القانون كما هو أو كما يجب أن يكون
ربط بنتام بحثه عن الأخلاق با >عيار النفعي وبرفضه فكر القانون الطبيعي
كله بالاقتناع الكامل بأن فهم القانون لا يكون إلا .عاملته كدراسة مستقلة
متحررة من قضايا الأخلاق والدين وما شابههما. وكان القانون الطبيعي
الشديد لا يرتكز فقط على كونه قانونا غيبياً وغامضاً (يستثني من ذلك
أولئك الذين يقبلون kطا معينا من اللاهوتية J وحتى هؤلاء لم يكن بينهم
اتفاق على مبادئه العقلية) فحسب J بل إنه قاد إلى تفكير ضبابي مشوش
وذلك بخلطه قضايا القانون بقضايا الأخلاق. وعلى أية حال فإن القانون
في دولة ما ليس إلا مسألة فقهية بحتة تقرر على ضوء مباد R النظام
القانوني القائم. وهذه مسألة تختلف كليا عن ا >سألة التي يثيرها أولئك
الذين يعتبرون القانون كما هو موجود خيرا أو شريراً. فالقانون كما هو أو
كما يجب أن يكون مسألتان مختلفتان خلافا كليا J وكل منهما تختص .يدان
دراسة متميز ومنفصل J قال عنه بنتام إنه الفقه ا >فسر وا >راقب (أو علم
التشريع) و ينتج عن ذلك أن مسألة تقرير شرعية أو عدم شرعية قاعدة
قانونية ما لا يكون باعتبارها صحيحة أو خطأ J عادلة أو غير عادلة. ذلك
إن هذه ا >سائل مناطها الأخلاق أو لزوم القاعدة القانونية التي لا يؤثر على
شرعيتها كونها جيدة أو رديئة.
ويجب إلا نظن J كما ذهب إلى ذلك بعض نقاد الوضعية J أن ما كان
يؤكده بنتام واتباعه هو أن القانون والأخلاق متغايران ولا رابطة بينهما
كليا J أو أن القانون السيئ تجب إطاعته كما يطاع القانون الجيد. إذ لو كان
هذا صحيحا لكان ذلك سخافة كبرى من جانب بنتام الذي كرس حياته
كلها للسخرية من القانون البريطاني القائم ومهاجمة رضا مهنة القضاء
والطبقة الحاكمة بذلك J وداعيا بشدة إلى إصلاح القانون في كل فروعه.
لقد كان هناك كتاب-ر .ا كان أحسنهم »توماس هوبز -«THOMAS HOBBES
حاولوا أن يؤكدوا أن كل ما يأمر به القانون يتفق والأخلاق. ولكن هذا
الرأي كان له تأثير ضئيل ورفضته ا >درسة النفعية وخليفتها ا >درسة
الوضعية. و يرى بنتام أن مسألة كون القانون جيدا أو سيئا يقررها مبدأ
النفعية العظيم الذي نادى به J وهو السلاح الفعال الذي يجب شهره في
كفاحنا لإصلاح القانون. وأهمية هذا ا >نهج هو أنه .يز .ييزا تاما ب S
95
الوضعية القانونية أو القانون الوضعي
الالتزام القانوني والالتزام الخلقي.
وح S يتعارض هذان الالتزامان إلى درجة حاسمة (وهو ما يكشف عنه
تطبيق معيار النفعية) فإن .قدور ا >واطن أن يستخدم ثقل الحجة الأخلاقية
لتحقيق تغيير في القانون. ولم يهتم بنتام كثيرا .سألة أخرى وهي ما إذا
كان يحق للمواطن أن يعصي القانون إذا كان القانون مخالفا للأخلاق J وكان
بنتام يرى أن هذه ا >سألة غير عملية لأنه J كعقلاني J رأى أن أسوار ردود
الفعل ستقتحم في النهاية بالإقناع العقلاني خاصة وأن الدستور أصبح
أكثر د .وقراطية وهذا زاد من فعالية مطالب الجماهير للإسهام في واجبها
نحو سعادة الإنسان. وقد دلت تجربة الد .وقراطيات الغربية على أن لتفاؤل
بنتام ما يبرره في هذا ا >ضمار J حيث برهن تاريخ القرن التاسع عشر و kو
مبدأ الرفاه العام الحديث في هذا القرن على أن ضغط الرأي العام لإصلاح
القانون كان فعالا J حيث إنه كان يهدف إلى زيادة سعادة الإنسان حتى
الذروة J وهو ا >بدأ العزيز على قلب بنتام. ومن ا >ؤكد أن النزاع ب S الحاكم
والمحكوم S قد يتخذ شكلا حادا (خاصة في الأنظمة الاستبدادية وحتى
قي بعض الأنظمة الد .وقراطية كما في قضية الاعتراض على الخدمة
العسكرية) حيث يتوجب على ا >واطن أن يقرر ما إذا كان عليه أن يطيع
قانوناً يعتبره منافيا للأخلاق أو أن .تنع عن ذلك و يتحمل ما يترتب عليه
من نتائج قانونية. ولاشك في أن معالجة بتنام لذلك هي أن الواجب القانوني
لا يكف عن كونه واجبا قانونيا لان ا >واطن مقتنع بالجور الأخلاقي للواجب J
بل إن اختياره الطاعة أو الاحتجاج مسألة تعود إلى إدراكه أو ضميره. وهذا
هو ا >وقف الذي كانت محكمة بريطانية تبنته على أساس أن المحكمة أنشئت
لدعم وتأييد القانون J وليس لها أن تتناول بالاهتمام خيره أو شره.
وبناء على ذلك فإن اللجوء إلى الأخلاقية العليا أمر لا علاقة له بإدانة
ا >رأة التي تطالب با >ساواة و بحق التصويت أو بإدانة ا >طالب S بنزع السلاح
النووي بسبب انتهاك القانون أو تحديه J وإن كان من حق المحكمة على
الدوام في تقرير العقوبة الواجب فرضها أن تأخذ في اعتبارها الواقع
الأخلاقي الذي أثر على ا >تهم.
ويهاجم الوضعيون فكرة القانون الطبيعي لا لأنها تؤدي إلى تشوش
الذهن فحسب J بل لأنها تضفي على القانون الوضعي قداسة لا يستحقها
96
فكرة القانون
دائما J وبذلك تقف عقبة في طريق الإصلاح القانوني إذ أنها تنطلق من
منطلق أن هناك خاصة أخلاقية موروثة في القانون بدونها لا يكون القانون
قانونا. وقد رأينا أن فكرة الطاعة الأخلاقية للقانون تقوم بدور مهم في
إعطاء النظام القانوني سلطته J وهذا أمر لا ينكره أي من أنصار ا >ذهب
الوضعي. ومهما يكن فإن من الواضح أنه في الفترة التي عاشها بنتام كان
القانون يحتوي على نصوص كثيرة بالية لا معنى لها J وكان أداة للقمع الفظ J
وإن وجود نظرية تطابق ب S القانون والأخلاق قمينة بأن تؤدي إلى أحد
أمرين إما إلى ادعاء رجعي من جانب ا >نتفع S بالقانون بأنه .ثل ذروة
العقل والكمال J أو إلى رفض كامل له من جانب ا >ضطهدين على أساس أنه
اعتداء على بدهيات العدالة الطبيعية. وكلا ا >وقف S مشحون بالخطر
والتهلكة ويؤديان إلى وضع الحواجز الصلبة في وجه التقدم العقلاني للجنس
البشري. وبينما لا .كن تحقيق الإصلاح القانوني إلا من خلال تقييم
هاد R للقانون القائم وفق ا >عيار النفعي J واستخدام الضغط الجسور بالإقناع
ا >نطقي. ويجب الاعتراف بأن جدلا كهذا ينبع من الاعتقاد بقوة العقل
البشري ا >طلقة في عهد الاستنارة J وهو اعتقاد يبدو بعيدا عن الحقيقة
لشخص ذي قناعة بالحرية يعيش في ظل نظام فاشي.
ومهما يكن فإن الوضعي القانوني يظل يحاجج بأنه لا جدوى من تشويش
القضايا القانونية والأخلاقية J حتى عندما يكون الحال كئيبا J و يظل يقول
بأن الفصل ب S التزام ا >واطن الأدبي والتزامه القانوني هو الذي يبسط
طبيعة الخلاف ويحفز على العمل الخلقي.
لنأخذ الوضع في جنوب أفريقيا مثلا لدى أولئك الذين يقتنعون بأن
القوان S العرفية القمعية بشأن التفرقة العنصرية منافية للأخلاق في
جوهرها. فالذين يؤمنون منهم .ذهب مدرسة القانون الطبيعي سيقولون
إن هذه القوان S تخالف ما .ليه القانون الأسمى الذي يلزم كافة أبناء
الجنس البشري J وبالتالي فهو يفتقر إلى الشرعية. بينما يقول ا >ؤمن با >درسة
الوضعية من ناحية أخرى J إنه يقبل صلاحيتها الشرعية ولكنه يدينها على
أسس أخلاقية وفقا لأي معيار أخلاقي يقبله J وذلك شريطة أن تكون هذه
القوان S سارية بشكل رسمي ضمن الإطار الدستوري للبلد. وتتضح الورطة
الأخلاقية بقولنا »إنه القانون ولكنني لن أطيعه لأنني اعتقد أنه خاطئ «
97
الوضعية القانونية أو القانون الوضعي
كقولنا »إنه ليس قانونا إطلاقا ولهذا لست ملزما بإطاعته «. يضاف إلى
ذلك أن نقطة الضعف الكبرى في موقف المحامي ا >ؤمن با >ذهب الطبيعي
تكمن في الأساس الذي ينطلق منه J كشرط يسبق ادعاءه بأن القانون الطبيعي
لا يوجد فحسب J بل إنه يتضمن مباد R ا >ساواة العرقية J وهذا من شأنه
أبطال كل قانون وضعي مخالف. والى جانب هذا الغموض في الشرط S
الأول والثالث فإنه يجد نفسه في مواجهة محام S طبيعي S في جنوب
أفريقيا يعتقدون بأن القانون الطبيعي يقضي بعدم ا >ساواة على أساس
عرقي. إن من الصعب إدراك كيف .كن تسوية هذا النزاع على أسس
عقلانية صرفة.
اترك تعليقاً