العلاقة القانونية بين ظاهرة العنف و الدولة
لفت العام 2009 الانتباه بظاهرة المشاجرات الجماعية ومن بينها تلك التي نجم عن تدخل الأمن فيها سقوط ضحايا مثل حوادث عجلون ومعان وحيّ الطفايلة في عمّان، وهي وضعت على الطاولة العديد من الأسئلة عن جذور هذه الظاهرة من العنف وعن واقع المجتمع الأردني وعن العشائرية ومفهوم سيادة القانون ودور الأمن والجهاز الجديد للدرك، وفجّرت جدلا ساخنا مثل كل المتناقضات في زوايا النظر، فالأمن أحيانا متجاوز وعنيف وأحيانا متواطئ أو متخاذل ومتهاون في تطبيق القانون. والدولة متهمة بسياسات تشجيع العشائرية وتدليلها وتحصد الآن نتائجها، وفي احيان أخرى بتجاوز القاعدة الاجتماعية وإهمالها بعقلية إدارة الشركات والسياسات الليبرالية الاقتصادية. والتعليم متهم والفقر متهم وقانون الانتخابات متهم والتقاعس في الإصلاح متهم وأخيرا الإعلام متهم، وخصوصا مع وجود الإعلام الفضائي والإلكتروني، فهو يتسقط الأحداث وينفخ فيها حتى تبدو ظاهرة طارئة خطيرة بينما هي لا تتجاوز المألوف والعادي.
على هذه الخلفية وتحت عنوان سيادة القانون والتوترات المجتمعية انعقد على مدار اليومين الماضيين ملتقى وطني في البحر الميت أشرف على تنظيمه المجلس الاقتصادي الاجتماعي / لجنة السياسات الاجتماعية ومركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية، ومديرية الأمن العام/مركز الدراسات الاستراتيجية الأمنية.
وجود جهات تمثل رجال أمن ومجتمعا مدنيا وإعلاما وباحثين ومسؤولين حاليين وسابقين معا وفي حوارات صريحة كان بحدّ ذاته مكسبا، وقد تناوب الرؤساء السابقون طاهر المصري وعبد الرؤوف الروابدة ومعروف البخيت وعدنان بدران على رئاسة الجلسات التي شارك فيها مدير الأمن العام ومدير الدرك، وحاولت من خلال أوراق عمل ومداخلات تشخيص الظواهر وتقديم وجهات النظر بشأنها. ولا شكّ أن الأمن كان في بؤرة الحدث وكان جيدا إسماع الآخرين والاستماع إليهم حتى لو كانت الكتابات والتعليقات في حينه لم تترك شيئا إلا تناولته، فاللقاء والحوار المباشر له وقع وأثر مختلف.
من بين جوانب كثيرة أريد الإشارة الى البعد العشائري، ومركز الدراسات الاستراتيجية الأمنية في مديرية الأمن العام الذي يعمل بدأب وصمت على الاحصائيات والدراسات الخاصّة بالأمن في جوانبه المختلفة، وقدم احصائيات لا يمكن الاستنتاج منها أن هيمنة الطابع العشائري في المجتمع بذاته عامل في زيادة العنف والمشاجرات الجماعية؛ ففي مناطق البادية عدد المشاجرات أقلّ كثيرا من معان مثلا. وقد سجلت شرطة محافظة المفرق مثلا حادثتين من المشاجرات الجماعية خلال العام 2009 بينما شرطة غرب إربد سجلت 14 حادثة. مما يستوجب البحث في خصوصيات مجتمعية أخرى معقدة لتفسير الظاهرة.
فعالية الجلسات في تسليط الضوء على المشكلات وتشخيص الظواهر كانت أقوى كثيرا منها في طرح الحلول والمقترحات حتّى في الجلسة الأخيرة المخصصة لتقديم التوصيات، لكن في ثنايا الحوارات الغنية يوجد الكثير من الأفكار المفيدة ونتوقع أن يقوم المشرفون على الملتقى بتوثيقها لإطلاع جميع المعنيين وأيضا استخلاص توصيات ومقترحات
اترك تعليقاً