بحث قانوني الغموض في النصوص القانونية والشريعة الإسلامية
اعداد الباحث – عمار داود
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
المبحث الأول
الغموض في نصوص القانون
قد يكون النص القانوني مشوباً بعيب من العيوب التي تجعله في حاجة إلى التفسير و من هذه العيوب الغموض .
إن تقرير وضوح النص أو غموضه هي عملية تقييم شخصي تختلف بإختلاف فطنة المفسر , فقد يبدو النص واضحاً لمفسر , ويبدو غامضاً لآخر أقل منه فطنة , لذلك فإن عملية التفسير هي الكفيلة ببيان غموض النص من وضوحه مما يعني أن عملية التفسير هي عمل سابق على الحكم على النص بالوضوح أو الغموض .(1)
وأسباب غموض النص التشريعي هي :-
أولاً:- الغموض الذي تقتضيه فن الصياغة التشريعية .
ثانياً :-الغموض الذي تقتضيه طبيعة الموضوع .
ثالثاً :- الغموض الذي تقتضيه طبيعة اللغة ذاتها .
أولاً:- الغموض الذي تقتضيه فن الصياغة التشريعية
إن فن الصياغة التشريعية , هو مجموعة الوسائل والقواعد المستخدمة لصياغة الأفكار القانونية والأحكام التشريعي بطريقة تيسر تطبيق القانون من الناحية العملية , وذلك باستيغاب وقائع الحياة في قوالب لفظية تحقق الغرض المنشود من السياسة القانونية .(2)
وأهم صفات الفن التشريعي ما يلي :-
1- أن تكون الصياغة شاملة لما يراد تنظيمه حالاً من العلاقات القانونية والى ما ينتظر وقوعه في المستقبل .
2- أن تكون العبارات دقيقة تقرر حلولاً ثابتة غير متغيرة .
3- أن تكون سهلة التطور في المراد منها بأن تتوافق مع المراكز المادية التي يمكن أن تظهر في الجماعة.
فالتشريع السليم هو الذي يختار الصيغ الملائمة للوقائع التي ستطبق عليها القاعدة القانونية , فإذا كانت مما يتطلب الحسم والصرامة فلا بد أن تتصف الصياغة بالجمود مثل تحديد الفائدة , أما إذا لم تتطلب الحسم والصرامة فتتصف بالمرونة والتي بدورها توسع سلطة من يتولى تطبيق القاعدة التشريعية .(3)
ثانياً :- الغموض الذي تقتضيه طبيعة الموضوع .
قد تقتضي طبيعة الموضوع الذي يعالجه المشرع أن يتحاشى التعرض لأدق التفاصيل فيه لما يتميز به من الإتساع والدقة .
وقد يتعمد المشرع ذلك ايضاً لما تقتضيه أمور سياسية أو اجتماعية فيبتر النص أو يصوغه بلغة مبهمة ويترك للقضاء استخلاص المعنى المقصود مع الزمن وعند حدوث الوقائع .(3)
ثالثاً :- الغموض الناتج عن القصور في اللغة والتعبير.
إذا ورد في النص التشريعي لفظ أو عبارة مما يحتمل أكثر من معنى واحد نتج لدينا غموضفي النص ناتج عن قصور في اللغة أو التعبير , مما يستدعي اللجوء إلى التفسير لمعرفة المقصود الحقيقي والأقرب لمراد النص , كاللجوء الى تعريف مصطلح الليل عندما يستخدمه المشرع كظرف مشدد لعقوبة السرقة .
والحقيقة أن أبرز سبب لهذا الغموض هو وجود الألفاظ المشتركة ذات المعاني المتعددة وما أكثرها في اللغة .(3)
وقد يأتي الغموض لا من وجود الألفاظ المشتركة المعاني بل من أسلوب النص نفسه , لأن القارئ البسيط يستطيع التمييز بين العبارة الواضحة والعبارة المغلقة , فالعبارة الواضحة تصاغ بأسلوب سلس يمكن تصور المقصود منهادن الحاجة الى التحليل .أما العبارة الصعبة فيكون أسلوب صياغتها معقد اللفظ والتركيب .(3)
المبحث الثاني
الغموض في النصوص الشرعية
تقسم الأدلة الشرعية الى قسمان :-
أدلة بنصوص وهي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , وأدلة بغير نصوص وهي القياس والإستحسان .(1)
وبما أن بحثي عن تفسير النصوص فأقتصر الحديث عن تفسير القرآن والسنة .(1) , وذلك مع ملاحظة أنه في معظم المسائل التي عالجها القرآن الكريم عهد إلى الرسول (ص) مهمة البيان وتحديد التفاصيل فجاءت سنتة الطاهرة في معظم الأحيان مفسرة ومبينة للمراد من نصوص القرآن الكريم حيث قال تعالى في كتابه الكريم ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) .(3)
وقد قسم الأصوليون النصوص الشرعية الى نصوص واضحة الدلالة وأخرى غير واضحة الدلالة (3) , وهي التي تشمل موضوع الغموض لأن النص وضح الدلالة لا غموض فيه .
فغموض النص حسب ما توصل اليه الأصوليون يرجع إلى عدة عوامل تسلب الوضوح من النص وأهم هذه الأسباب ما يلي :-
1- الإشتباه في تطبيق النص على بعض الوقائع والأفراد ( النص الخفي ) .
2- تعقد الوصول الى معنى النص إلا بقرينة ( النص المشكل ) .
3- اجمال النص أي خفاء المراد منه خفاء يدرك إلا ببيان من المجمل (النص المجمل ) .
