محاضرات في القانون الدولي لحقوق الإنسان / سرور طالبي
آليات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
تمَّ العمل بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية اعتبارا من 03 كانون أول 1976. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فلقد دخل خيز التنفيذ اعتباراً من 23 آذار 1976 مع بروتوكوله الإضافي.
وتنص المادة 28 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على إنشاء لجنة من أجل مراقبة فعالة لتطبيق مواد هذا العهد وعلى اختصاصها وعلى آليات الرقابة المتبعة من قبله، وتضيف المادة 41 ” لكل دولة طرف في هذا العهد أن تعلن في أي حين، بمقتضى أحكام هذه المادة أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة بلاغات تنطوي على ادعاء دولة طرف بأن دولة طرفا أخرى لا تفي بالالتزامات التي يرتبها عليها هذا العهد.
ولقد بدأ نفاذ أحكام هذه المادة في 38 آذار 1970 وفقا لما نصت عليه فقرتها الثانية: “يبدأ نفاذ أحكام هذه المادة متى قامت عشر من الدول الإطراف في هذا العهد بإصدار إعلانات في إطار الفقرة (1) من هذه المادة”.
وبالمقابل بدأ نفاذ البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في آن واحد مع ذلك العهد، بعد أن حصل على الحد الأدنى المطلوب وقدره عشرة صكوك تصديق وانضمام.
أما البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهو يهدف إلى العمل على إلغاء عقوبة الإعدام، حيث أنه اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 44/128 والمؤرخ بتاريخ 15 كانون الأول 1989. ودخل هذا البروتوكول حيز النفاذ: في 11 تموز 1991.
إن بدء نفاذ العهدين لم ينقص بأي حال من الأحول تأثير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بل على العكس فان انضمام الدول إلى العهدين وما ينصان عليه من حقوق وضمانات لبني البشر استقاها من الحقوق والحريات المحددة في الإعلان، قد أضفى على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوّة أكبر، بل أوجد آليات دولية لكفالة احترام حقوق الإنسان، نتوسع فيها كالآتي:
1. آليات تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية:
تتمثل آليات تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية بلجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإجراءات الخاصة والمقررين الخاصين نتوسع فيها كالآتي:
أ- لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
تمثل لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي أنشأها عام 1985 المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، الهيئة المخولة بمراقبة تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تتألف هذه اللجنة من ثمانية عشر خبيراً مستقلاً، يرشحهم وينتخبهم المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويقومون بدورهم في اللجنة بصفتهم الشخصية.
وتقدم اللجنة تقريرها السنوي الذي يخص نشاطاتها ودراستها للتقارير التي يرفعها لها الدول إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
تقتصر آليات المراقبة بحسب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الوقت الحالي على التقارير الدورية التي ترفعها الدول الأطراف فيه إلى هذه اللجنة. حيث تقوم اللجنة بدراسة تقارير الدول، التي تعكس الإجراءات المتبعة، ومدى التقدم الحاصل، والمشاكل والتحديات التي تواجهها الدولة في جلسة عامة.
ويحق للممثلين عن الدولة المعنية أن يحضروا الجلسة وأن يشاركوا في نقاش بناء، وقد يطلب منهم أن يقدموا بعض المعلومات الإضافية.
كما تأخذ اللجنة في عين الاعتبار المعلومات المتعلقة المقدمة من هيئات الأمم المتحدة الأخرى المختصة في مجالات أو خبرات معينة، وتقوم اللجنة بدعوة المنظمات غير الحكومية لتقديم تقارير خطية أو شفهية.
ومن أجل تشجيع الدول على تطبيق العهد وتنفيذ بنوده، تقوم اللجنة بمساعدة الدول الأعضاء لاسيما لما تكون المعلومات المقدمة من الدولة غير كافية للّجنة، وكانت الحالة تستدعي الاهتمام الفوري، تقوم اللجنة بطلب الإذن بإرسال بعثة لجمع المعلومات إلى الدولة المعنية. ويبقى تقرير هذه البعثة، التي تبني اللجنة عدة ملاحظات على أساسه سرياً.
ولتشجيع الدول على تقديم تقاريرها في الوقت المحدد، تقوم اللجنة بتحديد تاريخ جلسات لدراسة حالة الحقوق المذكورة بالعهد في الدول المعنية، حتى إذا لم تكن قد رفعت تقريرا. وتعتمد اللجنة في هذه الحالة على المعلومات المقدمة من مصادر مختلفة، كالمنظمات الدولية والإقليمية، والمنظمات غير حكومية.
ويحق للمنظمات الدولية أن تقدم معلومات شفوية أو خطية فيما يخص تمتع مواطني الدول الأعضاء بالحقوق المنصوص عليها في العهد. وقد مكّن هذا اللجنة من الطلب من الدول تفسيراً لما جاء في عدة تقارير قدمت من جهات أخرى بشأن أمور محددة تستدعي الاهتمام المباشر.
كما تنظم اللجنة يوماً لمناقشة الجوانب المتعلقة بحق معين من الحقوق المنصوص عليها في العهد في كل جلسة من جلساتها. ومن أهم المواضيع التي تمت مناقشتها الحق في الغذاء والصحة والتعليم ودور المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وحقوق كبار السن والعجزة، وحق المشاركة في الحياة الثقافية، وتأثير العولمة على التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتعتبر هذه النقاشات مرحلة تحضيرية لوضع “تعليقات عامة”، يجري تلخيصها في تقرير اللجنة السنوي المقدم إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وتقدم اللجنة من خلال هذه “التعليقات” تأويلات معيارية للحقوق المنصوص عليها في العهد والقضايا المتعلقة بهذه الحقوق.
وتهدف هذه التعليقات لمساعدة الدول الأعضاء في استكمال التزاماتهم فيما يخص رفع التقارير، وإلى معاونتها في نشر ودعم الإنجاز التدريجي للحقوق المنصوص عليها في العهد.
كما وضحت اللجنة في “تعليقاتها العامة” رقم (3) نصان واردان في العهد يجب على الدول الأعضاء أن تتخذ بشأنهما إجراءات مباشرة، هي النصوص التي تتعلق بعدم التمييز، وتلك التي تتعلق بضرورة الالتزام باتخاذ خطوات جدية ومحسوبة وراسخة تهدف إلى تحقيق الالتزامات المنصوص عليها في العهد.
وتشير اللجنة في هذه التعليقات إلى أن على جميع الدول الأعضاء أن تؤمّن، على أقل تقدير، المستوى الأدنى من الحقوق المنصوص عليها في العهد، إلا إذا كانت الدولة قادرة على أن تبين أن الشح في الموارد يجعل تنفيذ ذلك مستحيلاً.
وقد ركزت “تعليقات عامة” أخرى على قضايا مثل السكن المقبول، والحق في التعليم الابتدائي، والحق في الحصول على الغذاء الكافي، والحق في الحصول على أعلى مستوى ممكن من الخدمات الصحية، والحق في المياه.
كما قامت اللجنة في عدد من “التعليقات العامة” بشرح طبيعة الالتزامات التي تفرض على الدولة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وثمة ثلاثة أنواع لواجبات الدولة بإحقاق جميع حقوق الإنسان:
الالتزام بالاحترام:
أي عدم إعاقة ممارسة الحق، كما أن الالتزام باحترام العهد يلزم الدول بالامتناع عن القيام بأي أعمال تتناقض مع نصوص العهد. فمثلاً يطالب البند رقم (14) من “التعليقات العامة” الدول باحترام الحق في الصحة عن طريق توفير الإمكانية المتساوية للجميع في الحصول على الخدمات الصحية وعدم إعاقة حصول الأفراد أو المجموعات على هذه الخدمات، والامتناع عن القيام بأي أعمال قد تؤخر الحالة الصحية للشعب (مثلاً: المستويات العالية من التلوث).
ويطالب البند رقم (7) من “التعليقات” الدول باحترام الحق بالسكن عن طريق الامتناع عن إخراج الأشخاص قصريا من أماكن سكنهم تحت أي ظرف من الظروف.
الالتزام بالحماية:
ضمان عدم قيام الآخرين بعرقلة إحقاق الحق, وذلك من خلال وضع الأنظمة و الحلول الفعالة. فهو كذلك التزام الدول بحماية الأفراد من أي انتهاكات لحقوقهم الإنسانية يقوم بها طرف ثالث. ففيما يخص الحق بالصحة، يجب على الدولة أن تتخذ جميع الإجراءات التشريعية والإجراءات اللازمة لضمان عدم التمييز وتساوي الإمكانية في الحصول على الخدمات الصحية التي يقدمها القطاع الخاص. كما على الدولة أن تتأكد من أن المجموعات الخاصة لا تؤثر على صحة الآخرين. ووفقاً للبند الرابع من “التعليقات العامة” التي تتناول الحق في السكن، يجب على الدولة أن تحمي الأفراد من أي اضطهاد ممكن أن تقوم به أي جهات غير حكومية، حيث يجب على الدولة أن تتحرك عند حدوث أي انتهاك للتأكد من عدم حصول أي تجريد للحقوق. ولذا فإن عليها تنفيذ إجراءات فعالة لتحمي الأفراد من التحرش أو التمييز أو الحرمان من الخدمات بالإضافة إلى العديد من الأمور الأخرى.
الالتزام بالوفاء:
ويشمل تعزيز الحقوق وتيسير الحصول عليها، وتلبية حاجات غير القادرين على تلبية حاجاتهم. وهو يفرض على الدولة أن توفر وتسهل خدمات معينة لتطبيق حق معين، فمثلاً يجب على الدولة في مجال الحق في الصحة تبني سياسة قومية للصحة والعمل على تخصيص التمويل اللازم لها، كما عليها أن تعمل على نشر الإجراءات الضرورية لتوفير الظروف اللازمة للصحة.
أما فيما يخص الحق في السكن، تستكمل الدول التزاماتها بوضع موضوع السكن في عين الاعتبار عند وضع أنظمة حكومية والإنفاق والدعم الحكومي وعدد من الأمور المتعلقة الأخرى.
وقد تمنع الأحوال الاقتصادية وبعض القضايا الأخرى من التنفيذ الفوري لبعض الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك يقر العهد بمفهوم الإنجاز التدريجي لها. ويعدد العهد وسائلاً مختلفة يجب إتباعها من قبل الدول “لتحقيق جميع الحقوق المنصوص عليها بالعهد بشكل تدريجي وكامل”.
ولقد صرحت اللجنة في “التعليقات العامة” رقم (3) بوجوب وجود “الحد الأدنى من الالتزام لدى الدول لضمان تحقيق أدنى مستوى ممكن على الأقل من الحقوق المنصوص عليها في العهد”.
ولقد عرفت اللجنة الحد الأدنى من الالتزام الذي يهدف إلى تحقيق العناصر الأساسية من كل حق، والتي يفقد العهد من دونها معناه والسبب من وراءه.
فمثلاً، تقر اللجنة فيما يخص الحق في الصحة في البند (14) من “التعليقات العامة”، بأن هذه الحق يجب أن ينجز بشكل تدريجي، ولكنها تضع عتبة في الأسفل يجب على الدول أن لا تتخطاها. فمن الواجب على الدولة أن تقدم الخدمات الصحية الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية للأم والطفل، والتي تشمل: التطعيم، والعلاج من الأمراض والإصابات المنتشرة، والأدوية الأساسية، والظروف اللازمة للصحة؛ مثل: التثقيف الصحي، والمعرفة بأسس التغذية، والعادات الصحية الأساسية (بما فيها المياه الصالحة). وبالإضافة إلى ذلك يجب على الدولة أن تعمل على زيادة توفير الغذاء إذا لزم ذلك.
ب- الإجراءات الخاصة ووظيفة المقررين الخاصين:
تم اتخاذ إجراءات خاصة بهدف حماية نشر الحق%8