الشيك والقضاء عهدٌ جديد
بسم الله. جذب الشيكُ اهتمامَ الناس، حتى أصبحت ورقته خيارهم المفضل –بعد ورقة النقود- في قبض حقوقهم، ولم يكن أمام الطرف الأول من المتعاقدين لكسب ثقة الطرف الثاني إلا ورقة الشيك، ومن هنا وجد الأمين والخائن مراده، فالصادق وصل لمصلحته بصدقه لإقناع الآخر عن طريق الشيك، والكاذب وصل لمراده بكذبه لإقناع الآخر عن طريق الشيك، وبين هذا وذاك دخل المنظم لينقذ الشيك بحامليه من دنس المجرمين، فجاء عند وجود الخلل بأحكام متعددة في إجراءات متنوعة على قضاء مختلف.
فجاء في مرحلته الأولى: بتوجيه حامل الشيك (المستفيد) عند عدم وجود رصيد مثلا لدى الساحب إلى رفع قضية أمام لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية، للمطالبة بالحق الخاص وهو القيمة المالية المقررة في بطن الشيك، وتقوم اللجنة بالحكم بالحق الخاص بتسديد الساحب للمستفيد قيمة الشيك، والحكم أيضاً بالحق العام بعقوبة محرر الشيك لقاء تحريره شيكا بدون رصيد أو سواها من المخالفات المنصوص عليها في المواد 118 و119 و120 من نظام الأوراق التجارية، وهذه المرحلة اقتصرت على عقوبتين فقط للمخالف هما: السجن والغرامة، فلم يكن التشهير من بينها.
ثم أتى في مرحلته الثانية: بتوجيه حامل الشيك (المستفيد) عند عدم وجود رصيد لدى الساحب أو وجود مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في المادة 118 المعدلة من نظام الأوراق التجارية إلى سلوك طريقين:
الطريق الأول: ينطلق من خمسة أسس قانونية هي: (نظام الأوراق التجارية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام هيئة التحقيق والادعاء العام، وقرار مجلس الوزراء الموقر رقم 75 وتاريخ 15 / 3 /1431هـ، وقرار صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم 1900 وتاريخ 24 / 5 / 1431هـ)
وملخصه: أن يقوم المستفيد بالذهاب إلى قسم الشرطة لتقديم شكوى ضد الساحب لتتحرك معه دعوى عامة تقوم فيها الشرطة بممارسة التحقيق الابتدائي وتوقيف محرر الشيك وجوبا ثم رفعها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق النهائي فيها ثم رفعها عن طريق المدعي العام إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية التابعة لوزارة التجارة والصناعة ليتم الحكم بعقوبة جزائية ضد الساحب، لوصف المخالفة من الساحب بأنها جريمة جنائية، وهذه العقوبات تدور في:
السجن بما لا يزيد على خمس سنوات
الغرامة المالية بما لا يزيد على مائة ألف ريال
التشهير بمحرر الشيك
الطريق الثاني: الذهاب إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية للمطالبة بالحق الخاص وهي القيمة المالية في بطن الشيك.
ثم حضر المنظم في مرحلته الثالثة الحالية: بتوجيه حامل الشيك (المستفيد) عند وجود مخالفة مما نص عليه في المادة 118 المعدلة من نظام الأوراق التجارية كعدم وجود رصيد لدى الساحب إلى اتباع مسلكين هما:
المسلك الأول (الحق العام): التوجه إلى مركز الشرطة الذي يتبع له فرع البنك (المسحوب عليه)، وتقديم شكوى محررة ومكتوبة وتوريدها لدى مركز الشرطة، باعتبار الشرطة من رجال الضبط الجنائي حسب نظام الإجراءات الجنائية، لتقوم الشرطة بالضبط والقبض والتحقيق الابتدائي، ثم ترفعها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لتقوم بالتحقيق النهائي ثم الرفع عن طريق المدعي العام إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية لتصدر عقوبة جنائية ضد محرر الشيك (الساحب)، وهذه العقوبة تدور بما تدور عليه المرحلة السابقة.
المسلك الثاني (الحق الخاص): التقدم إلى محكمة التنفيذ طبقا لنظام التنفيذ ولائحته التنفيذية، وتقديم طلب تنفيذ الشيك لدى الموظف المختص، ليتم إحالته إلى إحدى مكاتب التنفيذ القضائية، ثم يقوم بعدها قاضي التنفيذ باتباع الإجراءات النظامية للتنفيذ ضد محرر الشيك (الساحب)، وهذه الإجراءات التنفيذية النظامية على النحو التالي:
تحقق قاضي التنفيذ من توافر الشروط النظامية للشيك المذكورة في المادة 91 من نظام الأوراق التجارية. ويضع خاتم التنفيذ عليها، متضمنا عبارة (سند للتنفيذ) مقرونا باسم قاضي التنفيذ ومحكمته وتوقيعه.
يصدر قاضي التنفيذ فوراً أمراً بالتنفيذ إلى محرر الشيك مرافقة له نسخة من السند التنفيذي مختومة بخاتم المحكمة بمطابقتها للأصل، ويبلغ محرر الشيك أو وكيله في محل إقامته أو عمله عن طريق مبلغ الأوراق القضائية، فإن امتنع محرر الشيك عن استلام التبليغ، يدون في محضر امتناعه ويعد مبلغا، وإن تعذر إبلاغ المدين فينشر الإبلاغ في الصحيفة اليومية الأوسع انتشاراً في منطقة مقر المحكمة بعد مضي عشرين يوماً من تاريخ صدور أمر التنفيذ، ويحدد قاضي التنفيذ كيفية الإعلان، وتدفع كلفته ابتداء من طالب التنفيذ، وتحسب من مصاريف التنفيذ، وتستوفي من المدين نفقة الإعلان هذا مع استيفاء الحق، وإجراء الإبلاغ التقليدي هذا سيبدأ بالضمور بعد إقرار اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ مسألة جديدة في آلية التبليغ وهي: الأمر على الجهات الحكومية بأخذ إقرار على كل مواطن أو مقيم عند تنفيذ أو تجديد أي خدمة حكومية يتضمن محل إقامته، وجهة عمله ومكانه، وصندوق بريده، والرمز البريدي، وبريده الإلكتروني ورقم هاتفه، ثم التزامه بأنه يعتبر مبلغا بكل ما يرده على أي من هذه العناوين، وملتزما بآثارها القضائية والنظامية، والتزامه بتجديد عناوينه كلما تغيرت.
إذا لم ينفذ محرر الشيك، أو لم يفصح عن أموال تكفي للوفاء بالدين خلال خمسة أيام من تاريخ إبلاغه بأمر التنفيذ، أو من تاريخ نشره بإحدى الصحف إذا تعذر إبلاغه، عد مماطلاً، ويجب على قاضي التنفيذ أن يأمر حالاً بما يأتي:
منع محرر الشيك من السفر
إيقاف إصدار صكوك التوكيل منه بصفة مباشرة، أو غير مباشرة في الأموال وما يؤول إليها.
الإفصاح عن أموال المدين القائمة وعما يرد إليه مستقبلاً، وذلك بمقدار ما يفي بالشيك وحجزها والتنفيذ عليها وفقاً لأحكام نظام التنفيذ
الإفصاح عن رخص وسجلات أنشطة المدين التجارية والمهنية.
إشعار مرخص له بتسجيل المعلومات الائتمانية بواقعة عدم التنفيذ
ولقاضي التنفيذ جوازاً لا وجوبا أن يتبع إضافة إلى ما سبق أيا من الإجراءات التالية:
منع الجهات الحكومية من التعامل مع محرر الشيك وحجز مستحقاته المالية لديها، وأن عليها إشعار قاضي التنفيذ بذلك.
منع المنشآت المالية من التعامل معه بأي صفة.
الأمر بالإفصاح عن أموال زوج محرر الشيك وأولاده ومن تشير القرائن إلى نقل الأموال إليه أو محاباته، وإذا تبين الاشتباه بأن هناك أدلة أو قرائن على إخفاء الأموال يحال الطلب إلى قاضي الموضوع للنظر فيه.
حبس محرر الشيك.
وأختم حديثي بالقول: إن هناك مرحلةً رابعة قادمة تتزامن مع نقل اختصاصات لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية إلى القضاء العام، وسيثور عندها إشكال في الجانب الجزائي (الحق العام) الذي كان لدى اللجنة، فهل سينقل هذا الاختصاص إلى محكمة التنفيذ على اعتبار أن النظر بالحق الخاص لديها؟ أم إلى المحكمة التجارية على اعتبار أن اختصاصات اللجنة تجارية والمحاكم التجارية هي صاحب الاختصاص التجاري الأوحد؟ أم إلى المحكمة الجزائية على اعتبار أن النظر في الجرائم موكل إلى المحكمة الجزائية حسب نظام القضاء الجديد؟ ويبدوا لي أن المحكمة الجزائية أقرب المحاكم لتلقي هذا الاختصاص.
ويبقى لدي تساؤل: لماذا نرى في الواقع العملي صرامة في تطبيق النظام ضد محرر الشيك دون حامله؟ أليس حامل الشيك يتلقى أحياناً شيكاً لا يوجد له مقابل وفاءٍ كافٍ لدفع قيمته منطبقا عليه المادة 118 المعدلة من نظام الأوراق التجارية فلماذا لا يعاقب؟ أليس النظام أصدر عقوبات على كل منهما حال المخالفة؟ أليس غاية المنظم من قراراته حفظ هيبة الشيك ووظيفته؟ ألا تعد مخالفة حامل الشيك معيقا لتحقيق هذه الغاية؟
وصلوا على النبي المختار
د. تركي بن عبدالله الطيار
محام وقاض سابق
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً