراد يجب أن تتمتع قواعد القانون بالوضوح و الثبات من خلال تنظيمها للمصالح المحمية و من مظاهر الاستقرار القانوني الذي يجب أن تراعيه السياسة التشريعية في المجال الجنائي احترام مبدأ شريعة الجرائم و العقوبات و ما تقتضيه من عدم جواز القياس في التجريم و العقاب و عدم رجعية قانون العقوبات فضلاً عن وضوح نصوص القانون و ثباتها و ينعكس الاستقرار القانوني على سياسة المنع التي تواجه الخطورة الاجتماعية فيتعين احترام مبدأ الشرعية في التدابير المانعة التي تواجه هذه الخطورة و يتحقق ذلك بتحديد مضمون الخطورة الاجتماعية سلفاً وصياغتها في قانونً في نصوص واضحة نافذة المفعول قبل اتخاذ التدابير المانعة مع ملاحظة أن القواعد القانونية في تطور مستمر تبعاً لتطور المجتمع ذاته فالقانون الحالي تعديلاته مستمرة حتى يتلاءم مع ما يصيب المجتمع من تطور و ما يطرأ من تغيرات و عند القيام بهذا التعديل يجب الاسترشاد بالنظم القانونية التي سبق تطبيقها في نفس المجتمع و كذلك بالنظم و التشريعات القانونية
و تظهر أهمية ذلك للأسباب الآتية:
أ?- من الناحية العلمية: لا يستطيع الباحث فهم النظم و المبادئ المطبقة حالياً فهماً صحيحاً إلا إذ تعقب أصلها التاريخي و ذلك لأن القواعد و النظم القانونية تكون وليدة الظروف التاريخية لذلك المجتمع و ثمرة تطوره سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً فالشرائع و النظم القانونية الحالية ما هي إلا سلسلة طويلة الحلقات مرتبطة مع سنة التقدم و الرقي الإنساني تنتقل خلالها القواعد القانونية من عصر إلى عصر و من جيل إلى جيل بما يصيبها من نمو و تعديل و ما ينالها من تعديل و إصلاح.
ب?- من الناحية العملية:
يتم ذلك بفهم النظم القائمة و أسبابها الحقيقية تمهيداً لاستنباط خير الحلول و أصلح النظم و المبادئ القانونية التي يجب أن تسود المجتمع في ظل التطور المستمر الذي يطرأ عليها و الظروف الجديدة التي تحيط بها و ذلك بقصد مقارنة النظم و المبادئ التي سادت البلاد في الماضي بناء على أسباب معينة و بين المبادئ الحالية و الأسباب التي تحيط بالمجتمع بحيث يمكن في النهاية الوصول إلى سياسة جنائية حكيمة.
و لتحديد ماهية السياسة الجنائية الواجب إنتاجها في المستقبل يتطلب منا الرجوع إلى الضمانات الدستورية التي نص عليها القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م بشأن مبدأ سيادة القانون التي تكفل احترام حقوق الإنسان و حرياته الأساسية، و الحقوق و الحريات العامة المتمثلة في الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس، و مؤدى هذا المبدأ أن الحرية الشخصية ذات قيمة إنسانية خالصة، تعني إنها الشخصية كما كفلها القانون الأساسي المعدل في حرية النقل، و حرمة المسكن، و حرمة الحياة الخاصة، و الحق في سلامة الجسم، كما كفل القانون الأساسي عدة ضمانات لعدم المساس بهذه الحرية، و ضمانا لاحترام كافة هذه الحريات حظر القانون الأساسي المعدل أي اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان الفلسطيني و غيرها من الحقوق و الحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية و لا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، و كذلك كفل استقلالية القضاء و حصانته، ونص على أن التقاضي حق مصون و مكفول للناس، وان لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضية الطبيعي.
من خلال هذه المبادئ و الضمانات التي نص عليها القانون الأساسي المعدل برزت لنا السياسة الجنائية التي يسعى المجتمع الفلسطيني لتحقيقها في المرحلة الحالية أملا في تحقيق عدالة جنائية متماثلة في الوقاية من الجريمة و مكافحتها وذلك في ضوء سياسات سياسة و اقتصادية و اجتماعية واضحة المعالم مستخدما في تحقيق ذلك القوانين و اللوائح التنفيذية و أجهزة العدالة الجنائية بصورة متناسقة كوسائل لتحقيق هذه المبادئ.
المطلب الثالث :مصادر السياسة الجنائية:
إذا حاولنا استعراضا المصادر الأساسية و الرئيسية و الهامة التي يستمد منها المجتمع سياسته الجنائية نجد أنها كالآتي:
1- المصادر الدينية:
سواء كانت الشريعة الإسلامية أو الديانة المسيحية أو اليهودية أو غيرها من الديانات أو النظم الدينية لا يمكن أن ننكر أن هذه الشرائع و الديانات تعد مصدراً أساسياً و هاماً في بلورة أفكار و مبادئ السياسة الجنائية لهذا المجتمع و أن أغلب هذه الشرائع و الديانات لا تختلف في مفهوم العدالة الاجتماعية و الجنائية التي هدفها الأساسي الذي تسعي السياسة الجنائية لتحقيقه و أن كانت تختلف في و سائل تحقيقها مثالاً لذلك أن القانون الأساسي المعدل نص على أن الإسلام دين الدولة و مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع و بالتالي يجب أن تكون السياسة الجنائية لمكافحة المخدرات تتفق مع نصوص الشريعة الإسلامية و مصادرها من القرآن الكريم و السنة و الأحاديث الشريفة التي تحرم المخدرات و تقرر العقاب الرادع على متعاطيها و المتجر و المتعامل فيها.
2- النظم السياسية و الاقتصادية للمجتمع:
تعد أيضاً مصدراً من مصادر تحديد أفكار و مبادئ السياسة الجنائية لأن هدف أي سياسة جنائية هو تحقيق أهداف المجتمع و بالتالي يجب ألا تنفصل السياسة الجنائية للمجتمع عن سياسته السياسة الاقتصادية و الاجتماعية بالحث على الكفاية و العدل بما يحول دون الاستغلال و يحمي الكسب المشروع .
3- قوانين العقوبات الأصلية و التكميلية و قانون الإجراءات الجنائية :
القوانين و النظم القانونية الحالية ما هي إلا حلقة من سلسلة متصلة الحلقات تنقل من خلالها المبادئ و القواعد القانونية للسياسات الجنائية من عصر إلى عصر و لا يستطيع الباحث القانوني أن توصل إلى سياسات جنائية عصرية ناجحة إلا إذا فهم فخماُ صحيحاً الأصل التاريخي و الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي و اكبت ظهور التشريعات الجنائية السابقة حتى يمكن أن يستنبط أصلح السياسات الجنائية لمواجهة مشكلة ما مثل مشكلة المخدرات التي تفاقم حجمها.
4- أن تطور الحديث في علم النفس الجنائي و علم النفس القضائي و علم الإجرام:
يجب ألا يغفل النظر عنه عند وضع السياسة الجنائية و قد تنبه إلى ذلك فقهاء القانون الجنائي و بدأ انتباههم لا ينحصر فقط في قانون العقوبات و قانون الإجراءات الجنائية و التدابير الاحترازية بما فيها من عقوبات و قواعد إجرائية جنائية بل بدأ يمتد نظرهم إلى الجريمة باعتبارها واقعة من وقائع الحياة الإنسانية يجب أن يسعى إلى فهم دوافعها و أسباب وجودها.
المطلب الرابع:شروط تحقيق العدالة الاجتماعية:
أن السياسة الجنائية المعاصرة التي تحقق العدالة الاجتماعية المنشودة تتحقق بالشروط الآتية:
1- مجتمع ديمقراطي تخضع فيه كافة المؤسسات الحاكمة لهذا المجتمع سواء كانت رئاسية أو ملكية أو جمهورية لمبدأ الشرعية و احترام سيادة القانون على أن تكون هذه المؤسسات الحاكمة للمجتمع تعبر تعبيراً حقيقياً عن إرادة أفراد هذا المجتمع بمعنى آخر أن تكون العلاقة بين الفرد و المجتمع و الدولة (أياً كان نظام الدولة رأسمالي أو اشتراكي أو من الدول النامية) علاقة يحكمها مبدأ الشرعية و سيادة القانون المعبر عن إرادة و مبادئ و أهداف هذا المجتمع السياسة الاقتصادية و الاجتماعية .
2- أن تكون أغلبية أفراد هذا المجتمع وضعت لنفسها عن طريق مؤسساته المحلية والتشريعية التي تعبر تعبيراً حقيقياً و واقعياً عن سياسة هذا المجتمع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الواضحة والتي تسعى عن طريق أفراد هذا المجتمع و مؤسساته التشريعية و التنفيذية إلى تحقيق هذه السياسات سعياً نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في ذلك المجتمع.
3- أن تضع المؤسسات التشريعية في المجتمع السياسة الجنائية الملائمة لهذا المجتمع و التي تتناسب و تساير سياسته السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية سعياً إلى الوصول إلى العدالة الجنائية المنشودة.
4- إن تحقيق هذه السياسة الجنائية و بالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية تتمثل في دستور ينظم العلاقة بين مؤسسات الدولة بعضها البعض و كذا تنظيم العلاقة بين الفرد و هذه المؤسسات مع مراعاة القيم الإنسانية و الأخلاقية ثم مجموعة من التدابير الاجتماعية الاحترازية تعقبها مجموعة من القوانين القضائية و الإجرائية تهدف إلى حماية المجتمع و أعضائه ككل من الجرائم ثم مجموعة من اللوائح و الأوامر التنفيذية التي تساير و تتماشى مع روح هذه التدابير و القوانين العقابية و الإجرائية و تساعدها في تحقيق العدالة الجنائية.
5- أن يكون الغرض من هذه التدابير و القوانين العقابية و الإجرائية و كذا اللوائح و الأوامر التنفيذية هو حماية المجتمع بجميع فئاته من أخطار الجريمة و ليس الغرض منها عدم تحقيق العدالة الجنائية و يسعى كل فرد من أفراد المجتمع إلى الفوضى و عدم استقرار الأمن.
6- أن يتم تفسير القواعد العقابية و الإجرائية على ضوء السياسة الجنائية التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها و لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كان القائمون على تنفيذ القوانين و اللوائح سواء كانوا من رجال القضاء أو النيابة أو الشرطة أو غيرهم من مأموري الضبطية القضائية أو معاونيهم مؤمنين بأن الهدف من هذه القوانين و اللوائح هو تحقيق العدالة الجنائية وفقاً لمفهوم السياسة الجنائية التي ارتضاها المجتمع لنفسه و ليس مجرد تفسير ضيق لألفاظ القانون و أن العقوبة يجب أن تتحدد وفقاً لمدى استفادة المحكوم علية بها عند تنفيذها كوسيلة من وسائل الإصلاح الاجتماعي و أن القاضي هو الذي يحدد نوع العقوبة التي سيتحملها المجرم إلا أن هذا لا يمنع أن تعتمد السياسة الجنائية على المعايير العلمية في تنظيم المعاملة داخل السجن وفقاُ لمبادئ علم الأجرام وفقاً لدراسة شخصية المجرم و ذلك تحت إشراف قضائي يهدف إلى تحقيق الغرض من العقوبات الجنائية و هو الإصلاح الاجتماعي.
7- أن التدابير الاجتماعية الغير عقابية التي توقع بصفة شخصية على المنحرف اجتماعياً لمواجهة ما لدية من عوامل شخصية أو اجتماعية أو اقتصادية تميل نحو الأجرام تعبير من أهم أساليب منع الجريمة كهدف من أهداف العدالة الجنائية باعتبار أن الأجرام ظاهرة اجتماعية لا يمكن النظر إليها بمنظار عقابي بحت و قد جاء في الفقرة الأولى من قرارات المؤتمر الرابع للأمم المتحدة لمنع الجريمة و معاملة المجرمين المنعقد في كيوتو باليابان في أغسطس سنة 1970م ( دعوة جميع الحكومات إلى إيجاد التدابير الفعالة لتنسيق و تقوية جهودها في مجال منع ا لجريمة) و أن تطبيق النظام العقابي يكلف المجتمع نفقات باهظة مما يؤدى إلى خفض الإنفاق لمعالجة المشكلات الاجتماعية.
8- إن التدابير الاحترازية إذا تمت تحت مظلة الشرعية و سيادة القانون و تم تطبيقها بمعرفة القضاء و النيابة تعد من أهم وسائل تحقيق العدالة الجنائية وفقاً لاتجاهات السياسة الجنائية الحديثة.
9- إن علم النفس الجنائي الذي يدرس النفسية التي تصدر عن صاحبها جريمة في حق غيره مما يؤدي إلى تحديد أسلوب المعاملة الكفيل بعلاج هذه النفسية و علاج مصدرها منعاً لتكرارها و علم النفس القضائي الذي يدرس نفسية أطراف الرابطة الإجرامية الجنائية أو النيابة أو الشرطة أو الخبراء أو المحامين أو معاوني رجال القضاء و النيابة و الشرطة كل هؤلاء لهم دور في تنفيذ السياسة الجنائية لذلك يجب الاهتمام بدراسة علم النفس الجنائي و علم النفس القضائي لأهميتها في تحقيق العدالة الجنائية باعتبارهما يدرسان نفسية أطراف الرابطة الجنائية ككل أي نفسية المجتمع و لاشك أن لعلم النفس الجنائي أهميته في فهم التفاعلات النفسية المؤدية إلى الأجرام و بالتالي العمل على مكافحتها أما عن طريق الوقاية بأساليب المنع و التدابير الاجتماعية والاحترازية أو طريق العلاج بالقوانين الجنائية.
10- لا يمكن تحقيق العدالة الجنائية إذا كانت السياسة الجنائية للمجتمع لا تتكامل و تتناسق و تساير سياسته التشريعية في باقي مجالات التشريع أو الزراعي أو الصناعي أو الإسكاني أو تنظيم مشاكل الأسرة لأن انفصال السياسة الجنائية عن السياسة التشريعية لباقي قطاعات المجتمع يخلق نوعاً من التنافر و التصارع بين أفراد المجتمع.
المبحث الرابع :تقسيمات السياسة الجنائية في الفقه والتقسيم المقترح لها
المطلب الأول: تقسيم فقهاء القانون للسياسة الجنائية
يقسم أغلب فقهاء السياسة الجنائية إلى ثلاثة فروع:
(1) سياسة التجريم.
(2) السياسة العقابية.
(3) سياسة المنع.
اولا :سياسة التجريم:
تباشر الدولة وظيفتها الجزائية لحماية المصالح الاجتماعية التي تسود المجتمع فتختار الجزاء الأكثر صلاحية و الأقرب إلى التعبير عن مدى تقدير المجتمع لأهمية هذه المصالح التي تحتاج أقصى مراتب الحماية القانونية التي عبرت عنها بالعقوبة.
وتحدد المصالح الجديرة بالحماية الجنائية وفق ظروف و احتياجات كل مجتمع وتتأثر بتقاليده و نظامه الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و يعتبر التجريم هو أقصى مراتب الحماية التي يضفيها التشريع على نوع معين من المصالح التي تهم المجتمع.
ثانيا:السياسة العقابية:
تحدد هذه السياسة العقوبات و تطبيقها و تنفيذها و تحديد العقوبات يتم مكملاً للتجريم الذي لا يقوم وحده بدون العقوبة و يستأثر بت المشرع و لذا سماه البعض بالتفرد القانوني أما تطبيق العقوبات و تنفيذها فيتم في مرحلتين متعاقبتين هما التنفيذ القضائي و التنفيذ العقابي و لذا سمي بالتفرد القضائي و التفرد التنفيذي.
وتحدد السياسة العقابية الهدف من العقوبات في مراحلها الثلاث المتعاقبة تشريعياً وقضائياً و تنفيذياً ووسائل تحقيق هذا الهدف و هنا يلاحظ أن العقوبات تتحدد بصورة مجردة في النص التشريعي و يتولى القاضي وحده نقلها إلى مجال الحقيقة بينما يقتصر دور المشرع على بيان الأسس التي يستعين بها القاضي في توقيع العقوبات وفقاً للنظام الذي يحدده المشرع.
ثالثا:سياسة المنع:
هي التي تحدد التدابير الواجب توافرها في الخطورة الاجتماعية للفرد من اجل منعه من ارتكاب الجريمة وهذه السياسة هي إحدى نتاج علم الإجرام الذي تمكن من الوصول إلى معرفة أسباب الجريمة فمن الخير ألا ننتظر وقوع الجريمة بل يجب التدخل قبل ذلك لمحاربة أسبابها عن طريق اتخاذ بعض التدابير التي تهدف إلى منع الجريمة و الإجراءات الإدارية لأجهزة الشرطة لها دور كبير في تحقيق سياسة المنع.
و هنا يخدر التنبيه إلى أن ما تثيره سياسة المنع من تداخل مع السياسة العقابية و السياسة الاجتماعية ووجه التداخل مع السياسة العقابية هو تحديد معنى الخطورة فالعقوبات و التدابير الاحترازية أو المانعة سواء بسواء تستهدف علاج خطورة الشخص ووجه الاختلاف بين الاثنين هو أن الخطورة التي تستهدفها العقوبة هي خطورة مقترنة بالجريمة و لذا تسمى بالخطورة الإجرامية أما الخطورة التي تستهدفها التدابير المانعة فهي سابقة على الجريمة و لذا تسمى بالخطورة الاجتماعية أما التداخل بين سياسة المنع و السياسة الاجتماعية فيبدو في معالجة الخطورة و هي التي تبين استعداد الشخص لارتكاب الجريمة مستقبلاً مهما كان سبب هذه الخطورة اجتماعياً أو نفسياً أو تكوينياً هذا بخلاف السياسة الاجتماعية فأنها تقتصر على معالجة كافة المشكلات الاجتماعية بغض النظر عن ارتباطها بالخطورة الاجتماعية كما أنها تقتصر على الأسباب الاجتماعية للأجرام دون غيره من الأسباب.
ونتيجة لهذا الاختلاف بين الاثنين فان التدابير المانعة لا توقع إلا على المستوى الفردي و حين تثبت توافر الخطورة الاجتماعية فأنها تنظم على المستوى الجماعي مثل إجراءات حماية الأسرة و المساعدات الاجتماعية لأنها تواجه مشكلات معينة بغض النظر عن مدى تأثير هذه المشكلات على شخص معين بالذات فسياسة منع الجريمة تواجه مباشرة خطورة الشخص بخلاف السياسة الاجتماعية فأنها تواجه مشكلات المجتمع
المطلب الثاني:التقسيم المقترح للسياسة الجنائية
سنعرض فيما يلي التقسيم المقترح للسياسة الجنائية حيث يمكن تقسيمها إلى خمسة فروع لا ينفصل عن البعض الآخر بل تتكامل في صورة حلقات أو مراحل متتالية و متداخلة تشكل في النهاية السياسة الجنائية للدولة و ذلك وفقاً للتقسيم التالي:
1- السياسة الجنائية لمنع الجريمة و الوقاية منها.
2- السياسة الجنائية للتجريم و العقاب.
3- السياسة الجنائية للتدابير الاحترازية.
4- السياسة الجنائية للإجراءات الجنائية.
5- السياسة الجنائية لإجراءات أجهزة الشرطة.
وسنوضح تفصيلياً رأينا في ذلك التقسيم و أهميته:
أولا:السياسة الجنائية لمنع الجريمة و الوقاية منها:
المقصود بالوقاية هو منع الجريمة من الوقوع أصلاً بينما المقصود بالعلاج هو منع وقوع الجريمة مرة أخرى بافتراض وقوعها أول مرة و السياسة الجنائية لمنع الجريمة و الوقاية منها تعتبر في نظرنا السياسة الجنائية العامة و الأساسية و تقوم بوضع هذه السياسة أعلى سلطة تشريعية في الدولة يجب أن تشترك معها في وضع هذه السياسة الجنائية كافة أجهزة الدولة التنفيذية المسئولة عن مكافحة الخطورة الاجتماعية (سواء كانت أجهزة الدفاع الاجتماعي أم أجهزة الشرطة) بل و أضيف أيضاً الخطورة الاقتصادية و التي ظهرت حديثاً في صورة جرائم “ذوى الياقة البيضاء” و يتم ذلك في رأينا بضرورة و أهمية اشتراك رجال الاقتصاد و المال و علم الإحصاء في وضع السياسة الجنائية العامة لمنع الجريمة و الوقاية منها كما أننا يجب ألا نغفل أهمية اشتراك الفقهاء و العاملين ي مجال علم النفس الجنائي و علم الإجرامي في وضع هذه السياسة الجنائية.
و النتيجة النائية لهذه السياسة الجنائية العامة في صورة قوانين أو مبادئ أو قواعد يمكن أن يتضمنها الدستور مثلاً حيث أن تلك السياسة تتميز بالثبات لفترات طويلة نسبياً خلافاً للسياسة العقابية أو التدابير الاحترازية و يجب على كافة أجهزة الدولة التشريعية أو التنفيذية عدم مخالفتها و تكون هذه السياسة الجنائية لمنع الجريمة و الوقاية منها هي الإطار العام و القواعد الأساسية التي يجب أن تدور في إطارها كافة السياسات الجنائية الأخرى الخاصة بالعقاب أو الإجراءات الجنائية أم أسلوب تنفيذ العقوبة سواء كانت في صورة تشريعات جنائية أم مدينة أم لوائح أم تعليمات تنفيذية.
ثانيا : : السياسة الجنائية للتجريم و العقاب:
تهدف السياسة الجنائية للتجريم و العقاب إلى تجريم الأفعال التي تمس المصالح السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية للمجتمع أو بمعنى آخر المصالح التي يرى المجتمع أنها في حاجة إلى حماية جنائية ضد من يعتدي عليها من أفراد المجتمع بفرض حماية المجتمع ككل و خلق توازن عادل بين مصالح المجتمع بفرض عن طريق حماية المصالح التي تتفق غايات المجتمع نفسه و بالتالي يعتبر الاعتداء على مصلحة المجتمع غير مشروع و قد أخذت التشريعات الغربية و الاشتراكية بفكرة عدم المشروعية و أن الجريمة تقع بمجرد مخالفة قانون العقوبات و لذلك يجب على المشرع يضع نصوص التجريم أن يراعي وضع المصلحة المحمية بالنسبة للسياسة الجنائية للمجتمع ككل و أن يحدد للقاضي معايير محددة لهذه المصلحة حتى تلتزم السلطات القضائية و التنفيذية بالقواعد و الأهداف التي يسعى المشرع لحمايتها وفقاً لنصوص التجريم.
ويجب على المشرع أن يساير خطط التنمية و التطور الحضاري في المجتمع مثل زيادة عدد السكان أو إنشاء المدن الجديدة أو تغيير الهيكل الاقتصادي سعياً نحو التنمية أو التنمية السياحية بمتطلباتها حتى لا يلجأ إلى التجريم كأسلوب من أساليب تحقيق هذه السياسات مما يؤدى ظهور جرائم مستحدثة مثل جرائم التنظيم العمراني و جرائم العملة نتيجة السلوك الإنساني يؤدى إلى عدم الاقتناع بأساس التجريم مما يؤدي إلى الأقدام على ارتكاب الجريمة.
نلخص من ذلك إلى أن أهداف السياسة الجنائية هي تحقيق كل من:
1-الردع العام.
2-الردع الخاص.
3- التوازن بين الردع العام و الردع الخاص.
ثالثا: السياسة الجنائية للتدابير الاحترازية:
هل تكفي العقوبة وحدها لمحاربة الإجرام؟ سواء أجاب عنه معظم أساطين الفقه الجنائي في العالم بالاعتراف بان العقوبة وحدها لا تكفي لمحاربة الجريمة.
و الجريمة فعل إنساني و التطور الاجتماعي و التقدم العلمي كشفاً عن أسلوب علمي حديث غير العقاب التقليدية وهذا الأسلوب هو التدابير الاحترازية أو الوقائية و الجريمة وفقاً لنظرية التكوين الإجرامي أو الاستعداد السابق للجرام للدكتور Benignodi Tullio أستاذ علم طبائع المجرم بجامعة روما ما هي إلا نتيجة تفاعل بين نفسية الإنسان كعامل داخلي و بين الظروف التي يقابلها الإنسان في العالم الخارجي إلا أن الاختبار و التجربة قد دلا على أن هناك أفراد لديهم استعداد أو ميل للجريمة لا يتوافر لدى الآخرين.
بدليل أن الظروف الخارجية التي تشير فيهم النزعة إلى الإجرام و تدفعهم إلى ارتكاب الجريمة لا تحدث نفس الأثر بالنسبة للأشخاص العاديين و التكوين الإجرامي يتميز بان آثار تظهر على الفرد من سن مبكرة أنه يقضي إلى نوع خطير من المجرمين يميلون إلى تكرار و تجيز المادة 304 من قانون العقوبات الإيطالي أن يضيف القاضي إلى العقوبة المحكوم بها تدابير وقائياً يتخذ مع المجرم بعد تنفيذ العقوبة عليه إذا اقتنع القاضي بان هذا المجرم على درجة من الخطورة تبرر ذلك.
و التدابير الاحترازية باعتبارها وسيلة السياسة الجنائية العقابية و التدابير الاجتماعية كوسيلة من وسائل السياسة الجنائية الوقاية و المنع اللذين تكلمنا عنهما سابقاً فالتدابير الاجتماعية تصدر من جهة الإدارة لمواجهة الخطورة الاجتماعية أما التدابير الاحترازية فتصدر من جهة القضاء و تخضع لمبدأ الشرعية من حيث خضوعها لمبدأ الشرعية الجنائية و انتفاء الأثر الرجعي الضمانات الإجرائية التي يخضع لها المتهم.
و السياسة الجنائية الحديثة لا تنظر إلى العقوبة كوسيلة للردع العام مجردة عن معنى الإصلاح و التقويم بل أصبح من واجب العقاب أن يحول دون وقوع الجريمة مستقبلاً ويشترك في ذلك مع التدابير الاحترازية التي تعتبر إصلاحاً اجتماعياً ينطوي على إيلام معين يتحدد وفقاً لمدى جسامة الخطورة الإجرامية.
رابعا: سياسة الإجراءات الجنائية:
أن التوسع الحالي في قانون الإجراءات الجنائية يجب أن يقابلة توسع آخر في قانون العقوبات و هذا للأسف لم يحدث مما أدى إلى حدوث خلل في العدالة الجنائية.
و يجب أن نعترف كما قال الفقيه De Save أن السياسة الجنائية ما هي إلا قانون العقوبات في حالة الحركة و كذلك يجب أن نقول أيضاً أن السياسة الإجرائية يجب أن تكون حالة الحركة مستمرة لمواكبة تطورات المجتمع.
ويرى أغلب فقهاء العدالة الجنائية أن فعالية و مقدرة النيابة باعتبارها الهيئة المسئولة عن تنفيذ قانون الإجراءات الجنائية على أداء دورها في تحقيق السياسة الجنائية يعتمد إلى حد كبير أيضاً على نوعية عمل أجهزة الشرطة فإذا ما أدت الشرطة عمليها بطريقة جيدة و أعدت القضايا التي تفحصها إعداداً جيداً كانت أجهزة النيابة أقدر على اتخاذ القرار بشأنها طلب المزيد من الأدلة و الجهد لاستكمال تحقيقها.
نصل من ذلك إلى أن أجهزة النيابة في مرحلة ما يجب عليها أن تقرر أما الاستمرار في قضية ما و المضي قدماً في بحثها أو تأجيل ذلك لحين استيفاء أدلة الإثبات و هذا الخيار يتحدد وفقاً لمستوى أو تأجيل ذلك لحين استيفاء أدلة الإثبات و هذا الخيار يتحدد وفقاً لمستوى و نوعية العمل التحضيري بالذي قامت بت أجهزة الشرطة.
وقد أكدت بعض الخبرات على أن الدور بالذي تقوم بت الشرطة و النيابة بتوقف إلى حد كبير على مقدار الموارد المالية المخصص لهما بالإضافة إلى مدى تنظيم بإدارات الشرطة و النيابة و أنه إذا لم يتوافر لدى الشرطة الموارد الكافية فأنها لا تؤدي دورها بالصورة المطلوبة بل يكون ناقصاً مما يقتضي استكمال بواسطة النيابة التي تتأثر أيضاً بقلة الموارد و ينعكس كل ذلك أخيراً على حسن سير الجنائية و تحقيق العدالة الاجتماعية.
ومدى أهمية السياسة الجنائية للإجراءات الجنائية في تحقيق فعالية مشروع قانون المخدرات و لتحقيق أهداف الفقهاء عندما أصدرت ذلك المشروع و أن السياسة الجنائية الإجرائية لها دور كبير و فعال في تحقيق أهداف قانون مكافحة المخدرات.
و تأكيد الدور الذي تقوم به النيابة العامة و أعضائها و معاونيهم في مجال مكافحة المخدرات فأن المؤتمر الدولي السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين (إيطاليا سنة 1985م) نص على أهمية تدريب أعضاء النيابة كما تضمنت توصيات ذلك المؤتمر الآتي:
أن المؤتمر يضع في اعتباره ما أعربت عنه الأمم المتحدة دائماً من اهتمامات بدور القضاء في العالم باعتبار أن إقامة نظام للقضاء الجنائي يتسم بالعدل و الأنصاف و حماية المواطنين من الجريمة يشكل فعال و المعاملة الإنسانية للمجرمين هي رهن بأسلوب تنفيذ أعضاء النيابة لمهامهم و بنزاهة أعضاء النيابة العامة في إقامة الدعاوى و باستقلال السلطة القضائية و نزاهتها و مشيراً إلى القرار رقم 16 الصادر عن المؤتمر الدولي السادس لمنع الجريمة و معاملة المجرمين الذي عقد في كاراكاس في أغسطس سنة 1980م و الذي أعرب فيه المؤتمر عن القلق فيما يتعلق باختبار و تدريب أعضاء النيابة لذا يوصي المؤتمر الدولي السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين بالآتي:
ضرورة تفادي أي سياسي أو اجتماعي أو عرقي أو ديني أو ثقافي أو أجنبي أو أي نوع آخر من أنواع التمييز في اختبار و تعيين أعضاء النيابة.
التأكيد على أن المؤهلات المهنية (شهادة علمية) أمر جوهري في التعيين لضمان اضطلاع النيابة بمهامهم و أنه من الضروري وفقاً لذلك تحسين نظام اختيارهم و تدريبهم القانوني و المهني و تزويدهم بجميع الوسائل اللازمة لتمكينهم من الاضطلاع كما ينبغي بمهمتهم في مكافحة الإجرام و بخاصة أشكاله المعقدة و المتطورة و المنظمة.
يوصي الدول الأعضاء بأن تضمن موضوعية دوائر النيابة و أداءها السليم لمهامهم لتكفل تطبيق العدالة على نحو إنساني و فعال و توفير كل التحسينات اللازمة على نظام اختيار أعضاء النيابة و تدريبهم و توفير كافة الموارد المالية لذلك.
و يوصي الأمين العام للأمم المتحدة بأن يوفر للدول الأعضاء حسب حاجتها و بناء على طلبها المساعدات الفنية و التقنية اللازمة لبلوغ الأهداف المذكورة عالية.
يطلب من لجنة منع الجريمة و مكافحتها أن تنظر في وضع مبادئ و قواعد تنظيم أسلوب اختيار أعضاء النيابة و حصانتهم ووسائل مساهمتهم و مشاركتهم في تحقيق استراتيجية النظام القضائي و تعونهم مع الشرطة و نطاق سلطاتهم التقديرية في وسائل الإجراءات الجنائية لتحقيق العدالة الجنائية.
كما صدرت قرارات المؤتمر الدولي السابع لمنع الجريمة و معاملة المجرمين لوضع مبادئ توجيهية لتدريب موظفي القضاء الجنائي و تطوير المعلومات و النظم الإحصائية الخاصة بالقضاء الجنائي و نصت على الآتي:
1- الاهتمام بتدريب موظفي القضاء الجنائي في كافة الإدارات و الأجهزة المسئولة عن تطبيق القضاء الجنائي مؤيداً أهمية التدريب في تعزيز فاعلية و كفاءة إدارة نظم القضاء الجنائي لتحقيق أهداف سياسته الجنائية و ذلك بوضع و تنفيذ برامج مناسبة لتدريب موظفي القضاء الجنائي.
2- يطلب من الأمين العام أن يضع مبادئ توجيهية لإقامة برامج تدريبية في كافة أجراء إدارات النظام الجنائي القضائي لموظفي هذه الإدارات و أن يقدم تقريراً بذلك إلى لجنة منع الجريمة و مكافحتها.
خامسا: السياسة الجنائية لإجراءات أجهزة الشرطة:
أن الاتجاه لدور الشرطة يستلزم أحداث تغيير في دورها و الاعتراف بأن دور الشرطة في تركيز على منع الجريمة يحتاج إلى التركيز على أن يكون للشرطة المبادرة و سرعة التحرك مع الالتزام بالطاعة باعتبار أن الالتزام و الطاعة صفتان مطلوبتان للشرطة.
و يجب أن تحدد أهداف و أولويات الشرطة بدقة و أن تكون هذه الأهداف و الأولويات محققة للسياسة التي تعمل باقي أجهزة العدالة الجنائية على تحقيقها بحيث لا تنفصل الشرطة عن باقي أجهزة العدالة و قد قرر أحد الخبراء أن الشرطة تحصل على 6% من ميزانية الدول في أغلب البلدان النامية بينما تحصل باقي أجهزة العدالة الجنائية (نيابة-إصلاحيات) على نسبة 2% فقط.
و لا شك أن تلك الاعتمادات الضئيلة لكافة أجهزة الشرطة و العدالة لا يمكن أن تحقق أهداف السياسة الجنائية و لاسيما في ظل الجريمة المنظمة و التطور العلمي الذي تستخدمه عصابات تهريب المخدرات و الاتجار بها بما لديها من موارد مالية ضخمة و ثروات طائلة من حصيلة نشاطها الإجرامي.
و قد أعتبر من الضروري قيام تنسيق و ترابط بين أجهزة الشرطة بإمكانياتها و باقي أجهزة العدالة الجنائية و أن يكون عمل الشرطة في إطار تحقيق أهداف السياسة الجنائية لباقي أجهزة العدالة الجنائية.
و في مجال مكافحة المخدرات يجب أن تعترف أن أجهزة الشرطة المسئولة عن مكافحة المخدرات يقع عليها العبء الأكبر في تحقيق السياسة الجنائية للمشرع الجنائي و الذي تسعى إلى تحقيقه من خلال قانون مكافحة المخدرات أن ذلك العبء يتمثل أساساً في ضبط الجرائم أي في مجال ضبط الإجرام الواقع فعلاً أما الجانب الوقائي في مكافحة المخدرات فأن العبء الأكبر فيه لا يقع إلى أجهزة الشرطة بل يقع على كافة أجهزة المجتمع ككل المسئولة عن الوقاية من الجريمة في المجتمع.
الفصل الثاني
السياسة الجنائية لمكافحة المخدرات في فلسطين:
المبحث الاول : السياسة الجنائية بين الماضي والحاضر:
لقد ورثت السلطة الوطنية الفلسطينية نظاماً قانونياً بالغ التعقيد حيث يوجد أكثر من قانون يطبق في الأراضي الفلسطينية ففي الضفة الغربية يطبق القانون الأردني وفي قطاع غزة يطبق قانون الانتداب البريطاني و بعض القوانين التي صدرت في عهد الادارة المصرية، هذا قد أدى إلى اختلاف النظام القانوني و القضائي في كلا المنطقتين، ومنذ عودة السلطة الوطنية شرعت في ممارسة العملية التشريعية لأول مرة في تاريخ فلسطين حيث برزت الحاجة إلى توحيد و تطوير التشريعات الفلسطينية بشكل يتلاءم و الوضع الجديد، فصدر القرار رقم (1) لسنة 1994م و الذي يقضي باستمرار العمل بالقوانين و الأنظمة التي كانت سارية المفعول في الضفة الغربية و قطاع غزة قبل 5/6/1967م حتى يتم توحيدها.
و في عام 1995م صدر القانون رقم (5) بشأن نقل السلطات و الصلاحيات و الذي يقضي بأن تؤول إلى السلطة الفلسطينية جميع السلطات و الصلاحيات الواردة في التشريعات و القوانين و المراسيم و المنشورات و الأوامر السارية المفعول في الضفة الغربية و قطاع غزة قبل 19/5/1994م وبعد تشكيل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي أنيطت به صلاحية سن التشريعات و إقرارها وفقاً للقواعد الدستورية و كذلك على المهام الموكولة لديوان الفتوى و التشريع في صياغة مشروعات القوانين و توحيد و تطوير التشريعات تكون قد بدأت عملية الممارسة التشريعية بشكل ملموس حيث صدر العديد من التشريعات و اللوائح التنفيذية.
إن أهمية دراسة التطور التشريعي لتحديد ماهية السياسة الجنائية الواجب إنتاجها في المستقبل يتطلب منا الرجوع إلى الضمانات الدستورية التي نص عليها القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م بشأن مبدأ سيادة القانون التي تكفل احترام حقوق الإنسان و حرياته الأساسية، و الحقوق و الحريات العامة المتمثلة في الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس، و مؤدى هذا المبدأ أن الحرية الشخصية ذات قيمة إنسانية خالصة، كما كفلها القانون الأساسي المعدل في حرية النقل، و حرمة المسكن، و حرمة الحياة الخاصة، و الحق في سلامة الجسم، كما كفل القانون الأساسي عدة ضمانات لعدم المساس بهذه الحرية، و ضمانا لاحترام كافة هذه الحريات حظر القانون الأساسي المعدل أي اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان الفلسطيني و غيرها من الحقوق و الحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون يعد جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية و لا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، و كذلك كفل استقلالية القضاء و حصانته، ونص على أن التقاضي حق مصون و مكفول للناس، وان لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضية الطبيعي.
من خلال هذه المبادئ و الضمانات التي نص عليها القانون الأساسي المعدل برزت لنا السياسة الجنائية التي يسعى المجتمع الفلسطيني لتحقيقها في المرحلة الحالية أملا في تحقيق عدالة جنائية متماثلة في الوقاية من الجريمة و مكافحتها وذلك في ضوء سياسات سياسية و اقتصادية و اجتماعية واضحة المعالم مستخدما في تحقيق ذلك القوانين و اللوائح التنفيذية و أجهزة العدالة الجنائية بصورة متناسقة كوسائل لتحقيق هذه المبادئ.
إن السياسة الجنائية في فلسطين لمكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية تتكامل من خلال السياسات الجنائية لمنع الجريمة و الوقاية منها، و السياسة الجنائية للتدابير الاحترازية، و السياسة الجنائية للتجريم و العقاب، و السياسة الجنائية للإجراءات الجنائية، و استراتيجية أجهزة المكافحة و مدى فاعلية و مقدرة أجهزة العدالة الجنائية لتطبيق و تنفيذ السياسة الجنائية للمشرع باعتبار أن الأجهزة يقع عليها العبء الأكبر في تحقيق السياسة الجنائية للمشرع الفلسطيني في مجال المخدرات، أما الجانب الوقائي في مكافحة المخدرات فان العبء الأكبر على كافة أجهزة المجتمع ككل.
و على اثر ذلك شرعت السلطة الفلسطينية باتخاذ خطوات إجرائية لمكافحة ظاهرة المخدرات فأنشأت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات سنة 1994م و التي تتلخص مهامها فيما يلي:
1- رسم السياسة العامة للإدارة و تحديد الأهداف المنوي تنفيذها بصفة عامة فيما يتعلق بتضييق دائرة التعامل و الاتجار غير المشروع بالمواد المخدرة.
2- وضع الأفكار و المناهج المناسبة و تحديد أسلوب الأداء الأمثل لضمان الحد من التعامل بالمواد المخدرة.
3- مراقبة و متابعة حركة المواد المخدرة داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية سواء في التعاطي أو الزراعة أو الاتجار أو كافة أنواع التعامل و حركة المواد المخدرة سواء بالجلب من الخارج أو العكس.
4- تقوم الإدارة بوضع الخطط المناسبة و الفاعلة لتنفيذ السياسة الوقائية ضد التعامل بالمواد المخدرة و المؤثرات العقلية و الحد من العرض و الطلب عليها ووضع العراقيل أمام متعاطيها و الاتجار غبر المشروع للمواد المخدرة و المؤثرات العقلية.
5- تقوم الإدارة برفع مستوى كفاءة الضباط و ضباط الصف و الأفراد العاملين فيها من خلال التدريبات المستمرة لعمليات المكافحة و إلقاء المحاضرات على جميع العاملين فيها لضمان رفع مستوى وتفهم طبيعة العمل و توضيح الإجراءات القانونية الدقيقة المطلوب إتباعها أثناء العمل الميداني.
وعلى الرغم من المجهود الكبير الذي تبذله الإدارة لمكافحة المخدرات للقيام بمهامها بفرض طوق النجاة حول المجتمع الفلسطيني من هذه الآفة الخطيرة إلا أنها تواجه عقبات في عدم وجود معمل فني جنائي وما يترتب عليه من إحالة قضايا المخدرات إلى القضاء، عدم قدرة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات على متابعة و مراقبة و ملاحقة المواد المخدرة في المناطق الصفراء التي ما زالت تحت السيطرة الإسرائيلية و التي تعتبر عائقاً أمام الإدارة في عمليات البحث و التحري.
إضافة إلى ذلك إنشاء الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، و استناد لما جاء في القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي الصادر عن جامعة الدول العربية سنة 1986م و خاصة المادة 62 من التي نصت على أن تنشأ بمرسوم لجنة تسمى ( اللجنة الوطنية العليا لشؤون المخدرات و المؤثرات العقلية)، وكذلك لما أوصت به الإستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال المشروع للمخدرات و المؤثرات العقلية والتي اقرها مجلس و التي اقرها المجلس وزراء الداخلية العرب في دور انعقاده الخامس في تونس بقراره رقم بتاريخ 2/12/1986م على أن تشكل في كل دولة عربية لجنة يطلق عليها ( اللجنة الوطنية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات و المؤثرات العقلية).تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتتبع مجلس الوزراء و تكون برئاسة وزيرة الشئون الاجتماعية و عضوية مندوب عن وزارة الشئون الاجتماعية، مندوب وزارة التربية والتعليم العالي، مندوب عن وزارة الصحة، مندوب الشباب و الرياضة، مندوب عن وزارة الداخلية، مندوب عن وزارة العدل، مندوب عن وزارة الإعلام، مندوب عن وزارة المالية، مندوب عن وزارة الزراعة، مندوب عن وزارة الأوقاف و الشئون الدينية، مندوب عن التفويض السياسي، مندوب عن مكافحة المخدرات وكذلك عدد اثنين من المؤسسات و الجمعيات الأهلية من محافظات غزة و اثنين من محافظات الضفة الغربية.
وقد نصت المادة الثانية من المرسوم الرئاسي المذكور أعلاه على أنه يجوز للجنة الاستعانة بالمستشارين و الخبراء و المختصين في هذا المجال لتنفيذ مهامها كلما اقتضت الضرورة ذلك، كما حددت المادة الثالثة أهداف اللجنة و التي من بينها الحد من ازدياد انتشار آفة المخدرات و المؤثرات العقلية، و العمل على الوقاية منها ولها في سبيل تحقيق ذلك اقتراح و تحديث التشريعات الخاصة بالسيطرة على المخدرات و المواد المستخدمة في تصنيعها، إعداد الدراسات و الأبحاث اللازمة حول مخاطر المخدرات و مضارها، و توعية الشباب و العائلات و الموجهين و المدرسين و الأساتذة وفئات المجتمع بخطورتها وكيفية الوقاية منها، ومدى تأثيرها المدمر على تقدم المجتمع و تطوره، وضع خطة وطنية شاملة للسيطرة على العقاقير المخدرة بأنواعها و الوقاية من سوء استخدامها في مجالات الوقاية، و المكافحة، و العلاج، و التأهيل، إنشاء بنك معلومات ونظام تحليل شامل قابل للتطبيق على المستوى الوطني لمعالجة سوء استخدام العقاقير المخدرة و تداولها، تجهيز و إعداد برامج المعالجة و إعادة تأهيل مدمني المخدرات، تنبية المختصين لموضوع سوء استخدام العقاقير المخدرة، و الاتجار بها، و غسيل الأموال و المواد التي من الممكن استخدامها في تصنيع المخدرات، تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لسنوات 1961م و المتعلقة بالمخدرات، و 1971م و الخاصة بالمؤثرات العقلية، 1988م و الخاصة بمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية، و أخيراً تعزيز التعاون الدولي في مجال الوقاية من المخدرات ومنع انتشارها وكل ما يتعلق بذلك و العمل مع المؤسسات غير الحكومية المختصة بالوقاية من المخدرات و مكافحة انتشارها و القضاء عليها.
نلاحظ من تشكيل تلك الجنة و أهدافها ما يلي:
1- أن رئاسة وزيرة الشئون الاجتماعية لها لا يؤهلها لاقتراح و تحديث التشريعات اللازمة لمكافحة المخدرات وفقاً لما نصت علية المادة رقم (3) من المرسوم.
2- لم توضع آلية عمل لتنفيذ المرسوم على الشكل المطلوب.
3- لم تتمكن هذه اللجنة حتى هذه اللحظة من إعداد خطة وطنية شاملة لمكافحة المخدرات.
4- لم تتمكن هذه اللجنة كذلك حتى هذه اللحظة من إعداد نظامها الداخلي لتسيير أعمالها.
5- لم تؤد هذه اللجنة أي دور فعال في مجال مكافحة المخدرات، كما أنها لم يكن لها أي دور في تنسيق التعاون بين مختلف الوزارات و الإدارات المختصة بشؤون المخدرات.
6- لم تضع أية سياسة عامة لاستيراد المخدرات و المؤثرات العقلية و تصديرها و نقلها و صنعها و زراعتها و تملكها و حيازتها…….الخ.
7- لم تزود لجنة صياغة مشروع قانون المخدرات و المؤثرات العقلية بأية أفكار أو سياسات جنائية تتعلق بموضوع مكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية أو الوقاية من خطرها.
8- لم تجتمع اللجنة بشكل منتظم وفقاً لما نصت علية المادة رقم (6) من المرسوم حيث يتم اجتماع اللجنة دورياً كل ثلاثة أشهر أو عند الضرورة.
9- لم تقم اللجنة بتقديم أية دراسات أو أبحاث تتعلق بهذه الآفة الخطيرة في المجتمع الفلسطيني ترشيد المواجهة الميدانية لمشكلة المخدرات على المستوى الوطني.
نظراً للعجز الشديد في أداء اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و عدم تمكنها من تشكيل أية لجنة تنفيذية أو استشارية لتنفيذ مهامها فإننا نقترح إعادة النظر في تشكيل هذه اللجنة على أن تكون برئاسة رئيس مجلس الوزراء و أن يكون نائب من ذوي الكفاءة و الخبرة و الاختصاص و عضوية الوزارات المعنية بهذا الموضوع و مشاركة كذلك القطاع الخاص في هذه اللجنة.
و أن ينبثق عن تلك اللجنة لجنة استشارية علمية تقوم بإعداد الدراسات و الأبحاث و بحث الموضوعات و الخطط و البرامج و المهام التي تكفلها بها اللجنة العليا في مجال مواجهة الاتجار في المخدرات و إحرازها و تداولها و ما يترتب على تعاطيها و إدمانها من اضطرابات صحية و مشكلات اجتماعية.
المبحث الثاني: تطور السياسة الجناية لمكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية في فلسطين:
بعد أن تعرضنا إلى الخطوات التي اتخذتها السلطة الوطنية الفلسطينية للوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية يهمنا أن نشير إلى أهمية دراسة التطور التشريعي لتحديد ماهية السياسة الجنائية الواجب إتباعها في المستقبل، فمنذ عودة السلطة الوطنية الفلسطينية شرعت في ممارسة العملية التشريعية و برزت الحاجة إلى العمل على توحيد التشريعات الفلسطينية، فصدر القرار لقم (1) لسنة 1994م و الذي يقضي باستمرار العمل بالقوانين و الأنظمة التي كانت سارية في الضفة الغربية و قطاع غزة 5/6/1967م حتى توحيدها، وبعد تشكيل المجلس التشريعي الذي أنيطت به صلاحية سن التشريعات و إقرارها وفقاً للقواعد الدستورية، وكذلك على المهام الموكولة لديوان الفتوى و التشريع في توحيد و تحديث التشريعات الفلسطينية تكون قد بدأت عملية الممارسة التشريعية تتبلور بشكل ملموس حيث صدر العديد من التشريعات العادية و اللوائح التنفيذية.
لذا فقد قام ديوان الفتوى و التشريع بواسطة مشروع تطوير الأطر القانونية في فلسطين بتاريخ 30/1/2000م بإعداد مذكرة بشأن ضرورة تحديث و تطوير و إعداد مشروع قانون للمخدرات و المؤثرات العقلية و أوعزت ذلك للأسباب الموجبة التالية:
1- إن تجريم المواد المخدرة في قطاع غزة مر بمرحلة كان يطبق فيها القانون رقم 19 لسنة 1962م ثم الغي بالأمر العسكري الإسرائيلي رقم 437 الذي أعاد تطبيق قانون العقاقير الخطرة الانتداب لسنة 1936م.
2- إن قانون 1936م لم يطبق من الناحية العلمية لكونه تهاون في حماية المجتمع الفلسطيني من هذه الآفة الخطيرة حيث اعتبر الاتجار جنحة كما لم تتناسب العقوبات المذكورة فيه مع الأفعال المجرمة بالإضافة لعدم شموله لكافة المواد المخدرة، و بقي القانون رقم 19 لسنة 1962م هو المطبق في قطاع غزة بينما طبق قانون العقاقير الخطرة رقم (10) لسنة 1955م على الضفة الغربية.
3- القوانين المعمول بها في فلسطين لم تتضمن بعض القواعد القانونية الدولية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية و قوانين المخدرات و المؤثرات العقلية حيث بات من الضروري وضع تشريع فلسطيني موحد يوفر الحماية التشريعية للمجتمع الفلسطيني من هذه الآفة الخطيرة يتماشى مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الشأن.
لهذه الأسباب أعلاه فقد شكلت لجنة برئاسة النائب العام و مشاركة كل من القضاء و النيابة العامة والادارة العامة لمكافحة المخدرات و وزارة الداخلية و ديوان الفتوى و التشريع لإعداد مشروع القانون، وقد نوهت اللجنة إلى مدى أهمية مراجعة التشريعات الفلسطينية المتعلقة بهذا الشأن خاصة القانون رقم (19) لسنة 1962م بشأن، المخدرات المعمول به في محافظات غزة, و كذلك إلى قانون العقاقير الخطرة رقم (10) لسنة 1955م المعمول به في محافظات الضفة الغربية.
كما أوصت اللجنة بالإطلاع على تشريعات الدول في هذا الشأن و الاستعانة بها خاصة التشريعات المصرية و الكويتية و الأردنية و الخليجية و كذلك على القانون العربي الموحد النموذجي لسنة 1986م و الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات و المؤثرات العقلية.
كما أكدت اللجنة على أهمية الإطلاع على الاتفاقيات الدولية لمكافحة المخدرات خاصة الاتفاقية الوحيدة لسنة 1961م، واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971م، و الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية لسنة 1988م، و كذلك الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية لسنة 1992م، علماً بأن دولة فلسطين من الموقعين عليها.
كما اللجنة الأخذ بسياسة تشديد العقوبات المقيدة أن زيادة العقوبات المالية نظراً لخطورة هذه الجريمة و جرمت أفعالاً لم يكن معاقباً عليها من قبل، واستحدثت بعض الظروف المشددة لتقرير العقوبة الأغلظ، كما راعت اللجنة و هي في وضعها لمشروع القانون، توحيد المصطلحات القانونية إقتداء بالقانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي، كما تناولت اللجنة تسمية مشروع القانون و بعد مناقشات مطولة حول تسمية مشروع القانون استقر رأي اللجنة على أن تكون التسمية على النحو التالي( مشروع قانون المخدرات و المؤثرات العقلية)، حيث إنها تسمية أشمل و اعم و متناسقة مع الاتفاقية الدولية و القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي، وبعد انتهاء اللجنة من إعداد مشروع القانون تم رفعة إلى ديوان الفتوى و التشريع حيث قام الديوان بعقد ورشة عمل بتاريخ 15/5/2003م لمناقشة المشروع و إبداء الملاحظات عليه من المشاركين و قد أصبح المشروع في الصياغة النهائية، و أحيل إلى مجلس الوزراء بتاريخ 31/7/2003م لاتخاذ الإجراءات اللازمة وإحالته إلى المجلس التشريعي لاتخاذ ما يراه مناسباً.
و عليه سنحاول التعرض لمشروع القانون و استبيان الأحكام و القواعد القانونية وما تم تجريمة من أفعال أو تشديد العقوبة حيث يتكون المشروع من تسعة فصول و ستة جداول مرفقة به، و يشمل كل فصل مجموعة من المواد وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول يقع تحت عنوان تعاريف و أحكام عامة و يتكون من أربع مواد حيث انه من خلال المادة الأولى تم بيان المقصود بكلمات و عبارات معينة سيتكرر استعملها في مشروع القانون، و الغاية من بيان هذه التعاريف توضيح التشريع و إزالة الغموض عنه وضبط تحديد المقصود من الكلمة أو العبارة في مشروع القانون، أما الأحكام العامة الواردة (4، 3، 2) فتتضمن أحكاماً و قواعد تنظيم مسائل تشمل التشريع بمجملة و تكمن أهميتها في منع التكرار في التشريع حيث اعتبر المادة رقم (20) المواد المبينة في الجدول رقم (1) مواد مخدرة و مؤثرات عقلية و استثنت المستحضرات المدرجة في الجدول رقم (2). كما حظرت المادة رقم (3) على أي شخص استيراد أو تصدير أو صنع أو زرع أو أن يحوز أو يشتري أو يبيع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون، و أعطت رقم (40) الصلاحية للوزير المختص بالترخيص للمعاهد و المراكز العلمية بحيازة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية للاستعمال للأغراض العلمية و بهذا يكون المشروع قد تماشى مع الاتفاقية الدولية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961م، خاصة المادة 33 منها التي تنص على أن لا تسمح الدول الأطراف بحيازة المخدرات إلا بإذن قانوني (بترخيص) وقصر حيازة المخدرات على الأغراض الطبية و العلمية يعتبر من أهم المبادئ القانونية الدولية التي أرستها تلك الاتفاقية.
