بحث قانوني و دراسة حول العقوبات القانونية التي تطبق على الصغار
الدكتور كامل السعيد
خطة ورقة العمل ،
ما دام عنوان البحث المطلوب من صاحب هذه الورقة مواجهته هو “العقوبات البديلة التي تطبق على الصغار”، فإنه يتعين طرق الموضوعات التالية:-
أولاً: تعريف العقوبات وتحديد خصائصها وأغراضها.
ثانياً: ما هي الشروط الواجب توافرها في العقوبات البديلة.
ثالثا: مبرر الأخذ بنظام العقوبة البديلة.
رابعاً: أنواع العقوبات البديلة.
خامساً: تحديد معنى الصغار المطلوب تطبيق العقوبات البديلة عليهم وما إذا كان هناك فرق في المعنى بين الصغار والأحداث.
سادساً: هل ما يطبق على الصغار أو الأحداث عقوبات أم تدابير وقائية أو طرق تقويمية؟
فإذا كان ما يطبق عليهم عقوبات يتم تنفيذها في السجون أو في مراكز الإصلاح أو والتأهيل، فإنه يمكن إخضاعهم لنظام العقوبات البديلة، أما إذا كان ما يطبق عليهم تدابير وقاية أو تقويمية ننفذ في مؤسسات الرعاية الاجتماعية فلا مجال لتطبيقها عليهم.
تعريف العقوبات:
لا يتصدى المشرع لتعريف فكرة من الفكر القانونية إلاّ لضرورة قصوى تتمثل إما في أن يكون إيراد هذا التعريف حسماً لخلاف فقهي قائم أو مغايرة لمعنى مستقر، وهنا يكون لتدخل المشرع معنى ويكون تدخله تتمة لعمله في تكوين القواعد القانونية لا في تفسيرها، إنَّ تصدي المشرع لتعريف فكرة قانونية بغير مقتضٍ يساوي في الخطأ تصدي الفقه والقضاء في وضع قواعد قانونية جديدة أو إضافة شروط أو أحكام جديدة لم ترد في القاعدة القانونية فالعمليتان كلتاهما خاطئ ففي الحالة الأولى يستعير المشرع وظيفة المفسر وفي الحالة الثانية يغتصب المفسر وظيفة المشرع.
والسبب في ذلك هو خشية المشرع الجزائي من أن يبتعد عن الغرض الأسمى لقانون العقوبات المتمثل في الاستقرار القانوني بعثاً للطمأنينة وأماناً من المفاجآت ([1]) والأمر هنا على هذا المنوال، فقد ارتأى المشرع الجزائي عدم التصدي لتعريف العقوبة وإنما ترك ذلك للفقه والقضاء الذي لم يتوافق أو يتواضع على تعريف موحد للعقوبة.
فالأستاذ الدكتور محمود نجيب حسني عرفها على إنهاء “الجزاء الذي يقرره القانون ويفرضه القاضي من أجل الجريمة ويتناسب معها ([2]) .
ويعرفها الأستاذ الدكتور محمود محمود مصطفى على أنها “جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي على من تثبت مسئووليته عن الجريمة ([3]) ويعرفها الأستاذ الدكتور رؤوف عبيد على أنه ” الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني عندما يخالف أمر القانون أو نهيه وذلك لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج ولردع غيره من الاقتداء به” ([4]).
أما الأستاذ الدكتور رمسيس بنيام فيعرف الجزاء الجنائي التي تعتبر العقوبة احد أنواعه، على انه “تدبير قهري يتخذ مع المسئول جنائياً” ([5]).
جوهر العقوبة:
يلاحظ من بعض التعريفات السابقة أنها انطوت على تحديد جوهر العقوبات المتمثل في إيلام وإيذاء من تنزل به، هذا الإيلام الذي يتحقق عن طريق المساس بحق من توقع علية العقوبة، ويعني المساس بالحق، الحرمان منه كلياً أو جزئياً أو فرض قيود عليه حين استعماله، وتتنوع الحقوق التي يمكن المساس بها، فقد يكون الحق الذي يتم المساس به عن طريق العقوبة الحياة، فتتخذ العقوبة صورة الإعدام، وقد يكون الحق الذي يمكن المساس به عن طريق العقوبة، الحرية بالحرمان منها، فتتخذ العقوبة صورة الأشغال أو الاعتقال أو بنوعيه أو السجن أو الحبس، وقد تمس العقوبة الحق في المال، فتتخذ صورة المصادرة أو الغرامة، ويمكن أن يكون المساس بالحرية عن طريق فرض قيود عليها وليس مصادرتها، كمراقبة البوليس أو الإقامة الجبرية، وقد تمس حقوقاً أخرى متعددة كالحق في تولي الوظائف العامة أو الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو البلدية، وإيلام العقوبة مقصود، فهو لا يصيب المحكوم عليه عرضاً، ويترتب على ذلك انتفاء معنى العقوبة عن كل إجراء لا يقصد به الإيلام وأن انطوى عليه بالضرورة، ومن ثم فإن إجراءات التحقيق والمحاكمة وأن اتخذتا صورة الحبس الاحتياطي لا يعتبرا عقوبة لأن ما فيهما من إيلام غير مقصود.
خصائص العقوبة:
هناك علاقة قوية بين خصائص العقوبة وأغراضها أو بعض أغراضها، إذ لا بد من أن تكون الخصائص موصلة أو مؤدية إلى تلك الأغراض أو إلى بعضها، فأولى هذه الخصائص كما اشرنا أنها مؤلمة جداً، وهذه الخصيصة ضرورية لكي تحقق أغراضها في إرضاء الشعور العام بالعدالة لدى المجتمع الذي انتهكت الجريمة أحد حرماته، وهي كذلك ضرورية لكي تحقق غرضها في الإصلاح والتأهيل، إذ يتعين استغلال هذا الإيلام للتأثير على إرادة المحكوم عليه وحمله على نبذ قيمه الاجتماعية الفاسدة لحساب قيم أخرى صالحه بدلاً منها.
وكذلك هناك خصيصة أخرى وهي أن العقوبة محقرة، فهي تصم من تنزل به بالاحتقار أو على الأقل تجعله محلاً للرثاء، وهذه الخصيصة صدى لما تنطوى عليه العقوبة من لوم اجتماعي يتجه إلى المجرم، ولكن لا يجوز أن يترك الاحتقار دون تنظيم من القانون أثناء التنفيذ العقابي للعقوبة الذي يجب أن لا يهدر الكرامة الإنسانية للمحكوم عليه.
كما يجب أن تعبر العقوبة عن الجزاء العادل، ولذا يجب ألاّ يعترف بعقوبة تجرح الشعور العام، ذلك أنه على الرغم من إجرام الجاني فهو لم يتجرد من صفته الإنسانية والمواطنيه، فلا بد من الاعتراف بالحقوق المرتبطة بهاتين الخصيصتين، وأهمية ذلك أن تحقيق غرض العقوبة في تأهيل المحكوم عليه وإعداده لاسترداد مكانته تقضي يتدعم اعتداده بنفسه كي تترسخ عقيدته بأن الإجرام سلوك غير لائق، ولا يتأتى ذلك إلا باحترام كرامته، ويتفرع عن هذا أيضاً ألاَّ يتم الاعتراف بعقوبات لا تقبل التدرج والتجزئة حتى يستطاع تحديد مقدارها بحيث تناسب ظروف الحالة التي توقع فيها.
كما يجب أن لا يقرر الشارع غير العقوبات التي يمكن أن يوقف تنفيذها على من حكم عليه بها إذا اتضح انه يستحقها أو أريد العفو عنه، فأخطاء القضاء ليست نادرة، فإذا انكشفت فإنه يتعيَّن العمل على إصلاحها، ومن ناحية أخرى فقد تحدث أسباب تدعو إلى العفو عن العقوبة أو إلى العفو الشامل، فيتعين أن يكون في الإمكان الكف عن الاستمرار في تنفيذها.
ومن بين خصائصها – شأنها شأن التدبير الاحترازي- ضماناتها من حيث أن الذي يناط به فرضها هو القضاء، بالنظر لأن القضاة هم الأشخاص الذين يوثق بهم توقيع العقاب العادل بفضل علمهم بالقانون وخبرتهم بالعمل القضائي والاستقلال الذي ترتبط به النزاهة. وعليه فلا يجوز أن يناط بالإدارة أو الفنيين أو المحكمين أو الخبراء فرض العقوبات أو تقريرها.
ومن أهم خصائصها أيضاً أنها محددة سواء من حيث كيفها أو كمها، فإذا كان القانون ينص عليها، فإن المحكمة هي التي تتولى تحديدها ضمن نطاق ما ينص عليه القانون من حيث نوعها كما وكيفا والمكان المخصص لتنفيذها على المحكوم عليه ليبقى فيه حتى يصلح أمره وتزول خطورته وأن كان هناك من يعترض أو يتحفظ على القيام بتحديد العقوبة لأنه ليس بإمكان القاضي أو المحكمة عندما تنطق بها أن نحدد المدة اللازمة لصلاحه وزوال خطورته، لكن يرد على هذا أن هذا التحفظ أو الاعتراض يقوم على الخلط بين العقوبة والتدبر الاحترازي أو الوقائي، فهو يسبغ على العقوبة خصيصة التدبير الاحترازي، فمن طبيعة العقوبة أن تكون محددة لأنها تتجه إلى الماضي لتحاسب الجاني على سلوكه وخطيئته، فتعتد باعتبارت محققه يستطاع معها تحديد مقدارها على نحو يتناسب مع ظروف الحالة التي توقع فيها، خلافاً للتدبير الاحترازي الذي لا يكون محدداً لأنه يتجه إلى المستقبل ليواجه خطورة الجاني فيعتمد على اعتبارات غير محققه عند النطق به، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك من يقول بأنه لا ضرورة لوجود عقوبات محددة المدة، ما دام أن التدابير تقوم بهذه الوظيفة التي يراد إناطتها بالعقوبات.
أغراض العقوبة:
وقد استقر العلم العقابي على رد هذه الأغراض إلى أنواع ثلاثة هي:
أولاً” تحقيق العدالة:
بعبارات مقتضبة تعني العدالة حصول كل ذي حق على حقه، فالمجني عليه يحصل على حقه جزائياً بان يقتص من الجاني ومدنياً بتعويضه عما لحقه من ضرر، والمجتمع يعاد له توازنه واستقراره بسبب إخلال الجريمة بهما، والجاني يقتص منه بتوفر العقاب الذي يتناسب مع جسامة جريمة وخطورة شخصيته وبهذا العقاب يدفع دينه للمجني عليه والمجتمع على حد سواء.
الردع العام:
يراد به إنذار الناس كافة عن طريق التهديد بالعقاب بسوء عاقبة الإجرام كي يتم تنفيرهم منه، وتقوم فكرة الردع العام على مواجهة الدوافع الإجرامية بموانع إجرامية، وتغليب الموانع على الدوافع أو التوازن معها على الأقل، فالدوافع الإجرامية.
الردع الخاص:
يعني الردع الخاص علاج الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص المجرم على المجتمع والاجتهاد في استئصالها، فهو يتجه إلى شخص المجرم ليغير من معالم شخصيته ويحقق الانسجام بينها وبين القيم والمثل الاجتماعية السائدة في مجتمعه، ويلاحظ من هذا التعريف الصلة الوثقى بين الردع الخاص وبين الخطورة الإجرامية التي يستهدفها والمتمثلة في احتمال إقدام المجرم على جريمة لاحقه، فهدفه إذن إزالة هذا الاحتمال أو إخضاعه إلى حد لا يستحيل معه إلى إجرام فعلي، ونتيجة الردع الخاص هو تأهيل المحكوم عليه الذي يعني وضع المحكوم عليه في ظروف يعتاد فيها على سلوك السبل المطابقة للقانون، هذه الصلة الوثقى بين التأهيل والردع الخاص تسمح باستعمالهما كتعبيرين متعددين لمعنى واحد.
تعريف العقوبة البديلة:
لا يختلف تعريف العقوبة البديلة عن تعريف العقوبة الأصلية من حيث كونها عقوبة يفرضها الشارع الجزائي على من أرتكب الجريمة أو ساهم فيها بدلاً من العقوبة الأصلية المتمثلة في الحبس لمدة قصيرة، الهدف منها هو الحيلولة دون دخول من يحكم عليه بها السجن أو مركز الإصلاح فهي إذن تخضع لكافة المبادئ التي تخضع بها العقوبة الأصلية والتي كنا قد اشرنا إليها في مقدمة هذه الورقة.
أما مبررات فرض العقوبات البديلة هي ذاتها مبررات استبعاد العقوبات القصيرة المدة، وتتمثل فيما يلي:
1- عجز العقوبة الأصلية – وهي عقوبة الحبس قصير المدة – عن تحقيق أهداف العقاب في الردع العام والإصلاح أو التأهيل.
2- يتصل بما تقدم ان السياسة الجنائية الحديثة تنبذ هذا النوع من العقوبة لأنه يتعارض مع تطبيق البرنامج الإصلاحي الذي يحتاج إلى مدة زمنية غير قصيرة لتطبيقه وللوصول به إلى النتيجة المرجوة، وهي إصلاح وإعادة دمج المحكوم عليه بالمجتمع مجدداً، فاقصر البرامج الإصلاحية يحتاج إلى مدة لا تقل عن ستة أشهر تقريباً داخل المؤسسة العقابية أو الإصلاحية، وكما هو مسلم به قانوناً أن مدة التوقيف أو الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق تسقط من مدة العقوبة المحكوم بها على الشخص.
3- أن ضرر العقوبة قصيرة المدة أكبر بكثير من فائدة تنفيذها لأنها تؤدي إلى اختلاط المحكوم عليه خلال هذه المدة القصيرة بالمجرمين المخضرمين المحترفين للإجرام داخل المؤسسات العقابية، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتقال عدوى الإجرام إلى هؤلاء خاصة الصغار أو النساء، فيتعلمون فنوناً جديدة من الإجرام خاصة وأن هؤلاء لا يمثلون أية خطورة بأشخاصهم وأفعالهم، بدليل أنهم ارتكبوا جرائم غير جسيمه استحقت عقوبات قصيرة الأمد، مما يؤدي في النهاية إلى تعميق السلوك الإجرامي لديهم.
4- أن هذه العقوبات وأن كانت قصيرة الأمد إلا أنها تكلف الخزينة أموالاً باهظة في الوقت الذي تصرف هذه الأموال في تحسين أوضاع وبرامج إصلاح المحكوم عليهم لمدد أطول.
5- تؤدي العقوبات القصيرة المدة إلى اكتظاظ المؤسسات العقابية أو الإصلاحية مما ينتج عنه تعطيل أو إعاقة تطبيق البرامج الإصلاحية بحق المحكوم عليه لمدد طويلة والخاضعة إلى تلك البرامج الإصلاحية مما يؤدي إلى عدم تأهيلهم في مجتمعاتهم أو إعاقة هذا التأهيل.
6- إن زج الأشخاص خاصة الأحداث منهم والنساء في سجون أو مراكز إصلاح أو تأهيل يشكل بالنسبة إليهم وصمة عار ولطخة شنار من حيث أنه زج بهم في تلك المؤسسات فيؤدي بهم إلى استمراء دخول تلك المراكز اعتياداً منهم عليها غير مبالين بنظرة المجتمع غير المنصفة إليهم، الذي أصبح ينظر إليهم بدون وجه حق ويصورهم على أنهم أصبحوا من العتاة المجرمين.
7- ونحن نؤيد من يقول بأن العقوبة القصيرة المدة وإن كانت في عدم شدتها الظاهرية تحمل معنى التوازن الاجتماعي الذي يفيد في تحقيق العدالة، كونها تتوازن مع مقدار الخطورة الاجتماعية الناجمة عن الفعل، إلا أنها لا تحقق إصلاحا (تأهيلاً) أو ردعاً، فهي قاصرة عن تحقيق أهداف العقاب لا بل تساهم في خلق وتأهيل الروح الإجرامية لدى الجاني.
8- ويتصل بجنوحهم هذا المستمرئ لدخول المؤسسة العقابية أنهم ربما اختصوا بمعاملة لينة من قبل المسؤولين عن تلك المؤسسات أو من تم اختلاطهم بهم فسواء تم وصمهم بوصمة عار أو لطخة شنار أو تم استعمال اللين معهم من قبل المسئولين عن المؤسسات العقابية، الأمر سيان من حيث جنوحهم نحو ارتكاب الجرائم وتعميق السلوك الإجرامي وقد قال الأستاذ داود السعدي المحاميبهذا المعنى ” ومما تقدم يظهر أن المصلحة تقتضي بأن لا يرسل احد إلى السجن لمدة قصيرة لا سيما إذا كان من الأحداث أو المجرمين لأول مرة، لأن الحبس لمدة قصيرة لا يكفي للتأثير على المحكوم عليه وإصلاحه وربما أدى ذلك إلى عدم مبالاته بالحبس أو اكتسابه خلق الإجرام فضلاً عن تكليف الخزينة مصاريف لا مبرر لها، والأفضل تقرير الغرامة أو الشغل خارج السجن أو توقيف تنفيذ العقوبة كلما كان ذلك ممكناً ولتجنب إرسال المحكوم عليه لمدة قصيرة إلى السجن.
من كل ما تقدم نخلص إلى القول بأن العقوبة البديلة تتفق والسياسة الجنائية الحديثة خاصة من حيث تغليب المبدأ القائل درهم وقاية خير من قنطار علاج، هذا بالإضافة إلى التركيز على استخدام وسائل الرعاية والملاحقة ضمن مخطط مركزي متكامل وشامل، فالعقاب أمر استثنائي لا يجوز اللجوء إليه إلاّ إذا انعدمت الوسائل الأخرى غير العقابية فالعقاب ضرورة والضرورة تقدر بقدرها القضائية الأخرى.
لا شك أن التشريعات الجزائية قد تولت سنداً لمبدأ الشرعية تحديد العقوبات نوعاً ومدى، وقد تضع لها حداً واحداً أو تجعل العقوبة متراوحة بين حدين أدنى وأعلى تاركاً للمحاكم فرض ما تراه مناسبة من حدين أو تتراوح بينهما.
لكنها لا تتفق على وضع معيار واحد تستند إليه في تحديد العقوبة قصيرة المدة، فقد اختلفت الآراء بهذا الخصوص، فمنهم من قال بأنها تكون كذلك إذا كانت مدة الحبس فيها لا تتجاوز ستة أشهر، ومنهم من ذهب إلى أنها تكون كذلك إذا لم يتجاوز سنة.
وإذا كان لا بد لنا من الدلو بدلونا بين الدلاء، نرى أن العقوبة تكون قصيرة المدة عندما لا تتجاوز مدتها السنة، معتمدين في رأينا هذا على قيام بعض التشريعات الجزائية العربية في تحديد إحدى بدائل العقوبات القصيرة المدة.
فالمادة (54) مكررة من قانون العقوبات الأردني أجازت للمحكمة الأمر يوقف التنفيذ عند الحكم في جناية أو جنحة بالسجن أو الحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة …. الخ، ونصت المادة (144) من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 وتعديلاته على نفس الحكم في قولها “للمحكمة عند الحكم في جنايته أو جنحه بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في الحكم نفسه بإيقاف تنفيذ العقوبة…. الخ.
كما نصت المادة (55) من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 على انه “يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة…. الخ.
وكذلك نصت المادة (83) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 لدولة الإمارات العربية المتحدة على هذا المعنى في قولها ” للمحكمة عند الحكم في جريمة بالغرامة غير النسبية أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في الحكم بوقف تنفيذ العقوبة… الخ.
أما قانوناً العقوبات السوري واللبناني فقد أجازا وقف التنفيذ في الجرائم التكديرله والجناحية التي تتراوح مدة عقوبات الحبس فيها بين عشرة أيام وثلاث سنوات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك مادتان 168 و 169 على التوالي.
التفرقة بين بدائل العقوبات وبدائل الدعوى العامة أو دعوى الحق العام.
لا بد في هذا المجال من التفرقة بين بدائل الدعوى العامة أو دعوى الحق العام وبين بدائل العقوبات قصيرة المدة، فبدائل الدعوى العامة تؤدي إلى وقف إجراءات التقاضي أو إجراءات الدعوى العامة، فالصفح من قبل المجني عليه – يعني عفو الضحية عن الفاعل في كثير من الجرائم خاصة في الجرائم غير الجسيمة من جنح ومخالفات – تؤدي إلى وقف إجراءات الدعوى العامة.
بدائل العقوبات القصيرة المدة
سبق أن قلنا أن الغاية من هذه البدائل عديدة جداً، من بينها الحيلولة دون دخول بعض الأشخاص السجون حتى لا يتعلموا فيها فقدان الثقة بالنفس والرذيلة وتنظيم العصابات الإجرامية، ونتيجة لهذه الأسباب فكر المصلحون بوسائل جديدة لعلها تعود بالخير على السجناء أنفسهم وعلى المجتمع، وبعبارة أخرى فإن الجناة يخرجون من السجون بعد تنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم بحالة أسوأ من التي دخلوه فيها.
ويمكن لنا إجمال بدائل العقوبات القصيرة الأمد فيما يلي:
أولاً: من هذه البدائل تنفيذ العقوبات داخل المجتمع بدلاً من تنفيذها داخل السجون وذلك عن طريق الحكم على الفاعل بالعمل الإجباري العام أياما محددة بدلاً من الحكم بحبسه في مؤسسة عقابية.
فتتمثل بالعمل الإجباري ذي النقع العام بإلزام المحكوم عليه بأن يعمل مجاناً في المصالح الحكومية خلال العطل الأسبوعية إذا كان من الذين يمارسون عملاً. أما بالنسبة لمن لا يعملون فيمكنهم العمل حسب الحاجة، والعمل يتراوح بين أربعين ساعة كحد أدنى ومائتين وأربعين ساعة كحد أعلى وذلك خلال مدة لا تتعدى السنة على أبعد تقدير.
ولا بد من توافر شروط في من يحكم عليه بعقوبة العمل ذي النفع العام منها أن لا يقل عمره عن ستة عشر عاماً وأن لا يكون معرضاً لعقوبة قصوى تفوق الخمس سنوات سجناً وأن لا يكون من ذوي السوابق الخطرة، أي لا يكون قد حكم عليه بأربعة أشهر سجن على الأقل نافذاً خلال الخمس سنوات الماضية.
كما يشترط أيضاً للحكم عليه بعقوبة العمل البديل هذا موافقة المتهم قبل الحكم عليه من قبل المحكمة وينبغي أن يكون مفهوماً أن العمل ذي النفع العام ليس له مقابل أجر لكي يحتفظ العمل بقيمته العقابية ولا يترك أثراً على البطالة، فالأمر يتعلق بنوع العمل من التشغيل الذي لا يتطلب إيجاد عمل دائم. كما ينبغي أن يكون مفهوماً أن من حكم عليه بهذه العقوبة يتمتع بالضمان الاجتماعي وبالتأمين لمواجهة ما يمكن أن يتعرض له من حوادث.
ومن فوائد عقوبة العمل ذي النفع العام أنها تتيح للمحكوم عليه أن يحتفظ بسير حياته العادية وبعلاقته الأسرية وأن يمارس عملاً مفيداً لا يكلف خزينة الدولة شيئاً يذكر،وفي حالة عدم تنفيذ المحكوم عليه الحكم الصادر بحقه يهدد بما حاول تجنبه وهو السجن أو الحبس.
ثانياً: من البدائل أيضاً اختيار الغرامات عندما يسمح النص بذلك! وتتمثل الغرامة بأن يلزم المحكوم عليه بدفع مبلغ معين إلى الخزينة تحدده المحكمة مراعية عند تقديره جسامة الجريمة المرتكبة ولا يجوز إحلال الحبس محل الغرامة وإذا تقرر استيفاء الغرامة جاز للمحكمة إمهال المحكوم عليه أو تقسيطها أو إحلال عقوبة العمل الإجباري محلها.
ثالثاً: الإكثار من منح وقف التنفيذ: وقد اشرنا إلى ذلك في مناسبة سابقة وقلنا أن التشريعات الجزائية العربية تأخذ بهذا النظام ويشترط معظمها أن لا تزيد عقوبة الحبس أو السجن التي يوقف تنفيذها عن السنة ضمن توافر شروط أخرى. ومع هذا فإننا نلاحظ أن المادة (82) من قانون الجزاء الكويتي رقم (16) لسنة 1960 قد أجازت للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم إذا قضت بحبس المتهم بما لا يتجاوز سنتين أو بالغرامة ضمن توافر شروط أخرى.
رابعاً: تتبنى المحاكم نظام الامتناع عن النطق بالحكم: وقد انفرد قانون الجزاء الكويتي من بين القوانين الجزائية النظام العربية بتبني هذا حيث نصت المادة (81) منه على أنه إذا أتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس ورأت من أخلاقه أو ماضية أو سته أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب وتكلف المتهم بتقديم تعهد بكفالة شخصية أو عينية أو بغير كفالة يلتزم فيه مراعاة شروط معينة والمحافظة على حسن السلوك المدة التي تحددها على أن لا تتجاوز سنتين.
خامسا: نزع الصفة الجرمية عن بعض الجرائم البسيطة ومعاقبة مرتكبيها بعقوبات إدارية ومالية، وفي ذلك تخفيف على المحاكم الجزائية وإبعاد الفاعلين عن السجون.
سادساً: صدور بعض القوانين العقابية التي يمكن أن توصف بالجرأة تمنح قضاة المحاكم الجنحية بدائية كانت أم صلحيه سلطة تقديرية بإعفاء الفاعل من العقوبة أو تأجيل تنفيذها أو الحق في استبدالها ببعض البدائل مهما كانت مدة هذه العقوبة.
سابعاً: التفريد التشريعي للعقوبة: وهذا يعني أن يضع المشرع الجزائي بين يدي القاضي عدداً من الخيارات العقابية لكي يستطيع القيام بدوره في اختيار العقوبة الملائمة في الحالة المطروحة أمامه، بمعنى أن يضع الشارع للجريمة الواحدة عدداً من العقوبات يختار القاضي من بينها ما يراه ملائماً لتحقيق الردع والإصلاح مراعياً في هذا الاختيار الظروف الشخصية للفاعل بما يمثله من خطورة بالإضافة إلى الظروف الموضوعية للجريمة، فيقرر للجريمة الحبس أو الغرامة.
ثامناً: ولعل أيضاً من بين أنواع التفريد التشريعي للعقوبة أن تكون العقوبة بين حدين حداً أدنى وحداً أقصى تتراوح المحكمة أو القاضي بينهما مع إمكانية النزول عن الحد الأدنى في حالة وجود أعذار أو ظروف مخففة أو الصعود عن الحد الأقصى في حالة ظروف مشددة والعقوبات السالبة للحرية التي لا يمكن إبدالها هي العقوبات الطويلة الأمد والمقررة للجرائم الجسيمة وللمجرمين الخطيرين الذين يحتاجون إلى برمج إصلاحية طويلة الأمد.
وفي المقابل فإنه يمكن للمحكمة متى توافرت لديها القناعة الوجدانية بأن الهدف من العقوبة يمكن الوصول إليه دون حاجة إلى سلب الحرية، لها أن تحكم بإحدى العقوبات غير السالبة للحرية ضمن السلم العقابي المتاح لها.
تاسعاً: حق المحاكم في الحكم على الفاعل بالغرامة عوضاً عن أيام الحبس وذلك عندما تكون العقوبة للجريمة هي الحبس، وعندها يحسب عدد أيام الحكم وتضربها بمبلغ الغرامة الذي يقابل كل يوم ويحدد قرار الحكم ما يقابل كل يوم من المال.
حادي عشر: التعهد أو الكفالة بحسن السلوك: للمحكمة أن تحكم على الفاعل بأن يقدم تعهداً بحسن السلوك لمدة معينة تتراوح في الغالب بين السنة والثلاث سنوات.
ثاني عشر: إلزام المحكوم عليه تعويض المجني عليه: حيث يجير بعض التشريعات الجزائية للمحاكم بناء على طلب المجني عليه المتضرر الحكم على الفاعل بإزالة الأَضرار التي أحدثتها جريمته وتعويضه عما أصابه من أضرار.
وفي حالة ما أدت الجريمة إلى إلحاق أضرار جسمانية بالمجني عليه مما أدى إلى تعطيله عن قيامة بأعماله، فللمحكمة أن تحكم على الفاعل إضافة للتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب هذا التعطيل، أن يقوم برعاية المجني عليه والقيام ببعض أعماله لمدة مناسبة، وفي حالة امتناعه عن القيام بذلك فللمحكمة أن تحكم عليه بعقوبة العمل الإجباري.
ثالث عشر: من هذا البدائل عقوبة التوبيخ العلني: وفي الحالات التي تستدعي إعلان التوبيخ خارج نطاق الحكم في المحكمة، يمكن أن يصار إلى إعلان التوبيخ في الصحف أو بواسطة طرف الإعلان الأخرى.
خامساً: تعريف الصغار
لم نجد – من أسف – تعريفاً قانونياً واحداً لتعريف أو تحديد من هو الصغير ومن هو غير الصغير، ما هو العمر الذي يكون عليه الشخص حتى يكتسب هذا الوصف بحيث إذا تجاوزه خلع عنه هذا الوصف.
يتبين لنا من مراجعة ما قاله الفقهاء اعتماداً على بعض النصوص القانونية ما يلي:
1- أن الصغير وصف يطلق على كل شخص من لحظة ولادته حيا إلى أن يبلغ سن الخامسة عشرة من العمر وهو سن البلوغ.
2- إن الأوصاف التي تطلق على مرحلة الأولى من عمر الشخص وهي الواقعة ما بين سن الولادة وسن السابعة من العمر عديدة، وتتمثل في الطفولة والصغر وعدم التمييز، كما أن المادة الثالثة من قانون الأحداث في مصر تعتبر من حالات الانحراف ارتكاب من لم يبلغ السابعة من عمره واقعة تعد جناية أو جنحة، وبهذا الوصف يقدم لمحكمة الأحداث لتأمر بأحد التدابير المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون المذكور وهذه التدابير مشتركة بين الانحراف والإجرام.
فهل المقصود من العنوان بحث “العقوبات البديلة التي تطبق على الصغار بهذا المعنى أم المقصود بحث العقوبات البديلة التي تطبق على الأحداث بالمعنى الذي نصت عليه المادة الأولى من قانون الأحداث المصري في قولها “يقصد بالحدث في حكم هذا القانون من لم تجاوز سنة ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للإنحراف ؟؟؟؟؟” ([6])
بمعنى أنه تطبق أحكام الانحراف عليه ولو كان سن الحدث دون السابعة حيث يعد منحرفاً ما دام قد صدر عنه جناية أو جنحة، فالحد الأقصى لسن الحداثة مشترك بين الأحداث والمنحرفين والأحداث الجانحين، ولكن النص لم يضع حداً أدنى لسن الحداثة في الحالتين .
نحن نرجح أن المقصود بالعنوان لغايات حسن الفائدة الحدث بهذا المعنى وليس الصغير، وعليه فسنقيم بحثنا على هذا الأساس.
سادساً: هل ما يطبق على الأحداث عقوبات أم تدابير تهذيبية أو طرق تقويمية باعتبارها تدابير احترازية لا تفترض الأهلية للمسئولية الجنائية وإنما تواجه خطورة إجرامية فحسب؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من التفرقة بين المراحل التي تمر بها الحداثة؟
المرحلة الأولى: من الولادة حتى تمام السابعة من العمر: وهذه مرحلة تنعدم فيها المسؤولية الجزائية وبالتالي لا يجوز فرض أي جزاء جنائي مهما كان نوعه على الشخص في هذه المرحلة.
وقد يسعف نص المادة السابعة من قانون الأحداث المصري في قولها على انه ” فيما عدا المصادرة وإغلاق المحل لا يجوز أن يحكم على الحدث الذي لا يتجاوز سنه خمس عشرة سنة ويرتكب جريمة بأية عقوبة أو تدبير مما نص عليه في قانون العقوبات وإنما يحكم عليه بأحد التدابير الآتية:
وعدم جواز توقيع عقوبة عادية في هذا الدور يثير البحث فيما إذا كان القانون يعتبر الحدث مسئولاً وقد عرض هذا الموضوع على محكمة النقض المصرية فكان لها فيه رأيان متعارضان:
فقد قضت في بعض أحكامها بأن الطرق التقويمية المقررة للأحداث ليست عقوبات بالمعنى المقصود في قانون العقوبات لأنها ليست داخلة ضمن البيان الرسمي للعقوبات الأصلية أو العقوبات التبعية كما هي مقررة في ذلك القانون. بل أنها من طرق التربية التي يقضي القانون بأن يحكم بها بدل الحكم على المتهم بالعقوبة المقررة قانوناً، ([7])
ثم عدلت محكمة النقض عن ذلك واستقر قضاؤها على أن “الجزاءات التقويمية المقررة للأحداث وإن كانت لم تذكر بالمواد 9 وما يليها من قانون العقوبات المبينة لأنواع العقوبات الأصلية والتبعية، إلا أنها في الواقع عقوبات حقيقية نص عليها قانون العقوبات في مواد أخرى لصنف خاص من الجناة هم الأحداث، لأنه رآها أكثر ملائمة لأحوالهم وأعظم أثراً في تقويم أخلاقهم” ([8]).
ويبدو أن الاتجاه الأول هو الذي يؤيده الفقه والقانون المقارن فقد أثير الموضوع في المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي انعقد في روما سنة 1953، ويستنتج من التقرير الذي قدمه الأستاذ جرسبيني إلى المؤتمر أن التدبير ردة فعل المجتمع الذي لا ينطوي على معنى الإيلام، ومن ثم لا يطبق على شخص مسؤول. فمتى قرر القانون عدم تطبيق العقوبة فمعنى ذلك أن مرتكب الفعل المكون للجريمة غير مسؤول وعدم مسؤولية الصغير في هذه المرحلة أساسية لتخلَّف أهلية الأداء، وهذه الأهلية تعني صلاحية الشخص لتوجيه المشرع الجنائي الخطاب إليه وبالتالي تكليفه بالاستجابة إليه. والمشرع في هذه المرحلة يعتبر الصغير غير مكتمل العقل فلا ينشأ عن ارتكابه الفعل المكون للجريمة التزام بتحمل عقوبتها.
أما التدابير فالخطاب له موجه إلى القاضي وليس إلى المتهم ولذلك صح تعبير المشرع الليبي بعدم مسؤولية الصغير إذا لم تبلغ سنه الرابعة عشرة من عمره “المادة 80 من قانون العقوبات” وبهذا النظر أخذ مشروع قانون العقوبات المصري فنصت المادة (33) منه على أنه “لا مسئوولية على من لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره حين اقترف الفعل المكون للجريمة، وتتبع في شأنه الأحكام المنصوص عليها في قانون الأحداث، ومن الواضح أن هذا التعبير يفضل تعبير المادة السابعة من قانون الأحداث.
ويبدو أن قانون الأحداث الكويتي رقم (3) لسنة 1983 كان قريباً في تعريفاته للحدث وللحدث المنحرف وللحدث المعرض للانحراف من القانون المصري.
فعرفت المادة رقم (1/أ) منه الحدث على انه “كل ذكر لم يبلغ من السن تمام السنة الثامنة عشر.
ب- والحدث المنحرف كل حدث أكمل السابعة من عمره ولم يبلغ تمام الثامنة عشر وأرتكب فعلاً يعاقب عليه القانون، علماً بأن قانون العقوبات يحدد الجرائم بنوعين فقط هما الجنايات والجنح مستبعداً بذلك المخالفات، فهو يتفق مع القانون المصري في تعريفه للحدث المنحرف وهو الشخص الذي يرتكب جناية أو جنحة وكان عمره بين السابعة والثامنة عشر فكلاهما يشترط أن تكون الجريمة جناية أو جنحة.
في حين عرفت الفقرة ج من المادة رقم (1) من قانون الأحداث الكويتي الحدث المعرض للانحراف” كل شخص وجد في أي من الحالات الآتية، وهي ذات الحالات التي أشار إليها القانون المصري”.
وقد خص المشرع الكويتي الباب الثاني من قانون الأحداث بعنوان “التدابير والعقوبات” فنصت المادة(5) من القانون على انه ” لا يسأل جزائياً من لم يبلغ من العمر وقت ارتكاب الجريمة تمام السابعة” ولم يتطرق المشرع الكويتي إلى حالة من يرتكب واقعة تعد جناية أو جنحة ولا يكون قد بلغ السابعة من عمره التي اعتبرها قانون الأحداث المصري من حالات الانحراف. وقد كان المشرع الكويتي واضحاً جداً في المادة السادسة منه عندما اعتبرت بأن ما يمكن إيقاعه على الحدث الذي أتم السابعة من عمره ولم يكمل الخامسة عشرة من العمر وارتكب جناية أو جنحة، حيث يأمر القاضي باتخاذ أحد التدابير الآتية ضده وهي:
أ- التوبيخ بتوجيه اللوم والتأنيب له على ما صدر منه وحثه على السلوك القويم مادة (7) من القانون.
ب- التسليم إلى ولي أمره فإذا لم تتوافر فيه الصلاحية للقيام بتربيته، سلم إلى ولي من يكون أهلاً لذلك من أقاربه أو إلى شخص آخر مؤتمن يتعهد بتربيته وضمان حسن سيره أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد ربها بذلك مادة (8/أ)، وإذا كان الحدث ذا مال أو كان له من يلزم بالاتفاق عليه قانوناً وطلب من حكم بتسليمه تقرير نفقة له، عين القاضي المبلغ الذي يؤخذ من مال الحدث أو يلزم به المسئول عن النفقة مادة 8/ب.
ج- الاختبار القضائي، ويكون بوضع الحدث في بيئته الطبيعية تحت إشراف وتوجيه مراقب السلوك وذلك بأمر من محكمة الأحداث يحدد فيه الشروط الواجب مراعاتها ومدة الاختبار على أن لا يتجاوز السنتين وعلى أن تتم إجراءاته بمكتب المراقبة الاجتماعية مادة 9.
د- الإيداع في مؤسسة لرعاية الأحداث، فلمحكمة الأحداث أن تأمر بإيداع الحدث في إحدى المؤسسات المناسبة أو المعترف بها من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لغرض إيواء ورعاية الأحداث المنحرفين والأحداث المعرضين للانحراف فإذا كان الحدث ذا عاهة يكون الإيداع في مؤسسة مناسبة لتأهيله. مادة 10.
ه- الإيداع في مأوى علاجي، فإذا تبين لمحكمة الأحداث أن الحالة الصحية للحدث المنحرف أو المعرض للانحراف تستدعي الرعاية أو العلاج الطبي، فلها أن تقرر إيداعه مؤسسة صحية مناسبة لهذا الغرض للمدة التي تستدعي حالته الصحية البقاء فيها تحت الإشراف الطبي المطلوب وفقاً للتقارير الطبية والاجتماعية على أن يعاد النظر في أمر هذا التدبير إذا تبين للمحكمة أن حالته الصحية أصبحت تسمح بذلك مادة 11.
أما الجزاءات التي نفرض على الأحداث الذين أكملوا الخامسة عشرة ولم يكملوا الثامنة عشرة من العمر وارتكبوا جنايات يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه في قانون الأحداث المصري بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات وإذا كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم بالسجن، في حين نصت المادة (14/أ) من قانون الأحداث الكويتي على “وإذا ارتكب الحدث الذي أكمل الخامسة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من العمر جناية عقوبتها الإعدام أو الحبس المؤبد حكم القاضي عليه بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات” وهذا الحكم قريب جداً من الحكم الوارد في القانون المصري” أما إذا ارتكب الحدث جريمة عقوبتها الحبس المؤقت حكم القاضي عليه بالحبس مدة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً”.
وهكذا نبين لنا بأن الحدث يمكن أن يرتكب جريمة جنائية أو جنحة في هذه المرحلة ويتعرض من أجلها لفرض عقوبة جزائية عليه وليس لمجرد تدبير.
الوضع في قانون الأحداث الأردني
لقد ساير قانون الأحداث الأردني رقم 24 لسنة 1968 القانونين المصري والكويتي في جوانب واختلف معها في جوانب أخرى، فمن الجوانب التي سايرها بها هو عدم جوار إنزال أي جزاء جنائي بحق الصغار جداً الذين يرتكبون جرائم قبل بلوغهم تمام السابعة من أعمارهم لعدم توفر شرط الوعي أو التمييز لديهم وهو شرط تعرضهم للملاحقة الجزائية وذلك على منطق نص المادة (36) من القانون في قولها “لا يلاحق جزائياً من لم يتم السابعة من عمره حيث اقتراف الفعل”.
واتفق معهما في فرض التدابير التقويمية أو الحماية بالنسبة لفئة من الأحداث الصغار- وهم الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة في حال ارتكابهم لجرائم، فنصت المادة (21) من القانون المذكور تحت عنوان “تدابير حماية الولد” على مايلي:
1- لا عقاب على الولد من أجل الأفعال التي يقترفها إلا أنه تفرض عليه تدابير حماية من قبل المحكمة على الوجه الآتي:
أ- تسليمه إلى أحد والديه أو إلى وليه الشرعي، أو
ب- تسليمه إلى أحد أفراد أسرته، أو
ج- تسليمه إلى غير ذويه، أو
2- مع مراعاة ما ورد في الفقرة (1) من هذه المادة للقاضي أن يضع الولد تحت إشراف مراقب السلوك مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات.
إلا أنه اختلف معهما فيما بعد ذلك، فعاقب الأحداث الذين هم من فئات المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين تمام الثانية عشرة والخامسة عشرة بموجب المادة (19) من القانون على النحو التالي:
1/أ- إذا اقترف المراهق جناية تستلزم عقوبة الإعدام، فيحكم عليه بالاعتقال مدة تتراوح من 4-10 سنوات.
ب- وإذا اقترف جناية يعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة فيحكم عليه بالاعتقال مدة تتراوح بين 3-9 سنوات.
ج- إذا اقترف جناية تستلزم عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال المؤقت فيعتقل من سنة إلى ثلاث سنوات.
ويجوز للمحكمة أن تستبدل هذه العقوبة بعد الحكم بها بإحدى العقوبات المنصوص عليها في البنود (4) و (5) و (6) من الفقرة (د) من هذه المادة.
د- إذا اقترف جنحة أو مخالفة جاز للمحكمة أن تفصل في الدعوى على الوجه الآتي:
1- بالحكم عليه أو على والده أو وصيه بدفع غرامة أو بدل عطل وضرر أو مصاريف المحاكمة.
2- بالحكم عليه أو على والده أو وصيه بتقديم كفالة مالية على حسن سيرته.
3- بالحكم عليه بتقديم تعهد شخصي بضمان حسن سيرته وسلوكه.
4- بوضعه تحت إشراف مراقب السلوك بمقتضى أمر مراقبة لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات.
5- بوضعه في دار تربية الأحداث مدة لا تزيد على سنتين.
6- بإرساله إلى دار وتأهيل الأحداث أو أي مؤسسة أخرى مناسبة يعتمدها الوزير المعني – وهو وزير التنمية الاجتماعية في الأردن – لهذه الغاية وذلك لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات ويجوز في الفقرات (1) و (2) و (3) و (4) أن يقترن الحكم المقرر فيها بأي حكم أخر مما هو مذكور في هذه المادة.
أما الفتية الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة فقد فرض القانون عليهم في حال ارتكابهم جرائم بموجب المادة 18/أ على النحو التالي:
أ- إذا اقترف الفتى جناية تستلزم عقوبة الإعدام يحكم عليه بالاعتقال مدة تتراوح بين 6-12 سنة.
ب- إذا اقترف جناية تستلزم عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة فيحكم عليه بالاعتقال مدة تتراوح بين 5-10 سنوات.
ج- إذا اقترف جناية تستلزم عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال المؤقت فيعتقل مدة تتراوح بين سنتين إلى خمس سنوات.
وفي حالة الأخذ بالأسباب المخففة التقديرية يجوز لها استبدال هذه العقوبة بعد الحكم بإحدى العقوبتين الواردتين في البندين (4) و (5) من الفقرة (د) من المادة (19) من هذا القانون.
د- إذا اقترف جنحة تستلزم الحبس يوضع في دار تربية الأحداث مدة لا تتجاوز ثلث مدة العقوبة المنصوص عليها في القانون.
هـ- إذا اقترف الفتى مخالفة أو جنحة تستلزم عقوبة الغرامة فتنزل العقوبة إلى نصفها.
و- يجوز للمحكمة إذا وجدت أسباب مخففه تقديرية أن تستبدل أي عقوبة منصوص عليها في الفقرتين (د) و (هـ) بإحدى العقوبات المنصوص عليها في البند (د) من المادة (19) من هذا القانون.
الخلاصة:
نستنتج من كل ما تقدم أنه لا يمكن تطبيق نظام العقوبات البديلة على التدابير أو العقوبات التي تطبق على الصغار أو الأحداث في أي مرحلة من مراحل أعمارهم للأسباب التي بيناها في هذه الورقة وذلك على التفصيل التالي:
1- عدم جواز ملاحقة الصغار الذين يرتكبون جرائم في المرحلة الأولى من مراحل أعمارهم والتي تتراوح بين الولادة وتمام السنوات السبع الأولى لانعدام أسس المسئولية الجزائية وهما الوعي وحرية الاختيار أو الإرادة الحرة.
2- عدم جواز فرض أي عقوبة جزائية على من يرتكب من الأحداث جرائم في المرحلة العمرية الثانية وهي التي تتراوح بين تمام السبع سنوات والثانية عشرة في القانون الأردني والخامسة عشرة في القانونين المصري والكويتي، وإنما تفرض تدابير حماية في القانون الأردني وتدابير تقويميه أو تهذيبيه في القانونين الآخرين، ولا مجال لفرض نظام العقوبات البديلة على هذه التدابير لأنها ليست عقوبات لتحل محلها العقوبات البديلة.
3- عدم جواز تطبيق نظام العقوبات البديلة على من يرتكبون من الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين تمام الخامسة عشرة والثامنة عشرة جرائم على الرغم من أنهم يخضعون لفرض عقوبات جزائية عليهم، والسبب في ذلك هو عدم توفر أسباب فرضه عليهم المتمثلة في إمكان اختلاطهم بالمجرمين العتاة الذين ينقلون إليهم عدوى الإجرام، فالأحداث في هذه المرحلة ينفذون عقوباتهم في أماكن خاصة بهم بعيدة عن السجون التي ينفذ فيها المجرمون العتاه عقوباتهم، وهذه الأماكن الخاصة عبارة عن مؤسسات إصلاحية حكومية أو أهلية يعتمدها الوزير المختص يتم فيها تأهيلهم عن طريق تعليمهم علمياً ومهنياً كما يتم توقيفهم أيضاً في أماكن خاصة بهم كدور تربية الأحداث وهي أيضاً مؤسسات إصلاحية حكومية أو أهلية يعتمدها الوزير المختص لاعتقالهم وتوقيفهم، كما يمكن إيواء المحتاجين للحماية والرعاية في مؤسسات حكومية أو أهلية يعتمدها الوزير يطلق عليها القانون الأردني أسم ” دور الرعاية”.
التوصيات:
إن السياسة الجزائية الحديثة في مواجهة انحراف الأحداث وجنوحهم لا تقضي الأخذ بنظام العقوبات البديلة عليهم للأسباب التي أوضحناها في هذه الورقة وإنما نوصي بما يلي:
1- إخضاع سماع أقوالهم وتقصي الحقائق من قبل شرطة أحداث خاصة ومتخصصة يتم تأهيل أفرادها بإخضاعهم لدورات متخصصة يتم تدريب أعضائها على كيفية التفاعل معهم.
2- تخصيص نيابة خاصة بالأحداث لغايات التحقيق والتصرف في الجرائم التي يرتكبها الأحداث يكون أعضاؤها متخصصين في التحقيق مع الأحداث.
3- تخصيص محاكم خاصة لمحاكمة الأحداث يتم فيها تعيين قضاة متخصصين ومؤهلين للقيام بهذه المهمة.
4- الاهتمام بالمؤسسات الإصلاحية حكومية كانت أم أهلية معتمدة من قيام الوزارات المختصة في البلدان العربية الخاصة بتوقيف الأحداث وخضوعهم للتدابير والعقوبات التي تفرض عليهم، وذلك بتعيين كوادر مؤهله خاصة بهذا الشأن، وذلك بغض النظر عن تسمية تلك المؤسسات كما نوصي بالعمل على توحيد المصطلحات المتعلقة بهذه المؤسسات في البلاد العربية.
5- وضع نظام خاص بالتدابير والعقوبات التي تفرض عليهم يتبع فيه نظام التدرج الكمي والنوعي ويوسع فيه مجال التخفيف أو التشديد تبعاً للظروف الموضوعية والشخصية الخاصة بالحدث.
6- وليس ثمة ما يمنع من تطبيق بعض العقوبات التي تطبق على الكبار باعتبارها عقوبات بديلة، على الأحداث باعتبارها عقوبات وتدابير أصيلة لا بديلة، كالامتناع عن النطق بالعقوبة والعمل ذي النقع العام متى ارتأت المحكمة أنها تفيد في إصلاحهم ولكن ضمن قيود وشروط قانونية محددة.
المراجع:
1- الأستاذ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني مصادر الالتزام ط2، ص 290
2- د. محمود محمود مصطفى شرح قانون العقوبات القسم العام.
3- د. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام.
4- د. رؤوف عبيد مبادئ التشريع العقابي القسم العام.
5- د. رمسيس نهام النظرية العامة للقانون الجنائي.
6- داود السعدي المحامي شرح قانون العقوبات البغدادي بغداد 1939 ص 22.
7- د. واثيه السعدي ملامح السياسة الجنائية الحديثة في التشريع العراقي مجلة القانون الماقرن 1983 ص 222.
8- د. واثبه السعدي بدائل العقوبة القصيرة الأمد مجلة الحقوق الاعداد 1-4 عام 1988
9- Marc Ancel et A.A. Piontkovky& V. M. Tehikhvadze “Lesystempenal Sovietiqe” Paris 1975, P/ 72
10- فرانسوا فوكار/ العقوبات البديلة أبحاث مترجمة أعداد وحدة الترجمة بالأمانة العامة لمجلس وزراء العدل العربي المجلة القضائية العربية العدد الأول 1984 ص 391- 392.
11- Jean Pradel Ander varinard les grands arrest du Droit, Criminal T. P 258- 260.
([1]) د. محمود محمود مصطفى نموذج القانون العقوبات ط(1) 1976 مطبعة جامعة القاهرة ص 11.
([2]) د. محمود علي حسني شرح قانون العقوبات القسم العام 1977 ط4 دار النهضة العربية القاهرة، ص 721.
([3]) مؤلفه شرح قانون العقوبات القسم العام 1983 ط10 دار النهضة العربية ص 555.
([4]) مبادئ القسم العام من التشريع القضائي، 1979 ط4، دار الفكر العربي ص 763.
([5]) مؤلفه النظرية العامة للقانون الجنائي منشأة المعارف 1988، ص 985.
([6]) د. محمود محمود مصطفى المرجع السابق ص 534- 535.
([7])قد رتبت المحكمة على ذلك أن الطعن في الحكم بالإرسال لإصلاحية الأحداث غير جائز، لأن الطعن بالنقص لا يجوز إلا في الأحكام الصادرة بعقوبات.نقض 19 مارس 1910 المجموعة الرسمية س 11 رقم 78 ، ص 212، 17 ابريل 1912 س 13 رقم 71 ص 142، 21 يوليه 1912 رقم 126 ص 263.
([8])وقد رتبت المحكمة على ذلك جواز الطعن في الأحكام الصادرة بعقوبات تقويمية بالاستئناف استئناف أو تمييزاً نقص 17 إبريل سنة 1930 مجموعة القواعد القانونية ج2 رقم 24 ص 16، 16 يناير سنة 1933 ج3 رقم 75 ص 108، 20 ديسمبر سنة 1937 د4 رقم 135 ص 170.
اترك تعليقاً