نظام القضاء المستعجل في مملكة البحرين
بقلم: أسمه عيسى أرحمه
إسهاماً في تطبيق مبادئ العدل والمساواة وضمان الحقوق والحريات التي تبناها دستور مملكة البحرين لعام 2002م وتزامناً مع التطور الحضاري الملحوظ الذي تشهده مملكة البحرين في مختلف الميادين، أُنشئ القضاء المستعجل إلى جانب القضاء العادي، بموجب المرسوم رقم (19) لسنة 1983م المعدل لقانون المرافعات المدنية والتجارية، لتضم السلطة القضائية غصناً جديداً في هيكلية النظام القضائي البحريني، الذي شكل بدوره نقلة نوعية في المنظومة القضائية البحرينية، فأصبح جزءاً لا يتجزأ من هذا النظام، وعاملا فعالا في إرساء العدل وإحقاق الحق لأصحابه.
يتسم نظام القضاء المستعجل بطابع من الخصوصية التي تميزه عن القضاء العادي، وهي الوقتية، والسرعة، وبساطة إجراءات التقاضي. إذ يعد من اختصاصه الأساسي الفصل في المسائل التي تستوجب دفع الخطر، أو تلك التي يُخشى عليها فوات الوقت على نحو لا يمكن تأخير البت فيها إلى حين الانتهاء من إجراءات التقاضي العادية، التي غالبا ما تأخذ وقتاً لا يتناسب مع الضرورة التي تستدعي الفصل في المسألة على نحو مستعجل، وإلا ترتب عليه إلحاق الضرر بحقوق المتقاضين.
كما أن نظام القضاء المستعجل يعتبر أداة لصيانة وحفظ الحقوق في الوقت الذي وقع عليها ما قد يرتب إلحاق الضرر بها، فهو يعد نظاماً وقتياً يعالج مسألة طرأ عليها ما يستوجب الاستعجال وضرورة البت فيها حفاظاً على الأوضاع الراهنة وصيانة واحترام الحقوق الظاهرة. وعليه، فإنّ الحكم الصادر عن القضاء المستعجل يعتبر حكماً وقتياً، لا يمس أصل الحق، ولا تُقيّد به محاكم القضاء العادي، إلا أنه يُقيد الخصوم والقاضي الذي أصدر الحكم به، فلا يجوز رفع دعوى في ذات المسألة التي صدر فيها الحكم المستعجل.
فالحكم الصادر عن القضاء المستعجل ليس إلا علاجاً وقتياً لضرورة ملحة استوجبته، ولكن غالبا ما تكون الأسباب التي يُبنى عليها حكم القضاء المستعجل بمثابة السبيل الأساسي للوصول إلى حل النزاع في القضاء العادي، وذلك فيما لو تم رفع دعوى في موضوع النزاع أمام محاكم القضاء العادي.
ومع تعدد وتنوع إطار المعاملات التي يباشرها الأفراد بين أنفسهم، واتصالها المباشر بالحقوق والواجبات المترتبة على هؤلاء الآخرين، تنوعت المسائل المتنازع عليها، وبات القضاء المستعجل الملاذ الذي يستعين به المتقاضي للحفاظ على حقه من الضياع والضرر، في المسائل كافة باستثناء تلك التي تدخل في نطاق اختصاص المحاكم الشرعية والجنائية. فظهرت دعاوى منع المدين المماطل عن أداء دينه من السفر خشية ضياع حق الدائن، ودعاوى وقف الأعمال الجديدة التي يترتب عليها الضرر، ودعاوى استرداد حيازة المال المغتَصَب، وسواها من الدعاوى التي تُرفع من أصحاب الحقوق خشية الضياع والإضرار بها.
تُقام الدعوى المستعجلة بلائحة تقدم من المدعي إلى قسم تسجيل الدعاوى، وتُباشَر الإجراءات اللازمة لتحديد جلسة لنظر الدعوى في ميعاد لا يقل عن أربع وعشرين ساعة، ويجوز في حالة الضرورة القصوى تقليص المدة وفقاً للإجراءات التي ينظمها القانون، ويُعلَن أطراف الدعوى للمثول أمام القضاء والنظر في المسألة المتنازع عليها، ومن ثم إصدار الحكم الذي يفصل في النزاع.
الجدير بالذكر أن أحكام القضاء المستعجل مشمولة بالنفاذ المعجَّل بقوة القانون، وعليه فهي واجبة التنفيذ فور صدورها، من دون الحاجة إلى الانتظار إلى حين تبليغ الخصم بالحكم الصادر، إلا أنه لا يمنع من أن يَطعن فيه من صدر الحكم في مواجهته قُبَيل أن يصبح الحكم نهائياً بفوات ميعاد الطعن المحدد قانوناً.
ختاماً، لا يسعنا إلا التأكيد أن إدراج نظام القضاء المستعجل في هيكلية السلطة القضائية، لهو خير دليل على نهضة وتطور المسيرة القضائية في المملكة، ومن الشواهد الثابتة التي تؤكد أن العدل هو أساس الحكم، وأن ترتيب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها هو جوهر ضمان الحقوق والحريات في مملكة البحرين.
* باحث قانوني في الأمانة العاملة للمجلس الأعلى للقضاء
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً