القصد الجنائي للشروع في الجريمة – القانون المصري .
الأحكام التي يخضع لها القصد الجنائي في الشروع:
ليس بين الشروع والجريمة التامة فارق من حيث الركن المعنوي، وإنما ينحصر الفرق بينهما في الركن المادي الذي تكتمل عناصره إذا كانت الجريمة تامة في حين تتخلف منه النتيجة الإجرامية إذا اقتصرت الجريمة على مجرد الشروع. ويترتب على ذلك أن القصد الجنائي الذي يتعين توافره بالنسبة للشروع في الجريمة هو عين القصد الجنائي الذي يتعين توافره إذا كانت الجريمة تامة، فيقوم في الحالين على نفس العناصر ويخضع لذات الأحكام، وعلى سبيل المثال، نقرر أنه إذا كان القصد الجنائي يتطلب في القتل التام نية إزهاق الروح وفي السرقة نية التملك، فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في كل من الجريمتين.
القصد الجنائي يتطلب إرادة إحداث النتيجة الإجرامية:
يفترض الشروع اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب جريمة تامة، ولا يتصور أن تتجه إرادته إلى مجرد الشروع فيها، إذ لن يحقق الشروع له غرضاً، وبالإضافة إلى ذلك فالفرض أن عدم إتمام الجريمة لم يكن مرجعه إلى إرادة الجاني، ولذلك لم يكن متصوراً أن تتجه إرادته إلى عدم إتمام الجريمة. وإذا ثبت أن إرادة الجاني لم تتجه إلى إتمام الجريمة، فإنه لا يُسأل عن شروع فيها، وإنما يسأل عن الجريمة التي تقوم بالأفعال التي أراد أن يقصر نشاطه على إتيانها.
القصد الجنائي يتطلب إرادة ارتكاب جريمة معينة:
الشروع ينصرف إلى جريمة معينة، ولا يعرف القانون شروعاً مجرداً، أي شروعاً في غير جريمة محددة. ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتحدد إرادة الجاني بالاتجاه إلى إحداث نتيجة إجرامية معينة فلا محل للشروع، ولا وجه للعقاب إلا إذا كان النشاط الذي صدر عنه يعد جريمة قائمة بذاتها وكانت الإرادة الصادرة عنه تصلح لأن تقوم بها هذه الجريمة. فمن يدخل منزلاً دون أن تكون إرادته متجهة إلى ارتكاب جريمة معينة لا يسأل عن شروع، ولكن قد يسأل عن انتهاك حرمة ملك الغير (المادة 369 وما بعدها من قانون العقوبات المصري).
أهمية اعتبار القصد الجنائي ركناً للشروع:
يترتب على اعتبار القصد الجنائي ركناً للشروع حصر نطاقه باستبعاد طوائف من الجرائم لا يعد القصد الجنائي من أركانها، إذ يعني ذلك أن يتخلف بالنسبة للشروع فيها أحد الأركان المتطلبة لقيامه، فلا يكون الشروع طبقاً للقانون متصوراً. وهذه الجرائم طائفتان: الجرائم غير العمدية، والجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني.
لا شروع في الجرائم غير العمدية:
لا يقوم الركن المعنوي في هذه الجرائم على القصد الجنائي. بل يفترض انتفاءه وتوافر الخطأ غير العمدي، ومن ثم لم يكن للشروع فيها محل، إذ ينقصه دائماً أحد أركانه. وعلى هذا النحو، فالفعل المنطوي على خطر يهدد حقاً والصادر عن خطأ غير عمدي لا يعد شروعاً إذا لم تحدث النتيجة التي يتمثل فيها الاعتداء على الحق وتقوم بها جريمة غير عمدية معينة، ولكن هذا الفعل قد يعد جريمة في ذاته إذا كان القانون يعاقب عليه مجرداً أو كان قد أحدث نتيجة تقوم بها جريمة غير عمدية أخرى. فقيادة سيارة بسرعة في طريق مزدحم بالمارة وعلى نحو يهدد بالخطر حياة بعضهم لا يعد شروعاً في قتل غير عمدي، ولكنه قد يعد جريمة تجاوز السرعة المسموح بها، أو جريمة إصابة غير عمدية إذا أفضى الفعل إلى إصابة ولكن لم تتحقق وفاة المصاب.
لا شروع في الجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني:
تفترض هذه الجرائم أن الجاني قد أرتكب فعلاً أراد به إحداث نتيجة معينة ولكن حدثت نتيجة أشد جسامة لم يتجه إليها قصده، وبديهي أن يكون الشروع غير متصور بالنسبة للنتيجة الجسيمة، إذ لم يتجه القصد الجنائي إليها، فيعني ذلك أن أحد أركان الشروع يتخلف دائماً بالنسبة لها. فالشروع لا يتصور في جريمة الضرب المفضي إلى الموت، إذ لا يتجه القصد إلى إحداث الوفاة، وإلا كانت الجريمة قتلاً عمدياً، وإنما يقتصر اتجاه القصد على مجرد المساس بسلامة الجسد ثم تحدث الوفاة دون أن ينصرف القصد إليها. ويصدق الحكم نفسه على كل جريمة ذات نتيجة تجاوز قصد مرتكبها، مثال ذلك الجرائم المنصوص عليها في المواد 126 و 168 و 257 و 276 من قانون العقوبات (المصري).
أما جريمة الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة فلها صورتان: إذ قد تكون ذات نتيجة تجاوز قصد مرتكبها كما لو اقتصر قصده على مجرد المساس بسلامة الجسم ثم حدثت العاهة؛ وقد تكون عمدية عادية كما لو اتجه القصد إلى إحداث العاهة، مثال ذلك أن يصيب شخص جسم آخر بنية بتر يده أو فقء عينه. ففي الصورة الأولى لا يتصور الشروع، ولكن في الصورة الثانية يكون الشروع متصوراً، إذ يتوافر القصد المتجه إلى النتيجة، فإن توافرت سائر أركانه فلا مفر من العقاب عليه.
سلطة القضاء في إثبات توافر القصد الجنائي:
التحقق من توافر القصد الجنائي يدخل في اختصاص قاضي الموضوع الذي يستخلصه من وقائع الدعوى وقرائنها. ولا رقابة لمحكمة النقض عليه إلا إذا أخطأ في تحديد عناصره وأحكامه، إذ يكون لمحكمة النقض أن ترده إلى التحديد الصحيح. ويلتزم قاضي الموضوع بأن يثبت في حكمه بالإدانة من أجل الشروع توافر القصد المتجه إلى الجريمة، فإن لم يفعل فحكمه قاصر التسبيب، إذ أغفل بيان ركن تقوم عليه المسئولية الجنائية عن الشروع.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً