القضاء التجاري أحوج ما يكون إلى الدعم
باشرت المحاكم التجارية أعمالها مؤخراً بعد إكمال سلخها من ديوان المظالم إلى وزارة العدل، وسبق ذلك تخصيص مبان ٍخاصة لهذه المحاكم يجتمع فيها قضاة المحكمة الدوائر الابتدائية مع قضاة الاستئناف للقضاء التجاري.
ومنذ أن باشرت هذه المحاكم أعمالها وهي تشهد ازدحاماً كبيراً في أعداد المراجعين، ومن الطبيعي أن تكون هذه المرحلة تتسم بعض الارتباك المصاحب عادة لمثل هذا الانتقال الذي طال انتظاره.
وكنت في مقال ٍسابق ٍحذرت من الآثار السلبية لسلخ القضاء التجاري من واقع ما حدث من إشكالات ٍصاحب سلخ القضاء الجزائي قبل مدة، واليوم تأتي مباشرة المحاكم التجارية أعمالها واختصاصاتها وفق ما نص عليه نظام المرافعات الشرعية الجديدة، في ذات الوقت الذي تشهد المملكة تحولاً كبيراً يتمثل في إجراءات تحقيق متطلبات رؤية (2030)، والتي ترتكز على الاقتصاد باعتباره أهم جوانبها ويشغل حيزاً كبيراً من مفرداتها، والقضاء التجاري هو الأساس الذي لا يمكن للاقتصاد أن يزدهر أو يحقق التطلعات دون نجاح هذا القضاء باعتباره المرجع له.
ومن خلال اطلاعي على واقع القضاء التجاري بصفة مستمرة، فإني أود التنبيه هنا إلى بعض التحديات الكبيرة التي يواجهها حالياً، والتي إن لم يتم التعامل معها بما تتطلبه أهميتها، فإن عواقب ذلك ستكون سيئة على أداء المحاكم التجارية.
ومن أبرز هذه التحديات ما يلي:
أولاً: أنه صدر عن المجلس الأعلى للقضاء قرار بتاريخ 1/1/1439هـ نص على أن تباشر المحاكم التجارية الجديدة اختصاصاتها المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية اعتباراً من تاريخ القرار، ومن المعروف للمتخصصين أن هذه الاختصاصات الجديدة أوسع كثيراً من اختصاصات القضاء التجاري في ديوان المظالم سابقاً؛ وهذا يشكّل ضغطاً كبيراً على المحاكم التجارية بدرجتيها الابتدائية والاستئناف، فهل المحاكم بوضعها الراهن تمتلك من الكوادر البشرية والتجهيزات الفنية والمادية، ما يكفي لمواجهة سيل القضايا الذي انفتح عليها؟
ثانياً: نص القرار المشار إليه على أن تكون الأحكام الصادرة في الدعاوى التجارية من الأحكام التي يكتفى بتدقيقها وفق أحكام المادتين (191) و(192) من نظام المرافعات الشرعية، وبالرجوع لنص المادة (191) المذكور نجدها تنص على أنه: “إذا وجدت محكمة الاستئناف أن منطوق الحكم في القضايا التي يتم تدقيقها دون مرافعة موافقًا من حيث نتيجته لأصوله الشرعية، أيدته مع التوجيه بما قد يكون لها من ملحوظات لا تقتضي نقض الحكم، وإذا نقضت الحكم كليًا أو جزئيًا، فعليها أن تحكم فيما نقض بعد سماع أقوال الخصوم”. ومؤدى ذلك أن دوائر الاستئناف في المحاكم التجارية يجب أن تتصدى للحكم في القضايا المنقوضة، بعد سماع أقوال الخصوم، وهذه مشكلة كبيرة جداً، لأن المطلع على مباني المحاكم التجارية حالياً يجدها غير مهيأة بعدد كاف ٍمن قاعات الجلسات، كما أن عدد قضاة الاستئناف في المحاكم التجارية لا يمكن أن يفي بنظر هذه القضايا والتصدي لها وعقد جلسات لذلك، ومن المؤكد أنه سيبدأ ظهور آثار هذه المشكلة قريباً ما لم تتنبه وزارة العدل ومجلس القضاء لها ويحاولون تداركها بتأجيل تطبيق هذه المادة على محاكم الاستئناف التجارية، أسوة ً بمحاكم الاستئناف الأخرى في القضاء العام التي لم يبدأ بعد تطبيقها لهذه المادة، وذلك عملاً بقرار وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء رقم 13/ت/6219 في 18/6/1437هـ الذي قرر وقف العمل بالكثير من مواد نظام المرافعات الشرعية ومنها المادة (191) المذكورة لحين جاهزية المحاكم لذلك، فكيف تستثنى محاكم الاستئناف التجارية فقط من ذلك؟!.
ثالثاً: إن من الملاحظ أنه حين كان القضاء التجاري تابعاً لديوان المظالم لم يكن أيٌ من قضاة القضاء التجاري عضواً في المحكمة العليا الإدارية، والآن بعد سلخ القضاء التجاري إلى القضاء العام أيضاً لا يوجد في المحكمة العليا أحد من قضاة القضاء التجاري، وفي إجراءات انتقال القضاء التجاري ومباشرة المحاكم التجارية أعمالها لم يتم استطلاع ملاحظات وآراء قضاة القضاء التجاري مما كان مفترضاً أن يتمّ لتلافي الكثير من السلبيات بحكم أنهم أدرى بما يواجهونه يومياً من عوائق وبطبيعة العمل والإجراءات اليومية في محاكمهم.
هذه بعض التحديات والإشكالات التي صاحبت مباشرة المحاكم التجارية أعمالها مؤخراً وللحديث بقية بإذن الله.
الكاتب:
د. محمد بن سعود الجذلاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً