تسبب رب العمل في تأخير المقاول في إنجاز الأعمال المتفق عليها في المواعيد المحددة، بسبب تأخر رب العمل في صرف مستحقات المقاول في المواعيد المتفق عليها، ينفي نسبة التأخير إلى المقاول ويدفع عنه ارتكابه لأي خطأ جسيم يبرر فرض غرامات عليه أو سحب الأعمال منه، بما يحق معه للمقاول طلب التعويض عن هذا الفسخ التعسفي لعقد المقاولة:
لما كان الثابت بالأوراق رب العمل قد أخل بالتزاماته التعاقدية مع المقاول وذلك بتأخره بدون مبرر في تسليم المقاول “الدفعة المقدمة” وهو ما نتج عنه التأخر في تنفيذ الأعمال المتفق عليها في المواعيد المحددة بسبب يرجع إلى رب العمل.
فضلاً عن عدم قيام رب العمل بصرف أية دفعات للمقاول طول فترة تنفيذ عقد المقاولة وحتى تاريخ فسخه وسحبه منها بدون أي خطأ جسيم في جانب المقاول، بما يحق معه – والحال كذلك – رجوع المقاول على رب العمل بالتعويضات الجابرة للأضرار التي لحقت به من جراء فعله الخاطئ.
ولا يغير من ذلك ما زعمته الخبرة من عدم إمكانية الجزم باستطاعة المقاول تصحيح أوضاعه وإزالة التأخير الذي برر سحب الأعمال بزعم أنها استمرت في التأخير بعد تسلمها للدفعة المقدمة في شهر فبراير 2009، فهذا الزعم – فضلاً عن كونه مجرد تخمين وظن وعدم استطاعة بالجزم واليقين – يتجاهل حقيقة أن أثر إخلال رب العمل بسداد الدفعة المقدمة للمقاول في الموعد المتفق عليه هو أثر ممتد ولا يمكن تدارك آثاره بين عشية وضحاها أو في التو واللحظة فور سداده.
علماً بأن الشركة المدعية استلمت الدفعة المقدمة في 22 فبراير واستلمت الإنذار بسحب الأعمال في 1 مارس (أي بعد ما يقرب من أسبوع واحد فقط؟؟!!) بما يؤكد انعقاد النية المبيتة لدى رب العمل في الإضرار بالمقاول، لا سيما وأن الإنذارات بسحب الأعمال قد توالت حتى قبل سداد الدفعة المقدمة، فقد دأب رب العمل على تهديد المقاول وإنذاره دون أن تضع في اعتبارها أن الالتزامات التعاقدية هي التزامات متبادلة وأن هناك إخلال جسيم من جانب رب العمل وهو ما أدى إلى تحميل المقاول أعباء لا طاقة له بها وأصابه بأضرار بالغة لا يمكن تداركها بين ليلة وضحاها وهو ما غاب عن الخبرة الحالية في تبرير قرارها بعدم أحقية المقاول في التعويض عن الأضرار التي أصابته، فمن أين أتت الخبرة بهذا التخمين والظن بعدم الاستطاعة بالجزم في إمكانية تنفيذ الأعمال، رغم كل ما تقدم؟؟!!
فضلاً عن أن إخلال رب العمل لم ينحصر فقط في تأخرها في صرف “الدفعة المقدمة” ولكنه أمتد أيضاً ليشمل عدم صرف أي دفعات شهرية للمقاول، مما حرم المقاول من مستحقاته ودفعاته المالية الشهرية المنصوص عليها صراحة بوثيقة العقد بأنها: “تصرف شهرياً” (وذلك عن أشهر: نوفمبر و ديسمبر و يناير و فبراير) أي مستحقات أربعة أشهر كاملة، مما كان له أثر سلبي بليغ ومؤثر على السيولة المالية والتدفقات النقدية للمقاول، وهو ضرر لم يزل قائماً حتى الآن لعدم صرف تلك المستحقات له حتى تاريخه.
ويترتب على إخلال رب العمل بالتزامه الجوهري بصرف الدفعات الشهرية المتفق عليها عدم جواز توقيعه لأية غرامات غياب للجهاز الفني، وتكون الخبرة الفنية قد خالفت الواقع والقانون حينما خصمت تلك الغرامات من مستحقات المقاول، على الرغم من تثبتها من إخلال رب العمل بعدم صرف الدفعات الشهرية المستحقة للمقاول حتى الآن.
لما كان ذلك،وكان من المقرر قانوناً،وعلى ما جرى به الفقه، أنه:
(( لا يستطيع المقاول أن يتخلص من المسئولية عن التأخير في إتمام العمل إلا إذا أثبت أنه يرجع إلى سبب أجنبي عنه، كقوة قاهرة أو خطأ من الغير أو خطأ من رب العمل، كما لو تأخر في تسليم المقاول المواد الواجب استخدامها في العمل، أو كان قد أدخل تعديلات على المواصفات والتصميمات المنصوص عليها في العقد، أو لم يقم بتعجيل الأقساط المتفق على دفعها )).
(لطفاً،المرجع: “شرح أحكام عقد المقاولة” – للدكتور/ محمد لبيب شنب – طبعة 1962 القاهرة – بند 75 – صـ 93 و 94).
وقد أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري بأنه:
(( استظهرت الجمعية العمومية حسبما أستقر عليه إفتاؤها أن المُشرع أوجب على المقاول الالتزام بإنهاء الأعمال موضوع التعاقد بحيث تكون صالحة تماماً للتسليم المؤقت في الميعاد المتفق عليه بالعقد وإلا فإن جهة الإدارة يكون من حقها اقتضاء غرامات تأخير ولا يشفع للمقاول في تأخير تسليم العمل عن الموعد المقرر له أو أن يرفع عن عاتقه تبعة هذا التأخير ونتائجه إلا عرقلة التسلم أو الامتناع أو التراخي فيه من جانب الإدارة حال مطالبتها بالاستلام إلا أنه على الرغم مما تقدم فإنه إذا تأخر المقاول في تنفيذ التزامه مدة معينة وكانت جهة الإدارة قد تسببت بفعلها في تأخير تنفيذ العقد مدة أطول كأن تتقاعس عن أداء أحد التزاماتها التي يتوقف عليها أداء المقاول لالتزامه بالاستمرار في التنفيذ الأمر الذي يسفر عنه امتداد ميعاد إنهاء الأعمال طبقاً لأحكام العقد وبالتالي فإن التنفيذ يضحى في هذه الحالة قد تم في الميعاد ولا تأخير فيه إذ أن قواعد العدالة ومقتضيات حسن النية التي تُظِلُ العقود جميعاً تأبى تمسك الجهة الإدارية بتوقيع غرامة التأخير إذا انتفت دواعي وأسباب توقيعها )).
( فتوى رقم 111 بتاريخ 10/3/2001 ملف رقم 47 / 2 / 438. منشورة في: المبادئ القانونية التي أقرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في المدة من يناير 2001 إلى يوليه 2001 – صادرة عن المكتب الفني للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة. مبادئ جلسة 3/1/2001 صـ 10 : 12).
ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز أنه:
(( من المقرر أن الاتفاق على غرامات التأخير فى مثل العلاقة القائمة بين الطرفين يعتبر من قبيل الشرط الجزائي الذى يتضمن تحديد التعويض المستحق مقدماً، فإنه يكون للمحكمة سلطة الهيمنة على هذه الغرامات استحقاقاً وتقديراً، ذلك أن مسئولية المقاول فى إنجاز العمل المنوط به خلال المدة المتفق عليها لا يكون لها محل متى ثبت أن هذا التأخير مرده أسباب ترجع إلى رب العمل أو أن هذا الأخير قد ساهم بخطئه فى هذا التأخير )).
(الطعن بالتمييز رقم 653 لسنة 2000 تجاري/1 – جلسة 7/5/2001).
وقد تواتر قضاء محكمة التمييز على أنه:
(( من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مسئولية المقاول في إنجاز العمل المنوط به خلال المدة المتفق عليها لا يكون له محل متى ثبت أن هذا التأخير مرده أسباب ترجع إلى رب العمل أو أن هذا الأخير قد ساهم بخطئه في هذا التأخير، وأن استخلاص توافر خطأ رب العمل الذي تندفع به مسئولية المقاول عن التأخير في التنفيذ أو نفيه، يُعتبر من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها متى كان استخلاصها سائغاً وله أصله الثابت في الأوراق )).
(الطعن بالتمييز رقم 292 لسنة 2001 إداري/1 – جلسة 23/12/2002).
ومن المستقر عليه في قضاء محكمة التمييز أنه:
(( لمحكمة الموضوع سلطة تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والمستندات المقدمة إليها وترجيح ما تطمئن إليه، ولها استخلاص توافر خطأ رب العمل الذي تندفع به مسئولية المقاول عن التأخير في التنفيذ أو نفي ذلك ولا معقب عليها في ذلك ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصل ثابت بالأوراق )).
(الطعن بالتمييز رقم 193 لسنة 2006 مدني/1 – جلسة 17/3/2008).
فيترتب على إخلال رب العمل بالتزاماته تجاه المقاول وتخلفه عن سداد الأقساط والدفعات المتفق عليها في مواعيدها، وتسببه بالتالي في تأخير المقاول في تنفيذ التزاماته المترتبة – والتالية – علي تنفيذ رب العمل لالتزاماته، ومن ثم فلا يعد المقاول متأخراً في هذه الحالة في تنفيذ التزاماته (حيث إنها لا تستحق التنفيذ أصلاً إلا بعد وفاء رب العمل بتنفيذ التزاماته).
ويترتب على ذلك عدم أحقية رب العمل في المطالبة بتوقيع غرامات التأخير على المقاول، وعدم صحة السبب الذي تذرعت به جهة الإدارة في سحب الأعمال من المقاول – بدون خطأ جسيم منه – وفوق ذلك فإن المقاول يستحق – في هذه الحالة – مطالبة جهة الإدارة والرجوع عليها بتعويضه عن قراره سحب الأعمال منه بدون خطأ جسيم من جانبه.
فمن المسلم به أنه:
(( يحق للمتعاقد مع الإدارة طلب التعويض منها إذا كان الفسخ الذي أوقعته الإدارة لا يرجع إلى خطأ جسيم ارتكبه )).
(لطفاً،المصدر: “العقود الإدارية وعقد البوت ” – للدكتور/ أحمد سلامة بدر – طبعة 2003 القاهرة – صـ 201 و 202).
وقد قضت محكمة القضاء الإداري في مصر بأنه:
(( يقابل سلطة الإدارة في الفسخ، دون صدور خطأ جسيم من جانب المتعاقد معها، حقه في التعويض عما لحقه من أضرار بسبب هذا الفسخ طبقاً للمبادئ العامة في التعويض )).
(حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 863 لسنة 10 قضائية “قضاء إداري” – جلسة 16/6/1957).
كما قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأن:
(( سلطة الإدارة في إنهاء العقد الإداري قبل انتهاء مدته، ودون موافقة المتعاقد معها أو خطئه، يقابلها حقاً لهذا المتعاقد في الحصول على تعويض يجبر الأضرار التي أوجدها هذا الإنهاء )).
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4682 لسنة 35 قضائية “إدارية عليا” – جلسة 26/4/1994 – الموسوعة الإدارية الحديثة – الجزء 49 – صـ 270).
ومن المقرر في الفقه أنه:
(( في جميع الأحوال يكون التعويض الذي يستحقه المتعاقد في هذه الحالة هو تعويض كامل، أي يراعى في تقديره ما لحق المتعاقد من خسارة وما فاته من كسب )).
(لطفاً،المصدر: “الأسس العامة للعقود الإدارية” – للدكتور/ عبد العزيز عبد المُنعم خليفة – طبعة 2004 القاهرة – صـ 258 و 259).
ومن المبادئ العامة للتعويض عن إنهاء عقود المقاولات، ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 688 من القانون المدني “الكويتي” من أنه: (( لرب العمل أن يُنهي المقاولة ويوقف تنفيذ العمل في أي وقت قبل تمامه، على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من مصروفات وما أنجزه من أعمال وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل )).
فيشمل التعويض، وفقاً لنص المادة 688/1 مدني،العناصر الآتية:
1- المصروفات التي أنفقها المقاول في سبيل تنفيذ العمل.
2- قيمة الأعمال التي أنجزها المقاول فعلاً حتى الوقت الذي وصله فيه إعلان رب العمل بوقف تنفيذ المقاولة.
3- قيمة ما كان المقاول يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل، فإذا كانت المقاولة مبرمة بأجر إجمالي، فإن كسب المقاول يتحدد بالفرق بين قيمة هذا الأجر وقيمة النفقات اللازمة لتنفيذ العمل، وتقدر هذه النفقات على أساس قيمتها عند إنهاء العقد.
(لطفاً،المصدر: “أحكام عقد المقاولة” – للمستشار/ فتحيه قره – طبعة 1987 الإسكندرية – صـ 270 و 271).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً