حدود الآليات الدولية في ضمان حماية المدنيين
ثامر الجهماني
من حق المدنيين العزل، بحسب القانون الدولي الإنساني، الحماية التي تضمن احترام الفرد، وكامل حقوقه الأخرى التي شرّعتها الرسالات السماوية والقوانين الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتزامات الدولة تجاههم. وكذلك أمر الآليات الدولية الخاصة بتنفيذ هذه القواعد، وذلك في اتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1977، بمبدأ القياس طبعًا.
من الجدير بالذكر أن مبدأ الحماية قد رُسّخ واستقر في أول وثيقة دولية، وهي إعلان سان بترسبورغ لعام 1868، حيث نصّت الفقرة الثانية من ديباجة الإعلان على ما يلي: “وهذا يعد اعترافًا ضمنيًا بأن الأعمال العدائية لا توجّه إلى المدنيين المسالمين…”، من هنا توالى النصّ على هذا المبدأ في كل الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.
وعليه؛ يعد هذا المبدأ أو الآلية الركيزة الأساسية للحماية الإنسانية للمدنيين الأبرياء من الأعمال العدوانية في أثناء الحرب والسلم على حد سواء.
إن ظاهرة القتل والاستبداد من الحاكم المستبد والمستأثر بالسلطة والقاتل لشعبه، ليست ظاهرة حديثة عبر التاريخ، لكن الحديث في الأمر، هو دور المجتمع الدولي في تأمين الحماية للمدنيين في ظل الاحتلال الداخلي والهيمنة على السلطة والإطاحة بالحاكم القاتل لشعبه والتدخل لدى كيان دولي داخلي، يبيد فئة معيّنة من شعبه؛ لتمردهم على الحكم المطلق بالتظاهر السلمي، أو بسبب انتمائهم. كما حدث في يوغسلافيا في النصف الثاني من القرن الماضي، وما حدث في العراق وليبيا، وما يحدث في سورية، وإن اختلفت الأسباب والأدوات مع الملف السوري.
لذلك؛ ولأن الظواهر الجديدة تحتاج إلى زمن؛ لتقنين النصوص الدولية في تأطير الفعل والنص. لكن هذا لا يمنع الاجتهاد على الرغم من وجود الأرضية القانونية في النصوص والعهود والاتفاقيات.
فقد ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أن من أهم واجباتها وأسباب نشوئها إحلال السلم والأمن الدوليين. ومن هذا المنطلق، ومن باب القياس والتطبيق، وجب عليها اتخاذ ثلاثة إجراءات سريعة:
1 – ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ، وفق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول.
2 – دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين.
3 – دور الأجهزة القضائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين.
أولًا: ضمانات الإشراف والرقابة:
1 – اللجنة الدولية للصليب الأحمر: تتشكّل مما لا يزيد عن خمسة وعشرين مواطنًا سويسريًا، تبعًا لقدراتهم الذاتية ونزعتهم الإنسانية، لمدة أربع سنوات، بالاقتراع السري، وبأغلبية ثلثي الأعضاء. وهو الأمر الذي يسمح لهم بتفادي الضغوط الخارجية، ويجعلهم أحرارًا في أداء وظائفهم، وتستمد مشروعية نشاطها من منطلق عملها التقليدي، ووجودها الميداني، من خلال شبكة مندوبيها، وقد أُقرّت اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولان الإضافيان الملحقين بها، بدور اللجنة.
2 – الدولة الحامية: وقد عرّفت في ظل القانون الدولي بأنها الدولة التي تحمل على عاتقها مهمة حماية المدنيين المسالمين في دولة جارة أو قريبة، وتختارها الدولة المحتلة أراضيها، وبالقياس الممثل الوحيد للشعوب التي تتعرض للإبادة أو العنف، وهنا المدنيون بمنزلة ممثلين، ولهم الحق في اختيار الدولة الحامية، وعليها واجبات تقوم بها من تلقاء نفسها، وواجبات إلزامية.
3 – اللجنة الدولية لتقصي الحقائق.
ثانيًا: دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين:
أُنشئت الأمم المتحدة على ركام حربين عالميتين، ومن أهم أهدافها العمل على حفظ السلم والأمن الدوليين.
تعد الشعوب بمنزلة أشخاص في المجتمع الدولي، ومن هنا فلمجلس الأمن كثير من التدابير في إيقاع الجزاءات الدولية؛ بهدف عمليات حفظ السلام العالمي، وحماية المدنيين.
أشكال الجزاءات الدولية:
1 – الجزاءات أو العقوبات الاقتصادية: ولها جانبان.
الأول: منع الدولة المرتكبة للمخالفة الدولية من الاستمرار في فعلها.
والثاني: عقابي يهدف إلى ايقاع الضرر بالدولة؛ لردعها وتتنوع ألوان وصور الجزاء ومن بينها:
– الحظر الجوي أو الحصار.
– المقاطعات الاقتصادية.
– عقوبة عدم المساهمة الاقتصادية.
– وقف العمل بالاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة المخالفة طرفًا فيها.
– تجميد الأرصدة… إلى آخر ما هنالك من عقوبات وجزاءات.
2 – الجزاءات الدولية والسياسية والدبلوماسية: وهي ذات طابع سياسي، كطرد السفراء والبعثات الدبلوماسية، أوتعليق العضوية أو تجميدها في الهيئات الدولية والمنظمات الدولية والإقليمية… إلخ.
3 – الجزاءات الدولية العسكرية: وتكون بالاستخدام المشروع للقوة المسلحة، كأثر لانتهاك أحد أشخاص القانون الدولي للقواعد المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين، شريطة إخفاق سائر الجزاءات الدولية الأخرى غير العسكرية.
وقد أقر ميثاق الأمم المتحدة هذا الجزاء في المواد من 42 إلى 50 من الفصل السابع ، وحتى يكون الخيار واجب التطبيق، يحتاج إلى شرطين متلازمين، أو أحدهما:
1 – انتهاك جسيم لا يمكن معه إعادة السلام والأمن الدوليين إلى نصابهما، دون اللجوء إلى الجزاءات العسكرية.
2 – فشل الجزاءات الأخرى غير العسكرية، وهو أمر متروك للسلطان المطلق لمجلس الأمن، بحسب معيار جسامة الانتهاك.
تجدر الإشارة إلى أن البند السابع من الميثاق، وعلى الأخص من المواد 42 إلى 50 منه، لم يورد أي إشارة إلى الطرق المثلى لتنفيذ هذه التدابير.
ثالثًا: دور الأجهزة القضائية الجنائية الدولية الخاصة في حماية المدنيين:
هناك أمثلة كثيرة على النماذج القضائية الدولية الخاصة:
– محكمة نورمبرغ وطوكيو، ومن ضمن صلاحياتها النظر بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي ترتكب ضد السكان المدنيين.
– المحكمة المختصة بالقضية اليوغسلافية.
– المحكمة الدولية المختصة بقضية اغتيال الحريري وسلسلة الاغتيالات بلبنان.
– المحكمة الجنائية الدولية الدائمة:
وتعدّ آلية فعالة من آليات إحكام تطبيق القانون الدولي الإنساني، ولها تأثير رادع لا يستهان به تجاه من تسول له نفسه بانتهاك أحكام ذلك القانون، وتعدّ جهازًا قضائيًا مستقلًا ودائمًا.
أما اختصاصاتها، فكل الانتهاكات الخطِرة لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني ونذكر منها:
– جرائم إبادة الجنس البشري.
– الجرائم ضد الإنساني.
– جرائم الحرب.
– جرائم العدوان.
من هنا تبرز الأهمية لتوثيق الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب الأعزل، وضد المدنيين.
ومن خلال ما تقدم، نستطيع القول: إن محاولات النظام السوري في التملص من التزاماته الدولية تجاه المدنيين، أو التهرب من إيقاع الجزاءات الدولية عبر آلية التصويت في مجلس الأمن، بالاعتماد والارتكاز على الفيتو الروسي والصيني ستبوء بالفشل؛ لواحد من احتمالين:
1 – إما تغيير الموقفين من القرار بدفع الفاتورة المطلوبة؛ كون الأمر متعلق بالمجمل بالاقتصاد.
2 – أو بتطبيق السيناريو وفق السوابق الدولية في اللجوء إلى تفعيل النص في الفصل السابع، تحت وطأة فظائع الجرائم إذا وصلت إلى مرحلة الإبادة، إذا لزم الأمر، كما حدث في قضية إبادة المسلمين في يوغسلافيا.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً