الشركات العائلية – عصب الاقتصاد في العالم العربي تعد الشركات العائلية عصب الاقتصاد في العالم العربي* حيث تشكل غالبية الشركات العاملة فيه.
لكن الفارق بينها وبين نظيراتها في العالم الغربي هو أن الأخيرة تترك إدارتها لغيرها في حين تحبذ العائلات العربية الاحتفاظ بالإدارة.
الشركات العائلية هي تلك الشركات التي تملكها عائلة واحدة* وتتولى العائلة نفسها في بعض الأحيان إدارتها أيضا. وينتشر هذا النوع من الشركات في العالم العربي والدول الغربية على حد سواء.
فعلى سبيل المثال تأسست شركة دايملر- بنز للسيارات في ألمانيا عام 1926 عن طريق الاندماج بين عائلتي كارل بنز وجوتليب دايملر.
وتعد الشركة الألمانية اليوم خامس أكبر منتج للسيارات في العالم* غير أنها لم تعد شركة عائلية* فأكبر المساهمين حالياً بنك وست إل بي الألماني بنسبة 14 في المائة* يليه حكومة دولة الكويت 7.2 في المائة ثم دويتشه بنك الألماني 5 في المائة وفي المرتبة الرابعة إمارة دبي باثنين في المائة.
وفي العالم العربي تشكل الشركات العائلية عصب الحياة الاقتصادية* مع فوارق تتعلق بالمناخ الاقتصادي وطريقة التسيير* فقد كشفت دراسة قطرية أن 800 ألف شركة سعودية هي شركات عائلية* أي ما معدله 97 بالمائة من إجمالي الشركات العامة بهذا البلد*
واقتربت النسبة في باقي الدول العربية من هذا الرقم الذي قد يبدو كبيرا* لكن عند النظر إلى النسب التي تستحوذ عليها المقاولات العائلية في بعض الدول الرائدة اقتصاديا* كالولايات المتحدة وألمانيا واليابان* سيتضح أن السعودية ليست حالة فريدة*
فعدد الشركات العائلية المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ قرابة 20 مليون شركة وتمثل 49 في المائة من مجمل الشركات القومية* وتوظف 59 في المائة من العمالة* وتستحدث نحو 78 في المائة من فرص العمل الجديدة*
أما في بلدان الإتحاد الأوربي فتتراوح نسبة هذه المقاولات ما بين 70 و 95 في المائة من إجمالي الشركات العاملة بها* وتساهم هذه الشركات بما نسبته 70 في المائة من الناتج الوطني.
العائلات في العالم الغربي أقل استئثارا بإدارة شركاتهم
في دراسة للمنتدى العربي للموارد البشرية نشرت في الخامس والعشرين من أبريل سنة 2008* قُدرت الأعمار الافتراضية للمقاولات العائلية بـ 40 سنة* وبعدها تبدأ تلقائيا عملية التطور والانتشار ودخول رؤوس أموال جديدة* مما يجعلها مضطرة للبحث عن طرق متطورة للتسيير تضمن استمرارها.
وهنا يكمن فارق أساسي بين الشركات العائلية في الدول الغربية ونظيرتها في الدول العربية* ففي الدول العربية عامة* ترتبط إدارة هذه الشركات بملاك رأس المال* وهذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي اللبناني إيلي يشوعي حيث يقول في حديث لدويتشه فيله أن ” أكثر من 90 في المائة من الشركات العربية ما تزال فردية وعائلية ولا تفصل بين ملكية رأس المال والإدارة إنما من يملك رأس المال هو من يدير وهذا لا يضمن فاعلية في الإدارة لأن من يملك رأس المال لا يستطيع أن يكون الأفضل في الإدارة”.
أما في الدول الرائدة اقتصاديا فمرحلة سيطرة العائلات على إدارة شركاتها كانت محدودة “حيث سرعان ما بدأت هذه الشركات بالاندماج مع شركات أخرى أو امتلاك شركات أخرى فتكبر حجمها وبالتالي تبدأ في فصل رأس المال عن الإدارة”* كما يقول الخبير يشوعي* لأنه عندما يكبر حجم المؤسسة ” يُفترض الفصل بين من يدير ومن يملك رأس المال’‘.
وهذا ما حدث في أوروبا كما يرى الخبير* فالفصل بين الإدارة ورأس المال فرض نفسه نتيجة لتوسع أنشطة هذه الشركات العائلية مما جعل ملاك رأس المال في حاجة للاختصاصيين* ولإداريين وأصحاب خبرة* وتلقائيا بدأت عملية الفصل بين رأس المال والإدارة.
الشركات العائلية في العالم العربي تواجه مشاكل بنيوية
ورغم أهميتها في هيكلة الاقتصاد العربي إلا أن الشركات العائلية العربية ما تزال في حاجة إلى التطور كما يقول يشوعي* ويضيف أنها تعاني مشاكل تتعلق ببنية هذا الاقتصاد *
فأغلب الاقتصاديات العربية بدأت زراعية منذ سبعينات القرن الماضي باستثناء الدول النفطية التي انتعشت بسبب الطفرة النفطية وما صاحبها من ارتفاع مضطرد في أسعار المشتقات النفطية* كما أن الدول العربية النفطية -حسب يشوعي- استثمرت في الصناعات المرتبطة بالمشتقات النفطية والبتروكيماوية.
بالإضافة إلى أن طبيعة هذه الشركات التي استثمرت في هذه المجالات هي في غالبيتها -يضيف يشوعي- مؤسسات فردية أو شركات عائلية تعمل غالبا في قطاع المقاولات* وعندما ننظر إلى اقتصاديات الدول غير النفطية لا نرى توسعا في مجالات القطاعات المنتجة إنما نجدها تعتمد على الاقتصاد الزراعي.
ويرى يشوعي أنه من الطبيعي أن تطغى المقاولات العائلية على الاقتصاد العربي لأنه لم يلج بعد إلى العصرنة إلا منذ عقدين من الزمن* ويعني الخبير الاقتصادي اللبناني هنا بالعصرنة ليس على مستوى الإنتاج فقط* بل على مستوى طرق التمويل والتسيير أيضا.
الكاتب: يونس أيت ياسين
اترك تعليقاً