الطبيعة القانونية التي تحكم المؤسسات الفردية
أ* عيسي العماوي
يدور تساؤل غير مجاب عليه من الناحية القانونية عادة بين أوساط القانونيين حول الطبيعة القانونية التي تحكم ما يسمى عرفا بالمؤسسات الفردية أو المؤسسة الفردية، فهل تعتبر هذه المؤسسات الفردية شخصا اعتباريا (معنويا) يتمتع بمزايا واعتبارات الشخص المعنوي؟ وما هي المؤسسات الفردية أصلا؟ هل هي ذاتها الأسماء التجارية المسجلة في السجل التجاري لدى وزارة الصناعة والتجارة؟
سأتناول الحديث في هذه المقالة -المختصرة جدا- حول الطبيعة القانونية للمؤسسات الفردية وما يسري عليها من أحكام:
أولا: من هم الأشخاص الاعتباريون (الاشخاص الذين يتمتعون بالشخصية الاعتبارية)؟
حدد القانون المدني الأردني رقم رقم 43 لسنة 1976 المنهج العام المتبع في تحديد وتأويل من هو الشخص المعنوي ورسم الأطر العريضة لأعتبار أي شخص كذلك؛ حيث جاءت المادة 50 منه في معرض بيانها للأشخاص الحكمية (الأشخاص الاعتبارية) قائلة:
الأشخاص الحكمية هي:
1- الدولة والبلديات بالشروط التي يحددها القانون والمؤسسات العامة وغيرها من المنشآت التي يمنحها القانون شخصية حكمية.
2- الهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة بشخصية حكمية.
3- الوقف.
4- الشركات التجارية والمدنية.
5- الجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً لأحكام القانون.
6- كل مجموعة من الأشخاص أو الأموال تثبت لها الشخصية الحكمية بمقتضى نص في القانون.
وفي ذلك نرى أن المشرع الأردني في القانون المدني يختط معيارين أساسيين في رسم هوية الأشخاص المعنوية؛ حيث يضع في اعتباره نوعين أساسيين من الأشخاص الأعتبارية هم:
أ- أشخاص اعتبارييون بموجب ماهيتهم الذاتية؛ كالوقف والشركات التجارية والمدنية.
ب- أشخاص اعتبارييون بموجب ما تمنحهم نصوص القانون من شخصية اعتبارية؛ كالدولة والبلديات والمؤسسات العامة وغيرها من المنشآت والهيئات والطوائف الدينية والجمعيات والمؤسسات ومجموعات الأشخاص او الأموال؛ حيث لا يكتسب أي ممن سبقوا الشخصية الحكمية (الشخصية الاعتبارية) الا بموجب نصوص تخولهم وتعطيهم مثل هذا الإعتبار والحق.
والأشخاص الاعتبارييون بموجب ماهيتهم الذاتية يخرجون عن موضوع حديثنا هذا، وبذلك فإن موضع حديثنا منصب حول الاشخاص الاعتبارييون بموجب ما تمنحهم نصوص القانون من شخصية إعتبارية.
ومثالهم: قانون البلديات الذي أعطى للبلدية شخصية أعتبارية، قوانيين انشاء الجامعات الرسمية الذي أعطى كل واحد منها الشخصية الاعتبارية للجامعة، قانون سكة الحديد الذي أعطى مؤسسة سكة الحديد شخصيتها الاعتبارية، قانون مؤسسة الضمان الاجتماعي الذي أعطة مؤسسة الضمان الاجتماعي شخصيته الاعتبارية، قانون مؤسسة المناطق الحرة الذي أعطى مؤسسة (شركة) المناطق الحرة شخصيتها الاعتبارية، قانون مؤسسة المدن الصناعية …الخ.
