الطـــرد التعسفــي فــي قانــون الشغــــل – تونس
الاستاذ عزيز الحسني
يهدف قانون الشغل إلى تحقيق أمرين متناقضين وهما من جهة المحافظة على تواصل نشاط المؤسسة الإقتصادية المشغلة و التي تمثل حلقة هامة من النسيج الإقتصادي و ضمان حقوق الأجير الطرف الضعيف العاجز في غالب الأحيان عن إثبات إدعاءاته والذي يمثل الجانب الإجتماعي، و لتحقيق التوازن و تقريب حقيقة القضاء من حقيقة الواقع يجد القاضي نفسه مجبرا على الإجتهاد حتى يصدر حكما قريبا من الحقيقة و إن إصدار حكم يعني بالضرورة تغليب كفة طرف على حساب الآخر و لا يعود ذلك لجَور القاضي بل لما تقتضيه خصوصية النزاع سيما في النزاعات الشغلية التي يوجد فيها طرفين غير متكافئين من حيث موازين القوى؛
فالمؤجر يمثل الجانب الإقتصادي و الرأسمالية بكل تجلياتها من نفوذ و جبروت و تسلط، و الأجير يمثل الفئة الضعيفة الكادحة و الجانب الإجتماعي المحكوم دوما بعلاقة التبعية و الذي أنهكه اللهث وراء مسار الركب الإقتصادي الجامح سيما في ظل التطور الإقتصادي الوطني العالمي المتسارع و إشتداد المنافسة و السعي الدءوب المتواصل إلى تحصيل أضخم ما يكون من الأرباح و الضغط على كلفة الإنتاج لتطوير وسائل العمل و الحد من المصاريف .
و في هذا الإطار يعتبر قانون الشغل الوسيلة الناجعة لتحقيق التوازن بين حماية العامل و دفع النمو الإقتصادي و المحافظة على تطوره من خلال التوفيق بين مصالح العملة و مصالح المؤسسة المؤجرة، وهو ما جعل المشرع يتدخل ليقوم بتنقيح جوهري لمجلة الشغل الصادرة في 30 أفريل 1966 و ذلك بموجب القانون عدد 29 لسنة 1994 المؤرخ في 21 فيفري 1994 و الذي نقح 67 فصل و أضاف 16 فصل جديد و كرّس نظرة التوازن بين العامل و المؤسسة، فلا تتم حماية العامل على حساب المؤسسة و لا يتم ترك حقوق العامل عرضة للضياع . و أصبح بذلك التوازن قائما بين مصلحة الأجير و مصلحة المؤجر .
و لقد أضحى الهدف واحدا و الذي يتمثل في إنجاح مصلحة المؤسسة التي هي في نفس الوقت مصدر موطن شغل الأجير و مصدر ربح المؤجر، و هنا يلعب قاضي الشغل دورا هاما و فعالا عند وجود نزاع و عادة ما يكون دورا إيجابيا سواء عند تطبيق النص أو حتى عند تأويله من خلال السلطة التقديرية الضيقة التي منحها له المشرع و الغاية من ذلك هي إرجاع الحقوق إلى أصحابها و رد الأمور إلى نصابها، فقانون الشغل الذي كان بالأساس قانونا حمائيا يستند على المطالب النقابية في مواجهة المؤجر الذي يعتبر الطرف المهيمن في العلاقة الشغلية تطور بإتجاه إحلال التوازن في العلاقات الشغلية التي أصبحت تكتسي طابعا إتفاقيا تجلى من خلال تطور عدد الإتفاقيات المشتركة القطاعية ليبلغ واحد و خمسون إتفاقية و ذلك للحد من الطرد التعسفي للأجير و التعسف في إستعمال الحق من قبل المؤجر .
و الطرد التعسفي هو إخراج الأجير من مركز عمله بعد قضاء مدة معينة لاحقة لفترة التجربة بدون موجب قانوني أو تعاقدي أو إتفاقي ينظمه و ذلك بصورة تعسفية من قبل المؤجر أو من يمثله قانونا .
و يكتسي البحث في موضوع الطرد التعسفي في قانون الشغل أهمية نظرية و أخرى تطبيقية .
أما الأهمية النظرية فتتمثل في الفيض الهائل من التشريعات في مجال الشغل من قوانين وغيرها من النصوص الأعلى منها مرتبة أو الأقل منها ترتيبا وصولا إلى الاتفاقيات و ذلك نظرا لما يشهده العالم من تحولات إقتصادية متسارعة و عميقة وهو ما أثر بالضرورة على الكتابات الفقهية المتنامية في هذا القطاع الحيوي الذي له بعدين متلازمين بعد إجتماعي لتعلقه بالفئة الكادحة فئة الشغالين و العمال و بعد إقتصادي يهتم بالمؤسسات الإقتصادية .
أما الأهمية التطبيقية فتتجلى فيما أفرزته المحاكم من تطبيقات قضائية أنصفت في غالب الأحيان المتقاضين سيما وأنه هناك طرفين وأن أحدهما فقط من سيظفر بالحكم لصالحه بعد عديد الجلسات و المراحل ومنها المرحلة والطور الصلحي الذي عادة ما يكون غير ذي جدوى ويتجاوزه الأطراف مرورا إلى الطور الحكمي الذي لا يبت في الأحكام إلا بعد إثبات أمرين متلازمين وهما ؛من جهة إثبات العلاقة الشغلية بداية و إسترسالا و نهاية بصفة تعسفية، و من جهة أخرى إثبات واقعة الطرد .
وإن أمر الإثبات يبقى صعب المنال خاصة على الأجير و لا تزال المحاكم إلى حد اليوم منقسمة حول مسألة عبئ إثبات واقعة الطرد والتأرجح بين تحميل الأجير بوصفه المدعي في دعاوى الطرد عبئ الإثبات أو تحميل المؤجر عبئ الإثبات من أجل الوصول إلى اليقين بأنه إحترم القواعد القانونية أو الترتيبية أو التعاقدية و إثبات إنتفاء قيامه بالطرد التعسفي .
و قد إزداد هذا الأمر تعقيدا وكلف القاضي حيزا من المسؤولية في إجتهاده منذ تنقيح 1994 عندما أضاف المشرع بالفصل 14 خامسا الذي أقر بأنه ” يرجع للقاضي تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية و الجدية لأسباب الطرد ومدى إحترام الإجراءات القانونية أو الترتيبية أو التعاقدية المتعلقة به ، وذلك بناءا على عناصر الإثبات المقدمة إليه من طرفي النزاع ويمكنه لهذا الغرض الإذن بإجراء كل وسيلة تحقيق يراها لازمة ” .
لكن المشرع في نفس الوقت حد له من حرية الإجتهاد عندما وضع قواعد التسقيف بين الحد الأدنى و الحد الأقصى للتعويضات .
ويبقى الطرد التعسفي عنصرا يهدد هناء وراحة بال المؤجر وسعيا صعب المنال للحصول على المستحقات اللازمة وهاجسا يؤرق صفو حياة الأجير الذي ما إنفك المشرع منذ صدور مجلة الشغل يتدخل لحمايته أكثر فأكثر على حساب الأجير الطرف الضعيف ليزيده وَهَنًا على وهن .
فإلى أي مدى إستطاع المشرع أن يضمن حقوق الأطراف من خلال تنظيم الطرد التعسفي في قانون الشغل ؟
إن الإجابة على هذه الإشكالية تتطلب التطرق إلى تقدير الطرد التعسفي و إثباته ( الجزء الأول ) و تحديد غرامة الطرد التعسفي و تسقيفها ( الجزء الثاني ) .
الجزء الأول : تقدير الطرد التعسفي و إثباته
لقد خول المشرع بموجب تنقيح 1994، الذي أضاف الفصل 14 خامسا إلى مجلة الشغل، للقاضي سلطة تقديرية لحقيقة الطرد و ذلك من خلال منحه الطابع الاستقرائي المتعلق بدعوى الطرد التعسفي من أجل الوصول إلى معرفة الصبغة الحقيقية و الجدية للطرد ومراقبة الشروط الإجرائية ( الفصل الأول) ثم الإذن للأطراف المتنازعة بإثبات صبغة التعسف من عدمها لهذا الطرد ( الفصل الثاني )
الفصل الأول : الصبغة الحقيقية و الجدية للطرد ومراقبة الشروط الإجرائية:
تعتبر الصبغة الحقيقية و الجدية للطرد من الشروط الجوهرية لقيام الدعوى و قد غفل المشرع عن تقديم تعريف واضح المعالم لذلك بل ترك للقاضي تقدير مدى وجود صبغة حقيقية و جدية ( الفقرة الأولى ) أو مراقبة الشروط الإجرائية للطرد ( الفقرة الثانية ) الذي يكتسي صفة تعسفية.
الفقرة الأولى : تقدير الصبغة الحقيقية و الجدية لأسباب الطرد:
لا تختلف الصبغة الحقيقية (أ) كثيرا عن الصبغة الجدية (ب) للطرد التعسفي الذي يبقى تعسفا من الأجير في إستعمال حقه و كارثة تحل بالأجير لها وقعها على مختلف جوانب حياته .
الصبغة الحقيقية
“السبب الحقيقي هو سبب غير كاذب وغير مفتعل، وهو سبب صحيح يمكن إثباته ماديا وتقديم دليل ملموس على وجوده.”([1]) فالصبغة الحقيقية للسبب تتكون من عنصرين أساسين وهما تحقق السبب (1 ) و مصداقية وجوده ( 2)
1ـ تحقق سبب الطرد :
المقصود بالسبب هو التصرف التعسفي الذي قام به المؤجر و الذي له علاقة مباشرة بالعمل أو أثناء أو بمناسبة القيام به أي أنه يجب أن يكون سبب موضوعي متعلق بشخص الأجير و بكفاءته و بدرايته .
و إن تأكيد المشرع على ضرورة تحقق سبب الطرد له ما يبرره و ذلك لإرتباطه بالمستحقات التي يطالب بها الأجير من منح و غرامات كغرم له عن هذا الطرد، كما ألزم المشرع على المؤجر في إطار الفصل 14 ثالثا م.ش أن ” يبين أسباب الطرد في رسالة الإعلام بإنهاء العمل “.
و إن عدم إحترام المؤجر لهذا الشرط أو تقديم ما يفيد ذلك كتابة يعتبر معه الطرد تعسفيا مثلما نصت عليه أحكام الفقرة الثانية من الفصل 14 ثالثا ” و يعتبر تعسفيا، الطرد الواقع دون وجود سبب حقيقي و جدي يبرره أو دون إحترام الإجراءات القانونية أو الترتيبية أو التعاقدية “.
و إن شرط التنبيه الذي إشترطه المشرع أقرته محكمة التعقيب في قرارها العقيبي المدني عدد 859 المؤرخ في 26 سبتمبر 2005 حينما أكدت على “إن على المؤجر إثبات تخلي العامل عن العمل كتقديمه لإستقالة كتابية صريحة أو غيابه بدون مبرر أو ترخيص سابق مع التنبيه عليه كما يجب قانونا و لما لم يفعل فإن الطرد يعد تعسفيا موجبا للتعويض “([2]).
و بالتالي لا يمكن للقاضي تقدير هذا السبب و النظر في حقيقته إلا إذا تحقق و إتسم بالدقة و الوضوح .
لذلك فإن ” السبب الحقيقي هو السبب الموجود والسبب الموجود هو السبب الفعلي والسبب الفعلي هو السبب الموضوعي والسبب الموضوعي هو السبب الدقيق والسبب الدقيق هو السبب الذي يسهل تقديره والتثبت منه على أساس وقائع وعناصر مادية ملموسة “([3]) و بالتالي فإن السبب لا بد من تحققه و أن يتسم بالمصداقية .
2 ـ مصداقية وجود السبب :
لا بد لسبب الطرد أن يكون حقيقيا و لا يخفي وراءه سببا آخر حقيقيا دون السبب المعلن كأن يقدم المؤجر طرد عاملة بسبب عدم كفاءتها المهنية في حين أنها رفضت الإستجابة لنزواته و رغباته المحرّمة و الإحتيالية، أو كأن يقوم المؤجر بطرد عامل له إنتماءات سياسية أو حتى نقابية معينة و يحتج بأنه لم يستشره حين الغياب و أن غياباته متكررة و تضر بسير عمل المؤسسة و تنقص بالتالي من الإنتاجية في حين أن الأجير كانت كل غياباته مبررة قانونا،
أو أن يقوم المؤجر بطرد أجيرته القارة التي قضت المدة القانونية للوضع بعد الحمل بسبب أنها تسيء للمؤسسة من خلال إفشاء أسرارها المهنية في حين أنه لم يقدم قانونا ما يفيد ذلك قطعا كحكم جزائي يدينها أو كأن يتم طرد أجير و زعم أنه قام بالإعتداء على مؤجره ماديا بالعنف و معنويا في ظل غياب أي حكم جزائي بالإدانة …إلى غير ذلك من الصور الواقعية التي تخفي و تضمر غير الصورة الحقيقية للطرد و التمسك عادة من قبل المؤجر بالسبب الظاهري للطرد و بالتالي يجب على القاضي البحث في السبب الحقيقي للطرد من خلال الجلسة الصلحية و الطابع الإستقرائي للوقائع و حتى الوصول إلى ما ” شبه الإستنطاق أو الإستجواب” من أجل معرفة الحقيقة .
و السبب الحقيقي هو السبب الذي لا يتغير بتغير الأزمنة حيث لا يمكن للمؤجر أن يدعي أسبابا مختلفة للطرد وبذلك فإن السبب الحقيقي هو سبب موضوعي لأن تقديره يكون مستقلا عن شخص المؤجر فلا ينبغي حينئذ الإكتفاء بسلطته بل يتعين على القاضي إعادة تقدير ما ينسبه المؤجر للعامل وهو ما أكدته محكمة التعقيب من خلال القرار التعقيبي المدني عدد2007/16877 الصادر بتاريخ 31/03/2008. و إن رقابة القاضي لا تقتصر على التثبت من الصبغة الحقيقية لأسباب الطرد بل تتجاوز ذلك لتشمل التأكد من صبغتها الجدية .
الصبغة الجدية :
لقد إشترط المشرع أن يكون سبب الطرد جدي و ذلك صلب الفصل 14 ثالثا م.ش كما أسند للقاضي مهمة تقدير مدى جدية السبب من خلال الفصل 14 خامسا م.ش .
و لقد عرّف الفقه([4]) السبب الجدي بأنه السبب الذي يتسم بقدر من الجسامة و يتصف بنوع من الخطورة تستحيل معه مواصلة العلاقة الشغلية دون إلحاق ضرر بالمؤسسة، و بالتالي يصبح الطرد ضروريا لحماية هذه المصلحة ([5]) وهو أيضا السبب الذي يكتسي خطورة خاصة تجعل من المستحيل مواصلة العمل دون إلحاق ضرر بالمؤسسة مما يستوجب الطرد .
و بالتالي فإن السبب الجدي هو الذي يجعل من الطرد الحل المناسب للمحافظة على توازن و إستقرار المؤسسة، ويقتضي هذا الشرط أن يتجاوز القاضي مراقبة وجود الأفعال المنسوبة للعامل و مدى إقترافه لها، لتقدير ضرورة الطرد من عدمه مهما كانت الأسباب المثارة ([6])و لتوفر هذا السبب فإنه يشترط بعض الفقهاء([7])
أولا : الرابطة السببية : أي أن تكون الأفعال المنسوبة مرتبطة بالنشاط المهني للعامل، أما الأفعال التي تقع خارج الإطار المهني فليس لها تأثير ولو كانت هذه الأفعال مخلة بالأخلاق أو غير شرعية وقد ترتب عنها عقوبات جزائية ، إلا إذا كان لها تأثير خطير على الحياة المهنية للعامل تجعل مواصلة العمل مستحيلة .
ثانيا : أن تكون الأفعال المنسوبة للعامل يستحيل معها مواصلة عقد العمل . و لا بد من التمييز هنا بين الأسباب الجدية الشخصية التي تتعلق بشخص العامل وبين الأسباب الإقتصادية والفنية .
أما الأسباب المتعلقة بشخص العامل : فهي تلك المتصلة بالخطأ الفادح أو بوضعيته الشخصية مثل المرض و لم يعط هنا المشرع تعريفا قانونيا له كما لم يحصر بالتحديد قائمة لهذه الأسباب إذ يمكن أن يكون التقصير المتعمد و التهاون و إرتكاب الأخطاء الفادحة و الفاحشة سبب جدي للطرد و بالتالي هو كل سبب يؤدي إلى عرقلة سير نشاط المؤسسة و يلحق أضرارا غير مغتفرة و يؤدي إلى كسر صلة الود و الإنسجام و الثقة بين الأجير و المؤجر.
و بالتالي يكون الخطأ فادحا حسب الظروف التي تم فيها إرتكابها و بالنظر إلى طبيعة الشغل و حتى المميزات الشخصية للمؤجر ؛ فمؤجر يمكن أن يعتبر سبب ما جدي و موجب للطرد بينما مؤجر آخر يمكن أن لا يراه كذلك و يعتبر الخطأ الذي قام به العامل من قبيل الخطأ المغتفر .
و بالتالي فإن الأخطاء الفادحة يتم تكييفها كذلك ” حسب الظروف التي وقع فيها إرتكابها “.
وتبقى للقاضي سلطة تقدرية لتكييف الخطإ بالإعتماد على كل الظروف الموضوعية المتعلقة بالعمل و الذاتية المتعلقة بشخص العامل وبتدرجه وأقدميته المهنية .
ويبقى الخطأ الفادح مفهوما نسبيا يقدره القاضي حسب ظروف وملبسات كل حالة معروضة عليه مثلما أكدت ذلك محكمة التعقيب في عدة قرارات ومنها؛ القرار التعقيبي المدني عدد 2007-15607 مؤرخ في 14/01/2008 /القرار التعقيبي المدني عدد 2007-20244 مؤرخ في 04/02/2008 /القرار التعقيبي المدني عدد 2007-18858 مؤرخ في 24/03/2008.
وقد إستقر فقه القضاء على مبدأ جوهري وهو لابد من التناسب بين درجة الخطإ والطرد كعقوبة تأدبية .
وعموما فلقد تضمنت مجلة الشغل في إطار الفصل 14-4 جملة من الأخطاء المهنية التي تعتبر حسب الظروف التي أرتكبت فيها من الأسباب الجدية والحقيقية للطرد، و لقد أضيفت جملة هذه الأخطاء بموجب نتقيح 1994 وهي مأخوذة من بعض الإتفاقيات ومن بعض القوانين مثل قانون 5 أوت 1985 المتعلق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدواوين والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية ، وهذه المجموعة المتضمن أحدى عشر نوع من الأخطاء وردت على سبيل الذكر وليس الحصر([8]).
أما السبب الإقتصادي والفني فلم يوضح المشرع مفهومه؛ فهو السبب الذي ليس له إرتباط بشخص الأجير والناجم عن حذف أو تغيير مواطن الشغل والمترتب خاصة عن صعوبات إقتصادية .
ومبدئيا فإن السبب الإقتصادي والفني يتميز بعدم إقتران السبب بشخص العامل من جهة ([9])، ومن جهة أخرى فهو يتعلق بالظروف التي تمر بها المؤسسة كتصفية الشركة أو إيقاف النشاط، وبالتالي يكون السبب من شأنه أن يؤدي إلى حذف مواطن شغل قارة أو إدخال تعديلات جوهرية على شروط العمل داخل المؤسسة .
الفقرة الثانية : مراقبة إحترام الشروط الإجرائية للطرد :
تتمثل هذه الراقبة في إحترام الإجراءات الشكلية التي فرضها المشرع على المؤجر الذي يريد طرد أجيره دون أن يكون ذلك الطرد له صبغة تعسفية، ففي صورة الطرد لأسباب تأديبية (أ) فإنه تختلف إجراءات طرد العامل العادي عن طرد العامل الممثل للعملة .
وفي صورة الطرد لأسباب إقتصادية أو فنية ( ب ) فيجب حينئذ إتباع إجراءات محددة .
أ – الطرد لأسباب تأديبية :
عند العزم على القيام بطرد عامل إرتكب خطئ فادح لا بد من إحالته على مجلس التأديب ليأخذ ما يراه صالحا في شأنه و إسناد العقوبة المستوجبة والمنطبقة عليه ، و لا بد في البداية بعد العزم على الطرد من توجيه إعلام بالطرد إليه .
و تصنف العقوبات التأديبية حسب جسامة الخطأ المرتكب إلى عقوبات من الدرجة الأولى مثل الإنذار بنوعيه الشفاهي و الكتابي و التوبيخ و الإيقاف عن العمل لمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام و عقوبات من الدرجة الثانية مثل الإيقاف عن العمل لمدة لا تتجاوز سبعة أيام مع الحرمان من الأجر ثم التوقيف عن العمل لمدة تتراوح بين ثمانية أيام و ثلاثين يوما ثم إسقاط درجة ثم في النهاية العزل .
و يسبق الإحالة على مجلس التأديب القيام بعدة أعمال منها إستجواب العامل حول الخطأ الفادح الذي إرتكبه ثم القيام بعدئذ بإيقافه عن العمل لمدة لا تتجاوز شهر يحرم فيها من مرتبه ثم إعداد تقرير مفصل يوجهه المؤجر أو من يحل محله إلى مجلس التأديب الذي يضبط تاريخ إنعقاده في أجل أقصاه ثلاثة أيام ثم يتم إعلام الأجير بموعد جلسة التأديب قبل ثلاثة أيام و يمكن لأجير خلال هذه المدة تسلم نسخة من ملفه و نسخة من تقرير الإحالة الذي أعده مؤجره ثم عند إنعقاد المجلس يمكن لأجير تقديم تقرير مضاد لتقرير مؤجره أو من أحاله على المجلس و يمكن هنا للعامل الإستعانة بمن يراه صالحا للدفاع عنه مثل أحد العمال أو ممثل النقابة التي ينتمي إليها أو محام ويتم تدوين جلسة التأديب في محضر و توقيعه من قبل الأعضاء و تعليل رفض الإمضاء إن وجد و يتم تبليغ المؤجر بمقترح الطرد
و يتم بعدئذ توجيه قرار الطرد معللا إلى العامل بواسطة رسالة مضمونة الوصول و إذا كان العامل المطرود يمثل العمال فلا بد من عرض قرار الطرد على تفقدية الشغل التي تبدي رأيها في ذلك و يكون رأيها ملزما للمؤجر إذا كانت الأفعال المنسوبة للعامل المطرود غير مبررة و إذا عارض المؤجر ذلك يعتبر الطرد تعسفيا، أما إذا وافقت تفقدية الشغل على الطرد فعلى المؤجر القيام بإجراءات الإعلام بإنهاء العلاقة الشغلية بواسطة رسالة مضمونة الوصول .
أما التأديب الخاص بالمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية و التجارية الخاضعة لقانون 05/08/1985 فيكون من مشمولات إدارة المؤسسة بعد أخذ رأي اللجنة الإدارية المتناصفة، أما فيما يتعلق بالوظيفة العمومية فإن السلطة التأديبية تفوض من قبل الوزير المختص إلى إطار سام بالمؤسسة التابع لها الأجير بإستثناء قرارات العزل التي تبقى من مشمولات الوزير طبق الفصل 51 جديد من قانون 20 ديسمبر 1997 المنقح لقانون 1985 المذكور .
و قبل طرد العامل الأجير أو قبل تخلي هذا الأخير من تلقاء نفسه عن مقر عمله لا بد من القيام بإجراء أوجبه المشرع و الذي بدونه يمكن إعتبار أن الطرد تم بصفة تعسفية أو أن التخلي كان بصفة تعسفية كذلك وهو توجيه إعلام مسبق بإنهاء العمل .
و هذا التنبيه المسبق يكون من قبل أحد طرفي عقد العمل سواء العامل الأجير الذي لا بد عليه من القيام بإجراء التنبيه قبل تقديم الإستقالة أو سواء من قبل المؤجر و في كلتا الحالتين ينتهي عقد الشغل بإنتهاء أجل الإعلام .
و إن هذا التنبيه له دور هام خاصة في التفريق بين الطرد التعسفي و الطرد الشرعي على مستوى الإجراءات، كالتفريق بين التخلي عن العمل بطريقة تعسفية الذي يوجب التعويض لفائدة المؤجر و الإستقالة القانونية، و له أهمية كذلك لأنه يسمح لعامل بالبحث عن عمل جديد و تعتبر مدة التغيب فترة عمل فعلي لا توجب تخفيضا في الأجور و توابعها .
أما شكل الإعلام فيكون بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ مثلما أوجب ذلك المشرع صلب أحكام الفصل 14 مكرر م.ش و لا بد أن يتم بيان و شرح إما أسباب الطرد من قبل المؤجر الذي يعتزم طرد أجيره مثلما أكد على ذلك المشرع و إما اسباب التخلي من قبل العامل الذي يعتزم الإستقالة .
أما مدة الإعلام فهي شهر بالنسبة للأنشطة الخاضعة لمجلة الشغل التي حددتها الفصل 14 مكرر بعد أن أشارت مجلة الإلتزامات و العقود إلى مدة الإعلام دون تحديدها صلب الفصل 861 .أما بالنسبة للأنشطة الخاضعة لبعض القطاعات الأخرى فإن هذه المدة تختلف من قطاع لآخر حسب كل إتفاقية قطاعية مشتركة التي تحدد هذه المدة حسب أقدمية العامل أو حسب صنفه المهني أو حسب طبيعة العقد أو حسب طريقة خلاص الأجور بالشهر أو بالساعة . و بالنسبة للنشاط الفلاحي فإن أدنى مدة للإعلام بإنهاء العمل تساوي ثمانية أيام .
ب – الطرد لأسباب إقتصادية :
أوجب المشرع في إطار الفصل 21 و ما بعده من مجلة الشغل على المؤجر الذي يعتزم طرد عامل أو عدة عمال لأسباب إقتصادية أو فنية أن يقوم بتوجيه مطلب إلى تفقدية الشغل المختصة ترابيا يدعوهم لإجتماع لجنة مراقبة الطرد. عندئذ تقوم هذه اللجنة ببحث دقيق قبل الإجتماع ويحاول متفقد الشغل بإجراء الصلح لإقتراح حلول مجدية دون اللجوء إلى الطرد وذلك في ظرف 15 يوم و عند تعذر الصلح يعرض الملف على لجنة مراقبة الطرد التي تجتمع للغرض و تبدي رأيها في الطرد و صبغته التعسفية و رأيها في بعض المنح كمكافئة نهاية الخدمة و منحة الإعلام بالطرد إستنادا إلى أحكام مجلة الشغل أو الإتفاقيات القطاعية المشتركة و تحاول دائما التوفيق وتقريب وجهات النظر بين العمال و المؤجر و تحرر في النهاية محضر تسلمه لكافة الأطراف .
الفصل الثاني : إثبات الصبغة التعسفية للطرد :
لم يكن المشرع واضحا فيما يتعلق بالإثبات في المادة الشغلية سيما و أن النزاع المدني سلاحه الإثبات ([10])، و قد ترك المجال فسيحا لدور القاضي في ما يتعلق بالإثبات المحمول على كل طرف لإثبات ما يدعيه و بالتالي يبقي عبئ الإثبات محمولا على الطرفين ( الفقرة الأولى ) لكن التذبذب الحاصل فيما يتعلق بآراء المحاكم حول هذه المسالة جعل من الممكن الجزم بأن هناك إختلاف لم يقع حسمه بعد ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : حمل عبئ الإثبات على طرفي النزاع :
إن القانون الشغلي هو فرع متولد عن الأصل وهو القانون المدني، و إن القاعدة الأصولية في الإثبات بالنسبة للقانون المدني أن البينة على من إدعى و اليمين على من أنكر، لكن القانون الشغلي يتضمن إستثناء يتمثل في أن البينة يتقاسمها طرفي النزاع مع دفعهما من قبل القاضي سيما و أن حياده إيجابيا و ليس سلبيا، فمن واجب القاضي البحث عن الحقيقة حتى يكون حكمه مطابقا لها ([11]) لأن الأجير وهو الطرف الضعيف في الدعاوى الشغلية و لا يمكنه أن يثبت لوحده ما إدعاه من طرد تعسفي .
و بذلك جعل المشرع العبئ يتقاسمه طرفي الخصومة كما جعل دور القاضي يتسم بالحياد الإيجابي و يحث الأطراف المتنازعة على الإثبات لما يدعونه سواء من خلال المعاينات أو مراسلة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي أو غيره من المصالح المعنية و التي رأيها ينير سبيل القاضي لبلوغ الحقيقة أو من خلال البينة بالشهادة وصولا إلى أداء اليمين،
و في كل هذه المراحل فإنه له أن يقوم بأي عمل تحضيري أو مكتبي يساعده عن الكشف عن الحقيقة وهو ما جعل المشرع يحث على ذلك بأن منحه السلطة التقديرية لإبراز “مدى وجود الصبغة الحقيقية والجدية لأسباب الطرد و مدى إحترام الإجراءات القانونية أو التعاقدية المتعلقة به، و ذلك بناء على عناصر الإثبات المقدمة إليه من طرفي النزاع و يمكنه لهذا الغرض الإذن بإجراء كل وسيلة تحقيق يراها لازمة ” حسب أحكام الفصل 14 خامسا م.ش وهو ما أكدت عليه محكمة التعقيب في عدة قرارات و التي من بينها القرار التعقيبي المدني عدد 15530المؤرخ في 19 أفريل 2008 و الذي نصت فيه على أنه ” لما لم تستفرغ المحكمة جهدها في نطاق ما خوله لها المشرع صلب الفصل 14 خامسا من م.ش في البحث عن الأسباب الحقيقية و الجدي للطرد و لم تطالب بسماع بينة العامل رغم أن ذلك لا يشكل منها خرقا لأحكام الفصل 12م.م.م.ت. و إنتهت إلى إعتبار أنه لم يبرر غيابه يكون قرارها ضعيف التعليل” . لكن هذا الرأي غير مستقر و تبقى آراء المحاكم متذبذبة حول مسألة الإثبات .
الفقرة الثانية : تذبذب فقه القضاء و إختلافه حول مسألة الإثبات :
إن التطور الإقتصادي ألزم المشرع بالإقدام على تنقيحات على غاية من الأهمية في إطار مجلة الشغل و كان ذلك سنة 1994 و لكن منذ ذلك التاريخ بقي إتجاه فقه قضائي فيما يتعلق بإثبات واقعة الطرد التعسفي يميل إلى القانون العام المتمثل في الفصل 420 م.إ.ع و ما بعده الذي يحمل إثبات الإلتزام على القائم به
و بالتالي يكون العبء محمولا على الأجير الذي يدعي الطرد التعسفي وقد ذهبت محكمة التعقيب في هذا المنحى – رغم أنه غير واقعي و بعيدا على روح و مقصد المشرع من خلال الفصل 14 خامسا م.ش- و ذلك من خلال القرار التعقيبي المدني عدد 21619 المؤرخ في 13 ديسمبر 2002 و الذي ينص على أنه ” خلافا لما تمسك به نائب المعقب فإن إثبات الخطأ المبرر للإيقاف عن العمل يبقى محمولا على من إدعاه عملا بالفصلين 420 م.إ.ع و 14 خامسا م.ش و كذلك القرار التعقيبي المدني عدد 17969 المؤرخ في 29 نوفمبر 2002
و الذي ينص على أنه ” في غياب أحكام خاصة بعبء الإثبات في المادة الشغلية كان من المتعين إعتماد الأحكام القانونية العامة الواردة بالفصلين 420 و 421 من م.إ.ع و التي تعتبر القانون العام في مادة الإثبات و هذه الأحكام توجب على الأجير الذي يدعي الطرد التعسفي ويطالب بالغرم بناء على ذلك إثبات واقعة الطرد”.
لكن هذا التمشي يقابله آخر مضاد له و قد أخذت به عديد المحاكم و طبقته وهو المتمثل في أن إثبات وجود واقعة الطرد التعسفي من عدمها محمولة على المؤجر و تعتبر أن الأجير دائما حسن النية و طالما أثبت العلاقة الشغلية فإنه على المؤجر إثبات الطرد التعسفي و تعتمد على أحكام الفصل 560 م.إ.ع لأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت تعميرها كما تعتمد على الفصل 562 م.إ.ع عملا بالقاعدة القائلة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان و على من إدعى تغييره الإثبات،
و من ذلك عديد القرارات التعقيبية مثل القرار التعقيبي عدد 43239 المؤرخ في 27 جوان 1994 و القرار التعقيبي المدني عدد 17751 المؤرخ في 22 جانفي 1996، و إن هذا الإتجاه غلب مفهوم العدالة و الإنصاف حتى يعطي الأجير بعض المنح و الغرامات على أساس أنه الطرف الضعيف في العقد الذي يكاد يكون عقد إذعان و أن الأجير لا يمكن له أن يتخلى من تلقاء نفسه عن مقر عمله الذي هو مورد رزقه الوحيد و من يدعي ما يخالف ذلك عليه الإثبات وخالفت بذلك صراحة أحكام الفصل 420م.إ.ع .
و إن هذا التضارب الذي يؤثر على سلطة محكمة التعقيب في توحيد الآراء لا يزال متواصلا رغم صدور قرار تعقيبي مبدئي عن الدوائر المجتمعة عدد 62628 المؤرخ في 10 جوان 1999 الذي لم يضع حدا للخلاف القائم بل زاد في تعميق الحوار و النقاش القانوني.
إن الإتجاه يكاد يكون في السنوات الأخيرة يميل نحو تحميل طرفي النزاع عبء الإثبات سواء الأجير أو المؤجر و يكون الإثبات متعلقا بكل ما يكشف الحقيقة سواء العلاقة الشغلية بدايتها و إسترسالها أو سواء واقعة الطرد و مدى إتسامها بالصبغة التعسفية و إن هذا التمشي أقرب إلى روح التشريع الشغلي و إلى الواقع و بالتالي فهو التمشي و التحليل السليم و المنطقي، و إن هذا الأمر على غاية من الأهمية لأنه إذا تم إثبات أن الطرد يكتسي صبغة تعسفية فإنه سيتم على أساس ذلك تقدير غرامة الطرد التعسفي و تسقيفها.
الجزء الثاني : تقدير غرامة الطرد التعسفي و تسقيفها
وضع المشرع حدودا و قيودا و ضوابط جديدة منذ تنقيح 1994 فيما يتعلق بغرامة الطرد التعسفي ( الفصل الأول ) و ذلك من خلال تطبيق قاعدة التسقيف عند إحتسابها ( الفصل الثاني).
الفصل الأول : غرامة الطرد التعسفي :
لقد تم الحد من نفوذ القاضي بموجب تنقيح 1994 إذ أصبح ضبط الغرامة بحكم النص القانوني وذلك بإقصاء إرادة و رغبة القاضي، لتحل محلها إرادة المشــــرع في تقديــــر الغرامـــــــة (الفقرة الأولى) وتحديد مقاييس تقدير الضرر ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى: تقدير الغرامة :
حدد المشرع صلب الفصل 23 مكرر طريقة إحتسابها ( أ ) لتقتصر سلطة القاضي على تقدير التعويض بين الحد الأدنى والحد الأقصى فقط (ب) .
أ ـ كيفية إحتساب الغرامة :
سعيا لإكساب تقدير غرامة الطرد التعسفي المزيد من الموضوعية و تقليص الفوارق بين مقادير الغرامات المحكوم بها في الحالات المشابهة للطرد التعسفي يتضمن قانون 1994 جملة من الإقتراحات التي تتمثل بالخصوص في تحديد مقاييس أكثر دقة يقع إعتبارها عند تقدير الغرامة تتمثل أولا في الصفة المهنية للعامل و أقدميته بالمؤسسة و سنه و أجره و وضعيته العائلية و تأثير الطرد على حقوقه في التقاعد و مدى إحترام الإجراءات و ظروف الأمر الواقع، و ثانيا في ضبط حد أدنى و حد أقصى لمقدار الغرامة يجعله يتراوح بين أجر شهر و أجر شهرين من كل سنة أقدمية بالمؤسسة دون أن يتجاوز أجر ثلاث سنوات .
و من شأن التفاوت بين أجر شهر و أجر شهرين تمكين الحاكم من إعتبار الظروف التي وقع فيها الطرد و الوضعية الخاصة للعامل المطرود و أخذا بعين الإعتبار للمقاييس المذكورة . كما أن ضبط الحد الأقصى بأجر ثلاث سنوات يكون بالنظر إلى أقدمية العملة في المؤسسات التي أطردوا منها.
و يعتمد في تقدير الغرامة الأجر الذي يتقاضاه العامل عند إنتهاء العقد، لكن هذا التمشي غير منطقي إذ أنه في غالب الأحيان يعمد المؤجر إلى التخفيض التدريجي في الأجر الشهري للعامل تمهيدا للإقدام على طرده و في هذه الصورة لا بد من تدخل المشرع و تنقيح أحكام مجلة الشغل حتى يقع اللجوء إلى الأجر الأدنى المضمون قانونا سواء بموجب الإتفاقيات القطاعية المشتركة أو بالنصوص الترتيبية الأخرى كالأوامر و القرارت و ذلك عندما لا يحترم المؤجر سقف الأجر الأدنى القانوني عند الطرد التعسفي .
إن تحديد مقدار غرامة الطرد التعسفي يختلف حسب عدة ضوابط و حسب طبيعة العقد كذلك إذ أنه في بعض الأحيان تكون غرامة الطرد التعسفي في العقد محدد المدة أرفع من غرامة الطرد التعسفي في العقد غير محدد المدة لأن المشرع أوجب بالفصل 24 م.ش على أنه ” تقدر الغرامة المستحقة عن القطع التعسفي لعقد الشغل المبرم لمدة معينة من طرف المؤجر بمبلغ يساوي أجر ما تبقى من مدة العقد أو أجر ما تبقى لو وقع إتمام العمل “، وبالتالي فإن هذا التحديد القانوني يحد من سلطة القاضي .
ب ـ سلطة القاضي بين الحدين الأدنى والأقصى :
رغم أن المشرع قد حد و ضيق من مجال إجتهاد القاضي عندما إعتمد التسقيف بين الحد الأدنى و الحد الأقصى، إلا أن ذلك لا يعني إقصاء إجتهاد القاضي الشغلي تماما في ضبط الغرامة ، بل يمكن أن يكون سبب ذلك ضرورة الوضع الإقتصادي من جهة و من جهة أخرى التوصل إلى نوع من الدقة في إحتسابها ضرورة وأن ذلك من مبادئ العدل والإنصاف و إرجاع الحقوق لأصحابها و إن كانت هذه الحقوق المتحصل عليها لا تساوي ما يصيب الأجير من هول فاجعة الطرد في غالب الأحيان،
إضافة إلى توحيد آراء المحاكم و تشابه و تقارب أحكامها عن الحكم بالتعويضات لأن المحاكم قبل تنقيح 1994 كانت تعتمد على مبادئ القانون العام أي أحكام مجلة الإلتزامات و العقود عند التعويض و جبر الأضرار الحاصلة للأجير جراء الطرد التعسفي و أن هذا الأمر قد تغير بعد تنقيح 1994 وهو ما أكده المشرع صلب الفصل 23 مكرر الذي نص ” يقع جبر الضرر في حالة الطرد التعسفي بغرامة يتراوح مقدارها بين أجر شهر و أجر شهرين عن كل سنة أقدمية بالمؤسسة …” و لكن في هذا الصدد يطرح التساؤل إذا تجاوز الأجير أجل السنة بشهر أو شهرين فهل يقع إحتسابها سنة ثانية كاملة أم لا يتم إحتساب هذه المدة التي فاقت السنة ؟
إن هذا التساؤل إختلفت في تأويله و تطبيقه محاكم الأصل و حتى محكمة التعقيب لو طرح عليها ذلك و هو ما يؤدي إلى القول أن المشرع عندما قام بتنقيحات جوهرية سنة 1994 و كان من بين أهدافه الدقة و الوضوح غفل عن عدة هنات تسربت إلى التنقيح الجديد حينها مثل المثال المذكور مما ترك باب الإجتهاد مفتوحا على مصراعيه لدى المحاكم بمختلف درجاتها و حتى دوائر محكمة التعقيب التي تتجدد تطبيقاتها و قراءاتها عبر مر السنين لنفس النصوص القانونية التي تؤدي إلى بعض التأويلات و بالتالي فإنها تستدعي ضرورة التدخل من المشرع لإعادة تنقيحها حتى يتم إحكام تطبيق النصوص القانونية و الحد من التأويلات التي تكون في بعض الأحيان متضاربة سيما لدى محكمة التعقيب التي تعتبر محكمة قانون و هدفها توحيد الآراء القانونية وحتى يتم على ضوء ذلك حسن ضبط مقاييس تقدير منح غرامات الضرر الناجم عن الطرد التعسفي .
الفقرة الثانية : مقاييس تقدير الضرر
لئن كان تدخل المشرع بالتنقيح الجوهري لمجلة الشغل سنة 1994 و كان أبرز ما في هذا التنقيح هو الحد من حرية إجتهاد القاضي في ما يتعلق بغرامات الطرد الذي يكتسي صبغة تعسفية، إلا أن ذلك لم يكن مطلقا بل أنه ترك له حيزا من الإجتهاد من خلال تكريس قاعدة التسقيف و ذلك بالإعتماد على أساس عناصر موضوعية ( أ ) وعناصر ذاتية ( ب ) .
أـ العناصر الموضوعية
تتعلق هذه العناصر أولا بإختصاص العامل المهني، إذ يختلف التقدير بين العامل المختص والعامل العادي والإطار، أي بمعنى آخر يختلف التقدير بين عمال التنفيذ و عمال التسيير و الإطارات، ثانيا بأقدمية العامل الذي قضى مدة تختلف و تؤثر على مبالغ التعويض فيمكن أن تكون مدة وجيزة كما يمكن أن تكون ممتدة على سنوات قضاها العامل في المؤسسة التي أفنى فيها عمره و قدم من جهده و صحته لفائدة المؤجر الذي جنى أموالا طائلة، ، ثالثا بالأجر كمعيار لتحديد الغرامات و المنح إذ أن المشرع أقر إعتماد قاعدة آخر أجر لإحتساب المنح و الغرامات .
رابعا تأثير الطرد على جراية التقاعد إذ يختلف التعويض في ما إذا كان العامل إقترب من سن التقاعد أم لا يزال بعيدا، وأخيرا صورة إحترام إجراءات الطرد، و خاصة وقوع الطرد التعسفي لعدم إحترام الإجراءات أو لعدم وجود سبب حقيقي وجدي يبرره .
ب ـ العناصر الذاتية
تتعلق هده العناصر بسن العامل إن كان صغيرا أم مسنا و إن كان له آباء أم لا و حالته الإجتماعية إن كان متزوجا أم أعزب و إن كان له أبناء و عددهم لأن ذلك له تأثير كبير على التعويضات المالية عند الطرد التعسفي و المتمثلة أساسا في الغرامات و المنح، فبعض الإتفاقيات الإطارية تمنح مبالغ عن الولادة مثل عطلة الولادة التي تختلف إن كان العامل رجل أم إمرأة كما تمنح أجر خالص في صورة الوفاة للأصول أم الزوجة أو الفروع .
الفصل الثاني : التسقيف بين الحد الأدنى و الأقصى لغرامة الطرد
منذ تنقيح 21 فيفري 1994 الذي وضع سقفا لمختلف الغرامات والمنح المنجزة عن هذا الطرد أصبح جليا أن هذا التسقيف قد حمل في طياته مساسا بحقوق العمال لأنه أتاح للمؤجرين حظوظا وافرة للإلتجاء إلى الطرد، و قد ضبط المشرع هذه المنح و الغرامات بالفصل 23 جديد م.ش وهي منحة عدم الإعلام بالطرد ومكافأة نهاية الخدمة وغرامة الطرد التعسفي و التي يمكن تصنيفها بحسب نوع هذا الطرد إن كان مترتبا عن عدم إحترام الإجراءات الشكلية (الفقرة الأولى) أو لعيب متعلق بالأصل (الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى: الطرد التعسفي لعدم إحترام الإجراءات الشكلية :
عندما يتم الطرد في هذه الصورة فإن الأجير يمكن له أن يتمتع بمنحة عدم الإعلام بالطرد (أ)، وغرامة الطرد التعسفي لعدم إحترام الإجراءات (ب)
أ ــ منحة عدم الإعلام بالطرد:
لقد أقر المشرع في إطار الفصل 14 مكرر م.ش أنه على طرفي عقد الشغل إذا أراد أحدهما قطعه من جانب واحد الإعلام بالطرد برسالة مضمونة الوصول في أجل لا يقل عن شهر من إنهاء العقد ، أما الفصل 16 من الإتفاقية الإطارية المشتركة نص على أن أجل الإعلام بإنهاء العمل يقع ضبطه بالنسبة لكل فرع من فروع النشاط ضمن الإتفاقيات المشتركة القطاعية و التي نجد بها أن أجل الإعلام بالطرد يتراوح بين شهر و ثلاثة أشهر،
فبالنسبة لعملة التنفيذ شهر وبالنسبة لأعوان التسيير شهرين و بالنسبة للإطارات ثلاثة أشهر، و إن الإلتزام بشكلية معينة وهي الإلتزام بالإعلام تعتبر ضمانا لحقوق العامل، فشكل الطرد منظما قانونا بواسطة الإعلام([12]).و إن الهدف الأساسي و الرئيسي من هذا الإعلام المسبق هي تجنب القطع المفاجئ للعلاقة الشغلية من خلال تمكين العامل من البحث عن عمل جديد لأنه مرخص له قانونا في التغيب كامل النصف الثاني من أجل الإعلام للبحث عن عمل جديد، و في صورة عدم مراعاة واجب أجل الإعلام فإن الأجير يستحق منحة تساوي الأجر الفعلي المقابل لهذه المدة، و رغم أهمية هذه المنحة فإنها تبقى غير معتبرة نظرا للحد المتدني للأجور سيما في بعض القطاعات .
ب- غرامة الطرد التعسفي لعدم إحترام الإجراءات :
لقد أدخل المشرع تجديدا بموجب تنقيح 1994 فيما يخص التعويض لعدم إحترام الإجراءات، فلم يكن يفرّق بين الطرد الواقع لعدم وجود سبب حقيقي و جدي يبرره و الطرد لعدم إحترام الإجراءات، فكان كلما تبين للقاضي أن المؤجر قد خرق إحدى الإجراءات القانونية أو التعاقدية يصرح بأن الطرد يكتسي صبغة تعسفية و يجتهد في تحديد غرامة الطرد التعسفي .
إلا أن هذا الوضع قد تغير بموجب التنقيح الجديد لمجلة الشغل حيث نص الفصل 23 مكرر م.ش على ” أنه في الحالة التي يتبين فيها أن الطرد وقع لوجود سبب حقيقي و جدي و لكن دون إحترام الإجراءات القانونية أو التعاقدية فإن مقدار الغرامة يتراوح بين أجر شهر و أجر أربعة أشهر . و يقع تقدير الغرامة حسب طبيعة الإجراءات و تأثيرها على حقوق العامل “.
و بالتالي فقد أصبح المؤجر في حماية من التعرض لدفع تعويضات و غرامات مشطة في صورة عدم إحترامه للإجراءات، كما أنه أصبح يعلم مسبقا أن خرق هذه الإجراءات سوف لن يكلفه أكثر من أجر أربعة أشهر في أقصى الحالات([13]).
و بمقتضى هذه القيمة المالية المحددة أصبح بإمكان المؤجر أن يطرد عملته دون أخذ رأي مجلس التأديب ( في صورة الطرد التأديبي ) أو دون إنتظار رأي لجنة مراقبة الطرد ( في صورة الطرد لأسباب فنية أو إقتصادية ) .
وفي مقابل ضبط المشرع لسقف هذه الغرامة بأربعة أشهر كحد أقصى عندما يتعلق الأمر بطرد تعسفي يمارسه المؤجر من دون إحترام الإجراءات ، فإنه سكت عن ضبط مقدارها إذا تعلق الأمر بقع العلاقة الشغلية من قبل الأجير بصورة تعسفية، ( أي دون إحترام إجراءات الإعلام المسبق ) وهو ما يجعل المؤجر يقوم بتأسيس دعواه في التعويض بناء على قواعد القانون المدني وخاصة منها قاعدة الفصل 278 م.إ.ع التي تقر بتعويض كامل تتماشى قيمته مع قيمة الضرر الحاصل.
وإن هذا الأمر يتأكد لنا معه تراجع المشرع، منذ تنقيح 1994 لمجلة الشغل، عن حماية الأجير و إنحيازه لفائدة المؤجر و تقوية لموقعه و مركزه بإعتبار أنه من ناحية يقر للعامل بسقف محدد قانونا بأربعة أشهر كحد أقصى للتعويض لا يمكن تجاوزه مهما بلغت قيمة الضرر الفعلي ، ومن ناحية أخرى يسمح للمؤجر بالإستناد إلى قواعد القانون المدني للحصول على تعويض كامل في صورة حصول ضرر له، و ذلك سعيا وراء دفع النمو الإقتصادي و التشجيع على الإستثمار وحفز المبادرة الإقتصادية حتى و إن كان ذلك على حساب العامل الأجير الطرف الضعيف الذي يمثل الفئة الكادحة، و إن هذا الأمر يستدعي التدخل من المشرع لتنقيح هذه الثغرة .
الفقرة الثانية : الطرد التعسفي لعيب في الأصل :
إن عدم مشروعية الطرد تمثل الأصل و إن عدم إحترام جملة الإجراءات الواجب إتباعها يخول للأجير المطالبة بغرامة الطرد لغياب سبب حقيقي وجدي (أ) وكذلك مكافأة نهاية الخدمة (ب) .
أ ـ غرامة الطرد التعسفي لغياب سبب حقيقي وجدي
” يقع جبر الضرر في حالة الطرد التعسفي بغرامة يتراوح مقدرها بين أجر شهر وأجر شهرين عن كل سنة أقدمية بالمؤسسة على أن لا تتجاوز هذه الغرامة في جميع الحالات أجر ثلاث سنوات …” و ذلك حسب مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 23 مكرر جديد م.ش، و بالتالي فقد أصبحت هذه الغرامة تقدر بحد أدنى يتراوح بين أجر شهر وأجر شهرين عن كل سنة أقدمية بالمؤسسة وحد أقصى لا يمكن أن تتجاوز فيه هذه الغرامة أجر ثلاث سنوات وذلك مهما كانت قيمة الضرر الحاصل للأجير من جراء الطرد وهو ما يتعارض مع مبدأ التعويض العادل الذي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا وجد تناسب بين مدى أهمية الضرر وقيمة مبلغ التعويض،
و بالتالي فإن هذا التحديد لمبلغ التعويض بين حدين أدنى و أقصى يمثل تراجع للنزعة الحمائية في قانون الشغل بالنسبة للأجير و بالتالي لم يعد بالإمكان للعامل منذ تنقيح 1994 أن يطلب التعويض على أساس الفصل 107 أو الفصل 278 من مجلة الإلتزامات والعقود، فلا إعتبار لما تلف حقيقية أو ما نقص من المال أو فات من الربح ولا لما يصرف لتدارك الفعل الضار و بالتالي و حسب مبدأ التسقيف المعتمد أصبحت غرامة الطرد التعسفي بالمقارنة مع القانون القديم لا تتأثر بالضرر أو الخطإ أو بأي معيار آخر إلا بقدر ضئيل([14]) .
وفي هذا الإطار يمكن القول أن المشرع منذ تنقيح 1994 حدد قيمة الغرامات الواجبة عند التعويض جراء الطرد التعسفي بين حد أقصى و حد أدنى و لم يتركها خاضعة لأحكام مجلة الإلتزامات و العقود عند التعويض عن الخسارة وهو سلاح في صالح المؤجر الذي يعرف منذ البداية و بصفة مسبقة مقدار الغرامات التي سيعوضها للأجير عند طرده تعسفيا و أن أقصى حد لهذه التعويضات هو أجر ثلاث سنوات وهو أمر صعب المنال لأن الأجير مطالب بالعمل مدة تقارب ستة و ثلاثون عاما و في أحسن الحالات ثمانية عشر عاما([15]).
و قد ضبط المشرع الحد الأدنى للحصول على الغرامات بسنة عمل على الأقل صلب الفصل 23 مكرر جديد من م.ش وهو ما يمكن القول معه أن التعويض ليس آليا بل أنه يبقى خاضعا لعدة شروط منها شرط المدة الزمنية المقضاة بالمؤسسة .
كما أضاف المشرع بالفصل 24 جديد م.ش شرطا آخر يتعلق بالعقد محدد المدة وهو أن التعويض لا يتسلط إلا على المدة المتبقية من العقد كما لو كان الأجير قد أتم تنفيذه إلى إنتهاء مدته .
إن هذه الشروط تبقى مجحفة بالنسبة للأجير و تمثل إنتصارا للأجراء و الأعراف عموما وهو ما يعكس السياسة الحمائية و التوجيهية للدولة في آن واحد و ذلك من أجل التشجيع على الإستثمار وجلب المستثمرين و إغرائهم بهذه التشاريع على حساب حقوق الأجير و الشغالين و العمال عموما.
ب- مكافئة نهاية الخدمة :
لقد تحدث المشرع عن هذه الغرامة بالنسبة للطرد الفردي في إطار الفصل 22 جديد م.ش عندما أكد أن ” كل عامل مرتبط بعقد لمدة غير معينة وقع طرده بعد إنقضاء فترة التجربة يستحق فيما عدا صورة الخطا الفادح مكافاة نهاية الخدمة ” . أما بالنسبة للطرد الجماعي فقد أورد ذلك المشرع بالفصل 21-10 م.ش المتعلق بالطرد لأسباب إقتصادية أو فنية و كذلك الفــــــــــــصل 371 م.ش المتعلق بهذه الغرامة عند الطرد التعسفي الحاصل في القطاع الفلاحي .
و إن تسمية هذه الغرامة ب “مكافئة” في غير محله فالطرد يبقى طردا و التعسف في إستعمال الحق من قبل المؤجر يبقى مخالفة للقانون و لا فائدة من المشرع في تلطيف العبارات فالطرد هو على الدوام فاجعة ترسي بظلالها الثقيل و المؤرق على كاهل الأجير حتى و إن نعتت بأجمل الأوصاف، و يبقى بالتالي الطرد التعسفي طردا يستحق غرامة و ليس مكافئة تحمل في طياتها و رنين ألفاظها معاني البشرى بالجائزة .
إن هذه المكافئة لا تمثل أجرا و لا تمثل منحة بقدر ما تعتبر غرامة لصالح الأجير جراء طرده تعسفيا، و لقد حدها المشرع إضافة إلى تحديدها من حيث السقف الأدنى و الأقصى بشرط مجحف ، و في ذلك لحماية للمؤجر، يتمثل في أنه لا يستحقها إلا العملة المرتبطين مع مؤجرهم بعقد غير محدد المدة و هو ما يؤدي بالقول أن العمال المرتبطين بعقود محددة المدة و الواقع طردهم قبل إنهاء المدة المتفق عليها لا يستحقونها، إضافة إلى ذلك فهناك شرط آخر يتمثل في إنقضاء فترة التجربة و قد نظم المشرع بعد تنقيح 1994 فترة التجربة تنظيما ليس في صالح الأجير؛
إذ أصبحت مدة التجربة ستة أشهر بالنسبة لأعوان التنفيذ و تسعة أشهر بالنسبة لأعوان التسيير و سنة كاملة بالنسبة للإطارات مع إمكانية تجديد هذه المدد مرة واحدة . و لقد تضاعفت فترة التجربة منذ تنقيح 1994 مرة أو أكثر حسب صنف العامل، بعد أن كانت قبل التنقيح محددة بثلاث أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة لجميع أصناف العملة .
إن في تشديد المشرع و إكثاره من شروط إستحقاق هذه “المكافئة” يعتبر حدا لحماية العامل الأجير الطرف الضعيف و إنتصارا لفائدة الأعراف و ذلك تشجيعا للنمو الإقتصادي على حساب الطبقة الضعيفة ، وهو ما يؤدي بنا إلى القول أن تنقيح 1994 لمجلة الشغل لم يكن بالمرة في صالح الأجير الذي يمكن له أن يقضي عشرات السنين من عمره يعطي المؤسسة من جهده صحته و طاقته المادية و المعنوية ثم يفاجأ في النهاية بطرده بصفة تكتسي صبغة تعسفية و يعوض له عندئذ بمبلغ مالي متواضع و زهيد و ضئيل، و مهما يكن قدره و قيمته فإنه لن يعوض العامل عن الصدمة النفسية و الإجتماعية التي يتسبب له فيها([16])
و يزداد الأمر سوءا عندما يحدد في بعض الغرامات و المنح مقدارها بين أجر شهر و أجر شهرين عن كل سنة أقدمية بالمؤسسة على أن لا تتجاوز أجر ثلاث سنوات في صورة الطرد التعسفي لعدم وجود سبب حقيقي و جدي يبرره، أما إذا كان الطرد التعسفي واقع لوجود خلل في الإجراءات فتكون الغرامة تتراوح بين أجر شهر و أجر أربعة أشهر مهما كانت أقدمية العامل، و لا يمكن الجمع بين الغرامتين في كلتا الحالتين .
كما أن تنقيح 1994 شدد و ضيق أكثر من حرية القاضي في الإجتهاد و جعله مقيدا بعدة شروط و خاصة بحد أدنى و حد أقصى وإن خالف ذلك يكون حكمه معرضا للنقض ([17]).
الـخـاتـمـــــة
إن الطرد التعسفي في قانون الشغل يبقى فاجعة تصيب الأجير الذي يقضي السنين الطوال في خدمة مؤجره و يقدم له من طاقاته و جهده ثم دون سابق إنذار أو إعلاه يقطع له مورد رزقه و مصدر قوته، و رغم أهمية هذه الفاجعة فقد تدخل المشرع سنة 1994 و قام بتنقيح جوهري لمجلة الشغل إلا أنه كان في إتجاه الحد من السلطة التقديرية للقاضي عند إحتساب مستحقات الأجير من منح و غرامات، و تقوية نفوذ الأجراء و الأعراف على حساب فئة العمال الكادحين و كان هذا التنقيح عموما يرمي إلى تشجيع التنمية و حفز المبادرة الإقتصادية.
كما أن هذا التنقيح لم يخلو من بعض الثغرات التي يجب على المشرع التدخل لتنقيحها حتى تكون هناك ضوابط أكثر دقة لضمان إيصال الحقوق إلى أصحابها .
و إن أحكام مجلة الشغل لئن أصبحت بعد التنقيح الجوهري لسنة 1994 في إتجاه حماية الأجراء على حساب العمال إلا أن تطور النسيج الإقتصادي و توفير مواطن الشغل يمكن أن يحد من السلبيات ويجعل الحصول على موطن شغل جديد سهل المنال بالنسبة للأجير الذي تم طرده تعسفيا بدون وجه حق قانوني و الذي تحصل على تعويض عادل للأضرار التي لحقته .
16 يوليو، 2018 at 1:27 م
thank you
http://www.ju.edu.jo
2 أكتوبر، 2018 at 11:12 ص
هل يعتبر امضاء العامل بعقد محدد المدة بعد ان كان عامل قار هو تخلي عن االترسيم
7 فبراير، 2020 at 2:18 ص
لقد تفاجاة بقرار نقلي من عملي من مساكن الى الشبيكة معتمدية القيروان ذات صباح حين مباشرة عملي مع العلم اني اقيم بسوسة فرفضة فتم طردي مباشرة مع العلم اني اشتغل في هذه المؤسسة منذ 8سنوات، الرجاء ما هي حضوضي في هذه القضية وشكرا