أما فيما يتعلق بالفصل الثاني الذي يقع تحت عنوان (الجلب و التصدير و النقل) فقد رأت اللجنة بعد إطلاعها على القانون العربي الموحد للمخدرات النموذجي و إيماناً منها بتوحيد المصطلحات القانونية على المستوى العربي استبدلت كلمة جلب بكلمة استيراد ليصبح عنوان الفصل الثاني على النحو التالي( في الاستيراد و التصدير و النقل) و عليه سيحل مصطلح استيراد محل مصطلح الجلب في مواد مشروع القانون، هذا و يحتوي الفصل الثاني على المواد من (5-8) حيث أوضحت هذه المواد الجهة المختصة بإصدار التراخيص و كذلك الأشخاص الذين يجوز لهم استيراد المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، وقد استعانت اللجنة و استأنست بقواعد و أحكام القانون العربي الموحد للمخدرات و خاصة المواد (2، 3، 4، 5، 6، 7، 8).
أما الفصل الثالث فيقع تحت عنوان الاتجار في العنوان الاتجار في المواد المخدرة و المؤثرات العقلية رأت اللجنة لإضافة حرف (في) ببداية العنوان ليصبح كما يلي (في الاتجار في المواد المخدرة و المؤثرات العقلية) ليكون متناسقاً مع عنوان الفصل الثالث للقانون العربي الموحدة للمخدرات النموذجي، و يحتوي على هذا الفصل على المواد (9-17) و التي حظرت الاتجار في المواد المخدرة و المؤثرات العقلية إلا بعد الحصول على ترخيص من الجهة المختصة كما منعت منح التراخيص في الاتجار إلى كل من المحكوم عليه في إحدى الجنح المنصوص عليها في القانون، و المحكوم عليه في جريمة من جرائم الاعتداء على المال أو تزوير أو استعمال أوراق مزورة وكذلك من سبق فصلة تأديبياً من الوظيفة العامة…..الخ.
كما أوضحت هذه المواد الإجراءات الإدارية للترخيص و الأشخاص المخولة بالاتجار و كذلك طريقة تسليم المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو البيع أو النزول عنها إضافة لإلى ذلك فإن اللجنة قد اقتبست من القانون العربي الموحد للمخدرات العديد من القواعد و الأحكام القانونية التي اعتبرتها نموذجاً يقتدي به.
أما الفصل الرابع و يقع تحت عنوان أحكام خاصة بالصيدليات و بعد عقد ورشة العمل المتعلقة بالمشروع و المناقشات التي دارت حول المشروع و خاصة عنوان الفصل الرابع و بعد الإطلاع على القانون العربي الموحد للمخدرات رأت اللجنة استبدال عنوان الفصل الرابع ب(صرف الصيادلة للمواد المخدرة و المؤثرات العقلية) أسوة بما مشار إلية في القانون العربي الموحد للمخدرات، و كذلك استبدال مصطلح تذكرة بمصطلح وصفة وذلك بغرض توحيد المصطلحات القانونية العربية، ويحتوي هذا الفصل على المواد (18-28) حيث أوضحت ترتيب صرف الصيادلة للوصفات الطبية مع تحديد البيانات و الشروط الواجب توافرها في تحرير الوصفة الطبية، كما شدد المشروع على عدم السماح للصيادلة بصرف أية وصفة طبية تحتوي على مواد مخدرة أ, مؤثرات عقلية بعد مضي خمسة أيام من تاريخ تحريرها، كما حدد المشروع في المواد المذكورة أعلاه كافة القيود و الإجراءات التي يجب إتباعها من قبل الصيادلة لصرف الوصفة الطبية.
أما الفصل الخامس فيقع تحت عنوان في إنتاج و صنع المستحضرات الطبية المحتوية على مواد مخدرة أو المؤثرات عقلية و يحتوي على المواد (29 – 30) التي لم تسمح فيه بإنتاج أو استخراج أو فصل أو صنع أي من المواد المخدرة و المؤثرات العقلية الواردة في الجدولين رقم (1-2) المرفقة بالمشروع ومن جانب آخر كذلك لم تسمح لمصانع الأدوية في صنع مستحضرات طبية يدخل في تركيبها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الصحة كما انه لا يجوز لهذه المصانع استعمال المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلا في صنع المستحضرات الطبية.
أما الفصل السادس فبقع تحت عنوان في المواد التي تخضع لبعض قيود المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية و تحتوي على مادة واحدة رقم (31) و التي تم اقتباسها من قانون المخدرات رقم (19) لسنة 1962م و المعمول به في قطاع غزة و التي لم تجز إنتاج أو استخراج أو صنع أو إحراز أو شراء أو بيع أو نفل أو تسليم أي المواد الواردة في الجدول رقم (3) المرفق بالمشروع في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، كما أوضحت المادة كيفية استيراد المحال المرخص لها في الاتجار بالمواد المخدرة و المؤثرات العقلية إتباع أحكام القيد و الإخطار و التسجيل المنصوص عليها في المادتين (16-17) من المشروع.
أما الفصل السابع فيقع تحت عنوان في النباتات الممنوع زراعتها و يحتوي على المواد (32، 33، 34) حيث أوضحت هذه المواد عدم جواز زراعة النباتات المبينة في الجدول رقم (5) وحظرت على أي شخص أن يستورد أو يصدر أو ينقل أو يملك أو يشتري أو يبيع…الخ النباتات المذكورة في الجدول رقم (5)، كما أعطت وزير الزراعة صلاحية الترخيص للجهات الحكومية و المراكز و المعاهد في زراعة أي نبات من النباتات الممنوعة وقصر ذلك على الأغراض العلمية و الطبية و الأبحاث وفد راعت اللجنة القواعد القانونية التي أقرتها الاتفاقية الدولية المتعلقة بمكافحة المخدرات.
أما الفصل الثامن فيقع تحت عنوان العقوبات ويحتوي علي المواد (33-70) و رأت اللجنة تشديد العقوبات في مختلف الجرائم المعاقب عليها في المشروع و تشديد العقوبات المقيدة أو زيادة العقوبات المالية فعاقب بالسجن المؤقت و بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار و لا تجاوز خمسة عشر ألف دينار كل من استورد أو صدر أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية بقصد الاتجار أو حاز أو أحرز أو اشترى….الخ و كان ذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، ثم شدد المشروع عقوبة هذه الجرائم إلى السجن المؤبد و الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف دينار و لا تجاوز ثلاثين ألف دينار إذا كان الجاني قد سبق الحكم علية في جناية من الجنايات السابقة أو إذا كان من الموظفين أو المستخدمين العموميين المكلفين بتنفيذ أحكام هذا القانون أو المنوط بهم مكافحة المخدرات، أو إذا استخدم الجاني في تنفيذ هذه الجرائم من لم يبلغ سن الثامنة عشر أو استخدام أحدا من أصوله أو فروعه….الخ. كما شدد على مواد العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات و غرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار و لا تجاوز عشرة آلاف دينار على كل من أدار أو هيأ مكاناً لتعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بمقابل، أو حمل غيره بأية وسيلة من وسائل الإكراه أو الغش على التعاطي، أو قدم مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلمها أو باعها إلى من لم يبلغ الثامنة عشرة أو دفعة إلى تعاديها….الخ، ثم عاود المشروع بتشديد العقوبة على من أدار و هيأ مكاناً لتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية بمقابل لتكون العقوبة السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف دينار و لا تزيد على ثلاثين ألف دينار. أما في مجال تجريم الأفعال التي لم يكن معاقباً عليها من فبل فقد جرم مشروع القانون في المادة (38) الأفعال المتعلقة بتأليف عصابة ولو في الخارج، أو إدارتها أو التدخل في إدارتها أو تنظيمها أو الانضمام إليها أو الاشتراك فيها، وقد راعى المشروع في ذلك انتقال الثقل في هذا المجال من دائرة النشاط الفردي إلى دائرة المنظمات الإجرامية التي تمتد شبكاتها في معظم الأحوال إلى العديد من الدول، فجعل تأليفها و الانضمام إليها بأية صورة من الصور التي عددتها المادة 38 من المشروع ولو في خارج الوطن، هو محل التجريم طالما كان من أغراضها ممارسة أي نشاط من الأنشطة الإجرامية التي أوردها المشروع داخل البلاد مثل الاستيراد و الإنتاج و الاستخراج و فصل و صنع المواد المخدرة…..الخ.
كما أولى المشروع في المواد (43-49) عناية خاصة بعلاج المدمنين ومن في حكمهم فشجعهم على التقدم للعلاج ومكن من طلب علاجهم و أوجب لتحقيق هذه الغاية إنشاء دور للعلاج بجانب المصحات وجعل للمحكمة الخيار بين بدائل متعددة لمجابهة مقتضيات الحال وشكل لجنة لبحث حالة المودعين بالمصحة، وجعل العلاج شاملاً الجوانب الصحية و النفسية و الاجتماعية و أحاط المعلومات الخاصة بالمودعين في المصحات و المترددين على دور العلاج بالسرية الكاملة، و شمل هذه السرية بالحماية الجنائية، و كذلك نص على حكم بإنشاء صندوق يتمتع بالشخصية الاعتبارية لمكافحة و علاج الإدمان و التعاطي ومن بين اختصاصاته إنشاء مصحات و دور علاج للمدمنين و المتعاطين للمواد المخدرة.
كذلك قد أخذت اللجنة بتشديد العقوبات المالية في المواد (53-54) في حالة التعدي على أحد الموظفين العموميين القائمين على تنفيذ هذا القانون، و أضافت عقوبة الغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف و لا تجاوز أربعين ألف دينار إلى عقوبة الإعدام في حالة القتل العمد لأحد الموظفين أو المستخدمين القائمين على تنفيذ هذا القانون أثناء تأديته وظيفته أو بسببها.
كما أفردت مواد هذا الفصل المواد من (55-59) التي تتعلق بمصادرة و إتلاف المواد المخدرة و المؤثرات العقلية و النباتات المضبوطة و بذورها وكذلك الأموال المحصلة من الجريمة، و أعطيت صلاحية للنائب العام أن يطلب إلى المحكمة المختصة الأمر بوضع أموال المتهم و ممتلكاته تحت التحفظ و منعه من التصرف فيها، و علاوة على ذلك أجاز المشروع للمحكمة و بناء على طلب النائب العام أن يشمل قرارها أموال و ممتلكات زوج المتهم و أولاده القصر متى توافرت لديها أدلة كافية على أنها محصلة من الجريمة موضوع التحقيق، كما أوجبت على النائب العام في الحال أن يبلغ قرار المحكمة إلى مدير دائرة تسجيل الأراضي لوضع إشارة الحجز على عقارات المتهم. كما ألزمت المادة 60 من المشروع الأشخاص الذين رخص لهم الاتجار في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو حيازتها بمسك الدفاتر المنصوص عليها في هذا القانون أما جريمة حيازة هؤلاء الأشخاص أو إحرازهم كميات تزيد أو تقل عن الكميات الناتجة عن عمليات الوزن في حدود النسب الواردة في النص فقد عاقب عليها بالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة دينار و لا تجاوز ألفي دينار. و كذلك عاقبت المادة 61 بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر و بغرامة لا تقل عن مائتي دينار و لا تجاوز خمسمائة دينار كل من أنتج أو استخرج أو صنع…الخ أية مادة من المواد الواردة في الجدول رقم (3) وفي جميع الأحوال تصادر المواد المضبوطة. كما منح مشروع القانون مدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات و معاونيه ورؤساء الضابطة الجمركية و معاونيهم و موظفي هيئة التبغ و مفتشي وزارة الزراعة و المهندسين الزراعيين صفة مأموري الضابطة القضائية و لهم أيضاً قلع كل مزروعات ممنوعة بمقتضي أحكام القانون و جمع أوراقها و جذورها على نفقة مرتكب الجريمة و تحفظ هذه الأشياء على ذمة المحاكمة بالمخازن المعدة لذلك إلى أن يفصل نهائياً في الدعوى الجزائية.
أخيراً الفصل التاسع و يقع تحت عنوان الأحكام الختامية و يحتوي على المواد من (71-76) و فيه منح المشروع مكافأة لكل من ساهم أو سهل أو اشترك في ضبط مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية إلا انه ربط مقدار تحديد المكافأة باقتراح من وزير الداخلية و بقرار من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك أن تحفظ الدفاتر المنصوص عليها في القانون لمدة عشرة سنوات من تاريخ آخر قيد فيها، و أعطى صلاحية للوزير بتعديل الجداول الملحقة بهذا القانون بالحذف أو بالإضافة أو بتغيير النسب الواردة فيها وصدور القرارات ألازمة لتنفيذ أحكام القانون، و اختتم هذا الفصل بإلغاء العمل بقانون العقاقير الخطرة رقم (10) لسنة 1955م و تعديلاته المعمول به في الضفة الغربية، و كذلك قانون المخدرات رقم (19) لسنة 1962م و تعديلاته المعمول به في قطاع غزة و الأمر رقم (437) لسنة 1972م و تعديلاته المعمول به في قطاع غزة، وكذلك الأمر رقم (558) لسنة 1975م و تعديلاته المعمول به في الضفة الغربية، كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القانون كما حددت مدة سريان القانون بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشرة في الجريدة الرسمية.
المبحث الثالث: النتائج و التوصيات:
أولاً: النتائج:
تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن السياسة الجنائية الدولية لمكافحة المخدرات إحدى مساعي المجتمع الدولي للوقاية من آفة المخدرات و المؤثرات العقلية الخطيرة، مما أدى إلى الحاجة لقواعد دولية جديدة تهدف إلى السيطرة على إنتاج المخدرات و زراعتها و تصنيعها و نقلها و توزيعها و الاتجار بها، و الحد من خطورتها المتزايدة على المجتمع الدولي، و بما أن الدول لا تستطيع بمفردها القضاء على بعض صور جرائم المخدرات التي تعتبر ذات طبيعة دولية تمثل انتهاكاً للمصالح العليا للمجتمع الدولي.
كما أن الواقع الاجتماعي الدولي يحكم على الدول الدخول في علاقات و اتفاقيات دولية لتحقيق التعاون في مجال المكافحة باعتبار أن المصالح المشتركة للدول تقتضي تكاثف الجهود من أجل مكافحة تلك الجرائم.
و من جانب السياسة الجنائية الفلسطينية لمكافحة المخدرات فقد استطاعت السلطة الوطنية الفلسطينية اتخاذ خطوات عملية للوقاية من جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية فأنشأت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات و كذلك اللجنة الوطنية العليا للوقاية من المخدرات و تباعاً شكلت لجنة لإعداد و صياغة مشروع قانون المخدرات و المؤثرات العقلية من أجل توحيد و تطوير و تحديث قانون المخدرات، و استطاعت اللجنة من الانتهاء من هذا المشروع و الذي تضمن العديد من القواعد القانونية الدولية التي أرستها الاتفاقيات الدولية و من ضمن هذه القواعد تجريم أفعالاً لم يكن معاقباً عليها في القانون حيث نصت المادة رقم (38) من مشروع قانون المخدرات و المؤثرات العقلية على أن ( يعاقب بالسجن المؤبد و بغرامة لا تقل عن خمسة عشر ألف دينار و لا تجاوز ثلاثين ألف كل من قام ولو في الخارج بتأليف عصابة أو إدارتها أو تدخل في إدارتها أو تنظيمها أو الانظمام إليها أ, الاشتراك فيها و كان من أغراضها الاتجار في المخدرات أو المؤثرات العقلية أو تقديمها للتعاطي بقصد الاتجار أو ارتكاب أي من هذه الجرائم داخل البلاد). كما أولى مشروع قانون المخدرات و المؤثرات العقلية توفير سياسة جنائية مستحدثة لرعاية و علاج المتعاطين و المدمنين ووضع لهم نصون تشريعية تهدف إلى علاجهم وتشجيعهم على التقدم للعلاج ومكن ذريتهم من طلب علاجهم و أوجب لتحقيق هذه الغاية إنشاء دور العلاج.
ثانياً: التوصيات:
نظراً لخطورة جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية علي المجتمع الفلسطيني فإننا نوصي باتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية لمكافحة هذه الآفة الخطرة بما يلي:
1- إعداد خطة وطنية شاملة للوقاية من المخدرات.
2- إعادة النظر في رئاسة اللجنة العليا للوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية.
3- تشكيل لجنة استشارية علمية تقوم بإعداد الأبحاث و الدراسات ووضع السياسات العامة لمكافحة المخدرات.
4- تفعيل دور و سائل الإعلام بغرض محاربة متعاطي المخدرات و المؤثرات العقلية.
5- الاهتمام بدور الخدمة الاجتماعية في المدارس و الجامعات و المؤسسات و غيرها.
6- تشجيع دور الجمعيات الخيرية الخاصة لمكافحة المخدرات خاصة في مجال التوعية و الحث على معالجة المدمنين و تأهيلهم.
7- إنشاء مصحات لعلاج المدمنين على أن يتوافر فيها أساليب العلاج الطبي و النفسي و الاجتماعي الحديث كافة.
8- إنشاء مختبر جنائي فني.
9- وضع خطة لتدريب الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لرفع مستوى أدائهم و تزويدهم بذوي الكفاءة العالية و الخبرة و الاختصاص.
10- إدخال موضوع المخدرات و المؤثرات العقلية في برامج كليات الحقوق و الشرطة.
المراجع :
1- د. قيس النوري – المدخل الي علم الانسان
2- د. صبحي محمصاني – الاوضاع التشريعية في الدول العربية ماضيها وحاضرها , دار العلم – بيروت
3- د. مأمون سلامة – قانون العقوبات القسم العام , دار الفكر العربي .
4- د. علي راشد – المدخل واصول النظرية العامة – دار النهضة العربية .
5- د. عبد المجيد محمد الحفناوي – تاريخ النظم الاجتماعية والقانونية .
6- احمد امين – زكي نجيب محمود – قصة الفلسفة الحديثة – مكتبة النهضة الحديثة .
7- مارك انسل – الدفاع الاجتماعي الجديد ترجمة وحسن علام – نشأة المعارف الاسكندرية .
8- د. احمد عوض بلال – الاثم الجنائي , دراسة مقارنة – دار النهضة العربية – القاهرة .
9- د. عبد العظيم موسي وزير – دور القضاء في تنفيذ الجزاءات الجنائية , دراسة مقارنة – دار النهضة العربية
10- د. عبد الفتاح الصيفي – حق الدولة في العقاب
11- د. عبد الكريم الشامي – بحث في السياسة الجنائية الدولية لمكافحة المخدرات – مجلة القانون والقضاء , العدد الرابع عشر , ديسمبر 2003م .
12- د. علي ابو الراغب – السياسة الجنائية لمكافحة المخدرات , الادارة العامة لمكافحة المخدرات- مصر القاهرة .
13- القانون الاساسي المعدل لسنة 2003م ,,,
اترك تعليقاً