دور المحكمة الاتحادية بعد الانتخابات
سلام مكي
في الوقت الذي تنشغل الكتل الفائزة بالانتخابات، بمفاوضات تشكيل الكتلة النيابية الأكبر لتشكيل الحكومة ورسم ملامح العملية السياسية في الأربع سنوات القادمة، ثمة حراك برلماني واسع لغرض النظر بالخروقات الكثيرة التي رافقت العملية الانتخابية، وبالفعل، فقد قرر البرلمان إعادة العد والفرز يدويا بنسبة 10% وإلغاء نتائج انتخابات المشروط (النازحين) والخارج، وهو ما دعا رئاسة الجمهورية الى مخاطبة المحكمة الاتحادية لبيان رأيها بشأن مدى دستورية تلك القرارات، على اعتبار ان أي مخالفة في العملية الانتخابية، تتم معالجتها وفقا للآليات التي رسمها قانون المفوضية.
باعتبار ان البرلمان مارس دورا خارج اختصاصاته، إضافة الى ان تلك القرارات تعد خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات. وبالعودة الى النصوص الدستورية المنظمة لعمل المحكمة الاتحادية، نجد ان المادة93 أولا بينت ان المحكمة تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
وان تلك الرقابة تتم وفقا للآلية التي رسمها النظام الداخلي للمحكمة رقم 1 لسنة 2005 في المادة6 منه التي نصت على انه في حالة طلب مدع الفصل في شرعية قانون او قرار تشريعي او تعليمات، فيقدم بدعوى مستوفية للشروط المنصوص عليها في قانون المرافعات.. في حين ان رئاسة الجمهورية قدمت طلبا للمحكمة لبيان رأيها في شرعية إجراءات مجلس النواب بخصوص الانتخابات. وبعد البت في الشكاوى والطعون المقدمة من قبل المتضررين من اعلان نتائج الانتخابات، فإن دور المحكمة الاتحادية يكون على مرحلتين، الأولى: قبل انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، وحسب الفقرة سابعا من المادة93 هي المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة، أي بمعنى النتائج التي ترد من المفوضية بعد الانتهاء من النظر في الطعون والشكاوى. اما المرحلة التالية، فتتمثل بما نصت عليه المادة52 من الدستور في الفقرة الأولى والثانية، حيث بينت: يبت مجلس النواب في صحة عضوية أعضائه خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسجيل الاعتراض بأغلبية ثلثي أعضائه. والفقرة الثانية: يجوز الطعن في قرار المجلس امام المحكمة الاتحادية العليا خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره. ان مفهوم صحة العضوية، يشير الى سلامة الإجراءات التي تم بموجبها وصول النائب الى البرلمان، بدءا من تحقق شروط الترشيح الى البرلمان، مرورا بحصوله الى الأصوات التي تؤهله للحصول على معقد نيابي وانتهاء بمصادقة المحكمة الاتحادية على اسمه، ليكون بعد ذلك نائبا في البرلمان.
ومن الملاحظ ان الدستور، منح مجلس النواب، حق البت بصحة العضوية قبل اللجوء الى المحكمة الاتحادية، فبعد وجود الاعتراض المقدم على صحة عضوية احد الأعضاء، وهنا لم يحدد الدستور الجهة التي لها الحق في تقديم الاعتراض، مما يعني ان بإمكان المتضرر من نتائج الانتخابات تقديم الاعتراض الى البرلمان، بشأن أحقيته في الوصول الى البرلمان، وهنا ينظر البرلمان بدوره بذلك الاعراض، خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسجيله. ونرى ان هذا الطريق سياسي اكثر منه قانوني، حيث ان التصويت لصالح الاعتراض او عدمه، مسألة خاضعة لقناعة النواب، وليس وفقا لوقائع وبينات قانونية، كما في المحكمة الاتحادية التي يأتي دورها بعد التصويت بصحة عضوية النائب الذي تم الاعتراض على صحة عضويته من قبل الآخرين. والمحكمة تصدر حكمها بناءً على ما يقدمه الطرف الخاسر من أدلة وبينات ومستندات تثبت صحة ادعائه وعدم صحة قرار مجلس النواب.
ان المهام الجسيمة التي منحها الدستور للمحكمة الاتحادية، تعني بالضرورة ان السلطة القضائية تمارس دورا فاعلا في رسم السياسة العامة للدولة، من خلال تصحيح الأخطاء التي تقع فيها باقي السلطات، وصولا الى قوانين وقرارات تطابق الدستور وتقترب من الغاية الأساسية من تشريعها. وبهذا، فأن المحكمة الاتحادية تمارس دور الراعي الأول للنظام في العراق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً