تغيير آليات انتخاب مجلس النوّاب من أولى مهمات المجلس المقبل
القاضي سالم روضان الموسوي
بعد انتهاء زوبعة تمديد عمر مجلس النواب السابق وبقاء أثار وعقابيل عملية الانتخابات التي جرت في 12/5/2018 لابد من وقفة تجاه ما جرى وبيان النتائج التي آلت إليها العملية الانتخابية. والمراقب سيرى عدة نتائج لابد أن يقف عندها ذوو الاختصاص في كل جوانب المعرفة بمن فيهم أهل السياسة والقانون والاجتماع والاقتصاد وغيرهم. ومن خلال متابعتي لاحظت بعض الآثار التي لابد من تشخيصها أو الإعلان عنها وإن كانت متواضعة لكنها ربما تنبّه إلى ما سيحدث إن لم نتدارك عقابيلها وأثارها المقبلة وهذه الملاحظات على وفق الآتي:
1. الجدل الحاصل ابتداءً بين أعضاء مجلس النواب بشأن تأجيل الانتخابات إلى نهاية العام الحالي تحت ذرائع مختلفة، إلا أن قرار المحكمة الاتحادية رقم 8/2018 حال دون وقوع الخرق الدستوري. وهذا الجدل يدل على أن أعضاء مجلس النواب، بعدد منهم يشكل تياراً مسانداً لبقاء المجلس السابق إلى أطول مدة ممكنة، هدفه تحقيق بعض المنافع الشخصية.
2. تغيير آليات التصويت في الانتخابات وحساب نتائجها حيث لاحظنا جدلاً كبيرا بين من دعا إلى التصويت الالكتروني وتسريع النتائج عبر التقنيات الحديثة وبين من رفضها، وبعد أن تم التصويت وإعلان النتائج، تبادل الطرفان الأدوار فمن كان ينادي برفض العمل الالكتروني أصبح متمسكاً به لأنه حقق مكاسب أفضل في ظله، بينما الذين سعوا الى تعديل قانون الانتخابات رقم 45 لسنة 2013 باعتماد التصويت الكتروني دعا معظمهم بعد أن ظهرت النتائج للعودة إلى العد والفرز اليدوي، وفعلاً تمكنوا وبحالة استثنائية في كل المعايير من تعديل القانون مرة أخرى على حساب الاستقرار القانوني والكلف الاقتصادية وإهدار المال العام.
3. ثبوت الاتهامات بوجود التزوير والموثقة أحياناً وبشكل اكبر من أي عملية انتخابية جرت سابقاً.
4. حصول أحداث غير مألوفة منها حرق صناديق الانتخابات والاعتداء على أعضاء ومنتسبين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
5. الإرباك في إجراءات وتصريحات أعضاء مجلس المفوضين المعطل والموقوف عن العمل، حيث أصدروا قراراتهم برد أغلب الطعون، وفي وقت لاحق تم القبول بها بعد تعرضهم لضغوط الإعلام والسياسة.
6. العزوف الكبير عن المشاركة الفعلية في التصويت والذي عبّر عن نوع من الاحتجاج الصامت على الانتخابات وعلى آليات الانتخاب التي لا تمثل الشعب بشكل حقيقي.
7. ظاهرة المعالجة السلبية لحالات الخروق التي تحصل في عملية التصويت والمتمثلة بإلغاء التصويت في الصناديق والمحطات، مما أدى إلى ضياع حق الناخب وحق المرشح في نفس الوقت، وفي هذا خرق دستوري واضح لان حق التصويت للناخب وحق الترشح مقرر دستورياً بموجب المادة (20) من الدستور التي جاء فيها الآتي ((للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح))، والإلغاء ربما يتيح الفرصة لمن لم ينل حظه في التصويت أن يذهب إلى إيجاد صور من التزوير لإلغاء الأصوات في هذه المحطة أو في ذلك الصندوق ليس لرفع أسهمه بل لإنقاص حظوظ الآخرين المتقدمين عليه في التصويت.
ولدى الكثيرين ملاحظات عديدة تفوق ما ورد ذكره، لكن هذه الملاحظات تثير قلق الناخب العراقي والمواطن العراقي بشكل عام، لأن من لم ينتخب أو حرم من ممارسة حقه في الانتخاب هو في صلب المشكلة ويتأثر بها بشكل مباشر، وبعض آثار هذه الأمور التي أشرت اليها أرى أنها ستكون على وفق الآتي :
1. كان لدينا تخوف من حصول الفراغ التشريعي وهذا ما حصل فعلاً بانتهاء دورة مجلس النواب دون الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات ولربما تمتد إلى حين من الدهر غير معلوم في الوقت الحاضر، وآثار هذا الفراغ التشريعي ستتمثل في انعدام عنصر الرقابة البرلمانية وتوقف عملية تشريع القوانين التي تكون ضرورية وآنية لما سيواجه البلد، وإن كان واقع الحال أن وجود المجلس النيابي لا يختلف عن عدم وجوده، وهذا لا يحتاج إلى برهان أو إثبات.
2. ظهور مجلس نيابي لا يمثل أغلبية الشعب العراقي وإنما هو تمثيل أقل من النسبي بسبب ضعف المشاركة في التصويت وإلغاء الكم الكبير من الأصوات التي شاركت مما أدى إلى إضعاف العملية الانتخابية والوصول بها الى حدودها الدنيا، وهذا سيؤدي بالنتيجة إلى انعدام الثقة الشعبية بالمجلس المقبل لأنه سيمثل الأحزاب وليس الشعب.
3. سيؤدي إلى حكومة ضعيفة تتجاذبها رياح الأحزاب المؤتلفة لأنها جميعاً لم تحصل على الأغلبية التي تمكنها من تشكيل الحكومة بأريحية كافية، وبالتأكيد ستكون هذه الحكومة إن تمكنت من الظهور إلى العلن وتحقق تشكيلها، اضعف من الحكومات السابقة التي هي في الأصل حكومات توافقية تعتمد على التوافق الحزبي بين من يتولى التحكم بالأحزاب والتيارات وكان من سماتها الضعف الذي انعكس سلباً على أدائها بكل أشكاله ومسمياته.
ولغرض المعالجة لابد من تغيير آليات انتخاب أعضاء مجلس النواب وكذلك آليات تشريع القوانين وسأعرض لها هنا بإيجاز:
1. غاية القانون تنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع أو بين مكونات الدولة التي يكون أفراد المجتمع النواة والمركز المستقطب لكل الأعمال، وينصح المختصون في علم التشريع بان تدرس الحاجة العامة واليومية للمواطن لأنه محل تطبيق التشريع بعد صدوره وأن يراعى جمهور الناس الذي أطلقت عليه تسمية (الجمهور التشريعي) لأن العملية التشريعية تبدأ بفكرة تتم دراستها عبر معرفة المشكلة المراد معالجتها وتحليلها وبيان أسبابها ورسم خط عام، ثم يتم جمع المعلومات ذات الصلة بها، وفي حال لم يكن مجلس النواب معبراً حقيقاً عن الشعب الذي هو مصدر السلطات فإن حاجة الناس ومشاكلهم سوف لن تجد لها حضور في أعماله.
وواقع مجلس النواب يؤكد هذه الحالة ومنها عدم اكتراثه بالأزمات التي حلت بالبلد مثل الكهرباء والماء والخدمات الأخرى التي من واجب كل السلطات توفيرها لأنها حاجة عامة، بينما وجدنا العديد من القوانين التي شرعها مجلس النواب الحالي والسابق أعطت نتائج سلبية انعكست على الواقع الاجتماعي والسياسي، وبيّنت لنا هذه القوانين هشاشة الاستقرار المزعوم وسطحية الأفكار المتداولة بين مكونات البرلمان، كما نلاحظ القيمة الإنتاجية للبرلمان من خلال تعطيل تشريع القوانين، فتنعكس عنه صور في الأذهان على انعدام قدرة العطاء لأعضائه بسب عدم توفر الأغلبية المتوافقة في الأفكار والرؤى وأساسه سوء إدارة العملية الانتخابية التي منحتنا هذا المزيج غير المتجانس الدال على أن هذه المكونات لا تمثل النسق العام للمجتمع وإنما تعبر عن جزئيات صغيرة منه.
ويتمكن المراقب من معرفة سلوك وعقيدة المشرع من خلال القوانين التي يصدرها، ففي القوانين التي صدرت لمنافع ومزايا النواب حصل إجماع بحضور جميع الأعضاء وبوقت قياسي بينما في القوانين التي تتعلق بتقليص هذه المزايا أو إلغائها وضعت العراقيل أو صدرت بتعمية لا تمثل حقيقة مطلب الجماهير، ويدل ذلك على غلبة السلوك النفعي الشخصي والغاية المغنمية من ولوج عالم السياسة على غاية النفع العام وشرف التكليف القانوني والشرعي، وهو ما يطلق عليه أهل الفقه الديني (الرياء).
لذلك نحن بحاجة ملحة إلى تعديل آليات تشريع القوانين عبر تعديل الدستور ومنح عدد من المواطنين يتم تسمية أعدادهم وأعمارهم والأفضل ممن يتوفر على حق الانتخاب صلاحية اقتراح القوانين على مجلس النواب الذي يلزم بمناقشتها وتشريعها أو رفضها على وفق الأسباب التي ستذكر، وهذا الأمر معمول به في العديد من دساتير الدول ومنها الدستور الايطالي في المادة (72) عندما أجاز لخمسين ألف ناخب اقتراح مشاريع القوانين، حيث جاء فيها ((يمارس الشعب حق اقتراح القوانين من خلال اقتراح مشروع قانون يحظى بدعم ما لا يقل عن خمسين ألف ناخب، ويكون مصاغاً في مواد)). وهناك أمثلة أخرى في عدة دساتير، لذلك على مجلس النواب المقبل أن يسرع في تعديل الدستور الحالي بما يفيد بمنح الناخب العراقي حق اقتراح القوانين لتدارك الإغفال المتعمد لأعضاء مجلس النواب حاجة الناس، فلو كان للناخب العراقي حق اقتراح القوانين لتمكن من اقتراح قانون للانتخابات يتوافق مع حاجاته بما يمكنه من وجود مجلس نيابي يمثله حقيقةً ولو بشكل نسبي .
2. على مجلس النواب المقبل تعديل قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 بجعل الانتخابات على وفق القائمة المفتوحة بشكل مطلق، بمعنى أن يكون للناخب في دائرته الانتخابية أن يختار ما يرغب فيه من المرشحين حتى لو كانوا في قوائم متعددة ويكون للمرشح صاحب الرقم الأعلى في التصويت هو الفائز دون الالتفات إلى القائمة التي رشح فيها، أي أن يكون العد والفرز لكل ناخب وليس لكل قائمة وهذا سيعبّر عن الحقيقة التي يسعى إليها الناخب كما سيؤدي إلى وصول من نال ثقة الناخب وليس من نال رضا رئيس القائمة فضلاً، عن تفعيل الحق في المساواة الذي ورد في المادة (14) من الدستور والحق في تكافؤ الفرص الوارد في المادة (16) من الدستور
من خلال ما تقدم ذكره لابد أن نعمل بكل السبل التي أتاحها لنا الدستور للضغط باتجاه تغيير آليات الانتخاب والوصول إلى القائمة المفتوحة والتصويت للمرشح وليس لقائمته وهذا لا يتنافى مع حق الكيانات السياسية أو الأحزاب لأنها إن كانت تمثل حقيقة الشارع السياسي أو الانتخابي العراقي، فإن أعضاءها المرشحين سينالون الأصوات التي تعبّر عن حجمهم الحقيقي ويعاد جمعهم بائتلاف أو قائمة أو تيار لاحقاً بعد الفوز ومصادقة النتائج الانتخابية، خصوصاً وأن تشكيل الحكومة لا يتوقف على عدد المرشحين الفائزين في التصويت وإنما على الكتلة النيابية الأكبر التي تتشكل بعد أداء الفائزين اليمين الدستورية ويصبحون نواباً، وهذا ما ورد في المادة (76) من الدستور وفي قرار المحكمة الاتحادية العليا التفسيري رقم 37/ اتحادية/2010 في 14/4/2010 .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً