استقر القضاء الإداري علي وضع ظوابط هامة تضمن تطبيق مبدأ الشرعية إزاء العقوبة التأديبية ومن ضمن تلك الظوابط حظر ازدواج الجزاءات التأديبية , والمقصود بالازدواج العقابي أو الجزائي هو أن يوقع علي المخالف عن المخالفات المنسوبة اليه والثابتة في حقه , جزاءين من الجزاءات الصريحة المحددة صراحة في القانون , ويحدث هذا حال تعرض الموظف لنوع آخر من المسئولية وهي المسئولية الجنائية .
والأصل والمستقر عليه أن العقاب التأديبي عن فعل سبق توقيع عقوبة جنائية عليه لا يتناقض مع مبدأ العقاب عن فعل مرتين وذلك لكون لكل من العقابين مجاله المتميز وهدفه الخاص به , فإذا كانت غاية العقوبة الجنائية رد العدوان الواقع علي مصلحة اجتماعية قانونا , فإن غاية العقوبة التأديبية احترام قدسية ومصلحة الوظيفة أو العمل المهني , وإباحة الجمع بين الجزاء التأديبي والجزاء الجنائي , حيث أن كل منهما ينتمي إلي نظام قانوني مغاير للآخر وبالتالي لا يعتبر ازدواجاً في العقاب لاختلاف قوام كل من الجريمتين .
وللعقوبة التأديبية عدة مبادئ تنطبق عليها كما تنطبق علي العقوبة الجنائية منها مبدأ شخصية العقوبة , بمعني أن العقوبة تتعلق بشخص المتهم ولا تمتد لغيره , ومنها أنه يتعين ألا يعاقب أحد بأية عقوبة إلا عن فعل لاحق علي نفاذ القانون المحدد للجريمة والعقاب , ومنها أيضا أن المتهم برئ حتي تثبت إدانته في محاكمة قانونية يكفل له فيها تحقيق دفاعه .
ومن المبادئ أيضا لشرعية العقوبة فكرة تطبيق القانون الأصلح للمتهم والذي يقضي بأنه لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية علي الموظف إلا بناء علي العقوبة المقررة والنافذة وقت وقوع الفعل التأديبي الذي يجازي من أجله , وذلك ما لم يكن العقاب التأدبيبي قد تعدل بصورة أصلح, أو ما لم يكن أصبح مستحيلا توقيع العقوبة علي المتهم نتيجة تغير حالتة الوظيفية بإحالته للتقاعد مثلا , حيث يوقع عليه العقاب الذي حدده المشرع لمن ترك الخدمة .
ومن النتائج التي رتبتها المحكمة الإدارية العليا علي مبدأ شرعية العقوبة عدم جواز توقيع عقابين علي الموظف المخطئ بسبب جريمة واحدة , ولذلك قضت بأنه ( لا يجوز معاقبة الموظف عن الذنب الإداري الواحد مرتين بجزاءين أصليين لم ينص القانون صراحة علي الجمع بينهما أو جزاءين لم يقصد الي اعتبار أحدهما تبعا للآخر .
ولكن في حالات الجرائم المستمرة القاعدة هنا لا تنطبق , لأن تكرار المخالفة التي سبق أن عوقب عليها الموظف يشكل جريمة تأديبية جديدة , يجب أن تتجدد معها العقوبة الأخري , بمعني أنه إذا عوقب الموظف بعقوبة معينة عن جريمة معينة ثم استمر بعد توقيع هذه العقوبة في ارتكاب الجريمة فانه يعتبر مرتكب لجريمة جديدة تالية للعقوبة الموقعة عليه ومن ثم تجوز مجازاته بعقوبة جديدة عن هذه الجريمة اللاحقة .
كما لايعتبر من قبيل التعدد المحظور اقتران العقوبة التأديبية بأخري تكميلية أو تبعية , علي اعتبار أن المشرع هو الذي أباح هذا الاستثناء فلا يعتبر ازدواجاً للعقوبة فصل موظف كأثر للحكم عليه جنائياً .
لهذا فرقت المحكمة الإدارية العليا بين العقوبتين وقضت بأنه يجب التفرقة بين العزل من الوظيفة العامة كعقوبة جنائية تبعية أو تكميلية تقع بالتطبيق لقانون العقوبات وبين إنهاء خدمة الموظف بقطع رابطة التوظيف نهائيا سواء بجزاء تأديبي بعد محاكمة تأديبية أو بطريق العزل الإداري أي بقرار من رئيس الجمهورية في الأحوال التي يحددها القانون بذلك , أو بقوة القانون ونتيجة للحكم علي الموظف بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية .
ويحق للسلطة التأديبية بإعادة مساءلة الموظف عندما يتم إلغاء الجزاء التأديبي لعيب في الشكل أو الإجراءات وفي تلك الحالة لا تكون السلطة التأديبية قد خالفت مبدأ حظر ازدواج العقوبة التأديبية علي اعتبار أن الحكم لم يتعرض لمضمون الجزاء أو مشروعيته .
كما أنه ليس هناك ما يمنع من أن يقرن الجزاء التأديبي بإجراءات أو ملاحظات طالما السلطة التأديبية تستهدف مصلحة المرفق العام كإبعاد موظف عن الأعمال المالية والعهد , فالجزاء التأديبي قد يكشف الأخطاء التي وقعت في المرفق وبالتالي علي السلطة التأديبية معالجة الأخطاء التي أدت الي هذه النتيجة
المستشارة هدى الأهواني
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً