عقوبة المراقبة الإلكترونية
القاضي إياد محسن ضمد
في السجون مجتمعات قائمة بذاتها من حيث الثقافة والسلوك، وثقافة السجن وحسب ما يسميها البعض ثقافة سفلية بسبب الطبيعة الجرمية للأشخاص المتواجدين في السجون والأفكار التي يحملونها، لأجل ذلك فان المؤسسات السجنية لم تعد قادرة على تحقيق اهدافها الاصلاحية التي وجدت من اجلها والتي أبرزها إصلاح المحكومين واعادة تأهيلهم لتسهيل إعادة إدماجهم في المجتمع على انهم افراد صالحين.
فالواقع يثبت ان السجن احد العوامل التي تنمي الغرائز الجرمية فهو من باب غير قادر على ازالة الميول الجرمية المتأصلة لدى المجرمين المعتادين وفي الوقت ذاته يفسد المجرمين المبتدئين من خلال اكتساب ثقافة السجن وثقافة الجريمة حتى ان بعض الدراسات اشارت الى ان الكثير من مرتكبي جرائم الصدفة تحولوا الى مجرمين محترفين فمن مرتكب لجنحة اخلاقية الى مرتكب لجناية سرقة ومن متاجر بالحبوب المخدرة الى مرتكب لجرائم قتل اضافة الى ما يترتب على زيادة اعداد المسجونين والمحبوسين من نفقات باهظة تثقل ميزانيات الدول، ليزيد من عبئ العدالة الجنائية برمتها، والتي تعاني أصلا من قلة الموارد المادية والبشرية المؤهلة.
وقد اوردت صحيفة الدايلي تليغراف في احد أعدادها الصادر في العام 1989 ان هولندا استأجرت سجنا لدى دولة بلجيكا لمعالجة مشكلة اكتظاظ السجناء لديها ما زاد في إنفاقها العام وازاء كل ذلك فقد ذهب فقهاء السياسة العقابية الى إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية تلائم طبيعة المجرم وتسهل عملية إعادة ادماجه في المجتمع من جهة وتقلل التكاليف المالية على الدولة من جهة اخرى وبما يتلاءم مع الهدف الجديد للعدالة الجنائية المعاصرة المتمثل بإعادة تأهيل المحكوم عليه دون سلب حريته لاسيما وان اغلب العقوبات المحكوم بها هي عقوبات قصيرة المدة لا تتجاوز السنة الواحدة.
وهي لن تكفي لإصلاح المحكوم عليه ومن بين ما توصل اليه الفقه الجنائي الحديث من عقوبات بديلة هي عقوبة المراقبة الالكترونية وهي اجراء تتخذه المحكمة بحق المجرم بعد إدانته اذ تأمر بإطلاق سراحه تحت شروط محددة وتخضعه لرقابة هيئة او مؤسسة معينة وتأمر بمراقبته الكترونيا.
و هي نوع من انواع المعاملة الإصلاحية خارج المؤسسة السجنية تهدف الى اعادة بناء شخصية المجرم بالغا كان ام حدثا ومساعدته على اعادة تعديل مسيرة حياته وهذه العقوبة البديلة تقوم على اساس فكرة الحبس المنزلي حيث يصار الى اطلاق سراحه وتحديد إقامته وبما يتلاءم وتوجهات السياسة الجنائية المعاصرة القائمة على التأهيل الاجتماعي للمحكوم عليه دون سلب الحرية وقد اخذت العديد من الدول بهذه العقوبة كفرنسا واميركا.
المراقبة الالكترونية من بدائل عقوبة السجن او الحبس حيث يتم اطلاق سراح المدان بعد محاكمته تحت شروط اهمها الاقامة المقيدة والتردد على اماكن محددة عن طريق استخدام الكومبيوتر الذي يعمل على اختزان المعلومات والإشارات التي يرسلها عن محل تواجد المحكوم ويتم تفعيل هذا النظام العقابي بوضع اسوار على معصم المدان شبيه بالساعة يقوم بإرسال إشارات للجهة الرقابية.
الا ان تشريعات الدول التي أخذت بهذه العقوبة اشترطت جملة شروط لتطبيقها أهمها:
-ان تكون الجريمة المرتكبة من الجرائم الوسطية الأثر او البسيطة.
-وان يكون للمتهم محل سكن معلوم وان يوافق من يشارك المتهم في السكن على خضوعه لهذه العقوبة لأنها بأي حال ستنتهك حقه في الخصوصية كذلك من شروط تطبيقها ان يوافق المدان عليها فهي لا يمكن ان تفرض دون إرادته وموافقته.
وإزاء هذا التطور في الفكر الجنائي العقابي الحديث فلا بد من مراجعة السياسة العقابية في العراق لاسيما وان الدولة تعاني من ازمة مالية واكتظاظ في مؤسساتها السجنية بان يصار إلى اجراء تعديل في قانون العقوبات للنص على مثل هذا النوع من العقوبات البديلة لسلب الحرية ووضع الآليات المناسبة لتطبيقها وبما يتلاءم وطبيعة وواقع المجتمع العراقي ونظامه القانوني.
اترك تعليقاً