مقال قانوني عن الصلاحيات القانونية لشركات الفوسفات
د. عبدالله الضمور
على اثر الأزمة الاقتصادية التي واجهت الأردن كغيره من دول العالم الثالث , فقد اتخذت الدولة الأردنية وبنصائح من البنك الدولي مجموعة من القرارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية وتحرير التجارة ,فانضمت الأردن إلى منظمة التجارة العالمية وانتهجت الدولة الأردنية سياسة الخصخصة وتفعيل دور القطاع الخاص في صنع وبلورة القرار الاقتصادي في الدولة , وعلى اثر ذلك جرت خصخصة الكثير من شركات ومؤسسات القطاع العام ,وأصبحت مألوفة لدينا مفردات الشريك الاستراتيجي , الشراكة بين القطاع العام والخاص PPP, الامتياز واتفاقيات الBOT وغيرها من المفاهيم الاقتصادية والقانونية.واستقطبت الأردن مجموعة من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة التي لا تزال تعمل في الأردن ومن ابرز هذه الاستثمارات التي تثير جدلا واسعا هو موضوع خصخصة قطاع الفوسفات وبيع بعض الحصص لوكالة بروناي الاستثمارية وما رافق ذلك من توزيع المنافع بين كل من الشركات المتدخلة بشكل مباشر وغير مباشر كشركة شركة كاميل هولدنج ليميتد و شركتي بريمير سيركل وسكند سيركل .
وقد رافق هذا الموضوع مجموعة من المجادلات السياسية والبرلمانية ذات الطبيعة الجزائية والمدنية حول عملية البيع والتفويض والتي من الممكن أنها مشوبة بالفساد ولكن باعتقادي ومتأثرا بوجه نظر مختلفة في إطار القانون الدولي انه وبعد قرار مجلس النواب القاضي بعدم توافر النصاب لتحريك الملاحقة القضائية لمحاكمة المتورطين من الساسة ,فان مجلس النواب قد أضفى المشروعية على أعمال الإدارة ونزع عن العملية برمتها وصف الفساد ومن وجهة نظري فان هذا الأمر سيستغل حتما من قبل الشركات التي اتخذت دورا في عملية استخراج وبيع مادة الفوسفات باختلاف أوصافها وطبيعة تدخلها. وما يهمنا في هذا المقال هو الجانب الخاص في اتفاقية البيع وهو ما دفعني إلى الكتابة في هذا الأمر من وجهة نظري خطورة وعدم دقة بعض الآراء القانونية والسياسية من بعض أصحاب القرار السياسي حول جواز أو عدم جواز إبطال الاتفاقية وإعادة الحال إلى ما كان علية وفق أوصاف قانونية وطنية بحتة قد لا تجد لها أساسا في القانون الدولي الاقتصادي . ولست هنا من مؤيدي الخصخصة على الطريقة الأردنية بل أنني هنا لأضع بين يدي القارئ الكريم وصاحب القرار القانوني مجموعة من الملاحظات المفيدة بعد أن ظهرت إلى السطح بعض الآراء ذات الطابع السياسي الاقتصادي بل وحتى العاطفي نتيجة الضغط الشعبي حول إمكانية إعادة النظر في اتفاقيات الخصخصة الأمر الذي دفع السيد دومنيك كلان المستشار الاقتصادي في السفارة الفرنسية في عمان أن يشير إلى هذه الحقائق وأثرها على مستقبل الاستثمار في الأردن واستطيع أن أقرا شخصيا الأدوات القانونية التي لم يلوح بها صراحة لكونها معروفة لأي متخصص في القانون الدولي وقد تجلت في أزمة الأرجنتين ودولة بوليفيا مع البنك الدولي والشركات الاستثمارية .(Regional Conference of French Chambers of Commerce and Industry in Africa and the Middle East- Amman 2012)
وحتى أسهل عليكم ما أود بيانه بعيدا عن أساليب البحث أو الكتابة القانونية المتخصصة فإنني ساجمل ذلك في النقاط التالية :
1- لا يخفى على أي متخصص في التحكيم الدولي وخاصة الاستثماري أن مسالة الاستثمار هي عملية اقتصادية ذات أبعاد قانونية خطيرة على مستقبل الدول المستضيفة للاستثمار , ذلك وانه وبالرغم من عدم تعريف اتفاقية واشنطن 1965 للاستثمار والتي صادقت عليها الأردن وبدون أي تحفظات فقد استخلص قضاء التحكيم الدولي الاستثماري أخذا بالمعايير والعناصر الخمسة التي صاغها الفقيه والمحكم الدولي Christoph Schreuer وهي وجوب توافر عنصر الأموال المقدمة من المستثمر بل وحتى المعرفة الفنية Know-how( قضية ICSID Salini v.Moroco) وعنصر الخطر Assumption of some risk by both parties وعنصر الزمن وعنصر تحقيق المنافع والإرباح وحتى غير المؤكدة expectation of returns even where no profits are eventually realized) ) وعنصر الجدية والالتزام Commitment وعنصر التنمية والتطوير في البلد المضيف للاستثمار development the operation’s significance for the host state’s ( ICSID case of MHS v. Malaisie) وهي شروط جميعا متوافرة في ملف الفوسفات لجعله خلافا استثماريا Investment dispute.
2- ليعلم صاحب القرار أن الأردن دولة مصادقة على اتفاقية واشنطن وكذلك سلطنة بروناي والمملكة المتحدة التي سجلت في الجزر البريطانية الشركات المشار اليها اعلاه. ولذلك فان إمكانية تحريك اختصاص مركز تسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار في واشنطن قد تتوافر وأقول قد تتوافر بالرغم من اشتراط اللجوء الى القضاء الوطني او التحكيم التجاري أخذا بقواعد Unistral وهو ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية الفوسفات. إن اللجوء إلى هذا المركز لا قدر الله سيكون خطيرا لسبب يعزى إلى طبيعة أحكامه الواجبة النفاذ في الدول دون الحاجة إلى وجوب أكسائها صيغة التنفيذ وبطلان خيارات الرجوع الحصري وهو ما يعبر عنه ب ) Fork in the road انظر قضية Lanco Inc v. Argentine ) ومن مميزات هذا النوع من التحكيم يتجلى في انعدام الرقابة القضائية لقضاء بلد الإصدار ,ذلك ان مراجعة الحكم والغائة انما تتم عبر لجنة خاصة تشكل في إطار المركز ووفق شروط خاصة . إضافة إلى ذلك ارتفاع حجم التعويضات التي يحكم بها للمستثمرين وفي هذا الإطار أشير إلى قضية رفعت من شركة بكتل العالمية والتي استثمرت حوالي مبلغ 25 الف دولار في قطاع المياه في بوليفيا وبعد خلاف من السلطات العامة قاضت الشركة دولة بوليفيا للمطالبة بحوالي ربع مليون دولار بدل تعويضات , وأشير أيضا إلى قضية رفعت على الأردن من قبل شركة ترانسجلوبال الامريكية TransGlobal حيث طالبت الشركة بتعويضات تعادل مليار دولار بسبب إشراك إحدى شركات الحريري دون حق في عملية البحث واستخراج البترول وكانت النتيجة أن جرت المصالحة على القضية دون بيان ما تحمله الأردن فعليا نتيجة معاملة المستثمر غير العادلة. ولا علم لي كمواطن ورجل قانون حجم التسوية التي جرت لانعدام الشفافية وتعذر الحصول على المعلومات وهي قضية أخرى لا يعرفها الرأي العام في الأردن . ( مشار إليها على الموقع الالكتروني للبنك الدولي ).
3- إن إمكانية تحويل المخالفات العقدية أو النزاعات ذات الطبيعة العقدية إلى إخلال بالالتزامات الدولية للأردن بموجب اتفاقيات منظمة التجارة الدولية واتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمارات الثنائية هي واردة بموجب شرط ال Umbrella clause بالرغم من عدم استقرار أحكام التحكيم الدولي حول هذا لأمر وينطوي الأمر على مخاطرة ان صح القول ( انظر قضية Argentine v. Vivendi) وانظر كذلك قضية ( Argentine v. CMS)) وكذلك قضية ( El Pasov. Argentine ) . وانظر قضية Maffezini v. Espane والتي قررت فيها هيئة التحكيم أن وسائل حل المنازعات هي اليوم غير قابلة للفصل ومرتبطة ارتباطا وثيقا بحماية الاستثمارات ).
4- إن إمكانية اللجوء إلى وسائل حماية قانونية للمستثمرين مقررة بموجب اتفاقيات أخرى كاتفاقية التجارة الحرة بين الأردن وأمريكا وعطفا على البند 3 أعلاه هي واردة بموجب شرط الدولة الأكثر رعاية المقرر في القانون الدولي الاقتصادي واتفاقية منظمة التجارة العالمية most favoured nation clauses MFNC . ولذلك قد لا يسعف المحامي الوطني لإقناع المحكم الدولي بأدوات القانون الأردني ووسائله المحدودة في عالم العولمة والتدويل.
5- إن التذرع بوقوع مخالفات قانونية في إحالة العطاءات او عدم استكمال الإجراءات الدستورية أو الإدارية القانونية في البلد المضيف للاستثمار قد لا يصلح للتمسك به للهروب من الالتزامات الدولية للأردن وخاصة في أحوال عدم توافر الفساد كأمر معترف به في النظام العام الدولي (انظر في بعض أحكام التحكيم الصادرة عن محكمة التحكيم الإيرانية الأمريكية بعد إزالة الشاه وتأميم الشركات الإيرانية ).
6- إن من المقرر اليوم في القانون الدولي أن هنالك من الأعمال التي تصدر عن السلطات العامة في البلد المضيف للاستثمار وان كانت لا تشكل تأميما بالمفهوم القانوني التقليدي الا انها توصف اليوم بالإجراءات الموازية والمشابهة للتأميم measures equivalent to expropriation , فالتهديد بإعادة النظر في اتفاقيات الخصخصة وبيع الأصول العامة قد يشكل إجراءات تعادل أو توازي التأميم التقليدي .
7- إن الأمر يحتاج إلى التروي وعدم التسرع في الإدلاء بالتصريحات أو في اتخاذ أي قرار سواء أكان ذا طبيعة اقتصادية أو قانونية ,لان النتائج قد تكون خطيرة على الأردن في أحوال لجوء الشركات الاستثمارية إلى التحكيم لحماية مصالحها وان ارتباط الأردن بمجموعة من اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار وانضمامه إلى منظمة التجارة الدولية ليس لتسجيل المواقف وبيان التطور وجذب الاستثمار دون التبصر والمعقولية ( انظر قضية (Salini v. Jordan.
8- إن مشاكلنا في الأردن لا تعزى فقط إلى الفساد بل إلى سوء الإدارة وغياب الشفافية وضعف التخصص في مجال العمليات الاستثمارية وعلى الأخص ما تعلق بالجوانب القانونية وقد أدى ذلك إلى نتائج كارثية على المواطن الأردني المظلوم وارتفاع المديونية, ومن هنا تبرز الأهمية إلى تعيين أصحاب الاختصاص في مواقع اتخاذ القرار والحاجة إلى تغيير السياسات الاقتصادية بل وحتى التعليمية وهنا أشير إلى دور كليات الحقوق في الجامعات الأردنية في بناء الدولة العصرية ومواكبة المستجدات وتقديم الخدمات لصاحب القرار الاقتصادي.
9- انهي مقالي هذا بالتذكير على انه لا ينطوي على رأي قانوني لعدم كفاية المعلومات الموثوقة إلا ما تتناقله وسائل الإعلام المشكورة , بل مجرد ملاحظات أضعها بين يدي صاحب القرار لان يتأنى في اتخاذ القرار بخصوص الاستثمارات وإعادة النظر ببعضها ومراجعة الآخر . واقتبس أخيرا من قول رئيس دولة بوليفا السيد Morales, التي انسحبت دولته من اتفاقية واشنطن عام 2007 بعد معارك قضائية مع الشركات الاستثمارية لاسترداد المصادر الوطنية , وبعد أن خلصت إلى اعتبار مركز تسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار في واشنطن محكمة البنك الدولي الجديدة وان بوليفيا تحتاج إلى شركاء وليس إلى أصحاب عمل.
It is true that we need investment, we need partners, not bosses, not owners of our natural resource….
اترك تعليقاً