مفاهيم أساسية في القضاء الجزائي
د. عبد اللطيف القرني
عض أنواع القضاء المتخصص تذكيرا لإخواني القضاة والمختصين، وإسهاماً في رفع الوعي القانوني لدى شرائح المجتمع كافة، ومن المهم أن نشرح للقارئ الكريم المفاهيم الأساسية للقضاء الجزائي أو القضاء الجنائي، الذي يتناول قانون العقوبات في الدولة الحديثة. ومن الأسس العلمية للمتخصص في القضاء الجزائي أن يدرس علم الجريمة وأصول التحقيق الابتدائي وإجراءات الاستدلال والادعاء العام، بعد ذلك ينتقل المتخصص الدارس للقضاء الجزائي إلى مرحلة أخرى وهي كيفية نظر القضايا، وهنا تجدر الإشارة إلى مفاهيم رئيسة، وبمعنى أكثر وضوحا مما سبق ذكره يمكن أن نقول إن القضاء الجزائي يتناول قسمين في القانون الجنائي هما:
القسم العام: ويتضمن مجموعة القواعد العامة التي تنطبق على الجرائم كافة بوجه عام، مثل القواعد التي تحدد مجال تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان والمكان والأشخاص والقواعد التي تحكم المساهمة الجنائية والشروع وتعدد الجرائم والعود وأسباب الإباحة وموانع المسؤولية الجنائية وموانع العقاب والتقادم وغير ذلك.
القسم الخاص: ويشمل على بيان النظم والإجراءات التي يجب مراعاتها لتنفيذ قانون العقوبات، أي لمعرفة الجاني إذا ما وقعت الجريمة وتطبيق العقوبات عليه.
والقاضي الجزائي عندما ينظر إلى الجريمة يجب أن يراعى مدى توافر معنى الجريمة، والجريمة هو: (الفعل غير المشروع الصادر عن إرادة جنائية يقرر له القانون عقوبة أو تدابير احترازية)، بعد ذلك ينتقل النظر في كل الجرائم إلى توافر أركان الجريمة الثلاثة، وبالمناسبة لا يمكن لأي أي قاض أن يدين أي متهم إلا بعد قيام هذه الأركان الثلاثة وهي: الركن الشرعي: ويقصد به الصفة غير المشروعة للفعل، بمعنى أن للفعل أو عدمه قاعدة قانونية، فقانون العقوبات بنيت في غالبيته على قاعدة أساسية مضمونها ”لا جريمة ولا عقوبة من غير نص قانوني”، فالركن الشرعي هنا يقصد به الصفة غير المشروعة للفعل، أي تكييف الفعل بأنه غير مشروع، ويتحقق بخضوع الفعل لنص التجريم وعدم وجود سبب من أسباب الإباحة التي تنفي عن الفعل صفة عدم المشروعية، فالركن الشرعي لجريمة القذف هو قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) والركن الشرعي لجريمة السرقة قول الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
الركن المادي: وهو المظهر الخارجي للجريمة ويشمل ثلاثة عناصر:
– النشاط الإجرامي: هو العمل الذي نهى المشرّع عن ارتكابه أو الامتناع عن عمل أوجبه.
– النتيجة: الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون.
– العلاقة السببية: الرابطة التي تربط الفعل بالنتيجة بحيث تكون النتيجة قد تحققت بسبب النشاط الإجرامي.
* الركن المعنوي: ويقصد به وجوب توافر النية الإجرامية وحرية الإرادة والتمييز، بمعنى أن الركن المعنوي يشرح الحالة النفسية والعقلية لمرتكب الفعل الإجرامي وهل هذه الحالة بما فيها الإرادة تتجه إلى ذات الفعل والنتيجة أم أن هناك انقطاعا أو مانعا بين نية الفعل والفعل والنتيجة فإذا كان مرتكب الجريمة ليس له قصد جنائي فلا تقوم الجريمة، وأغلب الجرائم لا تنهض بسبب هذا الركن، وكثير من المدعى عليهم يستطيعون إسقاط الدعوى بسبب هذا الركن، خاصة إذا كانت مذكرة الاتهام لم توضح الأركان الثلاثة والصلة بذات المتهم، ومن المناسب أن نشرح للقارئ الكريم تقسيمات الجرائم من حيث توافر القصد الجنائي فيها، أي الركن المعنوي، وهي على النحو الآتي:
جرائم عمدية: هي جرائم يتوافر فيها القصد الجنائي أي بعلم إرادة الفاعل حيث يقدم الجاني على ارتكابها وهو عالم بطبيعة الفعل وبالنتيجة التي ستنجم عنه.
جرائم غير عمدية: وهي الجرائم التي ينعدم فيها العمد أو القصد الجنائي ويقدم الفاعل فيها على تنفيذ فعله وهو عالم بطبيعته، لكنه غير عالم بطبيعة النتيجة التي ستؤدي إليها، كمن يطلق النار على طير ليصطاده فيصيب إنسانا فيقتله. ومن وجهة نظر القانون الجنائي الخاص فإن الجرائم تصنف عموما إلى:
– الجرائم ضد الأشخاص: وهي كل الجرائم التي تمس سلامة الأشخاص وتلحق بهم أضرارا جسدية أو معنوية، ومن أمثلتها القتل والقتل الخطأ والضرب والجرح العمدي… إلخ .
– الجرائم ضد الأخلاق والآداب العامة: وهي مجموعة الجرائم التي تمس الأخلاق والآداب العامة للمجتمع المتعارف عليه بين أفراده، ومن أمثلة ذلك جرائم الفعل المخل بالحياء، هتك العرض، الاغتصاب، التحريض على الفسق والدعارة …إلخ.
– الجرائم ضد الأسرة: وتشمل كل الجرائم التي تمس كيان الأسرة مثل جرائم الإجهاض، الامتناع عن دفع النفقة، تعريض الأطفال للخطر … إلخ.
– الجرائم ضد الأموال والممتلكات: وهي الجرائم التي تلحق الأذى والضرر بالأموال العامة والخاصة للأفراد أو المؤسسات، ومن بينها جرائم السرقة والاختلاس، النصب والاحتيال، خيانة الأمانة … إلخ.
– جرائم ضد أمن الدولة: وهي مجموعة الجرائم التي تلحق الضرر المادي أو المعنوي بكيان الدولة ومؤسساتها الدستورية، أو المساس بإقليمها وترابها مثل جرائم الخيانة والتجسس ومعاونة دولة أجنبية للنيل من سيادتها … إلخ. إن إدراك هذه المفاهيم الأساسية في القانون الجنائي ومعرفة تطبيقاتها في القضاء الجزائي تساعد على تشكيل اللبنات الأساسية القانونية في عقلية القاضي المختص بالجانب الجزائي، ويوفر أيضاً الضمانات المهمة لأطراف القضية ابتداء من المتهم وانتهاء بنظر القاضي.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً