ضوابط إستخدام الشرطة للأسلحة النارية في حالات فض الشغب
أولاً: النصوص القانونية :
نعرض في بداية هذا الطرح لنصوص تتعلق بالضوابط القانونية لإقامة الاجتماعات والمسيرات والتجمعات ، وكذا النصوص الخاصة بتجريم أعمال التجمهر والشغب ، وذلك على التفصيل التالى بيانه :
* تنص المادة (28) من دستـور المملكة عـلى أنه :
أـ للأفراد حق الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق ، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة.
ب ـ الاجتماعات العامة والـمواكب والتجمعات مباحة وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تُنَافي الآداب العامة “.
* كما نصت المادة (13) من المرسوم بقانون رقم (3) لسنة 1982 ، المعدل بالمرسوم بقانون رقم (37) لسنة 2002 بشأن قوات الأمن العام على أنه :
” لأعضاء قوات الأمن العام حـق حمل السلاح والذخيرة المسلمة لهم بـأمر من وزير الداخلية ، ولا يجوز لهم استعماله إلا في الأحوال وبالشروط المبينة فيما يلي :
أولاً: القبض .
ثانيًا: عند حراسة المسجونين . فيجوز للسجانين وأعضاء قوات الأمن العام أن يستعملوا أسلحتهم النارية ضد المسجونين في الأحوال الآتية :
1ـ صد أي هجوم أو أية مقاومة مصحوبة باستعمال القوة إذا لم يكن في مقدورهم صدها بوسائل أخرى.
2ـ منع فرار أي مسجون إذا لم يمكن منعه بأية وسيلة أخرى.
ثالثًا : فض تجمهر أو تظاهر أو شغب بالشروط وفي الحدود المنصوص عليها بالفصل الثالث من الباب الأول في القسم الخاص من قانون العقوبات.
رابعًا: الدفاع المشروع…. .”
* وتنص المادة (178) عقوبات على أنه ” كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل ، الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الأعمال المُجَهزة أو المُسَهلة لها أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع ، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وغرامة لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين “.
كما تنص المادة (179) عقوبات على أنه ” إذا شَرَع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها كان ذلك شغبًا وعوقب كل من اشترك في هذا الشغب وهو عالم به بالحـبس وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هـاتين العقوبتين “.
* وتنص المادة (180) عقوبات على أنه ” إذا رأى أحد رجال السلطة العامة أن خمسة أشخاص أو أكثر قد تجمهروا بقصد إحداث شغب ، جاز له بصفته هذه أن يأمرهم بالتفرق ، وله بعد ذلك أن يتخذ من التدابير لتفريق الذين خالفوا الأمر بإلقاء القبض عليهم باستعمال القوة في الحدود المعقولة ضد من يقاوم . ولا يجوز له استعمال أسلحة نارية إلا عند الضرورة القصوى أو عند تعرض شخص للخطر . وكل من بقي متجمهرًا بعد صدور الأمر بالتفرق مع علمه بذلك يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.”. وجدير بالذكر في هذا السياق التفرقة بين سلوكيات الشغب المجرمة قـانونًا وفقًا للنصوص السابق ذكرها ، والاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات المباحة وفقًا لضوابط قانونية ، والتي وردت أحكامها بالمرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973 ( المعدل بالقانون رقم (32) لسنة 2006) ونشير هنا لأهم نصوص هذا المرسوم ، وذلك على التفصيل التالي بيانه :
* تنص المادة الثامنة من المرسوم المشار إليه على أنه ” يعتبر من الاجتماعات العامة في تطبيق أحكام هذا القانون ، كل اجتماع يعقد في مكان عام أو خاص يدخله أشخاص لم توجه إليهم دعوى شخصية ، ويعتبر الاجتماع عامًا إذا رأى رئيس الأمن العام أن الاجتماع بسبب موضوعه أو عدد الدعوات إليه ، أو طريقة توزيعها ، أو بسبب أي ظرف آخر لا يعد اجتماعًا خاصًا ، وفي هذه الحالة يجب على رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه أن يُخطر الداعى للاجتماع أو المُنَظم له بأن يقوم بالواجبات التي نص عليها هذا القانون.
ولا يعتبر اجتماعًا عامًا في تطبيق أحكام هذا القانون ما يلى:
1ـ الاجتماعات الدينية التي تتم في دور العبادة.
2ـ الاجتماعات التي تنظمها أو تدعو إليها الجهات الحكومية المختصة.
3ـ الاجتماعات التي تعقدها لأعضائها الهيئات الخاصة المعترف بها كالنقابات والجمعيات والأندية والهيئات الرياضية ، واتحادات هذه الهيئات الخاصة والشركات التجارية ، بغرض مناقشة المسائل الداخلة في اختصاصها طبقًا لأنظمتها الأساسية.
4ـ الاجتماعات واللقاءات والمجالس التي جرى عليها العرف ، أو تستلزمها المناسبات الاجتماعية أو الأعياد “.
* وتنص المادة (5) من المرسوم السابق الإشارة إليه ـ بعد تعديلها ـ على أنـه ” لا يجوز عقد الاجتماعات في دور العبادة أو في المدارس أو في غيرها من مباني الحكومة ، إلا إذا كانت المحاضرة أو المناقشة التي يُعقد الاجتماع لأجلها لا تتعارض مع الغاية أو الغرض الذي خصصت له تلك الأماكن والمبانى. وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تعقد الاجتماعات العامة قبل الساعة السابعة صباحا أو أن تستمر إلى ما بعد الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً ، إلا بإذن خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه.”.
* كما تنص المادة (6) من المرسوم المشار إليه ـ المُعدَلة بإضافة الفقرتين الثالثة والرابعة ـ على أنه :
” يجب أن يكون لكل اجتماع عام لجنة مؤلفة من رئيس وعضوين على الأقل ، فإذا لم ينتخب المجتمعون لجنة في بدء الاجتماع ، اعتبرت مؤلفة من الموقعين على الإخطار المشار إليه في المادتين الثانية والثالثة من هذا القانون. وعلى لجنة الاجتماع المحافظة على النظام فيه ومنع كل خروج على القوانين أو على الصفة المبينة للاجتماع في الإخطار ، وأن تمنع كل خطاب أو نقاش يخالف النظام العام أو الآداب أو يشتمل على تحريض على الجرائم ، ولها أن تستعين في ذلك بأعضاء قوة الشرطة. كما لا يجوز لأي شخص أن يشترك في اجتماع عام وهو يحمل سلاحًا ، ولو كان مرخصًا له بحمله.
ويعتبر سلاحًا في تطبيق أحكام هذا القانون الأسلحة النارية وذخائرها ، والأسلحة البيضاء ، والمواد الحارقة والقابلة للاشتعال أو الانفجار ، وكذلك العصى والأدوات الصلبة أو الحادة غير المعتاد حملها في الأحوال العادية “.
* ونصت المادة الثانية ـ بعد تعديلها ـ من القانون السابق ذكره على أنه :
أـ يجب على كل من ينظم اجتماعًا عامًا أن يخطر كتابة رئيس الأمن العام قبل الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل.
ب ـ إذا وقع في الاجتماع أو في المسيرة التي تم الإخطار عنها إخلال بالأمن العام أو النظام العام أو حصل إضرار بالغير أو بالأموال العامة أو الخاصة ، يتحمل المتسببون في الأضرار المسئولية المدنية والجنائية.
أما إذا تم الاجتماع أو المسيرة دون إخطار فيكون منظمو الاجتماع أو المسيرة مسئولين بالتضامن مع المتسببين عن تعويض الأضرار. ويجب أن يصدر حكم قضائي من المحكمة المختصة بتحديد المسئولية في الحالتين السابقتين “.
* ونصت المادة (11) ـ بعد تعديلها ـ على أنه :
” لا يجوز قيام المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات أو استمرارها قبل شروق الشمس أو بعد غروبها إلا بإذن كتابي خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه. ولا يجوز تنظيم المظاهرات أو المسيرات أو التجمعات التي تقام أو تسير بالقرب من المستشفيات أو المطارات أو المجمعات التجارية أو الأماكن ذات الطابع الأمني ، على أن يقوم وزير الداخـلية بتحديد هذه الأماكن والإعلان عنها. كما لا يجوز استعمال المركبات في أي مسيرة أو مظاهرة أو مكان تجمع إلا بإذن كتابى خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه “.
* هذا وتضمنت المادة (13) من المرسوم المشار إليه تحديدا للعقوبات المُقَرَرَة لمخالفة أحكامه حيث نصت على أنه ” مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر :
أـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تقل عن مائة دينار أو بالعقوبتين معًا الداعون أو المنظمون وأعضاء لجان الاجتماعات العامة والمسيرات والمظاهرات والتجمعات التي تقام أو تسير بغير إخطار عنها أو برغم صدور قرار بمنعها. ويعاقب بذات العقوبة كل من استمر في الدعوة لها أو في تنظيمها بالرغم من منعها.
كما يعاقب الأشخاص الذين يشرعون في الاشتراك في ذلك الاجتماع أو المسيرة أو المظاهرة أو التجمع بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة لا تقل عن خمسين دينارًا أو بالعقوبتين معًا.
ب ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربعة شهور أو بغرامة لا تقل عن خمسين دينارًا أو بالعقوبتين معًا كل شخص يشترك ـ رغم تحذير الأمن العام ـ في اجتماع أو مسيرة أو مظاهرة أو تجمع لم يخطر عنها ، أو صدر قرار بمنعها ، أو يعصى الأمر الصادر إلى المجتمعين بالتفرق.
ج ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة لا تقل عن خمسين ديناراً أو بالعقوبتين معاً كل من استعمل مركبة في أية مسيرة أو مظاهرة أو تجمع دون إذن خاص من رئيس الأمن العام أو من ينوب عنه.
د ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن مائتي دينار أو بالعقوبتين معًا كل من يخالف الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة (6) من هذا القانون.
هـ ـ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة لا تقل عن خمسين *دينارًا *أو بالعقوبتين معًا كل من خالف أيًا من الأحكام الأخرى المنصوص عليها في هذا القانون. “.
وجدير بالذكر أنه وإن كان لقوات الشرطة في سبيل فض الشغب أن يتخذوا من الوسائل المناسبة ما يؤدي لتفريق عناصر الشغب دون ترتيب ثمة مسئولية عليهم ، إلا أنهم إذا باشروا تلك المهام من خلال اتخاذ إجراءات بالغة الشدة ولا تتناسب مع ظروف حالة الشغب ومقتضيات تحقيق السيطرة الأمنية… وذلك بالإفراط في استعمال القوة أو التسرع باللجوء لاستخدامها ، فإنهم يصبحون مسئولين عن هذه الأعمال باعتبارها تمثل اعتداءً أو تجاوزًا غير مشروع ، موجبًا للمسئولية.
ثانيًا: مبادئ دولية في حفظ الأمن والنظام في التجمعات غير المشروعة :
ونعرض في هذا الصدد للمبادئ التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين(1) ، وتتمثل في المبادئ التالية :
” ….. 12ـ لما كان من حق كل فرد الاشتراك في تجمعات مشروعة وسلمية طبقًا للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية *فينبغي للحكومات والهيئات التي يناط بها انفاذ القوانين والموظفين المكلفين بإنفاذها التسليم بأنه لا يجوز استخدام القوة والأسلحة النارية إلا طبقًا لما هو وارد في المبدأين ( 13ـ 14 ).
13ـ على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عند تفريق التجمعات غير المشروعة الخالية من العنف أن يتجنبوا استخدام القوة ، وإن تعذر ذلك عمليًا فيقصروه على الحد الأدنى الضروري.
14ـ لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يستخدموا الأسلحة النارية لتفريق التجمعات التي تتسم بالعنف إلا إذا تعذر عليهم استخدام وسائل أقل خطرًا ، وعليهم أن يقصروها على الحد الأدنى الضرورى ، ولا يجوز لهم أن يستخدموا الأسلحة النارية في هذه الحالات إلا حسب الشروط المنصوص عليها في المبدأ التاسع.”(2).
ثالثًا: موقف القضاء من بعض دعاوى التعويض الخاصة بأضرار نتجت عن المواجهات الأمنية لحالات فض للشغب :
سنعرض في هذا السياق لنموذجين قضائيين ، الأول لدعوى صدر فيها الحكم لصالح المضرور من أعمال مواجهة الشغب وألزم فيها القضاء وزارة الداخلية بالتعويض ، والمثال الآخر لدعوى رفضت فيها المحكمة الحكم بالتعويض ضد وزارة الداخلية. وسنقتطف مقاطع لها دلالات من الحكمين المعروضين في هذا الشأن ، وذلك على التفصيل التالي بيانه :
أـ حكم المحكمة الكبرى المدنية بالتعويض عن وفاة أحد عناصر الشغب خلال مواجهة المظاهرات التي قامت في المنامة بتاريخ 5/4/2002 :
أسفرت المواجهات الأمنية لحالة الشغب بالغة العنف التي صاحبت المظاهرات التي اندلعت في التاريخ المشار إليه عن إصابة أحد عناصر الشغب بطلقة مطاطية في رأسه ترتب عليها وفاته ، ورغم أن عناصر الشغب في هذه المظاهرات قاموا بإحراق العديد من المركبات والتجهيزات الأمنية بجانب إلقائهم للحجارة وإشعالهم للحرائق ، وشرعوا بإضرام النيران بمبنى السفارة الأمريكية بالمنامة…. إلا أن المحكمة الكبرى المدنية التي نظرت مسألة التعويض المدني في القضية المشار إليها قد انتهت إلى تجاوز قوات الشرطة الحدود الواجب مراعاتها في استخدام القوة ، حيث رأت أن القتل في تلك الظروف لم يكن هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الموقف الأمنى.
هذا وقد ورد بحكمها(3) أنه “… قدمت ـ وزارة الداخلية ـ مذكرة تضمنت مناقشة أقوال الشهود وأن الأوراق لا تقطع بأن إصابة المجني عليه حدثت من رجال الأمن ، وعلى فرض حدوثها فإن المدعى عليها (وزارة الداخلية) تدفع بانتفاء المسئولية المدنية لتوافر أحد أسباب الإباحة ، ووفقًا لنص المادة 15 عقوبات بأنه لا جريمة إذا وقع الفعل قيامًا بواجب يفرضه القانون. وكذا المادة 169 مدني بعدم مسئولية الموظف عن عمله الذي أضر بالغير إذا قام به تنفيذًا لأمر القانون أو لأمر صدر إليه من رئيسه متى كانت إطاعته واجبة…. وكذا *حق رجال الشرطة في تفريق المتجمهرين المنصوص عليه في المادتين 178 ، 180 من قانون العقوبات ، وأضاف أن المتظاهرين اخترقوا الحاجز الأمني وقاموا بحرق كابينتين للشرطة وإلقاء الحجارة على رجال الأمن وإشعال الحرائق بواسطة قنابل مولوتوف ، وتم استخدام القنابل المسيلة للدموع ، إلا أن المتظاهرين استمروا في أعمال العنف فصدرت الأوامر باستخدام الطلقات المطاطية ، وأنه لا مسئولية جنائية أو مدنية على رجل الأمن الذي يقوم بواجبه ، وطلبت رفض الدعوى.
….. والمحكمة ومن خلال مشاهدتها للطلقات المطاطية الكبيرة والمستخدمة في تفريق المتظاهرين…. يخشى من اصطدامها بأي مكان حساس في الجسم وبشدة أن تُحدث عاهات أو إصابات قاتلة كالتي نحن بصددها ، خاصة لو كان إطلاقها عشوائيًا أو إذا اصطدمت بالجزء العلوي من الجسم وخاصة الرأس لعدم دراية الرامي أو سوء تقديره ، فإنها تعتبر شبه قاتلة وكان يتعين عدم استخدام هذا النوع من المقذوفات المطاطية لما له من آثار سيئة وخطيرة(4)…. وأخذًا بالملابسات المحيطة وأقوال الشهود فالظروف لم تكن من الجسامة أو الخطورة التي تحتم استخدامها…. إذ يتعين استخدام القوة في الحدود المعقولة ضد من يقاوم ، وكان يمكن تكثيف استخدام القنابل المسيلة للدموع وقنابل الدخان أو القبض على بعض الخارجين عن القانون وليس بطريق إطلاق القذائف المطاطية بالطريقة العشوائية ودون دراية كافية مما جعلها تصيب الرأس بالإصابة القاتلة التي أدت إلى كسر الجمجمة من جهة الصدع الأيمن وأحدثت الوفاة ، وبما يقطع بثبوت الخطأ في جانب تابعى المدعى عليها وهو ما انتهت إليه المحكمة. …. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بإلزام المُدَعى عليها بأن تؤدي للمدعين الثلاثة مبلغًا وقدره 35000 دينار ( خمسة وثلاثون ألف دينار) تعويضًا موروثًا يوزع عليهم حسب الفريضة الشرعية… “. هذا وقد تأيد هذا الحكم من محكمة الاستئناف العليا المدنية(5) ، ثم تأيد أيضًا من محكمة التمييز(6).
ب ـ نموذج تطبيقي لحكم قضائي صادر لصالح وزارة الداخلية :
* بتاريخ 21/5/2004 قامت مسيرة دون إخطار لوزارة الداخلية عنها ، وأمرت قوات الأمن المشاركين فيها بالتفرق إلا أنهم لم يمتثلوا للأمر وقاموا بالتجمهر والشغب مما أسفر عن إحراق إحدى سيارات الشرطة بجانب حدوث إصابات لبعض أفراد قوات الأمن العام ، وقد واجهت قوات الأمن أعمال الشغب حتى تفرق عناصر الشغب.
* أقام بعض عناصر الشغب دعوى أمام المحكمة الكبرى المدنية طالبوا فيها بتعويضهم عما لحق بهم من إصابات نتيجة أعمال المواجهات الأمنية للمسيرة ، وقد تولت الشئون القانونية بوزارة الداخلية تمثيل الوزارة في الدعوى المشار إليها وقدمت الأسانيد القانونية التي تثبت أن المشاركين قد خالفوا أحكام القانون ، ومن تلك الأسانيد صور توضح قيام بعض عناصر الشغب بإحراق إحدى سيارات قوات الأمن العام ، وأشارت إلى أن إصابات المدعين قد نتجت من جراء تدافعهم.
وذهبت المحكمة(7) في حكمها إلى أنه ” … وكان من الثابت من أوراق الدعوى أن ما قام به رجال الأمن التابعين للمدعى عليها من العمل على تفريق المتجمهرين إنما كان بغرض محافظتهم على الممتلكات الخاصة والعامة والمحافظة على الأمن العام وهو مناط اختصاصهم *وأن ذلك تم في حدود القيام بواجباتهم بعد أن طالبوا من المتظاهرين التفرق ولم يستجيبوا لهم *مما لا يمكن وصف ما قاموا به في تلك الظروف بأنه خطأ ، خاصة وأن تلك المسيرة لم يسبق الترخيص بها من الجهات المختصة قبل قيامها ، وأن ما حدث من إصابات للمدعين كانت من جراء تدافعهم وتزاحمهم أثناء العمل على تفريقهم ، الأمر الذي تخلص معه المحكمة إلى انتفاء الخطأ في حق رجال الأمن التابعين للمدعى عليها ، مما تنقضي معه أركان المسئولية ، وتكون دعوى المدعين قائمة على غير سند من الواقع والقانون ، يتعين معه والحال كذلك رفضها… “.
وقام المدعون باستئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف العليا المدنية حيث صدر حكمها(8) مؤيدًا لحكم المحكمة الكبرى المدنية ، وأشار إلى أن ” … الخطأ في جانب المستأنفين الذين قاموا بإحراق سيارة المستأنف ضدها ، الأمر الذي سيكون الاستئناف لا سند له من الواقع أو القانون خليقًا بالرفض… . “. *
هذا ونـخلص مما سبق عرضه لمبادئ يجب على قوات الأمن أن تلتزم بها عند استخدامها للسلاح في حالات فض الشغب ، لعل أهمها :
* يجب أن يكون اللجوء لاستخدام الأسلحة النارية هو الوسيلة الوحيدة المناسبة لأداء الواجب.
* أن يكون استعمال السلاح بالقدر اللازم لتنفيذ الواجبات الأمنية ، بما يفيد الالتزام بمبدأ التدرج في استخدام الأسلحة ، وذلك بما يتناسب مع الخطر المُحدِق ، ووفقًا للظروف الأمنية المصاحبة للموقف.
* ينبغى عند استخدام السلاح الالتزام بتحذير المُوجَه ضده أو ضدهم هذا السلاح ، كلما كان ذلك مستطاعًا.
* مراعاة الحيطة التامة حتى لا يصاب أحد من الأبرياء أثناء التعامل.
* يجب أن يكون التصويب ـ كقاعدة عامة ـ عند استخدام السلاح بهدف الإصابة وليس القتل حيث ينحصر توجيه سلاح قوة الشرطة للرمي في مقتل عندما يُخشى حدوث موت أو جراح بالغة في جانب قوة الشرطة أو الجمهور.
وجدير بالذكر أن مراعاة الضوابط القانونية لاستـخدام السلاح أمـرٌ تقدره السلطات القضائية *وفقًا لظروف كل حالة استُعمل فيها السلاح ونتج عنها إصابة أو وفاة ، وذلك لتقرير ما إذا كان الشرطي عند استعماله لحقه المقرر قانونًا لم يتجاوز القدرَ الضروري لمواجهة الموقف أم تعداه إلى أمور لا تستلزمها الحالة التي استَخدم فيها سلاحه(9).
رابعًا : استخدام الأطفال في أعمال الشغب :
ولنا في هذا السياق وقفةٌ واجبة للتعليق على سلوك بالغ الضرر على المستوى الإنساني بصفة خاصة ، ألا وهو استخدام الأطفال في أعمال الشغب ، والذي تنتهجه فئةٌ غير مـدركةٍ للمخاطر الجسيمة التي تترتب على هذا الأمر. *ولعل تناوله بداية من منظور قانوني إنما يقتضي منا الإشارة إلى المواد التالية :
* ذهبت المادة الأولى من المـرسوم بقانون رقم (17) لسنة 1976 بشأن الأحـداث إلى أنـه ” يقصد بالحدث في حكم هذا القانون من لم يتجاوز سنه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكابه الجريمة ، أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف.”.
ووفقًا للمادة السادسة من القانون المشار إليه: يُحكم على الحدث الذي يرتكب جريمة ما بأحد التدابير ومنها الالتحاق بالتدريب المهني أو الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو الإيداع في إحدى المستشفيات المتخصصة.”.
* هذا وقد حاولت بعض عناصر الشغب الاستفادة من المعاملة الإجرائية والعقابية الخاصة التي انتهجها المشرع تجاه الأحداث ومنها :
ـ ما ذهبت إليه المادة (24) من قانون الأحداث من عدم جواز حبس الحدث احتياطيًا.
ـ وما قررته المادة (32) عقوبات من أنه ” لا مسئولية(10) على من لم يجاوز الخامسة عشرة من عمره حين ارتكب الفعل المكون للجريمة ، وتُتَبَع في شأنه الأحكام المنصوص عليها في قانون الأحداث “.
ولعل هذه المُعاملة التي راعى فيها المشرع ظرف صغر السن اعتبرها البعض دافعًا لاستخدام الأحداث في ارتكاب جرائم تجاه قوات الأمن بـدعوى أن صغر السن سيحول دون محاسبتهم… *، حقًا لقد انغلقت عقولهم عن جوانب الردع القانوني الأخرى وأهمها :
* إذا كان القانون لا يجيز حبس الحدث احتياطيًا إلا أن المادة (24) من قانون الأحداث أشارت أيضًا إلى أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو الجمعيات الاجتماعية على ألا تزيد مدة الإيداع في كل مرة عن أسبوع ، كما يمكن لها إذا تَعَذَر هذا أن تأمر المحكمة بأن يكون الإيداع بمركز رعاية الأحداث التابع لوزارة الداخلية.
* هذا وإذا كان الحَـدَث غير مسئول جنائيًا إلا أن من يـُحرضه أو يساعده يخضع لتلك المسئولية باعتباره شريكًا في الجريمة ، فقد ذهبت المادة (44) عقوبات إلى أنه ” يعد شريكًا في الجريمة :
1ـ من حرض على ارتكابها فوقعت بناءً على هذا التحريض.
2ـ من اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناءً على هذا الاتفاق.
3ـ من ساعد الفاعل بأية طريقة على ارتكابها مع علمه بها فوقعت بناءً على هذا الاتفاق.
من ساهم في الجريمة بوصفه فاعلاً أو شريكًا يعاقب بالعقوبة المقررة لها ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك “.
* وجرم المشرع أيضًا أفعال تـَعريض حدث للانحراف ، فذهبت المادة (24) من قانون الأحداث إلى أنه ” مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ، يعاقب بالحبس من عَرَضَ حدثًا للانحراف أو لإحدى الحالات المشار إليها في المادة الثانية من هذا القانون ، بأن أعده لذلك أو ساعده أو حرضه على سلوكها أو سهلها له بأي وجه ، ولو لم تتحقق حالة التعرض للانحراف فعلاً ، …. “.
كما تنص المادة (156) عقوبات على أنه ” من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد من (147) إلى (153) والفقرة الثالثة من المادة (155) يعاقب بالسجن إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر “. وجديرٌ بالذكر أن المواد المشار إليها بالمادة السابقة تتعلق بالجرائم الماسة بأمن الدولة من الداخل.
* ونؤكد في هذا الصدد ـ وفق منظور أمني ـ أن حمل حـدث لقنبلة مولوتوف للاعتداء بها على قـوات الشرطة لا يغير في أسلوب مواجهة القوات له… بل لا نغالي عندما نقرر بأن الحدث في هذه الحالة إنما يمثل خطورةً أمنية أكبر من حمل البالغ الرشيد للقنبلة المشار إليها. هذا وأذكّر هــؤلاء المُحرضين أنـهم يـرتكبون بجانب جرائمهم الجنائية ، جريمةً أخلاقية تاريخية ، وذلك بدفع أبنائهم إلى التمذهب بالعنف والتشرب به ، واتخاذه منهاجًا لحياتهم.
وجدير بالذكر أيضًا في هذا السياق أن سياسة ضبط النفس التي تنتهجها القيادات السياسية في الدول الديمقراطية ربما يسئ فهمها البعض وتدفعهم للتمادي في غيهم… غير مدركين أن هذا السياسة يمكن أن تتغير إذا اقتضى الأمر ذلك…. وهنا سيترحمون على عدم إدراكهم الصحيح للمغزى الحقيقي لتلك السياسة الحكيمة لضبط النفس…. المرتكزة على أسمى معاني النهج الديمقراطي الذي تتحقق معه مقومات الحياة المستقرة الآمنة.
* إشارات المقال :
(1) أدركت منظمة الأمم المتحدة أهمية تحقيق التعاون الدولي لدعم وتشجيع احترام الدول لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، مع الوضع في الاعتبار أهمية انفاذ القوانين لحماية النظام العام ، تلك المهمة الضخمة التي يؤديها الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين ، واستشعرت المنظمة أهمية وضع مبادئ عامة للطريقة التي تتم بها ممارسة هذه المهام. لذا فقد أرست المنظمة مجموعة من المعايير السلوكية لهؤلاء الموظفين حال قيامهم بواجباتهم الخاصة بإنفاذ القوانين عرفت بـ ” مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ” واعتمدت المدونة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/169 ، المؤرخ 17/9/1979. راجع : مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية ، الموسوعة الأمنية العربية ، المجلد الثالث ، حقوق الإنسان ـ الواقع والتحديات ، الطبعة الأولى ، ص 1456 وما بعدها.
(2) نص المبدأ التاسع في إطار ما أطلق عليه ( أحكام خاصة ) على أنه ” يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين عدم استخدام أسلحة نارية ضد الأفراد إلا في حالات الدفاع عن النفس ، أو لدفع خطر مُحدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابات خطيرة ، أو لمنع ارتكاب جريمة شديدة الخطورة تنطوى على تهديد خطير للأرواح ، أو للقبض على شخص يمثل خطرًا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم أو لمنع فراره ، وذلك فقط عندما تكون الوسائل الأقل تطرفًا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف. وفي جميع الأحوال لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذر تمامًا تجنبها من أجل حماية الأرواح “.
(3) الحكم الصادر بتاريخ 27/4/2004 ، الدعوى رقم 2/2003/2458/9 ـ غير منشورـ.
(4) جدير بالذكر في هذا الصدد أن معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير داخلية مملكة البحرين قد أصـدر توجيهاته بحظر اسـتخدام الطلقات المطاطية المشار إليها بالحكم في أعمال فض الشغب *حيث يستخدم الآن نوع جديد من المقذوفات المطاطية أكثر مناسبة للتعامل مع حالات فض الشغب. كما صدرت توجيهات سيادته بعدم الاستخدام المفرط لمسيلات الدموع استجابة للشكاوى المتعلقة بأسلوب المواجهات الخاصة بأعمال فض الشغب. هذا وفي مقال صحفي أشار معالي الوزير إلى أن رجال الشرطة تُرمى عليهم الكثير من العبوات الحارقة التي هي أخطر ضررًا من الرصاص ، لأنها تسبب عاهات وحروق وقد تؤدي إلى الوفاة ، وبالتالي هم يواجهون عناصر تهدد حياتهم وحياة الآخرين. انظر: جريدة الأيام *عدد الأربعاء 30 من ربيع الأول 1428 هـ ، *18 من أبريل 2007 ، *أخبار المحليات ، خبر بعنوان ” وزير الداخلية في لقاء مصارحة مع رؤساء التحرير ، لسنا مع الإفراط في القوة… “.
(5) الحكم الصادر في 28/2/2005 ، الاستئناف رقم 05/ 2004/328/4 *ـ غير منشورـ.
(6) حـكم التمييز الصادر في 12/12/2005 ، الـدائرة الثانية للمحكمة ، الطعن رقم 182/ 2005 ـ غير منشورـ .
(7) المحكمة الكبرى المدنية بالبحرين في 28/9/2006 ، الدعوى رقم *2 0/ 2005 /8523 /5 .
(8) حكم محكمة الاستئناف العليا المدنية الثالثة في 28/2/2007 ، الاستئناف رقم 5 0/ 6002 / 0479/4.
(9) هذا وفي نطاق أحـكام المسئولية المدنية عن العمل غير المشروع فقد ذهـبت المادة (167) مـدني إلى أنه ” من أحدث ضررًا وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو عرضه أو ماله ، كان غير مسئول عن تعويضه ، على ألا يجاوز في دفاعه القدر الضروري ، وإلا أصبح ملزمًا بتعويض تـُراعى فيه مقتضيات العدالة “. كما نصت المادة (169) مدني على أنه ” لا يكون الموظف العام مسئولاً عن عمله الذي أضر بالغير ، إذا قام به تنفيذًا لأمر القانون…. “.
(10) ذكر المشرع هنا عبارة ” لا مسئولية ” حيث صغر السن يعد مانعًا من المسئولية وليس سببًا للإباحة ، فسبب الإباحة يفترض توافر أركان الجريمة ويؤدي مع ذلك إلى رفع الصفة الإجرامية عن الفعل لسبب موضوعي لا صلة له بشخص الفاعل ، أما موانع المسئولية فهي لا تمس الصفة الإجرامية للفعل ، بل مـرجعها لعوامل تتعلق بالفاعل كـعيب أو نقص في إرادته على نحو لا يسمح بمعاقبته على سلوكه ـ حيث يتخلف الركن المعنوي للجريمة ـ أو لتوافر حالة ضرورة.
اترك تعليقاً