نتيجة التقنين بين القضاء العمالي وغيره
د. أسامة بن سعيد القحطاني
، ومن ضمن النقاط التي أثيرت اعتراضا؛ الاستشهاد بأن القضاء العمالي يتأخر في إصدار الأحكام على الرغم من أنه مقنن! فلماذا؟ ولأهمية هذا السؤال للمهتمين وددت الإجابة في مقال.
أولا: يجب التذكير أن هناك تاريخا لنظام العمل عند صدوره، وأن بعض المتشددين آنذاك اعتبروا صدور النظام اعتمادا للقوانين الوضعية وحاولوا منع صدوره وتطبيقه، وحاولوا التأليب ضده، وكان من ضمن مطالباتهم آنذاك ولا تزال تسجيلاتهم وخطاباتهم موجودة لتوثق المشهد المنغلق آنذاك لمنع تحديث القضاء ــ حتى لو كانت نياتهم حسنة ــ ولله الحمد أن الدولة تجاوزتهم واعتمدت النظام، وهو مسلسل يحصل تاريخيا دائما عند مبادرة الدولة في كثير من الإصلاحات الحقوقية.
ثانيا: يجب أن يكون واضحا لكل مهتم أن نظام العمل ولله الحمد يفصل جميع الحقوق للعامل والحقوق التي عليه وكذلك الأمر بالنسبة لصاحب العمل، وهكذا الجوانب ذات العلاقة، وهذا التفصيل للحقوق لم يترك مجالا للسلطة التقديرية الواسعة، ما يجعل العامل أو صاحب العمل يدرك جيدا حقوقه حتى قبل الذهاب إلى المحكمة، من خلال دراسة النظام والرجوع إليه. وهذا الأمر هو أساس المطالبة بتقنين الأحكام، وهو أن الإنسان يستطيع أن يعرف حقه مسبقا، وإذا لجأ إلى المحكمة فإنه في الأغلب يعرف حقه الذي سيتم الحكم به من خلال المستشار القانوني أو حتى بنفسه.
ثالثا: هذه الميزة الكبيرة “وضوح الحق ومعرفته” هي أساس القوانين وعليها يدور تحديث القضاء وتطويره، حيث لا يمكن تطبيق قواعد ومعايير الحوكمة القضائية إلا من خلال القانون الواضح الذي يمكن به تفعيل الرقابة والشفافية والوضوح والنزاهة وخلافه، ومن دون القانون سيكون تطبيق هذه المبادئ ضعيفا جدا ولا يمكن أن يكون فعالا ودقيقا، ولذلك نقول إن التقنين هو عدو الفساد والفاسدين لأنه سوف يحد من المساحة التي يمكن أن يتحركوا من خلالها.
رابعا: ماذا لو لم يتم تقنين نظام العمل؟ هذا السؤال يجب أن يطرح كي تتضح النتيجة الكارثية، لا سمح الله، حيث سيكون المطبق هو اجتهاد كل قاض على حدة في تطبيق القواعد الفقهية التي يراها هو، حتى في تقدير الأجور ودعاوى الغبن مثلا التي لا يمكن بها استقرار قطاع الأعمال! وحتى في حقوق العاملين ودعاوى التقصير والمخالفة، حيث ستنهال هذه الدعاوى التي سيختلف الحكم فيها من قاض لآخر، وهكذا. وحتى دعاوى مكافأة نهاية الخدمة التي تعتمد أساسا على التقنين؛ فإنه لا يمكن معرفة المكافأة التي ستختلف من قاض لآخر، ولا يمكن بل يستحيل أن تتمكن صناديق التقاعد من الاستمرار دون تقنين للحقوق التقاعدية “نظامي التقاعد والتأمينات الاجتماعية” بل ستنهار في اليوم التالي، حيث لا يمكن لها أن تحتمل اختلاف الأساس الذي من خلاله تعرف التزاماتها تجاه المستفيدين، وهكذا سلسلة الكوارث التي ستحصل من خلال عدم التقنين! والمصيبة عندما يأتيك شخص يدعي الفقه وينسف هذا الأساس في كلمتين ساذجتين ولا يعرف تبعات كلامه!
أخيرا؛ هذا الجواب مختصر، ولا يعني أن القضاء العمالي لا يحتاج إلى تطوير وخلافه، وإنما الكلام كان مركزا على نقطة التقنين فقط، وكلي أمل في وزارة العدل أن تواصل الخطى في التطوير والتحديث في مسيرتها المميزة والطموحة ــ بإذن الله.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً