خطاب قانوني
القاضي إياد محسن ضمد
النظام القانوني مجموعة قواعد الزامية تحدد ما يجب أن تكون عليه السلوكيات داخل المجتمع وهي قواعد معدة مسبقا لتوفير الامن الاجتماعي وهذه القواعد قد تكون بشكل خطاب إخباري الزامي كالمادة 1 من دستور جمهورية العراق التي نصت على أن العراق دولة اتحادية نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي.
وهذا النص أخبرنا بما يجب أن يكون عليه نظام الحكم في العراق وليس لأحد أن يغير شكل هذا النظام الدستوري وقد تكون القاعدة القانونية زجرية كالمادة 405 من قانون العقوبات التي نصت على معاقبة كل من يقتل نفسا عمدا بالسجن المؤبد أو المؤقت ولم يكتف المشرع بمنع القتل بل قرنه بعقوبة زجرية ردعية وسواء أكانت لغة الخطاب القانوني إخبارية أم زجرية أم تنظيمية فإنها تهدف إلى بناء سياج من القيم والمبادئ والنظم تحيط بالمجتمع لتحقيق الأمن والعدل والمساواة ولترسم نصوص القانون واقعا كما تريده السلطة التشريعية للدولة.
لكن السؤال الذي كثيرا ما يثأر بهذا الصدد هو سؤال القانون والواقع ومن منهما يصنع ويسير الآخر وهل أن القانون هو انعكاس لمتطلبات الواقع وحاجته أم أن الواقع هو لوحة ترسمها وتشكلها النصوص القانونية؟
وباعتقادي فان العلاقة بين الواقع والقانون علاقة تكاملية جلدية أزلية متبادلة و متشابكة يساهم كل منها في رسم وتحديد ملامح الآخر وشكله وما ينبغي أن يكون عليه فالإنسان منذ ولادته ومجيئه لواقع الحياة يخضع لقانون الأحوال المدنية وقانون الجنسية فيجب أن يسجل للمولود اسم ولقب وتاريخ تولد ثم يخضع لقوانين المؤسسة التربوية في المدارس حتى يصل إلى درجة انصهاره في قوانين الوظيفة ان كان موظفا أو القوانين التي تحكم القطاع الخاص ان لم يكن كذلك وتصل به الأمور للخضوع لقوانين التقاعد او الضمان الاجتماعي وكل هذا القواعد القانونية التي يخضع لها الفرد تمثل سياجا قانونيا يحيط بحياته وينظمها.
ومع مثل هذه القوانين التنظيمية نستطيع القول ان القانون هو الذي يرسم للواقع جادته التي يسير عليها ويسهم في رسم الواقع الحياتي وتشكيله وعلى الجانب الآخر وفي اطار القانون الجنائي نجد أن الواقع هو الذي يسهم في صياغة الخطاب القانوني العقابي وتحديد مضمونه تماشيا مع مقولة أن القوانين العقابية هي ردة فعل للجريمة فان ما يشهده الواقع من أفعال تخل بالأمن الاجتماعي يبرز الحاجة لايجاد المعالجات والتصدي لها ثم يتجه المشرع مرغما بعد ذلك لإجراء تغيير على انظمة قوانينه العقابية بالتعديل أو الإضافة ليتمكن من مواجهة الجريمة وتقويض أثرها فالنصوص القانونية التي تعاقب على ارتكاب الجرائم الإلكترونية لم تكن موجودة في النظم العقابية القديمة وهي نصوص فرضها واقع التقدم التقني والتكنولوجي الذي شهده مجال الاتصالات وأجهزة الحاسوب والهواتف النقالة وبرامج شبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي والتي أساء البعض استخدامها ولجأ إلى ارتكاب الجرائم بواسطتها كجريمة قرصنة الحسابات والمعلومات وجريمة الارهاب الالكتروني ولعجز النصوص العقابية التقليدية عن مواجهتها لجئت الكثير من الدول إلى سن قوانين للجرائم الإلكترونية وهنا نجد أن الواقع هو من يفرض تشريع قوانين محددة ويفرض في ذات الوقت ما يجب أن يكون عليها مضمونها ومن ذلك نلتمس العلاقة التبادلية الكبيرة بين الواقع والقانون فأي منهما من الممكن أن يكون مساهما في تكوين الآخر وتشكيله.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً