العلاقة بين الضمير والقانون في مقال هام

الضمير والقانون
منصور الزغيبي
< إن داخل كل إنسان منا صوتاً ينتصر للخير ويأمر بفعله وامتثاله، وينهى عن الشر وارتكابه، وفي حال تم فعل الخير والواجب، يشعر الإنسان بالسعادة وبالارتياح الكبير، وإذا لم يسمع لضميره الداخلي، وتجاوز دائرة الخير بفعل الشر، يشعر بالندم الشديد والألم. والضمير نطاقه أعمق وأوسع من القانون، لأنه هو في الأساس شيء لا يُرى، ومن الصعب (وهو عمل غير أخلاقي) استنطاق نفوس الآخرين وقراءة نواياها، أما القانون فأحكام نصوصه وتطبيقها يكون على ما هو ظاهر وبيّن بدليل وبرهان لا «لَبْس» فيه من تصرفات الناس وأعمالهم.

إن الضمير والقانون يتشكلان من خلال تأثيرات عوامل مختلفة تؤثر فيهما، وكل عصر له نمط معيّن تحكمه ظروف مختلفة، ولكل قوم وبيئة عادات وتقاليد وقيم متفاوتة، منها ما هو مشترك، ومنها ما هو مختلف بحكم عوامل حياتية كثيرة؛ لاختلاف الأديان والثقافات والعادات والتقاليد والعوامل الاقتصادية وحال رقي ووعي كل أمة ومجتمع وقوم.

أيضاً الضمير يؤدي دوراً قضائياً ذاتياً، فهو محكمة ذاتية مستقلة، يقضي بين النزاعات التي تدور داخل أسوار الذات، بينما القانون يعالج ما يظهر من سلوك الناس والممارسات ويفصل فيها.

وهذا لا يعني أن الضمير دائماً معصوم من الخطأ، ويأمر بالخير وينهى عن الشر فقط، وأيضاً قد يأمر ضمير الإنسان بشيء في زمن معيّن، ويأمره بشكل مختلف عن ذلك، ومؤرخ الفكر الأديب الفذ أحمد أمين – رحمه الله – في كتابه «الأخلاق»، أشار إلى أن السبب في اختلاف أوامره أن الضمير يتأثر بعاملين كبيرين:

فيتأثر أولاً: بالحالة الاجتماعية للأمة وعُرفها ودرجة رقيها، فالإنسان ينشأ في أسرة تستحسن أعمالاً وتستقبح أخرى، فيتبعها في استحسانها واستقباحها، ثم هو إذا خرج إلى الحياة العامة تبادل مع الناس في الأخذ والعطاء، فيلتقط آراءهم في الخير والشرِّ، ويقلدهم في ذلك، ويسايرهم في ما هم يستحسنون وما يستقبحون، ويأمره ضميره أن يفعل كما يفعلون.

ثانياً: يتأثر ضمير كل إنسان بدرجة عقله وعلمه، فكلما زاد علم الإنسان ونما عقله ارتقى ضميره، ذلك أن الخبرة والتجربة ومعرفته بنتائج الأشياء النافعة والضارَّة تُوسِّع عقله، فيتبع ذلك ارتقاء ضميره، حتى قد يأمره ضميره بعد هذه التجارب بما كان يَنْهاه عنه من قبل، وينهاه عما كان يأمره به، لأن عقله عرف من الحقائق ما كان يجهله، بل هو إذا وصل إلى درجة كبيرة من رقي العقل كان ضميره تابعاً لعقله أكثر من تبعيته لتقاليد قومه، واستطاع – إذا هو رزق وسائل الزعامة – أن يُغَيِّر ما يستنكره من عادات قومه.

خلاصة القول؛ إن الضمير تكمن قيمته حينما يكون مقترناً بالإرادة ويغذى بصحبة الأخيار، وتعميق معاني الفضيلة والاستشعار بها من خلال التعلم والتطبيق، وهو خير قائد إذا تمت تغذيته بوعي، وهذا ما يميل إليه المفكر أمين وغيره من الحكماء، والقانون تكمن قيمته في الالتزام به وتطبيق نصوصه، والوعي بها، ومعرفة الواجبات والحقوق.

 

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.