حجية العقود الإلكترونية
أولاً – التوقيع الإلكتروني وأشكاله
تعريف التوقيع الإلكتروني: عرفت المادة الأولى لقانون التوقيع الإلكتروني المصري (فقرة ج) التوقيع الإلكتروني بأنه «ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها ويكون له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره(1). وعرفته المادة الأولى من قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية الاتحادي الإماراتي بأنه «توقيع مكون من حروف أو أرقام أو رموز أو صوت أو نظام أو معالجة ذي شكل إلكتروني وملحق أو مرتبط منطقياً برسالة إلكترونية بنية توثيق أو اعتماد تلك الرسالة(2).
ومن خلال ما سبق من التعريفين السابقين يمكن لنا أن نحدد الغرض من التوقيع وأهم سماته وهي:
1- يهدف التوقيع الإلكتروني إلى التثبت من الشخص الموقع وتحديد هويته بدقة حتى يتسنى اعتماد معاملته إلكترونياً.
2- التوقيع الإلكتروني يكون على دعائم إلكترونية مشفرة ويؤدي مهمة التوقيع الكتابي إثباتاً وحجية؛ حيث إنه يحدد شخصية الموقع بوضوح.
3- لا يتخذ التوقيع الإلكتروني شكلاً واحداً؛ فقد يكون إشارات أو أصوات إلكترونية أو حروف أو أرقام أو غيرها مما يستجد؛ حيث فتح تعريف التوقيع الإلكتروني المصري المجال لذلك.
4- صاحب التوقيع هو فقط من يعرفه، لأنه يحتوي على رموز أو شفرات لا يعلمها إلا هو(3).
يهدف التوقيع الإلكتروني إلى التثبت من الشخص الموقع وتحديد هويته بدقة حتى يتسنى اعتماد معاملته إلكترونياً
صور التوقيع الإلكتروني:
كما يأخذ التوقيع العادي أشكالاً متعددة كالإمضاء الكتابي والبصمة والخاتم الخاص، تتنوع صور التوقيع الإلكتروني، ومنها ما يلي:
أولاً – التوقيع الرقمي: وهو «رقم سري أو رمز سري ينشئه صاحبه باستخدام برنامج حاسوبي ينشئ دالة رقمية مرمزة لرسالة إلكترونية يجري تشفيرها بإحدى خوارزميات المفتاح العام والمفتاح الخاص»(4)، والمفاتيح العامة هي التي تسمح لكل من يهتم بقراءة الرسالة أن يقرأها دون إدخال أي تعديلات عليها، فإن وافق عليها وضع توقيعه من خلال مفتاحه الخاص، وعندئذ تعود الرسالة ذاتها إلى المرسل مذيلة بالتوقيع(5)، وعمل هذا التوقيع يتم من خلال معادلات رياضية تحول النص المكتوب من مقروء إلى إشارات أو رموز غير مفهومة، ولا يملك أحد أن يعيدها إلى الشكل الأول المقروء إلا الشخص الذي يملك المفتاح الخاص بالتشفير، وهذه الصورة من أهم صور التوقيع الإلكتروني لكونها تحدد هوية الأشخاص تحديداً دقيقاً مضافاً إليه درجة الثقة والأمان الكبيرين في التعامل بها(6)، وقد يطلب العملاء تسجيل التوقيع الرقمي لدى جهات مختصة بإصدار هذا النوع، وتعطي شهادات تفيد صحة هذا التوقيع بما يملكون من برامج تشفير وأجهزة خاصة بذلك، ويتم صياغة الوثيقة في شكل حروف أو أرقام ومعادلات من 8 إلى 25 حرفاً ورقماً(7).
ثانياً – كتابة الرسالة الإلكترونية مذيلة باسم المرسل: يمكن أن تصدر الرسالة مطبوع عليها اسم من أرسلها أو ما يدل على شخصيته مثل طباعة الاسم والعنوان أسفل الرسالة أو الوثيقة الإلكترونية كالبريد الإلكتروني مثلاً(8).
ثالثاً – القلم الإلكتروني: يمكن من خلال القلم الإلكتروني باستخدام برنامج معين الكتابة على شاشة الكمبيوتر، ويؤدي هذا البرنامج وظيفتين؛ إحداهما التقاط التوقيع، والثانية التحقق من صحته، وإمكانية ذلك بتلقي بيانات العميل الموجودة على بطاقة خاصة به ثم توضع في الآلة المستخدمة التي تقوم بدورها بإظهار التعليمات على الشاشة، ويقوم الشخص باتباعها، وبعدها تظهر رسالة مطالبة إياه بالتوقيع باستخدام قلم على مربع داخل الشاشة فيقوم البرنامج بقياس خصائص التوقيع المميزة كالحجم والشكل والخطوط والالتواءات، وبعد ذلك يقوم بالضغط على مفاتيح معينة تظهر له على الشاشة بأنه موافق على هذا التوقيع، فإن تمت الموافقة تخزن هذه المعلومات عن طريق برنامج خاص، ويأتي الدور الثاني بعد ذلك بالتحقق من صحة التوقيع بالمقارنة بهذه المعلومات المخزنة ليعطي جهاز الكمبيوتر إشارته بصحة التوقيع من عدمه(9).
رابعاً – نقل التوقيع الإلكتروني عن طريق المسح الضوئي: وهو عبارة عن استخدام الماسح الضوئي (SCANNER) لنقل التوقيع المحرر بخط اليد إلى الملف المراد إضافة التوقيع عليه لإعطائه الحجية(10)، وهو شكل من أشكال التوقيع الإلكتروني يؤخذ به على نطاق واسع لإصدار الوثائق والمعاملات القانونية لشخصيات ذات اعتبار قانوني، كما هو الشأن في إصدار العملة النقدية والرخص وبطاقات الهوية وجوازات السفر، وهو وسيلة مرنة توفر الوقت والجهد باستخدام التوقيع العادي بشكل إلكتروني، إلا أن هذه الطريقة تحتاج لأجهزة خاصة للقيام بهذا الأمر، كما أن المشكلات قد تثار بشأن ما إذا كان هذا التوقيع مقصوداً به هذا المحرر، أو أن المرسل إليه احتفظ بنسخة من هذا التوقيع وأعاد وضعها على وثائق أخرى عبر وسيط إلكتروني مدعياً أن من وضعها هو صاحب التوقيع الفعلي مما يؤدي لمشكلة في الاعتراف بحجية التوقيع بهذه الصورة(11).
خامساً – التوقيع الإلكتروني باستخدام الخواص الذاتية: الخواص الذاتية للإنسان ما أودعه الله فيه ولا تتشابه مع غيره كبصمة الإصبع والعين والصوت؛ حيث يتم الحصول على هذه الخواص وتخزن على جهاز الكمبيوتر للرجوع إليها ومطابقتها عند استخدام الشخص؛ كخواصه الذاتية في إبرام العقود الإلكترونية، ووقت التوقيع تتم المطابقة بين البصمة الشخصية وبين ما هو مخزن في ذاكرة الجهاز(12)، وقريب من هذه الصورة ما ذكره ابن القيم حيث قال: «وقد جعل الله سبحانه في خط كل كاتب ما يتميز به عن غيره كتميز صورته وصوته والناس يشهدون شهادةً لا يستريبون فيها على أن هذا خط فلان(13).
سادساً – استخدام رقم التمييز الشخصي: وهو الأكثر استعمالاً عبر العالم؛ حيث يستخدم في بطاقات السحب المصرفية باستخدام البطاقات الممغنطة والتي تحوي بيانات الشخص، ويمكن الآلة من التحقق من أن الرقم المميز أو الشخص هو لصاحبه المخول قانوناً باستخدامه، ولا تتم عملية السحب إلا من خلاله بإدخال الرقم السري، فإن كان صحيحاً تم السحب ويكون هو التوقيع الإلكتروني(14).
سابعاً – التوقيع الإلكتروني بالضغط على زر معين: ويكون ذلك باختيار الضغط على زر الموافقة، وعلى المكان المخصص لذلك على شاشة الكمبيوتر؛ إلا أنه يمكن – زيادة في الاحتياط – أن يطلب الضغط على الزر مرتين لضمان الجدية في التعاقد، وحذراً من الخطأ، وربما ينظر لهذه الطريقة على أنها ليست توقيعاً بذاتها فتقوم بعض المؤسسات بطلب شهادة تصديق على التوقيع الإلكتروني من الجهات المختصة بذلك أو طلب إضافة الرقم السري للشخص على مربع الموافقة(15).
حجية المستندات الإلكترونية
تباينت آراء الفقه القانوني في اعتبار المستند الإلكتروني حجة أم لا، مثله مثل المستندات الكتابية الورقية، فمن قائل بعدم حجيته، وآخرون قالوا بالحجية واتجاه ثالث يرى صعوبة المساواة بين المستند الورقي والإلكتروني.
لا يتخذ التوقيع الإلكتروني شكلاً واحداً فقد يكون إشارات أو أصوات إلكترونية أو حروف أو أرقام أو غيرها مما يستجد
الاتجاه الأول: يرى التسوية بين المستندين الورقي والإلكتروني: يرى أنصار هذا الاتجاه أن كلمة مستند لها تفسير واسع في اللغة يمتد ليشمل أي كتابة؛ يدوية كانت أو إلكترونية، لأن الكتابة عندهم مجموعة من الحروف والأرقام والرموز والإشارات الدالة على معنى معين، وتكون ثابتة على دعامة قوية حتى وإن كان ينظر إليها في السابق على أنها تصدقة على الدعامة الورقية المذيلة بالتوقيع من طرفي التعاقد، إلا أن التطور الزمني لا يقف بنا عند حد ولا وسيلة، لأن الوسيلة الورقية كانت هي المتاحة والتطور المذهل يجب أن نتعامل معه؛ خصوصاً إن كانت المسائل في الوسائل وليست في الأصول، فالأصل هو أن الإثبات والمحرر وسيلة من ضمن وسائل الإثبات يجب أن تكون موجودة ويسهل الرجوع إليها مع حفظها من التبديل والتغيير، وذلك ممكن في الوسائل الإلكترونية خصوصاً مع وسائل الحفظ وسهولة النقل والنسخ(16).
الاتجاه الثاني: يرى صعوبة التسوية بين المستند الورقي والإلكتروني. خاصة في مجال المراسلات الإلكترونية، مستندين إلى أنها تقبل التعديل والتبديل دون وجود دليل على ذلك لأنها لا تترك أثراً مدوناً مثل المكتوب الورقي(17)، لكن يرد على هذا الاتجاه بأن التسوية بين المستندين الورقي والإلكتروني ممكنة بتوفير سبل الحماية والأمان للمستند الإلكتروني عن طريق نظام المستند الذكي، وهو عبارة عن تطبيقات لتعزيز قراءة المستندات عن بعد، ويمكن التحقق من أصالتها عن طريق الاعتماد على موجات الراديو مما يمكنه تسهيل تخزين المعلومات الهامة بأعلى المعايير في الدقة والأمان، ومما يساعد على التسوية بين المستندين أيضاً وجود نظام الموقف الذكي الذي يساعد المفتشين على أداء واجباتهم بكل سهولة(18)، ومما يساعد على التسوية أيضاً بين المستندين نظام الإشعار بالتوصيل الإلكتروني الذي يتيح للمرسل التأكد من إرسال رسالته هل تم بصورة صحيحة أم لا، ومن أجل الاحتياط أكثر وأكثر يمكن اللجوء لما يسمى بالمدقق تكون مهمته فحص البيانات والوثائق المتبادلة بين طرفي أو أطراف العلاقة القانونية وتخزين المعلومات المطلوبة بشكل يسهل الرجوع إليه عند طلب أي طرف منهما للتحقق من صحة المستند وعدمه(19).
لم يرد في الفقه الإسلامي شيء صريح نصاً في مثل هذه المسائل المستحدثة إلا أن القواعد العامة في الفقه الإسلامي تستوعب كل ما يجد من حوادث
الاتجاه الثالث: يرى صعوبة التسوية بين المستند الورقي والإلكتروني: فهو موافق للاتجاه الثاني في النتيجة وخالفه في الوسيلة؛ حيث يبرر الصعوبة بأن الكتابة الورقية سهلة القراءة لا تحتاج لجهد بخلاف الكتابة الإلكترونية التي تحتاج لجهد في فك الرموز والشفرات؛ مما يجعلها عصيَّةً على القراءة فاختلفت عن الكتابة اليدوية(20)، وقد ساق أصحاب هذا الاتجاه ما يؤيد وجهة نظرهم من ذهاب محكمة النقض المصرية إلى عدم التسوية بين المستند الإلكتروني والورقي في حكم لها؛ حيث نصت على أنه «يخرج عن طبيعة المحرر كل ما لا يعد حسب الطبيعة الغالبة محرراً كالعدادات والآلات واللوحات والصور، ولا يخرجها عن طبيعتها أن تتضمن بعض أجزاء كتابات أو علامات أو أرقام(21)، ومما ذكروه أيضاً أن المستند الورقي يمكن فهمه بمجرد النظر فيه، بخلاف المستند الإلكتروني الذي لا يمكن معرفته بمجرد الرؤية، وإذا كان الشخص المنسوب إليه المستند الإلكتروني يقوم بإعداد بيان لصحة المستند غالباً، وإن كان هناك حالات لا تتطلب ذلك، والدليل أن حالة قواعد البيانات الإلكترونية يمكن ألا تتضمن اسم الشخص الذي قام بتحريرها أو صفته، ومع ذلك فهي واجبة الحماية(22)، ويرد على ذلك بأن حكم محكمة النقض اجتهاد قبل وجود النص الذي صدر بقانون التوقيع الإلكتروني المصري الصادر في عام 2002م برقم (15) ولا يسوغ الاجتهاد مع وجود النص، ويضاف لذلك أن الواضح من النص أنه أخرج ما لا يعد حسب الطبيعة الغالبة محرراً وإن وجد فيه بعض الكتابات والأرقام والحروف والعلامات؛ لأن العداد بطبيعته واللوحة لا يعدان كذلك ولا يمكن التسوية بينهما وبين المحرر الموجود في أصله للإثبات والاستيثاق، والكتابة فيه ليست عرضاً أو ترفاً وإنما هي أصل أصيل فيه، كما يرد على هذا الاتجاه بأن التشفير جعل لشدة الحفظ والسرية للمعلومات، لكنها ليست بالتي يصعب قراءتها؛ حيث يمكن ذلك بالدخول لصفحة «الويب» وعن طريق شاشة جهاز الكمبيوتر، كما يمكن ذلك عن طريق قرص مدمج على جهازه الخاص فيطلع على ما يريد من معلومات، كما يمكن ذلك عن طريق برنامج تدقيق المستندات الذي يتيح الاطلاع على المعلومات بصورة آمنة عن طريق الرقائق الذكية المرفقة بالمستند، كما يتم التحقق من المستند الإلكتروني الأصلي عن طريق تشفير البرنامج والقراءة من الشريحة الإلكترونية في المستند الذكي، حيث يقوم البرنامج بقراءة البيانات المخزنة عليه، كما يقوم بمقارنة التوقيع الإلكتروني الذي اعتمد من مؤسسة التوثيق الإلكتروني خلال ثوانٍ ثلاث(23).
رأي الباحث: بعد طرح وجهات النظر السابقة يبدو سداد وجهة النظر القائلة بالتسوية بين المستند الورقي والإلكتروني خصوصاً بعد الرد على التساؤلات المطروحة لأصحاب وجهة النظر الأخرى، وأيضاً لأن الإجراءات التي توصف بالتعقيد ما كانت إلا لفرض أقصى درجات الحماية للمستند الإلكتروني.
موقف القوانين من حجية المستند الإلكتروني: نص قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم (15) لسنة 2004م على حجية المستندات الإلكترونية؛ حيث نص في المادة 14 منه على أن «للتوقيع الإلكتروني في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية ذات الحجية المقررة للتوقيعات في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية إذا روعي في إنشائه وإتمامه الشروط المنصوص عليها في هذا القانون والضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون».
مادامت المحررات الإلكترونية وسيلة لإثبات الحقوق فينبغي أن يتوفر فيها ما يتوفر في المحررات الورقية من الحفظ وسهولة الاطلاع عليها
وفي المادة (15) نص على حجية المحررات الإلكترونية فقال: «للكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقاً للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون».
كما أعطى النسخ المأخوذة عن المحرر الإلكتروني نفس الحجية في المادة (16) منه فقال: «الصورة المنسوخة على ورق من المحرر الإلكتروني الرسمي حجة على الكافة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة لأصل هذا المحرر وذلك مادام المحرر الإلكتروني الرسمي والتوقيع الإلكتروني موجودين على الدعاية الإلكترونية».
والمادة (18) وضعت الشروط اللازمة لحجية كل من التوقيع الإلكتروني والمحررات الإلكترونية وكذلك الكتابة الإلكترونية فقالت: «يتمتع التوقيع الإلكتروني والكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية بالحجية في الإثبات إذا ما توفرت فيها الشروط الآتية:
(أ) ارتباط التوقيع بالموقع وحده دون غيره.
(ب) سيطرة الموقع وحده دون غيره على الوسيط الإلكتروني.
(ج) إمكانية كشف أي تعديل أو تبديل في بيانات المحرر الإلكتروني أو التوقيع الإلكتروني»(24).
وقد نص قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية الإماراتي رقم 1 لسنة 2006م في المادة الرابعة منه على حجية الرسالة الإلكترونية فقال: «1-لا تفقد الرسالة الإلكترونية أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت في شكل إلكتروني. 2-لا تفقد المعلومات المثبتة في الرسالة الإلكترونية حجيتها القانونية حتى وإن وردت موجزة متى كان الاطلاع على تفاصيل تلك المعلومات متاحاً ضمن النظام الإلكتروني الخاص بمنشئها وتمت الإشارة في الرسالة إلى كيفية الاطلاع عليها».
ونصت المادة العاشرة منه على قبول حجية البينة الإلكترونية فقالت:
«1- لا يحول دون قبول الرسالة الإلكترونية أو التوقيع الإلكتروني كدليل إثبات؛
(أ) أن يكون التوقيع قد جاء في شكل إلكتروني.
(ب) أن تكون الرسالة أو التوقيع ليس أصلياً في شكله الأصلي متى كانت هذه الرسالة أو التوقيع الإلكتروني أفضل دليل يتوقع بدرجة معقولة أن يحصل عليه الشخص الذي يستشهد به.
2- في تقدير حجية المعلومات الإلكترونية في الإثبات تراعى العناصر الآتية:
(أ) مدى إمكانية الاعتداد بالطريقة التي تم بها تنفيذ واحدة أو أكثر من عمليات إدخال المعلومات أو إنشائها أو تجهيزها أو تخزينها أو تقديمها أو إرسالها.
(ب) مدى إمكانية الاعتداد بالطريقة التي استخدمت في المحافظة على سلامة المعلومات.
(ج) مدى إمكانية الاعتداد بمصدر المعلومات إذا كان معروفاً.
(د) مدى إمكانية الاعتداد بالطريقة التي تم بها التأكد من هوية المنشئ.هـ- أي عنصر آخر يتصل بالموضوع.
3- مالم يتم عكس ذلك يفترض أن التوقيع الإلكتروني المحمي؛
(أ) يمكن الاعتداد به.
(ب) هو التوقيع الشخصي الذي تكون له صلة به.
(ج) قد وضعه ذلك الشخص بنية توقيع أو اعتماد الرسالة المنسوب إليه إصدارها.
4- مالم يتم عكس ذلك يفترض أن السجل الإلكتروني المحمي؛
(ا) لم يتغير منذ أنشئ.
(ب) معتد به»(25).
ونص القانون الأردني رقم 85 لسنة 2001م بشأن المعاملات الإلكترونية في المادة السابعة منه على: «(أ)يعتبر السجل الإلكتروني والتعاقد الإلكتروني والرسالة الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني منتجاً للآثار القانونية ذاتها المترتبة على الوثائق والمستندات الخطية والتوقيع الخطي بموجب أحكام التشريعات النافذة من حيث إلزامها لأطرافها أو صلاحيتها في الإثبات»(26).
رأي الباحث: بالنظر في النصوص السابقة نجد أن:
1- نصوص القانون المصري والإماراتي والأردني أعطت الحجية للمستند الإلكتروني مثلاً بمثل مع المستند الورقي أو الكتابي، فهم بذلك أخذوا بمبدأ التسوية بين المحرر الورقي والإلكتروني.
2- القانون المصري نص صراحة على حجية النسخ المأخوذة من المحرر الإلكتروني إن كانت متفقة مع الأصل وكذلك القانون الإماراتي.
3- القانون الإماراتي نص على حجية المستندات الإلكترونية المختصرة متى أمكن الرجوع للأصل وتم في المختصر كيفية الرجوع للأصل.
4- اشترط القانون المصري لحجية المستندات الإلكترونية ثلاثة شروط هي:
(ا) ارتباط التوقيع بالموقع وحدهدون غيره.
(ب) سيطرته عليه دون غيره.
(ج) إمكانية كشف أي تبديل أو تغيير في بيانات المستند الإلكتروني.
5- أخذ القانون الإماراتي في الاعتبار لحجية المحرر الإلكتروني الطرق المستخدمة في الحفظ وسلامة المعلومات والاعتداد بمصدر المعلومات وبطريقة التأكد من هوية المنشئ وبأي عناصر أخرى متصلة بالموضوع، وإذا كانت المحررات الإلكترونية تظهر أهميتها في قابليتها للاحتفاظ بالمعلومات والرجوع إليها متى أراد الأطراف المتعاقدة ذلك وتخزينها لتكون حجة في الإثبات وتعطي الثقة والأمان لمثل هذه المعاملات الإلكترونية، وهذا هو غاية المحررات والمستندات الورقية والكتابية فلا عجب أن تعطي القوانين السابقة نفس القوة للمحرر الإلكتروني كالمحرر الورقي الكتابي.
موقف الفقه الإسلامي من حجية المستندات الإلكترونية:
لم يرد في الفقه الإسلامي شيء صريح نصاً في مثل هذه المسائل المستحدثة، إلا أن القواعد العامة في الفقه الإسلامي من السعة بمكان بحيث تستوعب كل ما جَدَّ من حوادث، والقواعد العامة ترحب بإثبات الحق بأي شيء مميز طالما تأكدنا منه بالشكل الذي تطمئن إليه المعاملات، وقد وجد في الفقه الإسلامي التمييز عن طريق الخط أو الكتابة أو عن طريق الختم، وكلها دلائل تشير إلى أنه لو كان هناك غيرها لما وقفت الشريعة الإسلامية في طريق إثبات الحقوق وإقرار حجيتها، ومما دل على الختم المميز ما جاء في قول الله تعالى على لسان ملكة سبأ)قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ) النمل 29، ما جاء في تفسيرها من أنه كتاب مختوم حيث اعتاد الملوك ذلك(27)، وكذلك اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً نقشه محمد رسول الله(28) كان يختم به كتبه للملوك والأمراء.
وأما التدليل بالكتابة فيمكن الاستدلال له بحديث «ماحق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»(29)، ووجه الدلالة من الحديث أنه جاز الاعتماد على شيء مميز وهو خط الموصي، وإلا لما كان لوصيته فائدة، ولا شك أن التوقيع الإلكتروني بصوره التي ذكرناها قبل ذلك تميز كل شخص عن الآخر بوسيلة ما، وهو المطلوب هنا.
ولأجل هذه الدلالات، وقراءةً للقواعد العامة في الفقه الإسلامي جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي مؤيداً لهذه الرؤية في جلسته المنعقدة في الفترة من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 إلى 20/3 1990م؛ حيث نص على ما يلي:
«1-إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة «الرسول» وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي «الكمبيوتر» ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2- إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين؛ وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعد تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
3- إذا صدر لعارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
4- إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
5- ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه للقواعد العامة للإثبات»(30).
وقد أيد المجمع القرار السابق متماشياً مع التطورات التقنية والتكنولوجية فنص على أشياء سكت عنها في القرار السابق، حيث قرر المجمع في الهند (أبريل 2001) الآتي:
1- المراد من المجلس الحال التي يشتغل فيها المتعاقدان بإجراء التعاقد والقصد من اتحاد المجلس أن يتصل الإيجاب والقبول في وقت واحد ومن اختلاف المجلس ألا يتصل الإيجاب بالقبول في وقت واحد.
2- (أ) يصبح الإيجاب والقبول في البيع عن طريق الهاتف ومؤتمر الفيديو وإذا كان العاقدان على الإنترنت في وقت واحد ويظهر الطرف الآخر قبوله بعد الإيجاب بالفور فينعقد البيع ويعتبر مجلس العاقدين في هذه الصوؤة متحداً.
(ب) إذا أجاب أحد في البيع على الإنترنت ولم يكن الطرف الآخر متواجداً على الإنترنت في وقت الإيجاب وبعد وقت استلام الإيجاب يلزمه إظهار القبول في حينه.
3 – إذا أراد البائع والمشتري إخفاء تعاقدهما استخدما لذلك الأرقام السرية، فلا يجوز لشخص آخر الاطلاع على هذا التعاقد، أما إذا كان لشخص ما حق الشفعة أو حق شرعي آخر متعلقاً بذلك العقد أو البيع يجوز له الاطلاع، أما النكاح فلا يصح لاشتراط الشاهدين»(31).
مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي في حجية المستندات الإلكترونية:
بعد ذكر الموقف القانوني والفقهي بشأن المستندات الإلكترونية يتضح الآتي:
أولاً – مواطن الاتفاق:
1- يتفق الفقه الإسلامي والقانون الوضعي بشأن النظرة للمحررات الإلكترونية؛ حيث أجاز كل منهما العمل بالمحررات الإلكترونية، لأن الهدف التوثيق وإيصال الحقوق لأهلها ومنع غيرهم من الوصول إليها، وهذا ظاهر في المحررات الإلكترونية التي تحاط بأعلى معايير الأمان، وأنها وسيلة لوصول الحقوق لأصحابها.
2- طالما كانت المحررات الإلكترونية وسيلة لإثبات الحقوق فينبغي أن يتوفر فيها ما يتوفر في المحررات الورقية من الحفظ وسهولة الاطلاع عليها متى أراد الأطراف المتعاقدة ذلك، وهذا ما اشترطه القانون الوضعي وكذلك الفقه الإسلامي فيها.
3- للمحررات الإلكترونية صوراً تميز الشخص عن غيره سواء أكان ذلك بالأرقام أم الحروف أم الإشارات أم الشفرات الذاتية، كما أن للتوقيع الخاص والبصمة والختم على الأدوات الورقية وسيلة تميز لإنسان عن آخر.
4- الأصل في المحرر الكتابي والإلكتروني أنه صحيح ما لم يثبت عكس ذلك، ويرجع في إثبات التزييف أو التزوير للقواعد العامة في الإثبات.
ثانياً – مواطن الاختلاف:
مع وجود أوجه الاتفاق السابقة إلا أن هناك وجه اختلاف بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي؛ حيث نص القانون الوضعي على سريان المستندات الإلكترونية على جميع المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، بينما الفقه الإسلامي نظر إلى ما يصلح لهذه المعاملات فأقره، وما لا يصلح منعه؛ فنص صراحة على عدم سريان المستندات الإلكترونية على عقد الزواج لأنه يتطلب الإشهاد عليه وللشكلية المتطلبة فيه، وكذلك عقد الصرف لا يمكن أن يتم بمحررات إلكترونية عن بُعد نظراً لطبيعته التي تفترض التقابض الفعلي للمال في مجلس العقد، وكذلك عقد السلم الذي يتطلب قبض الثمن في المجلس أيضاً، والمحررات الإلكترونية غالب أصحابها لا يجمعهم مكان واحد مما يجعل مثل هذه العقود صعبة التنفيذ بالمحررات الإلكترونية لعدم الوقوع في المحاذير الشرعية.
المراجع
(1) راجع: قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم 15 لسنة 2004م الصادر في 21/4/2004 ف.ج.
(2) راجع: قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية الاتحادي رقم 1 لسنة 2006م الصادر في 30/1/2006م في المادة الأولى منه الخاصة بالتعريفات.
(3) راجع في نفس المعنى: د. سلطان الهاشمي، التجارة الإلكترونية وأحكامها، ص208.
(4) د. علاء محمد نصيرات، حجية التوقيع الإلكتروني في الإثبات، ص37، ط. دار الثقافة، أولى 2005م.
(5) د. عبدالرسول عبدالرضا، المفهوم القانوني للتوقيع الإلكتروني، بحث منشور بمجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، ص35 العدد الأول السنة الرابعة.
(6) د. علاء نصيرات، مرجع سابق، ص37 وما بعدها.
(7) د. ثروت عبدالحميد، التوقيع الإلكتروني، ص63، ط. مكتبة الجلاء بالمنصورة، ثانية 2002م.
(8) د. عبدالرسول عبدالرضا. مرجع سابق، ص31.
(9) د. هدى حامد قشقوش، الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، ص199، ط. دار النهضة العربية 2000م.
(10) د. حسن عبدالباسط جميعي، إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الإنترنت، ص35، ط. دار النهضة العربية 2000م.
(11) د. إبراهيم الدسوقي أبو الليل، مسئولية مقدمي خدمات التصديق الإلكتروني ص1855، بحث مفدم إلى مؤتمر الأعمال المصرفية جامعة الإمارات 2003م.
(12)
د. هدى حامد قشقوش، مرجع سابق، ص78. د. نجوى أبو هيبة، التوقيع الإلكتروني.. تعريفه ومدى حجيته ص51، ط. دار النهضة العربية 2002م.
(13) ابن القيم، الطرق الحكمية، ص203، ط. دار إحياء العلوم، بيروت.
(14) د. حسن عبدالباسط جميعي، مرجع سابق، ص37.
(15) المرجع السابق، ص39.
(16) د. فاروق الأباصيري، عقد الاشتراك في قواعد المعلومات الإلكترونية، دراسة تطبيقية لعقود الإنترنت، ص86 وما بعدها، ط. دار النهضة العربية 2003م.
(17) د. حسن الملكي، التجارة الإلكترونية والمقاربة الإلكترونية، بحث منشور في جريدة العلم المغربية، ص2، سنة 2005م.
(18) عمار كريم كاظم، نارمان جميل نعمة، القوة القانونية للمستند الإلكتروني، ص182، بحث منشور بمجلة البحوث القضائية باليمن، العدد7 يونيو2007م.
(19) د. حسن الملكي، مرجع سابق، ص2.
(20) د. فاروق الأباصيري، مرجع سابق، ص89.
(21) د. أشرف توفيق شمس الدين، الحماية الجنائية للمستند الإلكتروني، ص8، هامش 55 بدون دار نشر.
(22) المرجع السابق، ص10.
(23) عمار كريم كاظم، نارمان جميل نعمة، مرجع سابق، ص183.
(24) راجع: نص قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم 15 لسنة 2004م، المواد 14،15، 16، 18.
(25) راجع قانون المعاملات والتجارة الإماراتي رقم 1 لسنة 2006م في المادتين 4، 10، وكذلك قانون إمارة دبي الخاص بالمعاملات والتجارة الإلكترونية رقم 2 لسنة 2002م في المادتين 7 و12 والصادر في 12/2/2002م.
(26) راجع (المادة 6/ ف.أ) من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001م المنشور بالجريدة الرسمية برقم 4524، مشار إليه في: د. نائل علي مساعدة، الكتابة في العقود الإلكترونية في القانون الأردني، بحث منشور بمجلة الشريعة والقانون جامعة الإمارات العربية المتحدة، السنة السادسة والعشرون، العدد 50 الصادر في أبريل 2012م، ص218.
(27) أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، تفسير السمرقندي المسمى بحر العلوم 2/580، بدون تاريخ ودار نشر، المكتبة الشاملة، وجاء فيه: «كتاب كريم ويقال كتاب مختوم، وروي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كرامة الكتاب ختمه» ويقال كل كتاب لا يكون مختوماً فهو معلول، ويقال: كان سليمان عليه السلام إذا كتب إلى الشياطين ختمه بالحديد وإذا كتب إلى الجن ختمه بالصفر (النحاس) وإذا كتب إلى الإنس ختمه بالطين وإذا كتب إلى الملوك ختمه بالفضة فجعل ختم كتابها من ذهب».
(28) ابن القيم، الطرق الحكمية 1/174، فصل في العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية، ط. دار البيان، ن- بدون تاريخ، وجاء فيه: «وكذلك كتب الفقه الاعتماد فيها على النسخ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث كتبه إلى الملوك وغيرهم وتقوم بها حجته، ولم يكن يشافه رسولاً بكتاب بمضمونه قط، ولا جرى هذا في مدة حياته صلى الله عليه وسلم بل يدفع الكتاب مختوماً ويأمره بدفعه إلى المكتوب إليه وهذا معلوم بالضرورة لأهل العلم بسيرته وأيامه».
(29) البخاري، صحيح البخاري 4/2، كتاب الوصايا، باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 2738. مسلم، صحيح مسلم 3/1249 كتاب الوصية، رقم الحديث 1627 عن ابن عمر رضي الله عنهما، ط. دار إحياء التراث العربي.
(30) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السادسة، العدد السادس 2/1267، 1268.
(31) محمد بن الحسن الجيزاني، فقه النوازل، ص105، 106، ط. دار ابن الجوزي، بدون تاريخ.
اترك تعليقاً