بحث قانوني قيم عن القانون الواجب التطبيق على حوادث المرور ذات العنصر الأجنبي
مقدمة
إن الحديث عن المشكلات القانونية التى تثيرها حوادث المرور ليس بالجديد، فقد لاقى اهتمام الكثير من رجالات الفقه القانونى فى محاولة منهم لتكاتف الجهود للحد من المشكلات التى تثيرها حوادث المرور( ).
فقد كشفت إحدى الإحصائيات عن أن خسائر العالم سنوياً بسبب حوادث المرور بلغت 500 مليار سنوياً وأن ضحايا هذه الحوادث بلغ 23400 عام 2003( ). ولم تكن دولة الإمارات بمعزل عن ذلك فقد بلغ عدد حوادث المرور عام 2002 وفقاً لإحصاء وزارة التخطيط 8015 حادثة مرورية( ). والجدول التالى يبين عدد الوفيات فى دولة الإمارات خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2002، كذلك يوضح نسبة هذه الوفيات بالمقارنة بعدد السكان( ).
المؤشرات وحدة القياس عام 2000 عام 2001 عام 2002
عدد السكان ألف نسمة 3247 3488 4754
عدد الوفيات بالعدد 673 803 754
نسبة عدد الوفيات/ السكان وفاة/ مائة ألف نسمة 20.7 23 20.1
جدول(1) يبين عدد الوفيات فى الفترة من 2000 إلى 2002
ولا يقف الأمر عند هذا الحد فإذا كان عدد الوفيات يفوق المستوى العالمى فالكارثة أكبر فى مجال الإصابات الناتجة عن حوادث المرور. فالأمر لا يقف عند حد الوفاة وما قد يلحق الفرد من خسارة تتمثل فى فقده لحياته أو فقد أسرة لعائلها أو عزيز لديها، بل قد ينتج عن الحادثة المرورية إصابة قد تؤثر فى مستقبل الشخص أو تحمله هو وعائلته عبئاً مالياً ونفسياً يستمر لسنوات طويلة. والجدول التالى يوضح عدد الإصابات فى دولة الإمارات خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2002، كذلك يوضح نسبة هذه الإصابات بالمقارنة بعدد السكان( ).
المؤشرات وحدة القياس عام 2000 عام 2001 عام 2002
عدد السكان مقدراً بألف نسمة ألف نسمة 3247 3488 4754
عدد الإصابات بالعدد 11789 11946 10804
نسبة عدد الإصابات/ السكان إصابة/ ألف نسمة 3.6 3.4 2.9
جدول(2) يبين حجم الإصابات فى الفترة من 2000 إلى 2002
وبمطالعتنا للجدولين السابقين يتضح لنا أمرين هما:
1ـ دولة الإمارات شأنها شأن جميع دول الخليج العربى تعانى من مشكلة حوادث المرور وربما يرجع هذا إلى عدة أسباب من أهمها ارتفاع مستوى المعيشة الذى يعمل على إقبال الأفراد على شراء السيارات الحديثة التى تتسم بالسرعة الشديدة التى تعد السبب الرئيسى فى غالبية حوادث السيارات.
2ـ يبين لنا من الأرقام التى جاءت فى الجدولين مدى الجهد المبذول من الحكومة الإماراتية فى الحد من حوادث المرور والذى كان سبباً فى انخفاض عدد الحوادث من 18071 عام 1995 إلى 8015 عام 2002.
وربما كان مشكلة حوادث المرور وما ينتج عنها من مخاطر ومسئولية هو الدافع إلى اهتمام الباحثين فى البحث عن وسائل للوقاية منها أو على الأقل الحد من مخاطرها. وإذا كان رجال علم الاجتماع قد أخذوا على عاتقهم البحث عن الأسباب الاجتماعية والنفسية لمثل هذه المشكلة، فإنه يقع على عاتق الباحثين فى الدراسات القانونية البحث عن وسائل لجبر الأضرار الناجمة عن مثل هذه الحوادث المرورية.
وربما لا نكون مخطئين إن قلنا أن الحادثة المرورية فى شكلها الوطنى لا تثير أية مشكلة فالقانون الواجب التطبيق هنا هو القانون المحلى ولكن المشكلة تثور إذا اتسمت الحادثة المرورية بالصفة الدولية، والسؤال كيف يحدث هذا؟
إذا تصورنا أن إنجليزياًً مقيماً بروما بإيطاليا اشترى سيارة وقام بتسجيل السيارة بإيطاليا ثم رغب فى قضاء إجازته فى مدينة باريس فى فرنسا وآثر التنقل براً بسيارته وأثناء إقامته بباريس دهس شخصاً فى الطريق فقتله، السؤال الذى يثور هنا أى القوانين يكون واجب التطبيق أهو القانون الإنجليزى بوصفه قانون جنسية مرتكب الحادث أم القانون الإيطالى على فرض كونه قانون مكان تسجيل المركبة ( السيارة ) أو حتى لكونه قانون محل إقامة مرتكب الحادثة أم القانون الفرنسى بوصفه القانون الذى وقع الحادث على إقليمه؟
ولهذا آثرنا أن تأتى ورقة العمل تلك تحت عنوان القانون الواجب التطبيق على حوادث المرور ذات العنصر الأجنبى فى محاولة منا للبحث عن القانون الواجب التطبيق على قواعد المسئولية الناجمة عن حوادث المرور الدولية إن صح التعبير.
ولكن البحث عن القانون الواجب التطبيق على المسئولية عن الأضرار الناتجة عن حوادث المرور لا يقف عند حد البحث عن القانون الواجب التطبيق على المسئولية التقصيرية بل يمتد الحديث إلى البحث عن القانون الواجب التطبيق على الأضرار الناتجة عن الإخلال بالالتزامات العقدية المتصلة بحوادث المرور.
ونسوق هنا هذا المثال للتدليل على صحة قولنا هذا، فعلى فرض أن هناك حادث قد وقع من حافلة ( أتوبيس) لنقل السائحين تابع لشركة أسبانية تقوم بتنظيم رحلات للمواطنين البلجيك لزيارة فرنسا، فما هو القانون الواجب التطبيق على عقد التأمين المبرم من قبل شركة السياحة على هؤلاء الركاب وما هو القانون الواجب التطبيق على إصابات العمل التى وقعت للمرشد السياحى المرافق للفوج السياحى وسائق الحافلة؟
كل هذه التساؤلات وغيرها تدفعنا لتقسيم ورقة العمل تلك إلى مبحثين:
المبحث الأول: القانون الواجب التطبيق على المسئولية عن الأضرار الناشئة عن حوادث المرور المتصلة بعقد دولى
المبحث الثانى: القانون الواجب التطبيق على المسئولية غير العقدية الناشئة عن حوادث المرور
المبحث الأول
القانون الواجب التطبيق على المسئولية عن الأضرار الناشئة عن حوادث المرور المتصلة بعقد دولى
كما بينا فى مقدمة حديثنا أن حوادث المرور قد ينشأ عنها أضرار بعضها متصل بعقود دولية كعقد التأمين المبرم بين السائق وشركة النقل أو بين المسافر الذى أضير من جراء حادث المرور وشركة التأمين.
والسؤال الذى يثور هنا ما هو القانون الواجب التطبيق على إصابات العمل الناشئة عن عقد العمل، وهل يختلف عن القانون الواجب التطبيق على عقد العمل الدولى ذاته، وما هو القانون الواجب التطبيق على عقد التأمين الدولى الذى يعد طوق نجاة للمضرورين من جراء الحادث المرورى فى كثير من الأحيان؟
هذه التساؤلات العديدة نحاول الإجابة عنها فى إيجاز يفرضه علينا مجال البحث.
أولاً: القانون الواجب التطبيق على التعويض عن إصابات العمل الناشئة عن عقد العمل:
إن الحديث عن إصابات العمل فى حوادث المرور حديث ذى شجون حيث تمتلئ صفحات الجرائد كل يوم بحوادث مؤسفة وإصابة بالغة أصابت العاملين من جراء حوادث المرور.
من المستقر فى مختلف النظم القانونية أن على صاحب العمل أن يعوض من يستخدمهم من العمال عما يصيبهم من أضرار جسمانية، نتيجة الحوادث التى تقع أثناء العمل وبسببه. والمتأمل فى فكرة التعويض عن إصابات العمل يتبين له أنها تقع على حدود نظامين قانونيين الأول: عقد العمل، حيث أن الإصابة تحدث أثناء تنفيذ أحد الالتزامات العقدية للعامل، والثانى: المسئولية المدنية بالنظر إلى أن هناك ضرراً سببه حادث المرور مما يوجب الحق فى التعويض.
فمن المتصور أن يتم إبرام عقد العمل فى ظل نظام قانونى معين، ثم يقع حادث العمل ( فى دراستنا تلك هو حادث مرورى) فى دولة أخرى, وهو أمر متصور فى حوادث المرور الدولية، فالسؤال أى القانونين يكون واجب التطبيق؟
ذهب رأى إلى أن القانون الواجب التطبيق على إصابات العمل هو نفس القانون الذى يحكم عقد العمل، حيث لا يصح أن يخضع التعويض عن إصابات العمل لقانون آخر، فهو كأثر من آثار العقد، يجب أن يظل تحت سلطان قانون عقد العمل الأصلى.
وعلى عكس هذا الرأى ذهب اتجاه ثانى إلى تطبيق قانون محل وقوع حادث العمل على مسألة تعويض إصابات حوادث العمل، دون القانون الذى يحكم عقد العمل.
وإلى جانب هذين الرأيين ذهب رأى ثالث إلى وجوب تطبيق قانون الدولة التى يوجد بها المشروع الذى يعمل لديه العامل. وأساس هذا الحل هو فكرة الخطر المهنى، فالتعويض هو نتيجة للرابطة القانونية بين حادث العمل والمشروع. وهذا الحل بالطبع يتفادى مشكلة تحديد محل وقوع إصابة العمل، وكذلك تحديد القانون الذى يحكم عقد العمل.
إلا أن هذه الآراء الثلاثة لم يعد لها محل فى ظل تدخل الدولة فى مجال علاقات العمل والعمال. فأصبحت النظم القانونية تنظم التعويض عن حوادث العمل بمقتضى قواعد التأمينات الاجتماعية. وهو الأمر الذى أدى إلى تعديل التكييف القانونى لنظام التعويض ذاته فى نظرية تنازع القوانين. فالتعويض عن إصابات العمل لم يعد قائماً على أساس مسئولية رب العمل، بل على أساس نص القانون ذاته( ).
فالمصاب يكون له الحق فى التعويض بنسب محددة وفقاً لنظام صندوق التأمينات الاجتماعية الذى يمول من اشتراكات أصحاب الأعمال والعمال وكذلك الدولة، وذلك دون الرجوع لأحكام عقد العمل. وعلى هذا فإنه إذا توافرت صلة قوية بين حادثة إصابة العمل وقواعد التأمينات الاجتماعية فى بلد القاضى فهو يطبقها حتى ولو كان عقد العمل يخضع لقانون أجنبى. والأكثر من ذلك فإنه إذا توافرت ذات الصلة مع قواعد التأمينات الاجتماعية لدولة أجنبية، فليس هناك ما يحول دون تطبيقها من قبل القاضى الوطنى، طالما اعترفنا للقاضى بتطبيق القواعد ذات التطبيق الضرورى الأجنبية( ).
ولكن إذا لم يوجد هذا النظام القانونى المنظم لإصابات العمل فلا نجد بداً من أن نقرر أن القانون الواجب التطبيق هو القانون الذى يحكم عقد العمل ذاته باعتبار هذا التعويض أثراً قانونياً لعقد العمل. ويخضع عقد العمل للقانون الإقليمى، أى لقانون محل تنفيذ العمل، نظراً لتعلق أحكامه بفكرة التنظيم المهنى وهذه تخضع لمبدأ الإقليمية. وبناء على ذلك فإن القانون الذى يحكم عقد العمل هو الذى يحكم الشروط اللازم توافرها فى الإصابة حتى يمكن التعويض عنها، وهو الذى يقرر ما إذا كان من المتعين قيام عقد صحيح أم أن التعويض يستحق بحكم القانون ولو كان العقد باطلاً، وهو الذى يحدد نطاق التعويض( ).
ثانياً: القانون الواجب التطبيق على المسئولية الناشئة عن عقد التأمين:
عقد التأمين من العقود الهامة الذى يظهر عقب أى حادثة مرورية. فهو محاولة يتخلص المسئول عن الحادثة من عبء تعويض الأضرار التى يحدثها الغير، مع تحمل شخص آخر بذلك العبء يسمى المؤمن.
ونظراً لأهمية التأمين فى نطاق حوادث السيارات، فقد نظم القانون المصرى رقم 652 لسنة 1955 الدعوى المباشرة بشأن التأمين الإجبارى عن المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات فى مادتيه 163، 164.
وفى ظل عقد التأمين الدولى تثور مشكلة تنازع القوانين، فإذا كان ذلك العقد يخضع لقانون دولة معينة، ويقع الفعل الضار المؤمن منه فى إقليم دولة أخرى، فقانون أى الدولتين يكون واجب التطبيق على الدعوى المباشرة؟
ذهب جانب من الفقه إلى أن القانون الذى يحكم الدعوى المباشرة المرفوعة من المضرور فى هذه الحالة مستقل عن القانون الذى يحكم المسئولية المدنية، وعن القانون الذى يحكم عقد التأمين ذاته. فالبحث عن القانون الواجب التطبيق لابد وأن ينبع من الطبيعة القانونية للدعوى المباشرة. فهى أولاً امتياز مقرر للمضرور على قيمة التأمين، وهى ثانياً الدعوى التى تنتج آثاراً تشبه آثار التنفيذ الجبرى بالنسبة للمؤمن.
بالإضافة إلى أن نتاج هذه الدعوى يتعلق بالذمة المالية للمؤمن. ولهذا يتعين أن يكون قانون موطن المؤمن هو القانون الواجب التطبيق أى قانون مركز إدارة شركة التأمين.
ونظراً لما لاقاه هذا الرأى من أوجه للنقد أهمها أنه سيؤدى إلى اختلاف القانون الواجب التطبيق باختلاف موطن المدين المؤمن، كذلك صعوبة إعماله إذا تعددت مواطن المؤمن.
ولهذا ذهب جانب آخر من الفقه إلى تطبيق قانون دولة القاضى على الدعوى المباشرة طالما أنه يعترف بها وينظمها. ويستند هذا الرأى إلى أن هذه الدعوى تتعلق بالنظام العام حيث أن تلك الدعوى ترمى إلى تحقيق ضمان فعال لمزايا التأمين الإجبارى بالنسبة للمضرورين.
ورغم ذلك فلم يلق هذين الرأيين قبولاً لدى غالبية الفقه، فقد ذهب الرأى الغالب ـ وبحق ـ إلى أن الدعوى المباشرة تخضع للقانون الذى يحكم المسئولية المدنية، أى القانون المحلى، قانون الدولة التى وقع فيها العمل المنشئ للالتزام بالتعويض أى تطبيق قانون الدولة التى وقع الحادث المرورى على أراضيها والذى تسبب فى نشوء حق التعويض.
تلك كانت محاولة للبحث عن القانون الواجب التطبيق على المسئولية الناشئة عن حوادث المرور، ووجدنا كيف آثرنا تطبيق قانون دولة وقوع الحادثة المرورية على عقد التامين بوصفه أكثر القوانين ملاءمة. وكذلك فضلنا الاتفاق مع الرأى الغالب من الفقه الذى يرى تطبيق قانون دولة عقد العمل على التعويض عن إصابات العمل الناشئة عن حوادث المرور. ولكن مازال لحديثنا بقية ألا وهى البحث عن القانون الواجب التطبيق على المسئولية غير العقدية الناشئة عن حوادث المرور. وهو الأمر الذى نعرض له فى المبحث التالى.
المبحث الثانى
القانون الواجب التطبيق على المسئولية غير العقدية الناشئة عن حوادث المرور
عرضنا فى المبحث السابق للقانون الواجب التطبيق على المسئولية العقدية الناشئة عن حوادث المرور، لكن الحديث لا يمكن أن يتوقف عند هذا الحد فمن المتصور أن تخلق حوادث المرور مسئولية ولكنها غير عقدية وهذا هو الغالب الأعم، فقائد السيارة الذى يصدم شخص أثناء عبوره الطريق أو يتسبب فى تلفيات لسيارة الغير أو غيرها من صور الإصابات الناتجة عن حوادث المرور لا تربطه بالمضرور أى علاقة عقدية.
ومن هنا تنسحب المسئولية العقدية من ساحة البحث ليحل محلها الحديث عن المسئولية غير العقدية والتى تتمثل فى المسئولية التقصيرية والسؤال ما هو القانون الواجب التطبيق على المسئولية التقصيرية الناشئة عن حوادث المرور؟
وقد اهتمت اتفاقية لاهاى 1971 الخاصة بالقانون الواجب التطبيق على حوادث المرور بتحديد القانون الواجب التطبيق وغيرها من المشكلات التى تثار على صعيد البحث فى هذا المجال( ). وقد كان لقواعدها آثراً مهماً فى تحديد القانون الواجب التطبيق على حوادث المرور فى التشريعات الوطنية كما هو الحال فى القانون المصرى الذى نعرض له بمزيد من التفصيل.
حيث نصت المادة 21 من القانون المدنى المصرى على أنه:
” 1ـ يسرى على الالتزامات غير التعاقدية قانون البلد الذى وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام.
2ـ على أنه فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة عن الفعل الضار لا تسرى أحكام الفقرة السابق على الوقائع التى تحدث فى الخارج وتكون مشروعة فى مصر، وإن كانت تعد غير مشروعة فى البلد التى وقعت فيه”.
ومؤدى هذا المبدأ أن كل واقعة يحكمها قانون الدولة التى تحدث فى إقليمها فالقانون المحلى هو صاحب الصفة – بمقتضى سيادته الإقليمية – فى ترتيب ما يقرره من آثار قانونية على ما يحدث تحت سلطانه من وقائع مادية، وبذلك تتحول تلك الوقائع المادية إلى وقائع قانونية( ).
فالالتزامات غير التعاقدية تخضع لقانون المحل الذى حدثت فيه الوقائع المنشئة لها. ويستند اختصاص القانون المحلى بشأنها إلى مبدأ الإقليمية بالمعنى الواسع.
وإذا كان الحال كذلك فإنه من الواضح أمامنا أن القانون الواجب التطبيق على حوادث المرور وما ينتج عنها من آثار بوصفها فعلاً ضاراً هو القانون الذى وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام أى قانون مكان وقوع الحادثة المرورية.
ويحكم قانون مكان وقوع الحادثة عناصر المسئولية، فهو الذى يحدد أهلية المساءلة، فالأهلية فى المسئولية ليست أهلية بالمعنى الصحيح – إذ لا يقصد بها حماية الإرادة فى التصرفات – بل هى مجرد شرط للمساءلة لا أكثر، ولذا تخضع لقانون محل الفعل الضار دون القانون الشخصى( ).
والقانون المحلى هو الذى يحدد مدلول فكرة الخطأ، نوع الضرر الذى يجوز التعويض عنه، ومدى تحقق رابطة السببية. كما يحكم القانون المحلى أسباب دفع المسئولية، فهو الذى يحدد معنى القوة القاهرة والحادث الفجائى والسبب الأجنبى بوجه عام.
وأخيراً يحكم القانون المحلى آثار المسئولية، فهو الذى يعين كيفية أداء التعويض وتقديره وضماناته، وخاصة التضامن بين المسئولين.
ويمكننا القول بأن خضوع المسئولية عن الفعل الضار لقانون محل وقوع الفعل تعد مسألة من المسائل ذات الأصل التاريخى، فيعد فقهاء نظرية الأحوال الإيطالية أول من نادوا بتطبيق هذا القانون( ).
ولهذا حرص المشرع المصرى كما رأينا على عدم الخروج عن هذا الأصل التاريخى، ويتفق هذا كذلك مع ما يقره المشرع الإماراتى. وربما يكون هذا حرصاً من المشرع الوطنى على السير على ما أقرته الاتفاقيات الدولية فى هذا الشأن. حيث نصت المادة الثالثة من اتفاقية لاهاى المبرمة فى 4 مايو 1971 والخاصة بالقانون الواجب التطبيق على حوادث المرور على أن القانون الواجب التطبيق على حوادث المرور هو قانون الدولة التى وقع على أرضها الحادث المرورى.
ثم جاءت المادة الرابعة لتحدد الاستثناءات على هذه القاعدة وأوضحت أنه إذا وقعت الحادثة من مركبة واحدة وهذه المركبة مسجلة فى دولة غير الدولة التى وقعت فيها الحادثة فالقانون الواجب التطبيق على تحديد المسئولية هنا هو قانون دولة تسجيل المركبة، ولا عبرة لمحل إقامة السائق، المالك، أى شخص آخر له سيطرة أو له متابعة فى تحديد هذا القانون. وإذا تعدد الضحايا فإن القانون الواجب التطبيق يتحدد لكل منهم على حدة. ويكون القانون الواجب التطبيق هو قانون دولة تسجيل المركبة إذا وقعت الحادثة من عدة مركبات مسجلة فى دولة واحدة.
ويكون القانون الواجب التطبيق هو قانون دولة تسجيل المركبة إذا كانت الحادثة متورط فيها شخص أو أشخاص خارج المركبة أو المركبات فى مكان الحادث وربما يكون متعرضاً للمساءلة القانونية إذا كان محل إقامتهم جميعاً دولة تسجيل المركبة أو المركبات التى وقع الحادث نتيجة خطئها. الحال كذلك فى حالة ما إذا كان جميع الضحايا قد جعلوا من محل إقامتهم المعتاد دولة تسجيل المركبة.
ثم جاءت المادة الخامسة للاتفاقية لتقرر أنه تسرى نفس هذه القواعد الواردة فى المادة الثالثة والرابعة على الأضرار التى وقعت للبضائع الخاصة بالراكب أو التى كان له اهتمام بها والتى أضيرت من جراء الحادث.
من استقراء الأحكام والقواعد التى جاءت فى المواد السابقة من الاتفاقية نجد أنها قررت أن القانون الواجب التطبيق على المسئولية الناشئة عن حوادث المرور هو قانون محل وقوع الحادث المرورى.
والسؤال الآن ما هى الاعتبارات التى تدفعنا لتبنى الرأى القائل بخضوع المسئولية الناشئة عن الحادث المرورى لقانون محل وقوعها؟
يمكننا إجمال هذه الاعتبارات فى الآتى( ):
1ـ اعتبار فنى، ويقوم على أساس أن مادة المسئولية عن الفعل الضار لا تقوم على أى عنصر موضوعى يمكن الانطلاق منه لتركيز الرابطة التى تنشأ عنها فى المكان، وبالتالى التعرف على القانون الواجب التطبيق. فعنصر السبب أو الواقعة القانونية هو العنصر الذى يمكن الارتكان إليه فى خصوص المسئولية عن حوادث المرور بوصفه فعلاً ضاراً. فالمكان هو المعتبر فى توطين المسئولية، وعلى هذا فإن القانون المحلى لوقوع الحادثة المرورية هو أكثر القوانين ملاءمة لحكم النظام القانونى لها.
2ـ اعتبار قانونى، يتمثل فى مبدأ الإقليمية فالأصل فى تطبيق القوانين هو الإقليمية. فالقانون الذى تصدره الدولة، يسرى داخل إقليمها على كل الأشخاص والوقائع فيكون من الطبيعى أن ينطبق على الفعل الضار ـ حادثة المرور ـ قانون الدولة التى ارتكب على إقليمها.
3ـ اعتبار الملاءمة، وقوامه أن اختصاص القانون المحلى يتفق ومقتضيات حماية التوقعات المشروعة لأطراف المسئولية، المدعى والمدعى عليه، فوجودهم على إقليم دولة معينة يفرض عليهم الالتزام باحترام قوانينها وعدم الخروج عليها.
ولكن مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق على حادثة المرور قد يواجه بمشكلة يفرضها الواقع. ففى المسئولية عن حوادث السيارات والطرق، قد تصدم سيارة شخصاً فى عمان ثم يرحل المصاب إلى إمارة الشارقة بالإمارات حيث تتفاقم حالته، ويصاب بعاهة مستديمة تقعده عن العمل.
ولقد حاول الفقه إيجاد وسيلة لتحديد القانون الواجب التطبيق فى مثل هذه الحالة. فذهب رأى إلى أن القانون الواجب التطبيق هو قانون مكان الفعل الضار، فالعبرة فى اعتبار الأشياء بمقدماتها. فالأولوية هنا لعنصر السلوك، ومن ثم فإن القانون الأكثر ملاءمة هو قانون الدولة التى وقع على إقليمها هذا السلوك ولا عبرة هنا للمكان الذى تحقق فيه الضرر( ).
فالخطأ وفقاً لما يراه هذا الرأى هو الركن الأساسى الذى يقوم عليه المسئولية المدنية، والضرر ما هو إلا نتيجة له.
ويقرر جانب آخر من الفقه أن العبرة بقانون محل تحقق الضرر فإن اختلف عن مكان ارتكاب السلوك الضار( ). فالاعتداد بعنصر الضرر هو أمر يستوجبه الطبيعة الواقعية فى تحديد القانون الواجب التطبيق على المسئولية. فالضرر هو العنصر الذى يمثل الشكل الخارجى للمسئولية ومن ثم يكون قانون محل وقوع الضرر هو المكان الأولى بالاعتبار.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد ذهب جانب من الفقه إلى أن أساس المفاضلة بين قانون دولة محل وقوع الخطأ وقانون الدولة التى ترتب فيها الضرر هو الأساس القانونى للمسئولية. فإذا كانت المسئولية تقوم على الخطأ كعنصر أساس، فإن قانون مكان ارتكاب الخطأ أو الفعل الضار يكون هو المختص. أما إن كان الضرر هو أساس المسئولية، كما هو الحال فى حالات المسئولية الموضوعية. فإن العبرة تكون بقانون محل ترتب الضرر مما يعنى أنه فى حوادث المرور يتعين تطبيق مكان وقوع الخطأ باعتباره هو أساس المسئولية.
إن عرضنا لبعض الآراء الخاصة بتحديد القانون الواجب التطبيق فى حالة اختلاف مكان وقوع الخطأ عن مكان وقوع الضرر إنما هى محاولة للوصول إلى القانون الواجب التطبيق والذى يعد أكثر ملاءمة فى حالة حوادث المرور. ويمكننا القول بأنه يتعين على القاضى أن يعتد بقانون محل تحقق الضرر( ).
ويؤكد قولنا هذا عدة أمور منها، أن الضرر هو الشرط الأول لقيام المسئولية، وبدونه تنتفى المسئولية. كذلك المدعى لا تكون له مصلحة فى الدعوى، إلا إذا أصابه ضرر، بحيث إذا لم يثبت وقوع ذلك الضرر انتفت مسئولية المدعى عليه.
ويضاف إلى ذلك أن وقت تحقق الضرر هو الذى تبدأ منه تقادم دعوى المسئولية ضد مرتكب الفعل الضار (الحادث المرورى) ولو كان السلوك الذى سبب الضرر سابقاً على ذلك بمدة طويلة. فضلاً عن أنه عند تقدير قيمة التعويض فإنه يؤخذ فى الاعتبار جسامة الضرر لا الخطأ( ).
وفى النهاية فإنه إذا كنا آثرنا تطبيق قانون الدولة الذى وقع على إقليمها الحادث المرورى، فإن ذلك يعد محاولة لحفظ التوازن بين مصالح الأطراف فى المسئولية. فيجب تطبيق القانون الذى حصل فى نطاق سريانه الإخلال بذلك التوازن.
تلك كانت محاولة موجزة فرضتها علينا ورقة العمل فى البحث عن القانون واجب التطبيق على المسئولية الناشئة عن حوادث المرور. حاولنا خلالها البحث عن المسئولية الناشئة عن الحادث المرورى وبينا كيف يمكن أن تلتبس المسئولية عن الفعل الضار بالمسئولية التعاقدية فى بعض الأحيان، كما إذا نشأ الالتزام بالتعويض موضوع المطالبة بمناسبة إبرام عقد أو تنفيذه فيكون على القاضى أن يتحقق أولاً مما إذا كان الالتزام بالتعويض قد نشأ عن الإخلال بالتزام تعاقدى، أى عن الإخلال بالتزام مستمد من إرادة المتعاقدين، أم أنه نشأ عن واقعة قائمة بذاتها حدثت بمناسبة انعقاد العقد أو تنفيذه، وهذه مسألة تكييف لازم لتحديد القانون المختص فيرجع فيها إلى قانون القاضى.
وهكذا نكون قد عرضنا للنقاط الأساسية الخاصة بتحديد القانون الواجب التطبيق على المسئولية الناشئة عن حوادث المرور سواء فى جانبها العقدى أو غير العقدى
اترك تعليقاً