الضمانات القانونية للإعلام والصحافة في العراق
القاضي ناصر عمران الموسوي
لم تكن حرية الاعلام والصحافة بمتناول اليد في ظل أنظمة رجعية لا تجيد التعامل مع الجديد والمتغير أو تستسهل المس بذاتيتها النرجسية ولو برأي يخالف رؤيتها، فضلا عن انتقادها حتى من باب الرأي المستقل، فثمة خطوط حمراء ومناطق مقدسة لا يمكن الولوج الى ساحتها او الاقتراب منها فحدود الرأي والتعبير والكتابة مرتبطة بمقاسات عرفية لا يمكن تجاوزها والحال ينطبق على الحكومات الاستبدادية و العسكرتارية التي مرت والتي اتشحت بالقوة والجبروت والطغيان ويغدو الراي والكتابة بحرية نوعاً من المغامرة القاتلة ، واذا كان هذا الحال مع المهني والعادي، فما بالك بالمعارض .
لذلك ظل اصحاب الكلمة الحرة رهن مناخات التضييق أو التنكيل أو المعتقلات أو اعواد المشانق، غير ان ضوء نهايات الانفاق ليس ببعيد عن حركات التحرر الانساني، فكانت الشرعنة الدولية للحقوق والحريات ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان العالمي وفي المادة (19) والتي نصت على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية” وزاد على ذلك تقرير الامم المتحدة الخاص المتعلق بحرية التعبير والاعلام الصادر عام 1993والذي نص على “إن حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقى التزامات إيجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات”.
و لان الحق في حرية الراي والتعبير يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية الاعلام بجميع اشكاله (الطباعة والنشر، الاعلام المرئي، المسموع، الالكتروني)، وحرية الوصول الى المعلومات وحرية التجمع والتظاهر السلمي. ولم يكن للدستور العراقي بعيد في رؤيته عن الشرعنة الدولية لذلك نص في المادة (38 ) وفي باب الحقوق والحريات وتحت فصل الحريات على ما يأتي :(تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام و الآداب:
اولا :حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل .
ثانيا ً: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.
ثالثاً :حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون .
لقد كان العمل الاعلامي والصحافي يستند في تنظيمه القانوني قبل التغيير الديمقراطي في العراق الى قانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 فصدرت تعديلات على العمل بموجب اوامر سلطة الائتلاف المؤقتة اهمها امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 14 لسنة 2003 والذي تضمن معالجة للنشاط الاعلامي المحظور الذي وجد في مناخات الحرية الاعلامية للصحف والمجلات والقنوات الفضائية والتي شكلت منظمات اعلامية عاملة طريقاً سلبيا في فهم الحرية المسؤولة، بل كانت عدوا لدودا للتجربة الجديدة نفاستغلت الحرية لضرب التجربة.
فكان الامر المذكور لسلطة الائتلاف معالجا للنشاط الاعلامي المضاد للحرية والكلمة المسؤولة ثم اصدرت السلطة الامر رقم 65 لسنة 2004 المتضمن تشكيل المفوضية العراقية للاتصالات والاعلام والذي جاء في الغرض من تأسيسها وفي البند (6) من القسم الاول وتحت عنوان الغرض :تعزيز وحماية حرية الاعلام ثم انشئت بعد ذلك هيئات عاملة لتنظيم الاعلام والاتصالات مثل هيئة الاعلام والاتصالات وشبكة الاعلام العراقي وهي هيئات مستقلة في عملها و بالتأكيد فان حرية الاعلام تتضمن حرية الطبع والنشر، فالكتابة اولى الرسائل التي عرضها الانسان لصياغة ونقل افكاره.
ثم ظهرت المطبوعة وانتشرت في العصر الحديث بأشكال متعددة (الكتاب، الصحيفة، المجلة، النشر)، بعدها ظهرت المطبوعات الالكترونية ولقد ارست الامم المتحدة حق حرية الاعلام الذي من اهم دعائمه وطرق ممارسته الكتابة والطباعة والنشر كحق من حقوق الانسان الاساسية وهو ما عملت عليه في العراق الى جانب السلطة المؤقتة واعتبرت الصحافة الدورية بأنواعها اكثر الركائز تأثيراً في الراي العام و احد اهم اسس وركائز المجتمع الديمقراطي.
كما عززت حرية لنشر الالكتروني: وهي من الحريات التي اخذت مكانها حديثاً نتيجة التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنفاذ لشبكة الانترنت، حيث اتاح الانترنت لكم هائل من المواطنين بالتعبير عن آرائهم ومواقفهم. وفي اطار الاعلام المرئي والمسموع: ادى التطور في وسائل الاعلام ليشمل الاعلام المقروء والمرئي والمسموع.
وتتمتع وسائل الاعلام المرئي والمسموع واهمها الاذاعة والتلفزيون بدور فعال في ممارسة الرأي والتعبير كمنبر لبث الاخبار ونقل الآراء ومناقشتها على المستوى المحلي والعالمي وحرية التظاهر والتجمع السلمي هي قدرة المواطنين على الالتقاء بشكل جماعي يهدف لعقد الاجتماعات العامة او المؤتمرات او المسيرات او الاعتصامات السلمية في اي مكان وزمان وبغض النظر عن الجهة المنظمة ليمارسوا ضغطا على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم واذا كان هناك من مآخذ يمكن تأشيرها بوضوح في العمل الاعلامي والتشريعات الاعلامية، فهي حاجتها الى تنظيمات تشريعية جديدة تتمثل بإصدار قانون جديد للمطبوعات يجد فيه المؤلف طريقه الى دور النشر والمعارض العربية والاقليمية والعالمية وهي من اهم حقوق وحريات النشر والتي بحاجة الى ازالة الحظر عنها تشريعيا اضافة الى وجود تشريعات ثقافية ونقابية مرتبطة بحرية الاعلام والصحافة لما تزل تنظم نفسها بقوانين وتنظيمات مرتبطة بالمرحلة السابقة لنظام البعث، فمعظم التنظيمات النقابية ومنها نقابة الصحفيين – التي وان صدرت تعديلات على قانونها بموجب القانون رقم 21 لسنة2011قانون حقوق الصحفيين – فان الامر بحاجة الى تنظيم تشريعي نقابي يأخذ بنظر الاعتبار المرحلة الجديدة التي تؤسس لحرية الاعلام والصحافة بعيدا عن هيمنة الحكومات والمؤسسات والانظمة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً