نظرة المحامي للواقعة القانونية تختلف عن نظرة القاضي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
(( لولا المراسم المسنونة للمرافعة و كثرة القواعد الموضوعة في أصول المحاكمات و تقيد القضاة بالقوانين و الأنظمة الواسعة لما احتاج المتخاصمون إلى محامٍ يتولى إقامة دعاويهم ، و تحرير أوراقهم و الدفاع عنهم ، و كان كل منهم قادر على المثول أمام القاضي ، و سرد حكايته على علاتها ,,,,,,,,,,,,
فالمحاماة هي وليدة الأصول ))
” فارس الخوري ” – أصول المحاكمات الحقوقية – طبعة 1936 – ص106
تختلف الزاوية التي ينظر فيها المحامي للمسألة القانونية ، عن الزاوية التي ينظر إليها القاضي ، لذات المسألة .
فإذا ما وقع جرم على شخص ما ، فإن محامي هذا الشخص يهمه بالدرجة الأولى تحصيل الحق الشخصي لموكله ، بينما قاضي الحكم فإن ما يهمه بعدما يتثبت من ارتكاب المدعى عليه للجرم ، هو مصلحة المجتمع بالدرجة الأولى ، فيفرض بحقه العقاب المناسب به ليردع الآخرين عن ارتكاب جريمة تخل بأمن المجتمع ، و تبعاً لذلك يحكم بالتعويض للمضرور .
سبق و طرح في إحدى مجموعة المحامين على الفيسبوك سؤال عن واقعة طعن شخص لآخر بالسكين ، و خطأ الطبيب الذي أدى لوفاة المجني عليه ، و الدعوى المناسبة التي يجب إقامتها ,,,,
و لاحظت أن غالبية الزملاء المحامين الأفاضل الذين تطرقوا للجواب ، ناقشوا الموضوع من وجهة نظر القاضي فقط ( نيابة أو حكم ) و بالذات زاوية وكيل النيابة العامة ، و ما هو التكييف القانوني للجريمة ، و أي مادة قانونية تنطبق على الفعل !!
في حين أن المحامي أمامه خيار آخر ، و هو عدم التقيد بسلوك الطريق الجزائي بالأصل .
فهناك الحق ، و القاضي هو الذي يحق الحق ، و هناك طريق الوصول للحق ، و المحامي هو الذي يختار هذا الطريق .
بالأصل – كما هو معروف – إعطاء الوصف القانوني للجريمة ، و تحديد أي نص من قانون العقوبات ينطبق على الفعل ، ليست من مهام المحامي ، و هي مسألة ثانوية بالنسبة له ، لأن واجبه ينحصر بعرض الواقعة بالتفصيل للنيابة العامة ، و ينصب من نفسه مدعياً شخصياً حتى يلزمها بتحريك الدعوى العامة ، فتقوم بتحريك الدعوى وفق المواد التي تنطبق عليها بقانون العقوبات ، ثم تحال القضية للمحكمة التي لا تتقيد بالتكييف القانوني الذي وضعته النيابة العامة للجرم و لها أن تغيره و تعطي له وصفاً آخر حسب ما يترآى لها من مجريات القضية .
أما بالنسبة للمحامي فمصلحة الموكل تقتضي منه رؤية أوسع لهذا الطريق ، و أن يستطلع أفق نجاعة سلوك مثل هذا الطريق .
إن سلوك الطريق الجزائي للوصول للحق بمثل هذه القضية ، له ميزات لا يمكن إنكارها ، سواء لجهة سيف الدخول للسجن المسلط فوق رأس الخصم ، أو الضغط عليه بتكبيده مشاق حضور كل جلسة ، أو إمكانية التضييق عليه بالحبس الإكراهي لدفع التعويض الذي تقدره المحكمة ، ( و هذه أهم ميزة للطريق الجزائي برأيي الشخصي ) .
و لكن بالمقابل فإن سلوك هذا الطريق محفوف بالصعاب ، ذلك أن المدعى عليه بالقضايا الجزائية ، سيقاوم خطر دخوله السجن بضراوة شديدة ، و هذا ما لا نلمسه بالقضايا المدنية ، هذه المقاومة ستدفع المدعى عليه لسلوك كافة السبل – حتى غير المشروعة – ليتملص من العقاب .
فضلاً عن ذلك يعرف المحامون الذين لهم باع بالمهنة بحكم الخبرة أن الطبيب له حصانة غير معلنة في القضايا الجزائية ، لأن معرفة فيما إن كان الطبيب قد ارتكب خطأً طبياً يصل لدرجة الجرم ، يحتاج لخبرة فنية طبية ، و هذه الخبرة بالعادة لا تدين الطبيب ، لأن أبناء المهنة الواحدة يحابون بعضهم البعض ، هذه الحقيقة يجب الاعتراف بها شئنا أم أبينا ، مع العلم أن هذه الناحية لا تحدث في سوريا فحسب و إنما في غير بلاد أيضاً .
في الواقع يجدر بالمحامي كونه معني بتحصيل الحق الشخصي لموكله ، أن لا يغفل من حساباته سلوك الطريق المدني ، فهو في هذه الناحية يختلف عن القاضي الذي يعنى بالاقتصاص من المجرم ، و إنزال القصاص المناسب به تحصيلاً لحق المجتمع ، ثم يحكم بالحق الشخصي تبعاً لذلك وفق القواعد المقررة قانوناً .
فإن كانت حالة الخصم المادية و المالية ( بالأخص الطبيب ) تسمح بتحصيل أي تعويض يمكن أن يحكم به لمصلحة موكله ، يجب عليه ألا يسقط من حساباته سلوك المدني ، لاسيما أن الطريق المدني يتميز بخاصية هامة تتجلى بأن الخطأ المدني أوسع و أشمل من الخطأ الجزائي ، مما يعطي أرجحية أكبر لكسب مثل هذا النوع من القضايا .
و السلام عليكم و رحمة الله .
اترك تعليقاً