_ الشروع هو جريمة ناقصة غير مكتملة ، كمن يطلق النار على آخر فتطيش اصابته ، أو يمنعه شخص ثالث من تنفيذ فعلته ، أو كمن يضبط وهو يفتح باب منزل بهدف سرقته . والشروع جريمة توافر لها الركن المعنوي ولكن تخلف فيها الركن المادي بصورة كلية أو جزئية . فهو اذن جريمة ناقصة . وهذا النقص في البناء القانوني للجريمة يتعلق بماديات الجريمة ، وينصب تحديداً على النتيجة الاجرامية التي لم تقع لسبب لا دخل لارادة الفاعل به . أما الركن المعنوي فهو متوافر فيها في صورة القصد الجنائي . بل ان حكمة تجريم الشروع تتمثل في النية الاجرامية أو به كله ، ورغم هذا لم تقع النتيجة . وتصوير الشروع على هذا النحو يستدعي الملاحظات التالية :
_ أولاً : أن جوهر الشروع كصورة خاصة للجريمة تمثل في عدم تحقق النتيجة رغم ارتكاب السلوك كله أو بعضه ويترتب على هذا أن الشروع لايثور كأصل عام الا بالنسبة للجرائم المادية ذات النتيجة ” أو كما تسمى بجرائم الحدث أو الضرر ” . فهذه الطائفة من الجرائم لا تتحقق قانوناً الا بوقوع النتيجة المحظورة . فاذا وقعت النتيجة كنا بصدد جريمة تامة ، واذا تخلفت لسبب خارج عن ارادة الفاعل أصبحنا ازاء جريمة شروع . ومؤدى هذا أن الشروع لا يعاقب عليه في الجرائم الشكلية أي جرائم السلوك المجرد التي تفتقر الى النتيجة . اذ يرى البعض أنها في جوهرها تعد شروعاً ، فلا يتصور اذن الشروع في الشروع . ولكن هذا القول ليس مطلقاً اذ من المتصور أن يتوافر الشروع في بعض الجرائم الشكلية التى لا تستعصى بطبيعتها على ذلك ، لكن الفقه مختلف حول بعض هذه الجرائم . وعلى أي حال فالمشرع يكتفي في تعريف الشروع بالقول … ” البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة اذا أوقف أو خاب اثره لاسباب لا دخل لارادة الفاعل فيها ” . وهذا التعريف لا يقطع بقصر الشروع على جرائم النتيجة بل يشمل جرائم السلوك متى كان مثل هذا الشروع متصوراً بحسب طبائع الأمور وهو ما يستخلص من طبيعة وخصوصية الركن المادي في كل جريمة .
_ ثانياً : أن الشروع يمثل نقصاً في ماديات الجريمة المكونة لركنها المادي مع توافر الركن المعنوي لدى الجاني متمثلاًفي القصد الجنائي . وتلك حكمة عقاب الشروع . وبالتالي فحيث ينتفي القصد الجنائي أصلاً لا تقوم الجريمة ، لا في صورتها التامة ولا حتى في صورة الشروع . فلا شروع اذن في الجرائم غير العمدية ولا في الجرائم متعدية القصد . فالسائق الذي يقود سيارته بسرعة شديدة مخالفاً أبسط قواعد المرور في شارع يغص بالمارة بما ينذر تهديد أرواح الناس وسلامتهم لا يمكن حتى اللحظة اعتباره مرتكباً لجريمة شروع في قتل خطأ ، وان جاز بطبيعة الحال اعتباره مرتكباً لاحدى جرائم المرور .
_ ثالثاً : أن حكمة تجريم الشروع والعقاب عليه رغم عدم وقوع النتيجة المحظورة قانوناً تتمثل في أن الشروع ينطوي على خطر تحقيق هذه النتيجة . ولئن كان المشرع يهتم في المقام الأول بالضرر الناشئ فعلاً عن الجريمة متجسداً في النتيجة التي وقعت ، فهو أيضاً وبنفس الدرجة لا يغفل عن صور في السلوك تنطوي في ذاتها وبالنظر لنية فاعلها على خطر تحقيق هذا الضرر . ولهذا يقال ان الشروع هو صورة من جرائم الخطر ، وكاشف عن شحصية خطرة اجرامياً ، لاسيما وأن عدم وقوع النتيجة في الشروع راجع لعامل غير ارادي منبت الصلة بارادة الجاني ،الذي لو لا هذا العامل الخارجي لمضى قدماً في مشروعه الاجرامي حتى نهاية المطاف .
اترك تعليقاً