من أمثلة فن الصياغة الاختيار بين المعيار المرن والقاعدة الجامدة ، فيمكن صياغة القاعدة بصورة جامدة تقيد القاضي ولا تترك مجالاً للسلطة التقديرية . ويمكن صياغتها بطريقة مرنة تترك له حرية واسعة في التقدير والتطبيق .
_ الصياغة الجامدة :
تعتبر صياغة القاعدة القانونية جامدة اذا كانت تواجه فرضاً معيناً أو وقائع محددة وتتضمن حلاً ثابتاً لا يتغير مهما اختلفت الظروف والملابسات بطريقة آلية وصارمة . وينطبق ذلك على القواعد التي تتضمن مواعيد و أرقام محددة مثل القواعد المحددة بمواعيد الطعن في الأحكام بالنقض أو الاستئناف . فمتى فات الميعاد المحدد للطعن فان القاضي لا يملك الا الحكم بعدم قبول الطعن المرفوع بعد الميعاد . ونفس الحكم بالنسبة لكل شخص بلغ سن الرشد دون أن يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية ، أن مجرد بلوغ الشخص هذه السن ” 21 سنة في مصر ، 18 سنة في لبنان ” يؤدي الى اكتمال أهليته دون أن يكون للقاضي سلطة تقديم أو تأخير ذلك .
فقد كان من الممكن أن يأخذ المشرع بمعيار مرن عند تحديد سن الرشد بالنسبة الى المواطنين ، وهو الأخذ بالبلوغ الطبيعي فلا يعتبر رشيداً الا الشخص البالغ من الناحية الفسيولوجية ، القادر على فهم وادراك تصرفاته . وكانت الشرائع القديمة تأخذ بهذا المعيار المرن الذي يختلف باختلاف الأفراد ويراعي الفروق الواقعية بينهم لأن البلوغ الطبيعي يتفاوت من شخص لآخر . ولكن كانت هناك صعوبة في تطبيقه لأن اثباته ليس دائماً يسيراً من الناحية العملية . لذا عدلت الشرائع الحديثة عن هذا المعيار المرن الأكثر اتساقاً مع العدالة وأخذت بقاعدة جامدة أسهل تطبيقاً في العمل فحددت سناً قانونية للرشد يتساوى فيه جميع المواطنين بغض النظر عن درجة بلوغهم الفسيولوجي .
_ الصياغة المرنة :
تكون الصياغة مرنة اذا اكتفت القاعدة القانونية باعطاء القاضي معياراً مرناً يستهدي به في وضع الحلول المناسبة لكل حالة على حده من القضايا المعروضة عليه طبقاً للظروف والملابسات المختلفة . فاللقاضي سلطة تقديرية واسعة اذاء تطبيق القاعدة المرنة . ومثال ذلك القاعدة القانونية التي تقرر بأنه ليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وانما له أن يطلب ازالة هذه المضار اذا تجاوزت الحد المألوف . فهذه الصياغة المرنة تترك للقاضي حرية واسعة في تقدير الضرر وما اذا كان يعتبر مألوفاً أم غير مألوف . ويختلف ذلك بطبيعة الحال بحسب العرف وموقع العقار والغرض المخصص له .
وكذلك الحال بالنسبة للقاعدة التي تعطي للواهب الحق في الرجوع في الهبة متى كان يستند الى عذر مقبول . فلا شك أن معيار العذر المقبول معيار مرن يتيح للقاضي السلطة الكاملة في تقديره وفقاً لظروف كل حالة على حده . وتعتبر قواعد قانون العقوبات مرنة اذا كانت تحدد العقوبة من خلال وضع حد أقصى وحد أدنى مع ترك الحرية للقاضي في تطبيق العقوبة المناسبة بين هذين الحدين طبقاً للظروف الخاصة بكل حالة على حده .
اترك تعليقاً