أولاً :- النص الخفي
الخفاء لغةً , هو عدم الظهور والتستر , أما إصطلاحاً ما اشتبه معناه وخفي مراده بعارض غير الصيغة لا ينال الا بالطلب .
أن منشأ الغموض في النص الخفي هو تخصيص بعض الأفراد باسم خاص به أو زيادة في بعض الأفراد أو نقصان . إن هذه التسمية الخاصة أو الزيادة أو النقص تحيط اللفظ بالإشتباه , فيصبح اللفظ الظاهر في الدلالة على معناه خفياً بالنسبة الى هذا الفرد المطلوب معرفة حكمه , لأن هذا الفرد لا يدرك من نفس اللفظ انه مما يتناوله ذلك اللفظ بالحكم بل لا بد من أمر خارجي , ولهذا يتطلب حكم الخفي النظر والبحث والتأمل ليعلم المجتهد مكمن الخفاء ويعمل على إزالته عن طريق الرجوع الى النصوص المتعلقة بالمسألة المقصودة ومراعاة التعليل ومقاصد الشريعة.(3)
ومن أمثلة الخفي في كتاب الله تعالى قوله سبحانه ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) . غن لفظ السارق ظاهر في الدلالة على معناه و هو أخذ المال المتقوم المملوك للغير خفية من حرز مثله . فكل من انطبق عليه هذا المعنى عد سارقاً وطبق عليه الحكم فلفظ السارق ظاهر فيه غير خفي , ولكنه خفي في الطرار وهو الذي يأخذ المال من الناس بمهارة وخفة في يقظتهم .(3)
ثانياً:- النص المشكل
المشكل هو الذي أشكل على السامع طريق الوصول الى المعاني لدقة المعنى في نفسه لا بعارض .والفرق بين المشكل والخفي هو أن الخفاء في المشكل يأتي من ذات اللفظ ولا يفهم المراد منه ابتداءً الا بدليل من الخارج . أما الخفي فمنشأ خفائه من التطبيق .(3)
وينقسم المشكل باعتبار منشأ أشكاله الى ثلاثة اقسام :-(3)
1- الاشكال الناشئ عن غموض في المعنى المحتمل عندما يحتمل اللفظ عدة معاني أو عندما يستعمل المعنى المجازي للفظ من الألفاظ بين هذا المعنى المجازي وبين معناه الحقيقي .
2- الاشكال الناشئ عن تعارض ظواهر النصوص على معنى . أي أن كل نص يكون واضح الدلالة على المراد منه ولكن المعنى الذي يدل عليه احد النصين يصطدم وما يدل عليه نص آخر .
3- الاشكال الناشئ عن غموض المعنى المراد من اللفظ .
ومن الأمثلة الكثيرة على النص المشكل الآية الكريمة ( وان طلقتموهن من قبل ان تمسونهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الا ان يعفون او يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) .
إن المراد من ( الذي بيده عقدة النكاح ) يحتمل أن يكون الزوج ويحتمل أن يكون الولي فلا بد من التأمل والإجتهاد للخروج من الاشكال .
ثالثاً :- النص المجمل
المجمل لغة هو المبهم وغير المفصل, أما اصطلاحاً فهو لفظ لا يفهم المراد منه الا ببيان المجمل سواء كان ذلك لتزاحم المعاني المتساوية الاقدام كالمشترك , أو لغرابة اللفظ أو لانتقاله من معناه الظاهري الى معنى اخر غير معلوم .
وموارد الاجمال كما اوردها الفقهاء ثلاثة :- (3)
1- ما كان اجماله ببب نقل اللفظ من معناه اللغوي الى معنى اصطلاحي خاص غير معلوم اراده الشارع . كالزكاة والربا والبيع وغيرها من الألفاظ التي كان لها قبل الوضع الشرعي معين وجاءت السنة النبوية مبينة لها .
2- ما كان الاجمال فيه بسبب تعدد المعاني المتساوية وتزاحمها مع وجود قرينة ترجح أحد المعاني ومثال ذلك لفظ العين الجارية والقرء الموضوع للطهر والحيض .
3- ما كان اجماله ناشئاً عن غرابة اللفظ في المعنى الذي استعمل فيه . ومثال ذلك لفظ ( هلوع ) في قوله تعالى (ان الإنسان خلق هلوعا ) والمراد به الحريص الجذوع , ولكن استعمال الهلوع في هذا المعنى غريب لا يمكن فهم المراد منه دون بيان ولذلك بينه الله تعالى بقوله (اذا مسه الشر جذوعا واذا مسه الخير منوعا ) .
ولكل ما تقدم فإنني توصلت الى نتائج وهي :-
1- أن غموض النص يكون في حالة تكون عليها عبارة النص غير واضحة كل الوضح بحيث تحتمل التفسير و التأويل إلى أكثر من معنى ، يكون النص في هذه الحالة مشوبا بعيب الغموض والإبهام ، ومهمة المفسر في هذه الحالة هي أن يختار بين المعاني المختلفة التي يحتملها النص المعنى الأكثر صحة والأقرب إلى الحق والصواب .
2- أن الغموض كغيره من أسباب التفسير يتبين لنا من خلال التفسير اللفظي كمرحلة أولى من مراحل التفسير واذا لم يجد ذلك لاستنباط القصد من التشريع نلجأ الى التفسير المنظقي للتوصل الى روح النص والمراد منه .
3- قد لا يظهر الغموض لدى المفسر السطحي بينما احتمال ظهوره لدى المفسر المتعمق اكبر.
4- أن الغموض يكون مقصوداً من قبل الشارع في النص التشريعي في بعض الأحيان .
اترك تعليقاً