إذن، فلا شخصية أعتبارية -عدا الشركات التجارية والمدنية والوقف- إلا بموجب نص صريح في أحدى التشريعات القانونية. فما هو الحال فيما يتعلق بالمؤسسات الفردية (المؤسسة الفردية)؟ هل يوجد نص خاص يضع لهذه المؤسسة اعتبارا خاصا ويضفي عليها وصف الشخص الحكمي؟ ومن ثم ما هو الوضع القانوني الحقيقي للمؤسسات الفردية؟ هل من نص معين يوحي أو يدل على وجودها ضمن التشريعات الأردنية؟
ثانيا: الوضع القانوني للمؤسسات الفردية (المؤسسة الفردية):
إن الباحث المتعمق في متن نصوص التشريعات الأردنية سارية المفعول والممارس لواقع التطبيق العملي يجد أن لفظ “مؤسسة” او “مؤسسة فردية” والذي يستخدم عادة للدلالة على المسمى القانوني “الاسم التجاري” او “السجل التجاري” انما يعبر عن حالة قانونية نظمها قانون التجارة وقانون الاسماء التجارية بحيث يمكن التاجر (الشخص الطبيعي) من مزاولة اعماله وتجارته تحت غطاء يختلف عن أسمه لتمييز بضائعه ومنتجاته. وان قانون الاسماء التجارية بوصه ذاك لا يعطي الشخصية الاعتبارية للاسم التجاري او للتاجر المقيد في السجل التجاري.
وتؤكد هذه النتيجة بعض الأحكام الواضحه لمحكمة التمييز الأردنية؛ حيث تذهب المحكمة الموقرة في حكمين فريدين الى ما يلي:
قرار رقم 1993/785 فصل بتاريخ 1993/10/10 (هيئة عادية). منشور على الصفحة (377) من العدد (1) من مجلة نقابة المحامين لسنة (1994)
“ينتصب صاحب المؤسسة التي لم تثبت لها الشخصية الحكمية بمقتضى نص المادة 50 من القانون المدني خصما للبنك الذي وقع عقد القرض باسمه الشخصي ، لعدم تمتع المؤسسة بحق التقاضي”.
قرار رقم 1989/145 فصل بتاريخ 1989/01/01 (هيئة عادية). منشور على الصفحة (2154) من العدد (6) من مجلة نقابة المحامين لسنة (1990)
“* ان المؤسسة لا تملك شخصيه حكميه مستقلة عن شخصيه اصحابها الا اذا كانت شركة.
* لا يجوز الاحتجاج بشخصيه الشركة الحكمية على الغير الا بعد استيفاء إجراءات التسجيل والنشر التي يقررها القانون عملا بالمادة (583) من القانون المدني”.
كما ويساير هذه النتيجة ما يجري العمل عليه لدى الدوائر الرسمية من معاملة “المؤسسة الفردية” او بالاحرى “الاسم التجاري” معاملة الشخص الطبيعي؛ حيث يخضع لذات الالتزامات والحقوق التي يخضع لها الشخص الطبيعي. مثال: تعامل المؤسسات الفردية “الاسماء التجارية” معاملة الاشخاص الطبيعين حين احتساب الضرائب فيتم اخضاعها للضريبة اذا بلغ دخل مالكها السنوي 12 الف لغير المتزوجين و24 ألف للمتزوجين.
وبذلك، يمكننا القول بما يلي:
أولا: يمنح المشرع الأردني الشخصية الإعتبارية لحالات قانونية معينة ومحددة على سبيل الحصر.
ثانيا: يعطي المشرع الأردنية الشخصية الإعتبارية اما مباشرة وفق الماهية الذاتية للشخص كالشركات والوقف او من خلال نص صريح مانح للشخصية المعنوية مثل قانون البلديات الذي منح البلدية شخصيتها الاعتبارية.
ثالثا: ان لفظ المؤسسة الفردية (المؤسسات الفردية) هو لفظ غير قانوني وهو ينسحب على مفهوم الإسم التجاري وفق ما يشير الى ذلك واقع التطبيق العملي.
رابعا: إن المؤسسات الفردية وما ينطلي عليها من تسمية حقيقية تحت مسمى (الاسم التجاري) لا تتمتع بالشخصية الإعتبارية وبذلك فإن ذمتها المالية غير مستقلة عن ذمة مالكها.
اترك تعليقاً