القضاء ساحة للعدل وإحقاق الحق
القاضي حاتم جبار عودة الغريري
إن مبدأ حسن النية هو مبدأ عام يسود جميع العلاقات القانونية ويبقى عاملا وفاعلا وحاكما لهذه العلاقات وإن لم تورده التشريعات في نصوصها لأنه من الأحكام الكلية والأساسية في القانون الحديث، ولأنه يحقق اخطر غاية من غايات القانون وأجلها وهي درء الأضرار التي قد يوقعها الفرد بغيره في المجتمع.
وينبني على ذلك مسؤولية هذا الفرد ان كان خصما في نزاع معروض امام القضاء، الالتزام التام بأحكام القانون واحترام القضاء بما له من قدسية تمنع المتخاصمين من ان تكون المحاكم ميدانا لمخاصماتهم بعيدا عن مبدأ حسن النية، فللقضاء مقام واحترام وهو ساحة لاحقاق الحق وتطبيق العدل، الامر الذي يحتم عليهم ان يكون سلوكهم خلقيا عاليا في فهم تطبيق القواعد القانونية في كافة مراحل وإجراءات سير الدعوى، فميدان القضاء أعز واكرم من ان يكون ميدانا لكيد الخصوم او تعسفهم، وهذا القول يجري كذلك على وكلاء هؤلاء الخصوم ومن يمثلهم او ينوب عنهم في الدعوى.
ومن اظهر مظاهر خرق هذا المبدأ ما تشهده المحاكم على اختلاف اختصاصاتها سواء المدنية او الجزائية من سلوكيات ضارة بالخصم الآخر في الدعوى من خلال سعي الطرف الاخر او وكيلة بالتعسف في استعمال الحق الذي منحه القانون له بالطعن في الأحكام والقرارات وهو حق مكفول لأطراف الدعوى، الا ان البعض منهم يسعى الى تجاوز حدود هذا الحق من خلال الطعن بالقرارات الإعدادية التي تتخذها المحكمة اثناء سير الدعوى والتي لا تقبل الطعن فيها الا مع الحكم الفاصل فيها امام جهة الطعن المعينة لها وفق القانون، بقصد إلحاق الضرر بهذا الخصم سواء بهدف التأخير في حسم الدعوى والحيلولة دون وصول الحقوق الى أصحابها في اقصر وقت ممكن وضمن السقوف الزمنية التي حددها القانون لحسمها وإطالة امد النزاع خلافا للقانون او بقصد اطالة فترة توقيف المتهم في بعض القضايا التي لا يجوز القانون اخلاء سبيله فيها، وهي بالنتيجة سلوكيات مشينة ولا تستقيم مع الهدف الاسمى الذي ينشده القضاء في إقامة العدل وإشاعته بين الناس.
وكل ذلك لم يكن خافيا عن أنظار جهات الطعن من محاكم التمييز على اختلاف تخصصاتها فقد تصدت لهذه السلوكيات المخالفة للقانون في العديد من قراراتها فتارة تنبه الخصم الذي يسعى الى هذا السلوك من التمادي والعبث، وتارة توعز الى محكمة الموضوع باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الخصم المتمادي أو وكيله وقطع الطريق أمامه من الإمعان بخصمه او العبث بإجراءات التقاضي عملا بنص المادة (٥) من قانون الاثبات رقم ١٠٧ لسنه ١٩٧٩ التي نصت على ان (القضاء ساحة للعدل ولإحقاق الحق مما يقتضي صيانته من العبث والاساءة، ويوجب على المتخاصمين ومن ينوب عنهم الالتزام بأحكام القانون وبمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة، وإلا عرض المخالف نفسه للعقوبة) مع العرض ان الإجراءات القانونية التي تتخذها المحكمة بحق من يتمادى في التعسف بحق خصمه لا يخل بما يمكن ان يتخذ بحقه من إجراءات انضباطية اخرى إن كان وكيلا لهذا الخصم وبتقرير او إشعار ترفعه المحكمة الى مرجعه او النقابة التي منحته اجازة ممارسة مهنته لإعمال النصوص القانونية العقابية التي تتناسب مع جسامة فعله المخالف للقانون والمخالف كذلك لقواعد السلوك المهني.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً