يعرف بعض الكتاب المصريين امتحانات التسابق بقولهم ” ان تقوم هيئة مركزية أو الجهة التي يراد التعيين فيها بعقد بعض الامتحانات ذات الطبيعة الخاصة للمرشحين لشغل – تولي – الوظائف العامة بغية التحقق من صلاحيتهم وكفايتهم لتحمل أعباء وواجبات هذه الوظائف ، ويرتب الناجحون منهم عادة في كشوف معدة لهذا الأمر طبقاً لترتيبهم في هذه المسابقات بحيث يكون التعيين فيها وفقاً لهذا الترتيب وبذلك لا تكون الجهة الإدارية مطلقة السلطة في مجال التعيين “(1). وعرف هذه الوسيلة بعض الفقهاء الفرنسيين بأنها ” امتحان مهني يعمل دورياً في الأصل كل عام بطريقة تقدم إلى السلطة الرئاسية . المرشحين الذين يتوافر فيهم التكوين المناسب والجدارة “(2).وقد عرفها العديد من الكتاب(3). فهذه التعريفات تدور حول إبراز هدفين من وراء هذه الوسيلة في اختيار افضل المرشحين لتولي الوظائف العامة وهما :-
1.إبعاد تأثير الحكومة أو الإدارة في عملية التعيين في الوظائف العامة وما قد يحصل من إطلاق يد الإدارة فيها من محاباة أو محسوبية على مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة في الدولة
2.التأكد من صلاحية المرشح للوظيفة بغية القيام بأعبائها ومسؤولياتها .
فواضح من هذه التعريفات التي سبق ذكرها ، أنها تدور حول استبعاد تأثير الإدارة أو الحكومة أي المحاباة والمحسوبية بصفة عامة ، وهو ما يحقق مباشرة تأكيد مبدأ المساواة بين المتقدمين في شغل (تولي) الوظائف العامة . حيث يكون الترجيح قائماً على أساس تفضيل الأكفأ والأفضل وفي تحقيق عنصر الجدارة ومن ثم لا يمكن القول مطلقاً ان هذه الوسيلة تقوم على أساس دون الآخر المساواة أو الجدارة . أو تهدف إلى تحقيق واحد منهما فقط ، فالقيام بها على الوجه السليم دون تدخل اعتبارات أخرى لا بد ان يعمل على تحقيق المساواة والجدارة معاً(4). فيمكننا ان نعرف امتحانات التسابق بأنها “وسيلة اختيار افضل المتقدمين لشغل الوظيفة العامة الشاغرة تقوم بها هيئة مركزية متخصصة تعمل على تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المتقدمين. يتم بموجبها وضع نماذج الامتحانات من قبل تلك الجهة المركزية ، ويتوقف على نتيجتها المفاضلة بين جميع المتقدمين طبقاً لترتيب النجاح وحسب درجاتهم في الاختبار ، ويكون من الأعلى ثم الأدنى ” كما ان استخدام هذا الأسلوب قد يضيق أو يتسع في الدول التي تأخذ به إذ قد يقتصر استخدامه على مرحلة إنشاء الرابطة الوظيفية في الوظائف أو الدرجات الدنيا ، وقد يقتصر على حالة التعيين في الوظائف أو الدرجات العليا دون ان يشمل التعيين في هذه الوظائف أو الدرجات الدنيا . كما هو الحال في الدول الاشتراكية وفرنسا (5). إذ ان التعيين في هذه الوظائف أو الدرجات الدنيا كما هي الحال في الدول الاشتراكية .وفرنسا إذا ان التعيين في هذه الوظائف أو الدرجات لا يقوم على هذا الأسلوب بسبب الدول التي تنتهج هذا المفهوم الاشتراكي .وتتبع أسلوب التوظيف الكامل حيث تتكفل الدولة بإيجاد عمل لكل مواطن بينما تسير هذه الدول على أسلوب امتحانات التسابق في الحالات التي يراد فيها توجيه الموظف إلى العمل الذي يتفق مع مواهبه واستعداداته في حالة شغل (تولي) بعض المناصب في هذه الدول أو الترقية إلى درجة أعلى(6). لذلك يعتبر أسلوب المسابقات الوظيفية من الأساليب المتقدمة في الإدارة الحديثة في اختيار اكفأ وافضل موظفين لانه افضل الطرق و أكثرها تحقيقاً للعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين لتماثلهم من حيث مركز المعاملة . وهذا يكفل التطبيق الحقيقي للمبدأ القائل “الجدارة هي الأساس في اختيار الموظفين “(7).لذلك تعتبر طريقة المسابقة في اختيار شاغلي الوظيفة العامة هي الطريقة السائدة في معظم دول العالم في الوقت الحاضر ، فقد جاءت فكرة المسابقات العامة وليدة مشكلتين رئيسيتين :-
الأولى : تعتبر الديمقراطية والمساواة الوظيفية ، بمعنى إتاحة فرص متساوية لأفراد المجتمع الواحد لتولي الوظائف العامة .
الثانية : ضمان تولي (شغل) هذه الوظائف بأفراد أكفاء من بين المرشحين لتوليها ، ووضع كل منهم في الوظيفة المناسبة لخبرته وكفاءته ومؤهلاته العلمية وتخصصه الفني حتى يمكن رفع مستوى الأفراد في التخصصات المختلفة وبالتالي الاستفادة من القوى البشرية التي تغير من الدعامات الأساسية للإدارة العلمية السابقة بأكبر قدر ممكن(8).
وهكذا تتضح الصلة بين الجدارة والصلاحية التي هي أساس الإدارة العلمية السليمة ودعامتها وبين الاختبارات والمسابقات التي تعتبر المقياس الأمثل لذلك(9). فالأهمية أو الاختبارات أو المسابقات تأتي بالنتيجة التي مفادها وضع الموظف الكفء والمناسب للوظيفة التي تتفق مع مؤهلاته وخبراته وقدراته . خصوصاً ان تنوع العمل الحكومي وازدياد تدخل الدولة في مختلف اوجه حياة الأفراد أدى بالنتيجة إلى تطلب تلك الوظائف لهذه المهارات والقدرات . فهذه الوسيلة تتلافى اكبر قدر ممكن من العيوب التي تنتج عن اتباع الوسائل الأخرى التي سنراها فيما بعد في كيفية اختيار الموظفين ، والتي لا تخلو إما من خرق لمبدأ المساواة أو غياب عنصر الجدارة والكفاءة ، ولكن هذا لا يعني ان اتباع هذا الأسلوب في اختيار موظفي الدولة انه لا تكتنفه اية صعوبات في مجال التنفيذ . بل على العكس فانه يتكون من عدة عمليات معقدة ودقيقة تتسم معظمها بكثير من الصعوبات نتيجة للمجهودات الشاقة التي يتعين اتخاذها لضمان تحقيق عنصر الصلاحية ولرفع مستوى الأداء في الجهاز الإداري للدولة عن طريق العلم . ولكن لا بد من الإشارة إلى ان نجاح هذا الأسلوب في اختيار الموظفين للوظائف العامة أو أي أسلوب آخر مرهون بالضمانات التي تكفل نجاح الأسلوب المتبع في الاختيار على أسس موضوعية وليس على الأسس الشخصية .
وهذا ما يصدق على أسلوب امتحانات التسابق في اختيار موظفي الدولة متى ما تماثل المتقدمون لغرض الحصول على الوظيفة ، ومتى ما كانت المعاملة القانونية بينهم واحدة وتماثل مراكزهم القانونية كان ذلك اقرب إلى تحقيق المساواة بين المرشحين لتولي الوظائف العامة تحقيقاً للمبدأ الدستوري القاضي بالمساواة بينهم في تولي الوظائف العامة نتيجة لمساواتهم أمام القانون . ولكن في هذا الأسلوب لكي نعمل على تحقيق ذلك المبدأ ، لا بد من تخصيص هيئة مركزية تقوم بعملية إجراء امتحانات التسابق متمتعة بالاستقلالية والحياد واتصافها بالموضوعية وبعيدة عن كل اتجاه حزبي أو سياسي ، وتحقيق مبدأ العلانية لهذه الامتحانات بحيث تكون مفتوحة لكل من تتوافر فيه شروط الدخول فيها(10). لابد من الإشارة إلى نقطتين أساسيتين يجب ان تكون معلومة وبالاعتبار لكي نعمل على تحقيق المساواة أمام الوظائف :-
أولاً : يجب ان يكون هناك تحديد للهدف من الاختيار أو (المسابقة)أي ان يكون الاختبار لوظيفة محددة أو نوع معين من الأعمال . أي اكتشاف القدرات المختلفة لتغطية الاحتياجات ومتطلبات الوظيفة المحددة واخذ الصفات والمواهب والقدرات في شغل الوظائف العامة .
ثانياً : ترتيب الوظائف وتحليلها ووضع الشروط العامة لها لوضع الفرد المناسب لها(11). والشروط العامة للاختبارات التي يستلزم توافرها هي :-
1.الموضوعية : ويقصد بهذه الشروط التحقق والتحري عن تلك الصفات العقلية والمهارات اللازمة للقيام بعمل محدد . وتلك الصفات المطلوبة للنمو والتطور داخل الخدمة العامة وينبني على ذلك عدم الأخذ في الاعتبار تلك العناصر التي تؤدي إلى التفرقة في المعاملة مثل السياسة والديانة والجنس والإقامة في محل معين … الخ
2.الصدق : يجب ان تكون الاختبارات صادقة وخاصة التحريرية منها ، ويقصد بالصدق هنا ان تقيس ما يراد قياسه فعلاً وتوجد طريقتان للتحقق من صدق الاختبارات كل منهما مكمل للأخرى .
أولاهمـا : يمكن ان ينظم الاختيار لأفراد ذوي مقدرة معلومة سلفاً في تأدية وظائفهم فإذا ما حصل افضل الأفراد على نتائج افضل من غيره من ذوي الكفاية المنخفضة كان الاختبار صادقاً.
ثانيهما : إجراء عملية متابعة للعاملين الذين يتم اختيارهم بناء على الاختبار فإذا كان أداء من حصل على احسن النتائج افضل من غيره ممن حصل على نتائج منخفضة كان الاختبار صادقاً
3.الثبات : أي انه يعطي نفس النتائج تحت نفس الظروف في جميع الأوقات ويمكن التحقق من ثبات الاختبار بإحدى الطريقتين الآتيتين :-
أولاهمـا : ان يعطي الاختبار أو الامتحان لنفس الأفراد في أوقات مختلفة مع مقارنة النتائج .
وثانيهما : إعداد اختبار أو عدة اختبارات (متساوية من حيث القدرة على تأديتها) في صور مختلفة لنفس الاختبار الأول ومقارنة النتائج وبحث عوامل الارتباط بينها(12).
(عناصر امتحانات التسابق) :
وتقوم امتحانات التوظيف على عناصر متعددة يجري تقديرها في ضوء اعتبارات متعددة . مع تحديد درجة لكل عنصر من العناصر الخاصة بالامتحان بحسب طبيعة عمل الوظيفة المراد شغلها والخصائص البدنية والنفسية المطلوب توافرها في المرشح للوظيفة للقيام بأعبائها . واهم هذه العناصر :-
1.النواحي البدنية أو الصفات الجسمية : كالمظهر العام وسلامة الحواس والخلو من العاهات المعطلة للعمل .
2.الذكاء العام والقدرة على التفكير السليم : ويبدو من خلال القدرة على فهم الناس والتعامل معهم ، والاستجابة لعواطفهم وتنسيق الأفكار والقدرة على الاستنتاج ، والقدرة اللفظية التي تعكس طلاقة اللسان وقوة الذاكرة وحضور الذهن ، والقدرة على التصرف في مواقف معينة .
3.القدرات الفعلية الخاصة بالمهنة : كالقدرة الرياضية لمن يريد العمل في الحسابات مثلاً ، والقدرة على فهم العمليات الميكانيكية بأنواعها المختلفة .
4.المعلومات الخاصة بنوع العمل أو مقتضيات الوظيفة المطلوب شغلها : كالقدرة الخاصة بالمهن الكتابية مثل القدرة على ممارسة الأعمال الكتابية كأعمال السكرتارية وفي البنوك والإدارات المختلفة .
5-الخصائص المزاجية والخلقية : وتبدو مظاهرها عن الشخص من خلال سرعة الانفعال أو الضيق أو القلق أو الميل للعدوان والعنف وحدة الطبع والتعصب الزائد على الحد أو الميل للهدوء الشديد ويترك تقدير ذلك للمتخصصين في هذا المجال .
6.الهوايات ووسائل تمضية أوقات الفراغ : وذلك للتعرف من المرشح للوظيفة على هواياته ونشاطاته الاجتماعية والرياضية(13).
___________________________
1- د. محمد السيد الدماصي / تولية الوظائف العامة ، مطبعة الزيني للنشر ، 1971 ، ص335
2-Alain Plantey : La Publiquo Fonction ، 1971 ، P648
3- لغرض الاطلاع على المزيد يراجع
د. فوزي حبيش / مبادئ الإدارة العامة ، ط2، بيروت ، 1987 ، ص98-99 .
د. ماجد راغب الحلو / الإدارة العامة ، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية ، مصر ، 1983 ، ص147 .
د. عبد الغني بسيوني عبد الله / القانون الإداري ، دراسة مقارنة للاسس ومبادئ القانون الإداري وتطبيقاتها عن لبنان ، الدار الجامعية ، 1986 ، ص218.
د. سليمان الطماوي / طرق اختيار الموظفين ، بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية ، ع3 ، لسنة 1965 ، ص197 .
وكذلك د. سليمان الطماوي / الوجيز في الإدارة العامة ، دار الفكر العربي ، 1976 ، ص184
ود. عبد الفتاح قصر / شرح نظام الموظفين العام بالمملكة العربية السعودية ، حـ1 ، 1974 ص72 .
ود. احمد حافظ نجم / القانون الإداري ، جـ2 ، ط1 ، دار الفكر العربي ، 1981 ، ص168 .
ود. عادل الطباطبائي / قانون الخدمة المدنية الكويتي الجديد ، دراسة تطبيقية لقرارات مجلس الخدمة المدنية وفتاوى ديوان الموظفين وادارة الفتوى والتشريع ، جامعة الكويت ، 1983 ، ص128 .
4- يراجع د.نواف كنعان / القانون الإداري ، ك2 ، ط1 ، الإصدار الثاني ، سلسلة المكتبة القانونية رقم 424 ، الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن ، 2001 ، ص64.
ود. خالد الزعبي / القانون الإداري وتطبيقه في المملكة الاردنية الهاشمية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن ، 1998 ، ص200.
5- المادة 28 من قانون أو لائحة الحقوق المدنية الفرنسي لسنة 1959 المعدل .
6- جيرزي استاروشياك / دراسات حول الوظيفة العامة ، وضع الوظيفة في الدول الاشتراكية ، بحث من سلسلة البحوث القانونية التي تصدرها هيئة الامم المتحدة عن نظام الحقوق المدنية في العالم ، ترجمة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة المصري ، لسنة 1966 ، ص18.
7- د. طلعت حرب محفوظ / مبدأ المساواة في الوظيفة العامة ، الهيئة المصرية للكتاب ، مصر ، 1989 ، ص192. كذلك يراجع د. محمد عبد الحميد ابو زيد / المطول في القانون الإداري ، دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، مصر ، 1996-1997 ، ص154.
8-Dugnit Mac charthy : La conduit de Personal . Edition ، 1962 ، P. P. 88- 135
– Roger Gregoire : La Fonction Publique ، edition ،1954 ،P.195
9-Bernard Gournay . Jean . Frzncios kesler administration Publique . press Universitaires de France ،1967 ، P.P.350 ، 410 ،450
Robert chatherine : La Fonctionnaire Francais ، Edition sirey 1973 ،P.P.60،79
ود. احمد حافظ نجم / مبادئ علم الإدارة العامة ، 1979 ، ص356 .
ود. ماجد راغب الحلو / علم الإدارة العامة ، مؤسسة شباب الجامعة ، القاهرة ، 1982 ، ص147.
ود. علي عبد القادر مصطفى / الوظيفة العامة في النظام الإسلامي وفي النظم الحديثة ، ط1 ، 1982 ، ص227 .
ود. فؤاد العطار / القانون الإداري ، ط3 ، دار النهضة العربية ، 1977 ، ص460.
10- د. عادل حسن / مذكرات في إدارة الأفراد ، 1960 ، ص182 .
ود. عادل حسن / العلاقات الإنسانية وإدارة الأفراد ، 1973 ، ص183.
11- د. عادل حسن / إدارة الأفراد ، 1971 ، ص28.
ود. عبد الرحمن عبد الباقي عمر / إدارة الأفراد ، 1976 ، ص155 .
ود. عادل حسن / العلاقات الإنسانية ، مصدر سابق ، ص 193 .
12- د. طلعت حرب محفوظ / مصدر سابق ، ص194-195.
13- د. نواف كنعان / مصدر سابق ، ص66 –67 .
ود. عادل حسن / الإدارة في القطاع الحكومي ، مركز الكتب الثقافية بدون ،ص261 .
ود. عادل حسن ود .عبد المنعم فوزي / الإدارة العامة ، ط1 ، منشات المعارف بالإسكندرية ، ص341.
المؤلف : مصطفى سالم مصطفى النجفي
الكتاب أو المصدر : المساواة ودورها في تولي الوظائف العامة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً