ملخص مذكرة لنيل شهادة الماستر أكاديمي تخصص القانون الدولي البيئي:
الحماية القانونية للبيئة في الأراضي المحتلة (فلسطين نموذجا)
كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف، الجزائر.
إعداد الطالبة مواز نادية
إشراف الدكتورة امحمدي بوزينة أمــنة
معلومات عامة
ناقشت الطالبة مواز نادية، تحث إشراف الدكتورة امحمدي بوزينة أمــنة، مذكرة لنيل شهادة الماستر أكاديمي تخصص القانون الدولي البيئي، الموسومة ب: الحماية القانونية للبيئة في الأراضي المحتلة (فلسطين نموذجا)، وذلك يوم الخميس الموافق ل 21/06/2018، بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف، بقاعة المناقشات، من الساعة 09:30 صباحا، حيث تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة الآتية أسماؤهم:
الدكتور بواط محمد …………. أستاذ محاضر صنف (أ) ………. رئيـسـاً
الدكتورة امحمدي بوزينة أمــنة …. أستاذة محاضرة صنف (أ) …….. مشرفاً
الأستاذ الواحد رشيد ………….. أستاذ مساعد صنف (أ) …….. عضواً
وبعد المناقشة العلنية والمداولة السرية قررت اللجنة منح الطالبة مواز نادية شهادة الماستر بتقدير إمتياز (18.5/20) في القانون الدولي البيئي.
ملخص المذكرة
تعتبر البيئة جزءاً لا يتجزأ من الوجود البشري ووحدة واحدة وكلاً لا يتجزأ وعناصرها مشتركة ومرتبطة ببعضها البعض ومتفاعلة فيما بينها ويوثر كل عنصر في باقي العناصر الأخرى، فأي تأثير بالبيئة في أي مكان من الأرض يؤثر على العالم بأسره وأي ضرر يصيب البيئة لا ينحصر في مكان حدوثه؛ ذلك أن الضرر البيئي بطبيعته سريع الانتشار وتمتد أثاره أبعد من مكان حدوثه، لذا حظيت البيئة باهتمام خاص زمن النزاعات المسلحة، لوجود أسلحة متطورة ذات قوة تدميرية هائلة أو ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية التي من شأنها إحداث أضرار بالبيئة لا يمكن حصرها واحتواءها ولا يمكن إصلاحها، ولا تتردد الأطراف المتحاربة عن استعمالها أو التهديد بها لتحقيق الغلبة أو الهزيمة بالطرف الأخر، الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقيا للبيئة، فالواقع الدولي يؤكد على جسامة الانتهاكات التي تلحق بهذه الأخيرة بسبب النزاعات المسلحة، خاصة وأنه لا يمكن التنصل من تلك الأضرار وتفاديها ضمن المجرى العادي لمتطلبات الحرب، فقد أصبحت البيئة تشارك في العمليات العسكرية سواء كهدف أو كوسيلة عسكرية.
وهناك انتهاكات أخرى تشكل تهديدا للبيئة منها الانتهاكات التي تكون في فترة الاحتلال التي من شأنها إلحاق أضرار شديدة بالبيئة ككل، وذلك بالنظر إلى الوضع الذي يرتبه الاحتلال من تجاوزات داخل الإقليم المحتل، فالضرر الذي تتعرض له البيئة في هذه الفترة أكبر وأشد خطورة من الضرر الذي تتعرض له البيئة في أي فترة أخرى، وبما أن البيئة أصبحت عرضة للاستهداف والانتهاكات في فترة الاحتلال، فإنه يلزم وضع حماية قانونية للبيئة خلال هذه الفترة بإقرار قيود على سلطة الاحتلال من أجل توفير حماية خاصة للبيئة وعدم استهدافها بالعمليات القتالية؛ بل يحرم عليها أن تستعمل البيئة كوسيلة للإعتداء، ومن بين الدول التي تعاني فيها البيئة من ممارسات المحتل، نجد البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تشهد انتهاكات صارخة من قبل المحتل الإسرائيلي الذي يتفنن في انتهاك القواعد العرفية والاتفاقية لحماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يفرض ويستوجب البحث في الحماية القانونية لبيئة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من هذا المنطلق، ظهر التأكيد على حماية البيئة من الآثار التي يمكن أن تنجم عن الاحتلال لاعتبار أنها من ضمن الأعيان المدنية، ومن بين الدول التي تعاني فيها البيئة من ممارسات المحتل؛ نجد البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تشهد انتهاكات صارخة من قبل المحتل الإسرائيلي الذي يتفنن في انتهاك القواعد العرفية والاتفاقية لحماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي يوجب التقصي والبحث عن مدى فعالية الحماية القانونية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من عدمه.
كذلك، يتأكد لدينا أن موضوع البحث يكتسي أهمية بالغة كون وضع البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من بين المواضيع التي تجذب اهتمام الباحثين لكون موضوع تنظيم حماية البيئة في فترة النزاع المسلح حديث لحداثة تنظيم الحماية المقررة للبيئة ضمن القواعد الإنسانية التي لم تحظى بالاهتمام إلا بعد السبعينيات كما سبق ذكره، بالإضافة إلى أن موضوع البيئة أثناء الحرب يعتبر من المواضيع القليلة جدا خاصة زمن الاحتلال التي تكاد تكون منعدمة فيه، الأمر الذي يجعل الموضوع جدير بالبحث والدراسة، فموضوع البحث سيساهم ولو بدرجة قليلة جدا في إثراء المكتبة القانونية التي تخلو تقريبا من مؤلفات قانونية متخصصة في حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل أن معظم الدراسات الإنسانية ركزت على حماية المدنيين والمقاتلين والجرحى والغرقى والفئات المحمية الأخرى بكافة أصنافها، إلا أنها لم تهتم بالبحث في حماية البيئة خاصة الطبيعية منها مع أن هذه الأخيرة هي التي تضمن بقاء الفئات السابقة وتكفل استمرار وجودها، فتعرض البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة للاعتداء يهدد بيئة الكوكب ككل ويحتم الأمر ويستوجب دراسة مدى توافر الحماية البيئية للمنطقة من الناحية القانونية وإن وجدت في مدى كفايتها وكيفية متابعة كل منتهك لهذه الحماية.
فالهدف من هذه الدراسة، هو لفت انتباه مختلف الجهات المعنية والمتخصصة بأهمية الحماية التي يجب أن تحظى بها البيئة خلال فترة الاحتلال الحربي وتوجيه أنظارهم من أجل توفير حماية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والانتهاكات التي تلحق بها جراء ممارسات المحتل الإسرائيلي، بالإضافة إلى الكشف عن كل التجاوزات البيئية والأضرار التي تلحق بها في هذه المنطقة ومناقشتها بأسلوب قانوني وذلك بمطابقة واقعها في الأراضي الفلسطينية مع مختلف النصوص القانونية الدولية العرفية منها والاتفاقية بغية الوقوف على مواطن الانتهاك وتجريم أفعال التي تؤكد تلك الانتهاكات والاعتداءات بالاستناد إلى مختلف الصكوك الدولية وتحليلها والكشف عن مضامينها وعلى مدى فعاليتها في حماية البيئة خلال فترة الاحتلال والوقوف على مختلف العقبات التي تعيق تنفيذها.
من هذا المنطلق يمكن القول، أن هناك عدة أسباب دفعتني لاختيار موضوع البحث القائم أهمها بيان الحماية القانونية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومدى كفايتها ودور الآليات المكرسة لها ومدى فعاليتها في القيام بدورها الرقابي أو الردعي في تنفيذ قواعد حماية البيئة أثناء فترة الاحتلال الحربي، لكون البيئة وحدة واحدة لا تتجزأ، وأي ضرر في أي منطقة يصيب الكوكب ككل، بالإضافة إلى أن الإقليم الفلسطيني المحتل لم يتم حمايته من الانتهاكات الإسرائيلية ولو بشكل بسيط، بل يتم التهاون في تكريس الآليات الدولية لمتابعة هذه الانتهاكات والتآمر من مختلف الدول التي تساند الكيان الإسرائيلي طوعا أو قصرا وتسكت على مختلف هذه الانتهاكات التي يمارسها هذا الكيان على الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ على الرغم من الأدلة الدامغة والبراهين التي تدينه؛ فهذا السكوت يبرز تراجع الضمير الإنساني ومختلف القيم والمبادئ الإنسانية، ويهدد سلامة البيئة، باستمرار الاعتداء عليها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بالإضافة إلى الأسباب السابقة، هناك سبب ذاتي دفعني لإختيار هذا الموضوع، يتمثل في أن البيئة هي المحيط الذي نعيش فيه وتحظي باهتمام الجميع، فهي مصدر ملهم لأي باحث من أجل المعالجة إحدى جوانبها القانونية مثل: الحماية القانونية المكرسة للبيئة، وبالأخص بالمنطقة العربية مثل: فلسطين التي كانت وما تزال مجال اهتمام الكثيرين من الباحثين بما فيهم الباحثة، وذلك بأن تم الدمج بين الجانبين النظري والواقع العملي لينتج موضوع البحث المقدم كدراسة أكاديمية لعلها تفيد الباحثين في المستقبل.
وكون موضوع البحث مستحدث، فإن ذلك انعكس على المادة العلمية التي تحتاجها الدراسة، فقد واجهتني مشكلة ندرة الدراسات القانونية السابقة كإحدى المعوقات لإنجاز البحث، بالإضافة إلى تبعثر مختلف النصوص القانونية التي تعالج حماية البيئة زمن الاحتلال؛ مما يتطلب تفحص وتدقيق في مختلف الوثائق القانونية الأمر الذي يأخذ وقتا كبير وجهدا أكبر، وفي مقابل الزمن الممنوح لنا الذي لا يتناسب مع طبيعة الموضوع الذي يتطلب زمن أكبر لانجازه، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى مختلف قوانين وتشريعات الكيان الإسرائيلي التي وظفت في تدمير البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولقد تم الاعتماد على جملة من الدراسات العلمية وبالأخص القانونية حول الأراضي الفلسطينية المحتلة والانتهاكات الإسرائيلية لمختلف القوانين الدولية العرفية والاتفاقية، لكن أثناء إعداد وتحضير البحث لكن معظمها كانت عامة، فلم نتحصل على أي مرجع متخصص مباشرة في الدراسة، إلا أن هناك دراسات عامة حول حماية البيئة زمن النزاعات المسلحة الدولية تم توظيف بعض معلوماتها في متن موضوع البحث ونذكر منها على سبيل المثال: حسين علي الدريدي (مدى فاعلية القواعد الدولية الإنسانية في حماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة)، وهي أطروحة دكتوراه تم التطرق فيها إلى قواعد حماية البيئة الطبيعية الواردة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام، وتوصل الباحث من خلالها إلى جمود فعالية القواعد الدولية الإنسانية عن مواكبة تطور الأسلحة والأساليب القتالية الأمر الذي يعيق كفالة الحماية المطلوبة للبيئة أثناء النزاعات المسلحة، وقد تم التأكيد على عدم كفاية قواعد المسؤولية لانتهاك قواعد حماية البيئة الطبيعية خلال النزاعات المسلحة، وقد أوصى الباحث بتطبيق قواعد حماية البيئة الواردة في القانون الدولي للبيئة إلى جانب قواعد حماية البيئة في النزاعات المسلحة من أجل تكريس حماية أكثر فعالية للبيئة.
كما لا تخلو شبكة الإنترنت في مواقعها المتنوعة والتي تناولت بعض من جزئيات الموضوع محل البحث خاصة موقع الدراسات الاستشارية لمركز الزيتون الذي نشر بعض المقالات تم التطرق فيها لجزئيات صغيرة مرتبطة بحماية البيئية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بالتالي، يمكن الجزم بعدم وجود دراسة سابقة في موضوع الحماية القانونية للبيئة تحت الاحتلال بشكل عام، وموضوع الحماية القانونية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل خاص، الأمر الذي يفرض ويستوجب البحث في الحماية القانونية لبيئة الأراضي الفلسطينية المحتلة بطرح الإشكالية التالية: ما مدى فعالية الحماية القانونية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟، وما هو دور الهيئات الدولية والمجتمع الدولي في تكريس هذه الحماية؟ وما هي المسؤوليات الناتجة عن انتهاك الحماية القانونية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟.
لتحليل التساؤلات السابقة، أفردنا لموضوع دراستنا عدة فرضيات، نوردها تباعا كما يلي:
– خصت البيئة بحماية معززة في زمن الاحتلال الحربي حصنها ضد الانتهاكات التي تلحق بالأهداف العسكرية.
– قامت القواعد الاتفاقية والقواعد العرفية بإقرار قيود على سلطة الاحتلال من أجل توفير حماية للبيئة في الأراضي الفلسطينية.
– قام الكيان الإسرائيلي بممارسة كل صور الانتهاك في مواجهة البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ مما انعكس سلبا على واقع الحياة الطبيعية للشعب الفلسطيني وحقه في التمتع ببيئة نظيفة.
-تترتب المسؤولية المدنية في مواجهة الكيان الإسرائيلي والمسؤولية الجزائية في مواجهة قادته العسكريين الذين انتهكوا قواعد حماية البيئة الطبيعية بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
– لا يمكن لإسرائيل أن تتحجج بعدم قيام مسؤوليتها القانونية بالضرورة العسكرية أو كما يطلق عليها الكيان الإسرائيلي الدواعي الأمنية ولا الاحتجاج بعدم الانضمام للاتفاقيات المتعلقة بحماية البيئة، لأن العيش في بيئة سليمة أهم حق للإنسان لذا يفترض احترامها في جميع الأوقات سواء في زمن السلم وزمن الحرب.
ومن ثم ننوه، أنه سيقتصر نطاق موضوع البحث على دراسة الحماية القانونية لبيئة الأراضي الفلسطينية المحتلة، باستثناء الإنسان من: لاجئين، وجرحى، ومرضى، ومقاتلين، وغيرهم من الأشخاص الطبيعيين، فتشمل الدراسة البيئة الطبيعية، والمشيدة فقط.
لمعالجة موضوع الدراسة محل البحث، والإجابة عن الإشكالية السابقة تم الاعتماد على مجموعة من مناهج البحث العلمي القانوني، منها المنهج التحليلي وذلك لتحليل النصوص القانونية والاتفاقية ذات الصلة بحماية البيئة للأراضي الفلسطينية المحتلة والنصوص القانونية المرتبطة بآليات تفعيل هذه الحماية لبيان مدى تطبيقها واقعيا ومدى فعاليتها، ومن ثم نقد الجوانب التي أهملها تقنين أحكام حماية البيئة في الأراضي المحتلة.
بالإضافة إلى الاعتماد على المنهج الوصفي لوصف حالات الانتهاكات وكل الاعتداءات على البيئة الموجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتدهورها في هذه المنطقة، وكما تم الاعتماد على المنهج التاريخي لتوضيح نشأة وتطور التاريخي لبعض الهيئات الدولية مثل: تاريخ الاحتلال الحربي، المحكمة الجنائية الدولية، هيئة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى المنهج المقارن لمقارنة مختلف النصوص الدولية المرتبطة بحماية البيئة فيما بينها وتوضيح مدى أوجه التوافق وأوجه الاختلاف بين النصوص النظرية وواقع تطبيقها في الأقاليم المحتلة.
للإجابة على الإشكالية المطروحة والتحقق من الفرضيات السابقة، تم تقسيم المذكرة إلى فصلين، حيث تعرض الأول للإطار القانوني لحماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فأشرنا في المبحث الأول منه للمفاهيم العامة للبيئة، في حين خصصنا في المبحث الثاني للقواعد القانونية العرفية والاتفاقية لحماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث تضمن المطلب الأول منه للقواعد العرفية لحماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين بحث المطلب الثاني منه في القواعد الاتفاقية لحماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي إطار تأكيد الانتهاكات الإسرائيلية في مواجهة البيئة الفلسطينية خصصنا المبحث الثالث لبحث الانتهاكات الإسرائيلية لقواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ بحيث تعرضنا في المطلب الأول منه لاستخدام إسرائيل للأساليب والأسلحة المحرمة دوليا، أما المطلب الثاني فتم من خلاله الوقوف على جرائم حرب التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي ضد البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أما الفصل الثاني فتعرضنا فيه إلى تقييم آليات تفعيل قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي قسم إلى ثلاثة مباحث، فخصصنا المبحث الأول لدور أجهزة الإشراف والرقابة في تنفيذ قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث اشتمل على مطلبين تعرض الأول لآليات تنفيذ قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بموجب اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول الملحق بها لعام 1977، أما المطلب الثاني فبحث في دور المنظمات الدولية في تنفيذ قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعرضنا في المبحث الثاني لدور الأجهزة الردعية في المساءلة عن انتهاك قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين تضمن المطلب الأول دور الاختصاص القضاء العالمي كآلية ردعية لانتهاك المحتل الإسرائيلي لقواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمطلب الثاني بعنوان دور المحكمة الجنائية الدولية كآلية ردعية لانتهاك المحتل الإسرائيلي لقواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعرض المبحث الثالث لأحكام المسؤولية الدولية عن انتهاك الكيان الإسرائيلي لقواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فجاء في المطلب الأول المسؤولية الجزائية عن انتهاك قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أما المطلب الثاني جاء بعنوان المسؤولية المدنية عن انتهاك قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وختاما لدراستنا، تبين لنا أنه تتعرض البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لانتهاكات خطيرة في فترة الاحتلال، الأمر الذي أكد على أهمية تكريس حماية البيئة في فترة الاحتلال الحربي، تلك الحماية التي كفلتها القواعد العرفية والاتفاقية سواء الحماية المباشرة أو غير مباشرة، والتي تنطبق في زمن الحرب الذي يندرج ضمنه فترة الاحتلال الحربي، لكن مع ذلك أثبت الواقع أن تلك الأحكام النظرية يتم انتهاكها بشكل مستمر خلال الاحتلال وهو ما أكده الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يؤكد على عدم كفاية النظام القانوني الخاص بحماية البيئة في فترة الاحتلال الحربي، على الرغم من جهود الهيئات الدولية والمجتمع الدولي ككل في مجال تفعيل قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن المحتل الإسرائيلي لم يحترم تلك الجهود والآليات سواء الرقابية منها أو الردعية، بل أن ممارساته الجسيمة في مواجهة البيئة الفلسطينية تؤكد على عدم فعالية آليات حماية البيئة في فترة الاحتلال الحربي.
بناءا على ما سبق عرضه، تم التوصل لأهم النتائج والملاحظات التي من خلالها يمكن الوقوف على عمق الإشكالية ومختلف العناصر والأسباب التي أدّت إلى قيامها، وهي كالتالي:
لا يوجد تعريف محدد للبيئة لكون البيئة مصطلح واسع يصعب ضبطه، لكن هناك إجماع بذكر العناصر المكونة لها من بيئة طبيعية ومشيدة في تحديد تعريفها، وعلى الرغم من عدم الإجماع في تحديد تعريف موحد للبيئة، لكن هناك إجماع على أنها تتعرض لاعتداء مباشر وغير مباشر في زمن الحرب وأن الضرر البيئي ممكن أن يشكل تهديد لسلم والأمن الدوليين أو استخدام للقوة أو أحد صور العدوان.
إن الاحتلال الحربي المعرف في المادة 42 من لائحتي لاهاي لعام 1988و لعام 1907 بالسيطرة على الإقليم المحتلة وممارسة نوع من الإدارة عليه ينطبق على الإقليم الفلسطيني المحتلة، وهذا ما أكده قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 242 الصادر بتاريخ 24 نوفمبر 1967، إذ يعتبر هذا القرار كل من قطاع غزة والضفة الغربية أقاليم محتلة، رغم أننا نرى أن قرار التقسيم رقم 181 الصادر سنة 1947 الذي قسم الأراضي الفلسطينية إلى أراض عربية وأخري إسرائيلية، هو قرار غير شرعي لكون أننا نعتبر كل رقعة منحت لإسرائيل تعود في الأصل للفلسطينيين، كذلك لا يعتبر الانسحاب الشكلي لقوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة إلا إعادة انتشار ويبقى الاحتلال قائم على جميع إقليم دولة فلسطين.
تبين أن هناك قواعد عرفية مكرسة لحماية البيئة وقت الاحتلال من أهمها: مبدأ حصانة البيئة الطبيعية، مبدأ التناسب ومبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية كان لها دور فعال في تكريس حصانة للبيئة في الأراضي الفلسطينية، لكن هناك بعض القواعد العرفية قد تصبح في إحدى الحالات عدوا للبيئة وأساسا لانتهاك أحكام حمايتها تحت حجة الميزة العسكرية والهدف العسكري، فيمكن أن تستعمل هذه الأخيرة كمبرر للخروج عن قواعد الحماية المكرسة للبيئة ويشكل تهديدا باستعماله بالطرق غير الشرعية، مثل مبدأ الضرورة العسكرية الذي يؤكد على عدم الاعتداء علي البيئة إلا في حالة تحول طبيعة القانونية من أعيان مدنية إلى أعيان عسكرية، وهذا ما يشكل ثغرة يتم الاستناد عليها للاعتداء على البيئة والتملص من المسؤولية، كما يفعل الكيان الإسرائيلي بالاعتداء المباشر وغير المباشر على الأقاليم الفلسطينية بالاستناد لدواعي أمنية لا وجود لها.
معظم القواعد الاتفاقية التي تكرس حماية غير مباشرة للبيئة أي تحمي البيئة بشكل ضمني، ومعظمها مبعثر بشكل كبير في العديد من الاتفاقيات الدولية؛ الأمر الذي يعرقل تطبيقها خاصة في حالة ربط الالتزام بها بشرط المشاركة في الاتفاقية، مما يفتح المجال للخروج عنها، أما بالنسبة للقواعد الاتفاقية التي تكرس حماية مباشرة للبيئة فهي تكاد تكن منعدمة، إذ يقتصر الأمر على مادتين في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف لعام 1949 وهما المادة 35 والمادة 55 التي تكرس حماية مباشرة للبيئة، بالإضافة إلى بعض المواد منه تكرس حماية غير مباشرة تقتصر على بعض عناصر المكونة للبيئة المشيدة مثل الأعيان الثقافية والمباني من خلال المادة 56 منه، بالإضافة إلى اتفاقية إنمود لعام 1976، وهذا يعد إجحاف في حق عنصر ضروري لممارسة أهم حقوق الإنسان ألا وهو الحق في الحياة الذي لا يمكن تمتع به إلا في بيئة نظيفة أو محمية.
تبين أن معيار المحدد لضرر البيئي الناتج عن العمليات العسكرية الذي يعتبر انتهاك لقواعد حماية البيئة أنه غير محدد وفضفاض وغير دقيق حتى ولو تم تحديد بعض عناصره بأن يكون شديد وطويل الأمد وواسع الانتشار؛ فطبيعة الضرر البيئي تمتاز بخصائص منفردة عن أي ضرر أخر الأمر الذي يحتم إدراج عناصر محددة أكثر للضرر البيئي الذي يعتبر عند وقوعه انتهاك لقواعد حماية البيئة في الحرب خاصة في فترة الاحتلال.
على الرغم من نقص إطار الحماية المقررة للبيئة في الأراضي المحتلة، إلا أنه لا يمكن إنكار دورها كأصل عام فهي هامة في توفير الحد الأدنى من الحماية للبيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة والواسعة، لأنه لا يعترف بحالة الاحتلال الحربي للأراضي الفلسطينية بالاستناد لفكرة الفراغ في السيادة، وفكرة الدفاع الشرعي واعتبارات دينية أخرى، واعتمادا على ذلك يقوم بعدة تجاوزات في هذا الإقليم المحتل ضاربا بعرض الحائط كل القيم الإنسانية والقواعد العرفية والقانونية، فلم يترك أي نص قانوني اتفاقي أو عرفي متعلق بحماية البيئة دون أن ينتهك أحكامه ويتجاوزه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا ما لعب دور في تغير ملامح البيئية للأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن بين هذه الانتهاكات استخدام الأسلحة والأساليب المحرمة دوليا، وارتكاب جرائم حرب خطيرة في حق البيئة الفلسطينية المحتلة من تخريب الأموال كهدم المنازل، واقتلاع الأشجار، وتجريف التربة، وتملكها بصورة لا تبررها الضرورات العسكرية عن طريق بناء المستوطنات، فكل هذه الجرائم ينفذها الكيان الإسرائيلي على مقياس واسع غير مشروع وتعسفي بالإضافة إلى جرائم أخرى، أدت إلى تدهور بيئي ملموس في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كرست العديد من آليات الإشراف والرقابة، والأجهزة القضائية من أجل تنفيذ قواعد القانونية الدولية، لكن هذه الآليات لم يتم تفعيلها بشكل خاص ومنفرد من أجل حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنما وظفت لحماية بعض العناصر المكونة لها، واقتصر دورها في شكل تقارير وتحقيقات غير ملزمة وغير مجدية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية في مواجهة البيئة بكاف عناصرها بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
هناك العديد من المعوقات في تفعيل آليات تنفيذ قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم تقم بدورها كما ينبغي وذلك للهيمنة الإسرائيلية عليها مثل منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، فكل ما من شأنه أن يدين الكيان الإسرائيلي تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو للحيلولة دون تنفيذه أو ممارسة ضغوطات أو لوجود معوقات أخرى مثل مبدأ المشاركة في الاتفاقيات من أجل تفعيل آلية المساءلة هامة جدا هي المحكمة الجنائية الدولية أو تقاعس السلطة الفلسطينية في تفعيل بعض الآليات، والملاحظ أن الدول العربية لم تقم بدورها اللازم في مجال تفعيل نظام الاختصاص القضائي العالمي ليمكن محاكمة إسرائيل أمام قضاء الدول التي تكرس هذا الاختصاص، فهو ذات تأثير كبير يمكن تحقيق به نتيجة ملموسة بوضع حد لثقافة الإفلات من العقوبة التي انتشرت على مدى طويل من الزمن فيما يخص الجرائم الإسرائيلية وإخضاع كبار المسئولين السياسيين والعسكريين للمحاسبة على أفعالهم بإسناد المسؤولية اتجاههم لانتهاكهم قواعد حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مما سبق ذكره ومن النتائج المتوصل إليها ولضمان تفعيل حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمكن تقديم واقتراح مجموعة من التوصيات، هي كالتالي:
ضرورة إبرام اتفاقيات خاصة بحماية البيئة زمن النزاع المسلح منفردة أو ضم جميع النصوص القانونية العرفية والاتفاقية ضمن اتفاقية خاصة لإضفاء الطابع الإلزامي الدولي لها، مع تحديد الحد الأدنى من الضرر البيئي المعتمد في تحديد الأعمال المشكلة لاعتداء مضر بالبيئة وتحديد المعايير الواردة في المادتين 35 و55 من البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والتي تشترط أن يكون الضرر البيئي واسع الانتشار وطويل الأمد وشديد.
رفع دعوى قضائية لدى محكمة الجنائية الدولية ضد لقادة والمرؤوسين العسكريين الإسرائيليين لارتكابهم جرائم حرب بموجب المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضد بيئة الأراضي الفلسطينية المحتلة استنادا لمختلف التقرير والتحقيقات الدولية منها تقرير غولدستن لعام 2009 وتقرير ماري مكغوان ديفس لعام 2014.
تقديم طلب من السلطة الفلسطينية للانضمام إلى اللجنة الدولية لتقصي الحقائق لتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية الدائمة والمتواصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة للإلتزمات الواردة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الملحق بها لعام 1977..
يجب إضافة أسلحة الدمار الشامل المتمثلة في الأسلحة النووية والأسلحة البيكترولوجية ضمن الأسلحة المحرمة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.
الاستعانة بالخبرات العالمية الدولية من أجل تكوين ملف اللازم لرفع الدعوى ضد الكيان الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية والضغط على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بغية إجراء التحقيقات اللازمة بعد تأكد الغرفة التمهيدية من توافر أساس للتحقيق، كما كان عليها أن تطلب أدلة إضافية من الهيئات التي وثقت الجرائم خصوصا هيئة الأمم المتحدة وبالتحديد لجنة تقصي الحقائق التي عينها مجلس حقوق الإنسان للقيام بالتحقيقات اللازمة والتي وثَّقت تلك الجرائم في تقريريها المصادق عليه من قبل مجلس حقوق الإنسان في جوان 2015.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً