العقود المستقبلية ودورها في إدارة المخاطر
فيصل الجاسر
في أواخر العام الماضي أعلنت شركة السوق المالية السعودية “تداول” خطتها لإطلاق سوق المشتقات المالية خلال النصف الأول من هذا العام مبتدئة بعقود المؤشرات المتداولة المستقبلية التي كما تم الإعلان عنها ستكون مرتبطة بمؤشر تداول “إم إس سي آي” للسوق السعودية.
ومن هذا المنطلق أحببت أن أسلط بعض الضوء في هذا المقال على العقود المستقبلية كون أحد أهم أدوارها المنشودة هو تمكين المتداولين من إدارة المخاطر على وجه خاص وتعزيز كفاءة السوق ككل على الوجه الأعم. وإذا تذكرنا سويا، كنا قد تطرقنا في المقال السابق عن ماهية المشتقات المالية بشكل عام وكشفنا عن بعض خصائصها الأساسية. والعقد المستقبلي هو اتفاق قانوني يتم فيه تحويل مخاطر التذبذب في الأسعار من طرف إلى طرف آخر، وفيه يتم شراء أو بيع سلعة أو أصل معين بسعر محدد مسبقا وفي وقت محدد في المستقبل. وفي العادة تكون العقود المستقبلية موحدة من حيث جودة وكمية السلعة أو الأصل محل التعاقد وذلك لتسهيل عملية تداولها في البورصة. ومن جانب، يكون على عاتق المشتري للعقد المستقبلي الالتزام بشراء الأصل الأساسي عند انتهاء مدة العقد، ومن الجانب الآخر يقع على عاتق البائع لهذا العقد الالتزام بتوفير الأصل الأساسي في تاريخ التسوية.
الجدير بالذكر هنا أن معظم العقود المستقبلية تتم تسويتها نقدا عند انتهاء مدتها دون الحاجة إلى التبادل العيني للأصل، أو اللجوء إلى إبطالها قبل يوم التسوية عن طريق الدخول في عملية معاكسة تنشأ إما بشراء العقد المبيع وإما ببيع العقد الذي تم شراؤه ويكون في الأغلب نتاج هذه العملية هو ربح طرف وخسارة الطرف الآخر وذلك وفقا للمستويات السعرية لتلك العقود في ذلك الوقت.
والتحوط باستخدام العقود المستقبلية يكون إما بشراء العقد والتحوط أو ما يسمى Long Hedge وإما ببيع العقد والتحوط والمسمى Short Hedge. وتكون الحالة الأولى في شراء المتعامل عقدا مستقبليا للتحوط من أي زيادة محتملة في قيمة الأصل المبيع على المكشوف، والحالة الثانية تنشأ ببيع المتعامل عقدا مستقبليا للتحوط من أي انخفاض في قيمة الأصل المملوك. والهدف من كلا النهجين هو إيجاد تأثير مواز بين حركة الأصل والعقد المستقبلي ذي الصلة. ومن هنا، على سبيل المثال، إذا توقع أحد المتعاملين انخفاضا في سعر أصل أو سلعة معينة، فقد يكون التحوط عن طريق بيع العقود المستقبلية ذات العلاقة هو الإجراء الأنسب لحماية قيمة الأصول المملوكة في المحفظة، وذلك نظرا للعائد المتحقق في هذه الحالة من قيمة تلك العقود المستقبلية المبيعة.
وبهذا يتضح لنا دور هذه العقود في القضاء أو على أضعف الأحوال التخفيف من مخاطر التغير في الأسعار وتأثيراته في ربحية أي منظمة. ومن السهل أيضا إدراك الفائدة المرجوة من التحوط لأي منظمة هي على علم مسبق بحاجتها إلى أصل أو سلعة بعينها وقدرة هذه العقود على تأمين المستويات السعرية لتلك الحاجات وبشكل مسبق وإضفاء ذلك اليقين الاقتصادي المرغوب في العملية الإنتاجية برمتها. ومع ذلك قد نجد من يختلف مع هذه الميزة بحجة أن التحوط قد يؤدي إلى انخفاض في الربحية في حال تحركت الأسواق على عكس اتجاه تلك العقود. ونجد من يؤمن بوسائل أخرى للتحوط غير معنية بالمشتقات المالية ومتمحورة حول الآليات الأخرى كالتأمين التقليدي أو اتفاقيات تحمل المخاطر ذات الصلة مع الموردين أو إعادة الترتيب الداخلي لأصول ومطلوبات المنظمة كل حيثما ينطبق.
تجدر الإشارة أيضا إلى عامل آخر مهم، وهو ما يقوم به المنافسون في القطاع نفسه وهل التحوط بالمشتقات المالية بشكل عام هو جزء من إطار إدارة المخاطر الخاص بهم أم يميلون أكثر إلى التكيف مع مخاطر التغير في أسعار المدخلات عن طريق تحويلها إلى عملائهم النهائيين وبالتالي استقرار هوامش الربحية لديهم بدلا من التعرض للآثار السلبية الخاصة بالعقود المستقبلية.
وأحد أبرز مخاطر التحوط عن طريق العقود المستقبلية هي المخاطر المتمثلة في عدم توافق قيم تلك العقود مع مستوى التغير الحاصل في قيم الأصول أو السلع الأساسية محل التعاقد أو ما يسمى Basis Risk. وبالتالي، خطر اتساع أو ضيق الفجوه السعرية بينهما بين وقت تنفيذ خطة التحوط ووقت التسوية النقدية. وأبرز سببين في حصول هذه الفجوة يعود إلى إمكانية وجود اختلاف في نوع الأصل الأساسي في المحفظة والأصل الضمني وراء العقد المستقبلي، وإلى احتمالية عدم التطابق التام في مدة التحوط، وذلك بين وقت بيع أو شراء الأصل أو السلعة ووقت تسوية العقد المستقبلي ذي العلاقة. وإدراك هذه الفروقات هو أمر في غاية الأهمية وفي الأغلب هو الفيصل لتحقيق خطة تحوط مثالية.
وتجدر الإشارة إلى وجود آليات إحصائية لقياس نسبة التحوط الأنسب وذلك باستخدام معامل البيتا Optimal Hedge Ratio بين كل من الأصل والمشتق، وطرق لقياس فعالية التحوط عن طريق دراسة الارتباط في حركة الأسعار الفورية للأصل كمتغير تابع وأسعار العقود المستقبلية كمتغير مستقل وهو ما يسمى R-squared.
وبالعودة إلى عقود المؤشرات المتداولة المستقبلية، نجد أن معامل البيتا يشكل نسبة التحوط المطلوبة لدحض أثر التذبذب في قيمة المحفظة الاستثمارية عن طريق شراء أو بيع العدد المناسب من هذه العقود. ومن المتوقع أن تسفر هذه العقود عن تمكين فئة من المتداولين وأخص بالذكر هنا مديري المحافظ الضخمة للحد من تقلبات الأسعار واستقرار في العوائد وتدبير إضافي لحماية رؤوس أموال المستثمرين في حال تم التعامل معها بالشكل المناسب. وفي اعتقادي، أن إطلاق مثل هذه الأدوات تلحقها قريبا بإذن الله سوق للخيارات ما هي إلا إثراء لسوق الأسهم السعودية ووسيلة لتعزيز مفهوم إدارة المخاطر لدى المتعاملين.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً