اللجوء للصلح الواقي من الإفلاس
د. عبد القادر ورسمه غالب –
تطالعنا الأخبار بين الحين والآخر عن تعرض بعض الأفراد والشركات لهزات مالية وصعوبات مادية حادة. وبسبب هذه الأوضاع تبدأ بعض المشاكل، من ضمنها عدم التمكن من رد القروض والمبالغ المستلفة من جانب الشركات أو الاطراف الأخرى المقترضة نتيجة لتعثرها في الوفاء.
وتذهب كل المساعي لاسترداد هذه المبالغ والقروض سدى، مما يهدد الوضع المالي للمؤسسات المانحة. ويحدث هذا غالبا في البلدان التي تشجع الاستثمارات وتسهل تمويل المشروعات، فهل هناك مخرج يمكن من خلاله تقليل المخاطر وتفادي اندلاع أزمات كبيرة تقضي على الأخضر واليابس؟
ان الكثير من الصفقات التجارية والتعاملات المالية تتم بنجاح وتكتمل المشروعات ويتدفق انتاجها، ولكن من الطبيعي أن يكون هناك نشاز، وأن تتعثر الولادة في بعض الحالات. وعند حدوث هذا التعثر يجب علينا ألا نهلع أو نضطرب، بل ان الموقف يتطلب الكثير من الصبر والنظر برؤية تامة في الامر وتدارس السبل الكفيلة لعلاج الموضوع وكذلك الحيلولة دون حدوثه في المستقبل قدر المستطاع.
عند حدوث حالات التعثر، وهي كثيرة في المنطقة، هناك بطبيعة الحال العديد من الاجراءات السياسية والادارية والقانونية. لكن لنحصر حديثنا هنا، في الاجراءات القانونية المتاحة بالنسبة للشركات والمؤسسات التي فشلت أو قد تفشل في السداد وما هو الوضع أيضا بالنسبة للشركات المانحة لأن المشكلة تطالها وبدون رحمة أو استثناء لأحد.
ان النهج القانوني المتوفر يطال الشركات الدائنة والمدينة، ومن ضمن هذه الاجراءات، اعلان واشهار الإفلاس أو القيام بإجراءات «الصلح الواقي من الافلاس».
وفق القانون، يجوز اشهار افلاس كل تاجر أو شركة توقفت عن دفع ديونها في مواعيد استحقاقها بسبب يعود لاضطراب المركز المالي وتزعزع الائتمان وغيره. ويتم اشهار الافلاس «التفليسة» بحكم يصدر من المحكمة المختصة وذلك وفقا للإجراءات والنصوص القانونية التي تحكم اشهار الافلاس واعلانه. وهناك تطورات تشريعية كثيرة تم انتهاجها في العديد من الدول لمعالجة أوضاع الافلاس.
ويشكل اشهار الافلاس المرحلة القانونية الأخيرة عندما يفشل التاجر أو الشركة في مقابلة التزاماته عند آجالها، ولتجاوز ما ينجم عن اشهار الافلاس وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية، وكمحاولة للخروج من هذا المأزق يجوز القيام بإجراءات «الصلح الواقي من الافلاس» خاصة وأن هذه الاجراءات قد تعمل على امتصاص أثر الصدمة وقد تنجح في معالجة الموقف قبل اعلان الافلاس واصدار شهادة «الوفاة».
وفقا لنصوص أحكام القانون، يجوز لكل شركة أو تاجر اضطربت أعماله ومن شأن هذا أن يؤدي الى توقفه عن الدفع، أو في خلال فترة زمنية محددة في القانون تلي هذا التوقف، أن يطلب الصلح الواقي من الافلاس. وعلى التاجر أو الشركة التي تسعى لاتباع اجراءات الصلح الواقي من الافلاس التقدم بالطلب الخاص بذلك، على أن يشكل هذا الطلب أسباب اضطراب الأعمال ومقترحات الصلح وضمانات تنفيذها.
ويجب أن يكون هذا الطلب مشفوعا بالمستندات الضرورية وكل الوثائق اللازمة والخاصة بهذا الموضوع. وبالنسبة للشركات ، وحتى لا يكون الموقف اتخذ بصورة فردية عشوائية، لا يجوز لمدير الشركة أن يطلب الصلح الواقي الا بعد الحصول على اذن بذلك من أغلبية الشركاء في شركات التضامن والتوصية أو من الجمعية العمومية في اجتماع غير عادي بالنسبة للشركات المساهمة العامة.
هذا مع العلم، أن القانون يشترط ألا تقل التسوية المالية المقترحة للصلح الواقي عن نسبة 50% من الدين (هناك محاولات لإنقاصها)، وأن يتم الوفاء بمبلغ التسوية خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ التصديق على الصلح الواقي بواسطة المحكمة المختصة. ويجوز أن تكون هناك أمور أخرى يتم الاتفاق عليها بين الأطراف (الدائن والمدين) والمحكمة.
وفي جميع الأحوال يحب على المحاكم أن تفصل في طلب الصلح الواقي على وجه السرعة ومن دون خصومة بين الاطراف. وذلك حتى لا يتأثر مقدم الطلب أو دائنوه بتأخير الاجراءات وحتى تكون هناك فائدة مادية محسوسة باتباع اجراءات الصلح الواقي بعيدا عن الروتين. وفي جميع الحالات، اذا قررت المحكمة قبول طلب الصلح الواقي بعيدا عن الروتين وقبول الطلب وفقا للإجراءات القانونية، عليها أن تأمر بفتح الاجراءات وتعيين قاض للإشراف على الصلح يسمى «القاضي المشرف»، وأمين للصلح يسمى «أمين الصلح» تكون مهمته مباشرة إجراءات الصلح ومتابعتها حتى النهائية مع اطراف الصلح والمحكمة.
ويقوم أمين الصلح بقيد قرار اجراءات الصلح في السجل التجاري ونشر ملخصه وعليه تقييم دعوة للدائنين لحضور الاجتماع في صحيفتين يوميتين. وفي هذا الاثناء يجب على أمين الصلح أن يقوم بجرد ممتلكات المدين وحصرها وتدوينها، ويجوز له الاستعانة بخبراء عند الضرورة. وذلك حتى يكون الأمر واضحا وقبل الدخول في إجراءات الصلح الواقي أمام المحكمة.
ومن الفوائد الملموسة لاتباع اجراءات الصلح من المحكمة، أنه لا يعني عدم ممارسة المدين لأعماله وواجباته العادية كما هو الحال بالنسبة للإفلاس. بل ان المدين يتمتع بالجرية الكافية في ادارة أعماله، ويجوز له أن يباشر كل المهام التي تقتضيها أعماله التجارية، لكن تحت اشراف أمين الصلح الذي لا يتدخل في العادة الا عند الضرورة ولمنع الضرر عن الدائنين.
اذا أخفى المدين، بعد تقديم طلب الصلح، جزء من أمواله أو قام بأي إجراء بسوء نية أو تصرفات ضارة للدائنين جاز للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بإلغاء إجراءات الصلح الواقي من الافلاس وعلى المدين تحمل نتائج وتبعات إلغاء إجراءات الصلح الواقي.
بعد الاعلان عن اجراءات الصلح يجب على جميع الدائنين الابلاغ بديونهم على وجه السرعة وعليهم تقديم المستندات الدالة على ذلك والتي تؤيد مطالبهم القانونية. وبعد انتهاء فترة تقديم المطالبات يضع أمين الصلح قائمة بأسماء الدائنين الذين طلبوا الاشتراك في إجراءات الصلح مع توضيح رأيه القاطع بالنسبة لكل طلب بالقبول أو الرفض وتوضيح الأسباب الدعية لكل حالة.
وبعد الانتهاء من تحقيق الديون يحدد القاضي المشرف ميعادا لاجتماع الدائنين، وفي هذا الاجتماع لا يقع الصلح الا بموافقة أغلبية المدينين الذين قبلت ديونهم بشرط أن يكونوا حائزين على ثلثي هذه الديون.
ويتم توقيع الصلح بالتفاصيل التي تم الاتفاق عليها في الجلسة التي تم فيها التصويت على الصلح والا كان باطلا. كل ذلك يجب أن يكون في محضر يتضمن ما تم في الجلسة ويوقعه القاضي المشرف وأمين الصلح والمدين الذي يشترط القانون حضوره شخصياً والدائنون الحاضرون بأنفسهم او بالوكالة ويصبح الصلح نافذا بمجرد صدور قرار التصديق عليه.
ولا يجوز الطعن فيه، وتعين المحكمة في هذا القرار مراقبا أو أكثر يكون من بين الدائنين وتكون مهمته أو مهمتهم الاشراف على تنفيذ شروط الصلح المصدق عليها بواسطة المحكمة، واذا ظهر منه عدم السرعة في التنفيذ جاز للمحكمة المختصة فسخ كل الاجراءات المتفق عليها ويعتبر الأمر كأن لم يكن.
هذه في إيجاز الإجراءات القانونية الواجب اتباعها للصلح الواقي من الإفلاس، وهي في نظرنا، تمثل مخرجا قانونيا يمكن أن يستفيد منه المدين لمعالجة أوضاعه مع دائنيه نظرا للظروف الاضطرارية التي يمر بها. ومع وجود هذه الإجراءات والضمانات فليس هناك أي مبرر للاختفاء عن الأنظار أو الهروب من البلاد أو مسرح العمليات.
ويتيح هذا المنفذ الفرصة للتجار والشركات لتسوية أوضاعهم والاتفاق على ذلك بطريقة حضارية مقبولة لكل الأطراف، خاصة أن العمليات التجارية تكون عرضة للتقلبات بين الربح والخسارة والنجاح والإخفاق. ووجود مثل هذه الإجراءات القانونية، بدون شك، يعطي الفرصة لامتصاص الصدمة الأولية ثم النهوض من الكبوة التي يمكن أن تحدث لأي طرف في دنيا الأعمال.
وكل هذا، وهو متوفر، يسهل العمل التجاري ويطوره ويعطي بعض الضمانات المريحة المفيدة، ويمنح الأطراف الفرصة للاتفاق والصلح فيما بينهم بما يضمن كل الحقوق بالصلح والتراضي. وكما يقال «الصلح سيد الأحكام» حتى ولو كان «الصلح الواقي من الإفلاس».. ولنغتنم الفرصة بدلا من دفن الرؤوس في الرمال.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً