الشروط القانونية لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
تتطلب الدعاوى القضائية لقبولها توفر مجموعة من الشروط ، فإذا كان الحق في الالتجاء إلى القضاء حق دستوري مضمون لكل شخص ، فإن الحق في رفع دعوى يخضع في ممارسته إلى شروط تشكل في حد ذاتها شروط قبول الدعاوى القضائية منها ما يتعلق بأطراف هذه الدعاوى آلذين يجب أن يتمتعوا بمميزات خاصة تجعلهم أصحاب الحق في رفعها دون غيرهم ، و منها ما يتعلق بمدة ممارسة الحق في رفع الدعوى ، على اعتبار أنه كغيره من الحقوق قابل لسقوط بالتقادم .و إذا كانت الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع تشترك مع غيرها من الدعاوى في وجوب توفر هده الشروط فإنها تتميز عنها في مضمون هذه الأخيرة إذ يصبح تحديد الشروط الواجب توفرها في أطراف الدعوى وكذا آجال رفعها مرتبطا بأحكام النقل البحري المنظمة بموجب قواعد القانون البحري .
أولا – الشروط الواجب توافرها في أطراف الدعوى
لقد أوجب المشرع توفر مجموعة من الشروط في رافع الدعوى ، أوردها في نص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية يتوقف على وجودها من عدمه ، قبول الدعوى أو رفضها ، تتمثل أساسا في الصفة و المصلحة ، وأهلية التقاضي ، على أن هذه الأخيرة قد استبعدت من طرف العديد من الفقهاء ، كشرط لقبول الدعــوى ويصنفت ضمن شروط صحة المطالبة القضائية .
و مهما يكن من أمر فإن الأهلية الواجبة لرفع الدعاوى واحدة لا تختلف باختلاف نوع الدعوى و لا باختلاف القسم المراد رفعها أمامه . و على هذا فإنما يستوجب الدراسة في هدا المقام هو كل من المصلحة و الصفة في التقاضي ، على أساس أن خصوصية عقد النقل البحري للبضائع تضفي على كل من الصفة و المصلحة في الدعاوى الناشئة عنه طابعا خاص
أ- تحديد المصلحة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع.
إن نشوء الحق في رفع دعوى قضائية مرتبط بوجود مصلحة تمكن الشخص من الحصول على الحماية القضائية لحقه أو مركزه القانوني المعتدى عليه ، باعتبارها كشرط أساسي لقبول
الدعاوى المرفوعة أمام القضاء . فـتعرف المصلحة بأنها الفائدة أو المنفعة التي يسعى المدعي إلى تحقيقها جراء الحكم له بما يطلبه
و المصلحة المقصودة هنا هي تلك المصلحة التي يعترف بها القانون ويحميها بصفة مجردة و هو ما يعرف بشرط قانونية المصلحة، فلا يتوقف قبول الدعوى على وجود الحق أو المركز القانوني من الناحية الواقعية فحسب ، بل يجب أن يعترف القانون بالحماية القانونية المجردة لهذا الحق أو المركز القانوني المتمسك به أمام القضاء و عليه فإن أول مسألة يتأكد منها القاضي هي ما إذا كان الحق أو المصلحة المدعي بها محمية قانونا أم لا . و ذلك من خلال البحث عن وجود قاعدة قانونية تسمح بمنح هده الحماية ،إضافة إلى ذلك يشترط إن يكون الاعتداء قد وقع فعلا على المركز القانوني أو الحق الموضوعي المراد حمايته وقت رفع الدعوى وليس مستقبلا وهذا كقاعدة عامة. وأن ينجم عن هذا الاعتداء ضرر حال و أكيد .
و في هذا الصدد تشترك الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع مع باقي الدعاوى في وجوب توفر شرط المصلحة لقبولها ، إلا أن القاضي البحري عند فحصه لمدى توفرها يبقى دائما مرتبط بعقد النقل البحري بكل ما يميزه من خصوصية ، و ما يحكمه من قواعد .
وبالتالي نقول أنه حتى تثبت للشخص مصلحة في رفع دعوى ناشئة عن نقل بحري
للبائع يجب أن يتوفر أمرين أساسيين هما :
1- وجود عقد نقل بحري للبضائع.
2- الإخلال في تنفيذ عقد النقل.
ب- الصفة اللازمة في الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
لا يكفي لنشوء الحق في الدعوى توفر المصلحة فقط ، بل يستوجب أيضا توفر الصفة لدى رافع الدعوى فصاحب الحق أو المركز القانوني هو من له الحق في الحصول على الحماية القضائية له إما بنفسه أو بواسطة من ينوب عنه قانونا أو اتفاقا و دلك في مواجهة من قام بالاعتداء على حقه أو مركزه القانوني . و من هذا المنطلق نقول أن الصفة في الدعوى مطلوبة في المدعي باعتباره صاحب حق محمي قانونا يهدف إلى تكريس هذه الحماية عن طريق القضاء و في الطرف الثاني في الدعوى و هو المدعي عليه الذي يجب أن يكون هو المعتدي على الحق أو المركز القانوني وهدا ما يعبر عنه بوجوب رفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة فالقاضي بهذا الفرض يفحص توفر الصفة لدى طرفي الدعوى معا.
ثانيا – احترام آجال رفع الدعوى
إن الحق في رفع دعوى ناشئة عن عقد نقل بحري للبضائع، مثله مثل الحق في رفع الدعاوى في القواعد العامة، مرتبط بمدة زمنية معينة يشترط أن يمارس خلالها، وهذا تحت طائلة عدم قبول الدعوى. فشروط قبول الدعوى لا تقتصر على شرطي المصلحة والصفة، اللذان بالرغم من توافرهما قد تكون دعوى المدعي غير المقبولة، لرفعها خارج الآجال المحددة لها، على أساس أن حقه في رفع الدعوى قد سقط بتقادم لعدم استعماله في المدة المحددة قانونا.
أ – تحديد مدة تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع
لقد تولى المشرع تحديد مدة التقادم الخاصة بالدعاوى الناشئة عن عقد النقل البحري للبضائع في المواد 742،743،744 من القانون البحري،والتي بالرجوع إليها نجد أنها قسمت هذه الدعاوى إلى 3 أقسام حددت لكل قسم منها مدة تقادم خاصة به .
* الدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب الفقدان أو الأضرار الحاصلة للبضائع
حسب نص المادة 743 ق ب،حددت مدة التقادم بالنسبة لهذه الدعاوى بسنة واحدة مع إمكانية تمديد هذه المدة إلى سنتين بموجب اتفاق بين الأطراف، يتم بعد وقوع الحادث الذي ترتبت عنه الدعوى.
وبتفحص نص نفس المادة لمحاولة تحديد الدعاوى التي تخضع لحكمها، نجد أنه ينص على الدعاوى التي ترفع بسبب فقدان البضاعة أو تضررها أثناء تنفيذ عقد النقل، دون أن يشير إلى الدعاوى التي قد ترفع بسبب التأخر في تسليم البضاعة من طرف الناقل تطبيقا لنص المادة 805 من القانون البحري التي تعتبر الناقل مسؤول عن الضرر الناجم عن التأخر في تسليم البضاعة. وهنا يثور الإشكال حول المدة التي تتقادم بها هذه الدعاوى، هل هي المدة المشار إليها في المادة 743 أم المدة المنصوص عليها في المادة 742 من ق ب.
إذا أخذنا بحرفية نص المادة 743 ق ب فإننا نستبعد تطبيق أحكام هذه المادة على دعاوى المسؤولية الناجمة عن التأخر في التسليم ، ويصبح تقادمها إذن خاضعا لأحكام المادة 742 ق ب خاصة وأن التأخير في التسليم لا يعتبر من قبيل الفقدان ولا من قبيل الضرر اللاحق بالبضاعة.
و ذلك على أساس أن موضوع الدعوى في حالة التأخير يكون المطالبة بالتعويض عن الخسائر المالية اللاحقة بصاحب الحق على البضاعة بسبب عدم وصولها في الوقت المحدد.
ومهما يكن من أمر فإنه بالنسبة للدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب الفقدان أو الأضرار اللاحقة بالبضائع، أجاز المشرع للطرفين الاتفاق على تمديدها إلى سنتين بشرط أن يتم هذا الاتفاق بعد حصول الفقدان أو بعد اكتشاف الأضرار.
غير أنه وفي المقابل يعتبر باطلا وعديم الأثر، كل اتفاق يقضي بتقليص مدة التقادم لأكثر من سنة. وهذا طبقا للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 322 من القانون المدني التي لا تجيز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون. ومادام لا يوجد نص خاص في القانون البحري ينص على إمكانية تقليص مدة التقادم، فيبقى ذلك غير ممكن لأنه لا استثناء على القاعدة إلا بنص.
* دعاوى الرجوع
حسب نص المادة 744 من القانون البحري نجد انه يمكن رفع دعاوى الرجوع حتى بعد انقضاء المهلة المحددة في المادة 743 ق ب . أي مهلة السنة أو السنتين – في حالة الاتفاق على تمديد مدة التقادم- بشرط أن لا يتعدى هدا الأجل 3 أشهر من اليوم الذي يسدد فيه من رفع دعوى الرجوع،المبلغ المطالب به أو يكون قد استلم هو نفسه تبليغ الدعوى.
ويظهر من خلال نص هذه المادة، أن مدة 3 أشهر هي مدة مستقلة عن مدة السنة المحددة لرفع الدعوى الأصلية،وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 06/05/1997 عن الغرفة التجارية والبحرية ملف رقم 151318 الذي جاء في إحدى حيثياته أنه “يمكن أيضا رفع دعوى الرجوع وفقا لأحكام المادة 744 من القانون البحري حتى بعد انقضاء مهلة 3 أشهر ابتداء من تاريخ تسديد قيمة الدين”.
ويترتب عن هذه الاستقلالية قبول دعوى الرجوع المرفوعة بعد انقضاء مهلة 3 أشهر من تسديد قيمة الدين، إذا تم رفعها قبل انقضاء مهلة السنة. على اعتبار أن أحكام المادة 743 هي الأصل وأن أحكام المادة 744 لا تطبق إلا في حالة انقضاء السنة أو السنتين عند التمديد الاتفاقي .
* الدعاوى الأخرى الناتجة عن عقد النقل البحري للبضائع
حددت المادة 742 مدة التقادم بالنسبة لجميع الدعاوى الناتجة عن عقد النقل البحري للبضائع – فيما عدى الدعاوى التي يحكم تقادمها نصوص المواد 743,744 ق ب. – وجعلت مدة التقادم فيها بسنتين.
وعليه ففيما عدى الدعاوى المرفوعة ضد الناقل بسبب فقدان البضاعة أو تضررها وكدا دعاوى الرجوع، فإن كل دعوى يمكن أن تنتج عن عقد نفل بحري للبضائع تحدد مدة تقادمها بسنتين ومن هنا نجد أن المادة 742 وضعت كقاعدة عامة لتقادم دعاوى النقل البحري للبضائع.
وكمثال عن الدعاوى التي قد تنتج عن عقد النقل البحري للبضائع فيما عدى تلك المنصوص عليها في المادتين 743 ,744 لدينا:
– دعوى الناقل ضد الشاحن أو المرسل إليه حسب الحالة للمطالبة بأجرة النقل المادتين:797 ،791 ق ب.
– دعوى الناقل ضد المرسل إليه بسبب التأخير غير المبرر في استلام البضائع
م 794 ق ب
و في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الدعاوى الناشئة عن عقد البيع المبرم بين الشاحن والمرسل إليه تخضع في تقادمها إلى القواعد العامة على أساس أنها ليست بدعاوى بحرية.
وأيضا في حالة نقل البضائع بموجب مشارطه إيجار سفينة أين يتولى الشاحن تأجير سفينة على أساس الرحلة لنقل بضاعته وهي الحالة التي يكتسب فيها المؤجر صفة الناقل البحري فإن الدعاوى الناشئة عن هذا العقد تخضع في تقادمها لأحكام م 692 ق ب و هي مدة سنة يبدأ حسابها من يوم التفريغ الكامل للسفينة أو من يوم الحادث الذي وضع نهاية للرحلة.
اترك تعليقاً