اشترط الفقهاء في الواهب عدة شروط حتى تصح منها الهبة، فالحنفية يشترطون(1):
1- أن يكون له أهلية التبرع، وأهلية التبرع تكون بالعقل والبلوغ (2). فلا تصح هبة الصغير والمجنون، لأنهما لا يملكان التبرع، والهبة ضارة بهما ضرراً محضاً، ولا يستطيع الأب هبة مال الصغير من غير عوض، لأن ولايته قاصرة على وجود النفع للصغير، والهبة تتبرع فيه ضرر محض فلا تجوز منه.
وإذا شرط الأب العوض لم تجز الهبة عند الإمام وأبي يوسف وحجتهما في ذلك أن الهبة بشرط العوض تبرع ابتداء أي قبل القبض، ثم تصير بيعاً انتهاء، أي بعض القبض، والأب لا يملك التبرع، وقال محمد تجوز الهبة من الأب بشرط العوض، لأن ذلك في معنى البيع (3).
2- أن يكون مالكاً للموهوب، فإذا لم يكن مالكاً له فلا تصح هبته.
3- أن يكون مختاراً، فلا تصح الهبة التي تقع من المكره وهذا ما نصت عليه المادة 860 من شرح المجلة بقولها: يلزم في الهبة رضا الواهب فلا تصح الهبة التي وقعت بالجبر والإكراه. ومثال ذلك كما يقول شارح المجلة لمنع الزوج زوجته المسير الى أبويها حتى تهبه مهرها فالهبة باطلة لأنها كالمكرهة، ولو خوفها بالضرب فيعتبر إكراهاً وتبطل به الهبة. وأما المالكية فيشترطون في الواهب أهلية التبرع، وأهلية التبرع عندهم توجد بالآتي:
1- أن لا يكون مجنوناً أو سكراناً أو صغيراً أو سفيها، فإذا كان الواهب مجنونا أو سكراناً أو صغيراً غير مميز أو سفيها محجوزا عليه فتكون هبته غير صحيحة.
2- أن لا يكون مدينا بدين مستفرق كل ماله، فإن كان مدينا بذلك فان هبته صحيحة ولكنها تكون موقوفة على اجازة الدائن، فإن أجازوها صحت، وان رفضوا الاجازة بطلت.
3- أن لا يكون الواهب زوجة، زادت هبتها عن ثلث مالها، فإذا وهبت المرأة أكثر من ثلث مالها انعقدت الهبة موقوفة على اذن زوجها، أما إذا وهبت الثلث فأقل فإن هبتها تكون صحيحة وتنفذ بدون إذن زوجها.
4- أن لا يكون الواهب مريضاً مرض الموت فيما زاد على الثلث، فإذا وهب المريض زيادة عن ثلث ماله انعقدت هبته موقوفة على إذن الوارث.
وأما الشافعية والحنابلة فيشترطون في الواهب أن يكون مالكاً للشيء الموهوب، ومنها أن يكون مطلق التصرف في ماله فلا تصح الهبة في المحجوز عليه لصغر أو سفه أو جنون (4).
القانون السوداني:
تنص المادة 373 من قانون الأحوال الشخصية:
يشترط في الواهب أن:
أ – يكون كامل الأهلية، بالغاً عاقلاً، مختاراً، لا محجوزاً عليه، ولا مريض مرض موت.
ب – يكون مالكاً للموهوب.
طبقاً لهذا النص يشترط في الواهب أن يكون كامل الأهلية، وكمال الأهلية يكون بالآتي:
ج- أن يكون عاقلاً مميزاً.
فإذا كان الواهب صبياً غير مميز أو مجنوناً (5) أو معتوها (6) بطلت الهبة، لأن عديما لتمييز غير أهل للتعاقد اصلا، إذ أن التعاقد يقوم على الارادة ولا إرادة لعديم التمييز، ويلحق بعديم التمييز وهو من لم يبلغ السابعة من عمره، المجنون والمعتوه، فكل هبة تصدر من أحد هؤلاء تكون باطلة، والبطلان هنا من نوع البطلان المطلق الذي لا تلحقه الاجازة من الصبي إذا بلغ، أو المجنون إذا أفاق. ويلحق بهؤلاء الصبي المميز والسفيه وذو الغفلة (7) فالصبي المميز لا تصح هبته، لان الهبة في العقود الضارة ضررا محضا، ولانها تمليك بلا عوض، ومن ثم تكون كل تصرفاته الضارة به ضررا محضا ومنها الهبة باطلة بطلانا مطلقاً م55/1 معاملات مدنية.
وكذلك السفيه وذو الغفلة المحجوز عليهما لا يملكان أن يهبا أموالهما، والهبة التي تصدر منهما تكون باطلة ولو أذت المحكمة بذلك، يستفاد ذلك بمفهوم المخالفة من نص المادة 60/ 1 معاملات والتي تجيز تصرف المحجوز عليه لسفه أو غفلة بالوقف أو بالوصية حتى لو أذنت المحكمة بذلك، وسكت النص عن الهبة الصادرة منهما وهذا يعني أنهما لا يملكانها ولو بإذن المحكمة، أما الهبات الصادرة منهما قبل تسجيل قرار الحجر، فهي في الأصل صحيحة، ولا يسري قرار الحجر في حق الغير إلا من وقت تسجيل القرار، ولكن قد يحدث أن السفيه أو ذا الغفلة يتوقع الحجر عليه، فيتصرف في ماله قبل الحجر متواطئاً مع من تصرف إليه، أو قد ينتهز الغير هذه الفرصة فيستصدر من تصرفات ليستغله بها، ففي هاتين الحالتين التواطؤ والاستغلال تكون الهبة باطلة لأنها من أعمال التبرع، وهذا ما نصت عليه المادة 59 معاملات بقولها:
1- يسري على تصرف السفيه وذي الغفل بعد تسجيل قرار الحجر ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام.
2- أما التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر، فلا يكون باطلاً أو موقوفاً إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ.
3 – أن يكون بالغاً:
إذا بلغ الإنسان سن الرشد، وسن الرشد هي ثمانية عشر عاماً (م 215 أحوال شخصية) توافرت فيه أهلية التبرع، ويستطيع عندئذ أن يهب، ولا حد للمال الذي يستطيع أن يهبه، فله أن يهبه كله أو نصفه، لمن شاء وارثاً كان الموهوب له. أو غير وارث، فليس هناك نصاب للهبة، كما هو الحال بالنسبة للوصية، حيث لا يجوز أن تزيد على الثلث بالنسبة لغير الوارث، اما بالنسبة للوارث فتجوز بأي مقدار ولكن بشرط اجازة الورثة وذلك ما لم تكن الهبة قد صدرت منه وهو في مرض الموت فيكون لها في هذه الحالة حكم الوصية ولا تجوز إلا في حدود الثلث لغير الوارث وما زاد على الثلث تكون موقوفة على اجازة الورثة لراشدين (م 287 أحوال شخصية) وتجوز للورثة بأي مقدار بشرط اجازة الورثة الباقين (م 297/1 أحوال شخصية) وقد نصت حكم هبة المريض مرض الموت المادة 279 حيث تقول: تسري على الهبة في مرض الموت أحكام الوصية (8). ورغم أن القانون السوداني لم ينص صراحة على مقدار المال الذي يمكن أن يهبه البالغ الرشيد الصحيح إلا أنه في هذه الحالة نأخذ بالراجح من المذهب الحنفي (م 5) وقد نصت المادة 79 من مرشد الحيران صراحة على هذه الأحكام حيث تقول: إذا كان المالك أهلا للتبرع ولم يكن محجوزاً عليه بدين أو سفه جاز له أن يهب وهو في حال صحته كل ماله أو بعضه لمن شاء. فإذا وهب البالغ الراشد في حال صحته كل ماله فإن الهبة تكون صحيحة. وللزوجة البالغة الرشيدة في حال صحتها أن تهب مالها كله أو بعضه لمن تشاء، دون إذن زوجها، وقد رأينا أن المالكية لا يجيزون للزوجة أن تهب أكثر من ثلث مالها إلا بإذن زوجها، وذهب الليث ابن سعد الى أن تبرعات الزوجة ومنها هبتها موقوفة على إذن زوجها أو إجازته ما عدا الشيء التافه الحقير. واستدل المالكية والليث بما رواه أحمد والسنائي وأبو داود عن عبدالله بن عمر أن النبي (صلى الله عليه واله) قال: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) فأخذوا من هذا الحديث أنه لا يجوز للزوجة أن تعطي عطية ومنها الهبة من مالها مطلقاً بغير إذن زوجها، واستثنى الليث الشيء التافه لجريان التسامح به (9) وجمهور الفقهاء لم يشترطوا ذلك فقالوا بأنه يجوز للزوجة أن تتصرف في مالها كيف تشاء وليس للزوج أن يمنعها من ذلك (10)، وهذا الرأي هو الذي أخذ به القانون السوداني.
وإذا كان البالغ الرشيد أصم أو أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم، وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته، والمقصود بالتعبير هنا الهبة، أو إذا كان هذا الشخص لديه عجز جسماني شديد يخش عليه بسبب ذلك الانفراد بالتصرف جاز للمحكمة في كل هذه الأحوال أن تعين له قيماً يعاونه في التصرفات التي تقتضي مصلحته فيها ذلك، م61 معاملات مدنية. وأي تصرف يصدر من هذا الشخص بغير معاونة القيم ومنها الهبة، يكون قابلاً للإبطال، وموقوفاً على اجازة القيم أو المحكمة، م61/2 معاملات.
4- أن يكون مختاراً:
فإذا لم يكن الواهب مختاراً عند صدور الإيجاب منه، كانت الهبة غير صحيحة ونتكلم عن الآتي:
أ – هبة المكره:
الإكراه هو عبارة عن رهبة تقوم في نفس الشخص على أساس معقول بعثها المتقاعد الآخر في نفسه دون حق، وتكون الهبة قائمة على أساس معقول إذا كان المكره قادراً على إيقاع ما يهدد به وأن خطراً جسيماً يتهدده في النفس أو الجسم أو الشرف أو السمعة أو المال.
إذا حدث مثل هذا الإكراه وبموجبه وهب الواهب ماله أو بعضاً منه لشخص آخر كانت الوصية باطلة، ولكن إذا أجازها المكره بعد زوال الإكراه صحت.
ب – هبة السكران:
قاسيا على وصية السكران فإن الحنفية يفرقون بين السكر الحرام وتكون الهبة هنا صحيحة زجراً له، واعتباراً لقصده حيث أقدم على السكر وهو يعلم ما قد يترتب عليه، والسكير بغير محرم فتكون الهبة باطلة لانعدام إرادته والمالكية والحنابلة لا يفرقون بين السكر بمحرم أو بغير محرم، ففي الحالتين تكون الهبة باطلة لانعدام الإرادة، وقد سكت القانون السوداني عن ذلك فيطبق بالتالي المذهب الحنفي.
ج- هبة الهازل والمخطئ:
إذا كان الواهب قد صدرت منه العبارة التي تدل على الهبة، ولكنه كان هازلاً، أو مخطئاً ففي هذه الحالة تكون الهبة باطلة لانعدام الرضا والاختيار والإرادة.
أن يكون مالكاً للموهوب:
إذا لم يكن الواهب مالكاً للشيء الموهوب لا تصح الهبة لاستحالة التمليك في هذه الحالة، وهذا النص أشارت إليه الفقرة (ب) من المادة 373 أحوال شخصية، ولكن المادة 231/1 من قانون المعاملات المدنية تنص: لا ينفذ عقد الهبة إذا كان المال الموهوب غير مملوك للواهب ما لم يجزه المالك ويتم القبض برضاه ومعنى ذلك أن هبة مال الغير تكون موقوفة على إجازة مالك هذا المال إذا أجازه ما فعله الواهب صحت الهبة وإذا رفض الإجازة فإن الهبة تكون باطلة، وتشترط المادة أن يكون قبض الشيء الموهوب برضا المالك، فإذا تم القبض بدون هذا الرضا كانت الهبة باطلة(11).
5- أن لا يكون مريضا مرض الموت:
إذا كان الواهب مريضا مرض الموت ووهب غيره هبة، فإن هذه الهبة يسري عليها أحكام الوصية، وقد تكلمنا عن ذلك، وهي أن الهبة للوارث لا تكون إلا بإجازة الورثة أيا كان مقدارها، أما لغير الوارث فتنفذ في حدود ثلث التركة، وما زاد على ذلك يتوقف على إجازة الورثة. وبناء على ذلك إذا وهب الواهب هبة لأحد ورثته ثم مات، وادعى باقي الورثة أنه وهبه في مرض موته، وادعى الموهوب له أنه وهبه في حال صحته، فإن على الموهوب له أن يثبت ما ادعاه فإن لم يفعل اعتبرت الهبة أنها حصلت في مرض الموت وبالتالي لا تصح إلا إذا أجازها الورثة (12)، وكذلك الحال بالنسبة للموهوب له من غير الورثة بأكثر من الثلث، فعليه أن يثبت أن الهبة كانت في حالة صحته، فإن لم يفعل ذلك، اعتبرت الهبة في مرض الموت، وبالتالي لا ينفذ الزائد من الثلث لا بإجازة الورثة، فإن اجازوها نفذت، وإن ردوها بطلت.
وإذا وهب الواهب وهو مريض مرض الموت ثم صح من مرضه فالهبة صحيحة بأي مقدار.
______________________
1- (البدائع) ج6، (ص 123 و124)، (ص400)، (المغني) ج5، (ص654).
2- (حاشية الدسوقي) ج4، (ص101).
3- (الوسيط)، المرجع السابق (ص58).
4- تقابل هذه المادة نص المادة 853 من شرح المجلة التي تنص: إذا وهب شيء للصبي المميز تتم الهبة بقبضه الموهوب وإن كان له ولي.
5- (البدائع)، ج6، (ص126).
6- (البدائع) ج6، (ص126).
7- هذا ما نصت عليه المادة 859 من شرح المجلة بقولها: يشترط أن يكون الواهب عاقلاً بالغاً فبناء عليه لا تصح هبة الصغير والمجنون والمعتوه وتقابل كذلك المادة 78 من مرشد الحيران.
8- (البدائع) ج6، (ص118).
9- راجع تفصيلات هذه الشروط في (الفقه على المذاهب الأربعة) ج3، (ص293) وما بعدها.
10- المجنون: هو فاقد العقل بصورة مطبقة أو منقطعة م/ 299/ أحوال شخصية.
11- هذه الحالة تستفاد من المادة 373 أحوال شخصية حيث تقول: ألا يكون الواهب محجوراً عليه.
12- تقابل المادة 85من مرشد الحيوان حيث تنص : حكم الهبة في مرض الموت بعد استيفاء شرائطها .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً