ورقة بحثية حول القيود التي ترد على حق التجمعات السلمية في القانون الاماراتي
اعداد :
يوسف احمد مومني
القيود التي ترد على حق التجمعات السلمية في حقوق الإنسان
والقانون الاماراتي
مقدمة
التجمع السلمي هو اجتماع مجموعة من الأشخاص بشكل مؤقت في مكان معين بهدف عرض بعض الآراء و الأفكار ومناقشتها , فقد يكون الهدف منه هو التظاهر او مناقشة أوضاع سياسية او أجنبية او علمية مثل المؤتمرات او الاجتماعات العلمية او لمناقشة أوضاع طائفة معينه من المواطنين يجمعهم عامل مشترك فيما بينهم .
حيث ان من أهم حقوق الإنسان التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية وقبلها الشرعية الإسلامية وبعدها الدساتير لدول العالم , وهو حق الإنسان في حرية التعبير عن الرأي بمختلف السبل وشتى الوسائل ومن ضمن الوسائل التي ينتهجها الإنسان في التعبير عن رأيه هي التجمعات السلمية لمجموعة من البشر بهدف التظاهر تعبيراً عن رأيهم في موضوع ما سواء كان هذا الموضوع يمس حقوق الإنسان الخاصة او العامة , ويكون التعبير عن الرأي بالتجمعات السلمية عن طريق رفع الشعارات في المطالب التي يحاول الإنسان يوصل بها المعلومة التي يريد ان يقولها من خلال هذه التجمعات السلمية .
وحق الإنسان في التجمع السلمي ليس مطلق بل ترد عليه قيود نصت عليها المادة ( 21 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية , فنصت على اشتراطات خاصة بالقيود وأنواع القيود والغرض منها وسوف نتكلم عنها بالتفصيل في حينه .
والذي يعنينا في هذا البحث هو التجمع السلمي بهدف مناقشة الأوضاع السياسية او بهدف التظاهر ضد أوضاع سياسية او قانونية او حياتية معينة كوسيلة للتعبير عن الرأي, وسوف نتكلم عن الحق و القيود التي ترد عليه في الإسلام والعهود والمواثيق الدولية وفي قانون دولة الإمارات العربية المتحدة .
1- حق التجمع السلمي في الإسلام :-
إن الإسلام وان كان دعا إلى حرية التفكير فقد اتبعها بحرية التعبير عن الرأي سواء كان ذلك بالقول او الفعل او بشتى أنواع التعبير 1 , ومن أنواع او وسائل التعبير في العصر الحديث التجمع السلمي بهدف التظاهر اعتراضا على أمر ما او تأيدا له ذلك أن الإسلام حريص كل الحرص على صلاح الأمة وعدم انتشار الفساد والظلم فيها لذلك فقد دعا منذ أكثر من 1400 عام على حرية الرأي والتعبير عنه وقول الحق .
ولقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك فقد قال : (( إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) 2, وحرية الرأي في الإسلام لا تعني إباحة نشره بل تتعداه إلى فرض ذلك الرأي في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) 3, بل لقد جعل فرض الرأي ضربا من التكافل الاجتماعي وواجبا إسلاميا ما دام في دائرة النفع العام , ولم يُعد لمفسدة اكبر ويكون صاحب الرأي لدية القدرة على فرضه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان )) 4 .
وليس معنى أن الإسلام دعا إلى حرية التعبير عن الرأي سواء بالقول او الفعل او شتى أنواع التعبير انه اطلق هذه الحرية دون قيود فلقد حرم الإسلام استخدام حرية التعبير في الدعوى ضد الدين او الأخلاق او التزيين للجريمة او الرذيلة , فالإسلام حريص كل الحرص على أن يكون المجتمع نظيفا لا يظهر فيه الخبث , بل يستتر فيه عن الأنظار لذلك فقد حث على إلا تعلن الرذائل بل تخفى وتعلن الفضائل ولا تخفى 5 .
وعليه ولما كان حق التجمع السلمي للتظاهر هو وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي فنجد أن الإسلام يُحرم هذا الحق إن كان الهدف منه التظاهر للحض على الانحراف او تزين الجريمة او الدعوى إلى مذاهب منحرفه او دعوات هدامه او أن يكون التظاهر ضد الدين مثل الدعوى إلى الإلحاد او ما شابه ذلك او الدعوى إلى حقوق الشواذ جنسيا او المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى في كل الأحوال , لان كل هذه الأمور مخالفة للشريعة الإسلامية فهي ضد الدين .
1- حقوق الإنسان في الإسلام , د. عبد اللطيف بن سعيد الغامدي . الرياض 2000 , الطبعة الأولى , مركز الدراسات والبحوث , أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية , صفحة 155
2- سنن ابن ماجه . 1384 ,رقم 2 / 2367
3- القران الكريم , سورة آل عمران , الآية رقم 110
4- صحيح مسلم , الجزء الأول , صفحة 69
5- مرجع سابق , د . عبد اللطيف بن سعيد الغامدي , صفحة 156-157
2- حق التجمع السلمي في العهود والمواثيق الدولية :-
لقد نصت كل المواثيق والعهود الدولية ومعظم دساتير دول العالم على حق الإنسان في التجمعات السلمية ( الاجتماع ) بداية من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي الصادر في 1789 مرورا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة في 1948 والعهد الدولي الخاص بحقوق بالمدنية والسياسية فلقد نصت المادة 11 من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان ضمناً على احترام حق الأفراد في الاجتماع 1+2 .
ونصت المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ” 1- لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية , 2- لا يجوز إرغام احد على الانتماء إلى جمعية ما ” 3 .
وتنص المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ” يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي او السلامة العامة او النظام العام او حماية المصلحة العامة او الآداب العامة او حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ” 4 .
ويستفاد من النصوص السابقة أن الأصل العام أن الحق في التجمع السلمي مباح ولكن يجوز فرض قيود على ممارسة هذا الحق نصت عليه المادة السابقة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واشترطت شروط معينه لوضع القيود :-
أولا : الشروط الواجب توافرها
أ- أن تفرض تلك القيود طبقا للقانون في مجتمع ديمقراطي أي أن لا يكون فرضها تعسفيا من قبل جهة الإدارة في الدولة بل لا بد من ان تصدر طبقا لقانون تشريعي تراعى فيه شروط صحة إصدار القانون طبقا لدستور الدولة .
ب- إن تشكل هذه القيود تدابير ضرورية بحيث لا يوجد هناك وسيلة أخرى لتلافي الإضرار الناتجة عن ممارسة الحق سوى فرض هذه القيود .
ثانياً : أنواع القيود
1- القيود التي تفرض بهدف حماية النظام العام في المجتمع ومفهوم النظام العام يختلف من مجتمع لأخر , فالمجتمعات الإسلامية تختلف عن الغربية فبينما الثانية مثلا قد تتقبل فكرة التظاهر بهدف حقوق الشواذ جنسيا , في حين نجد إن الأولى لا تقبل هذا الأمر لمخالفته الشريعة الإسلامية وبالتالي النظام العام فيها .
2- القيود التي تفرض لصيانة الأمن القومي والسلامة العامة , فقد يكون الاجتماع السلمي بهدف التظاهر يترتب عليه نتائج تضر بالأمن القومي للمجتمع والسلامة العامة مثل أن يتظاهر طائفة من المواطنين ضد طائفة أخرى لما في ذلك من إمكانية حدوث نزاعات تهدد السلم العام في الدولة او أن يؤدي التجمع إلى إحداث أضرار بمؤسسات الدولة او الممتلكات العامة للدولة فهذا يعد إخلالا بالأمن القومي للدولة .
3- القيود التي تفرض بهدف حماية الصحة العامة , فقد يترتب على التجمع السلمي بهدف التظاهر حدوث أضرار صحية مثل الاعتصام في الشوارع لمدة طويلة فقد ينتج عنها انتشار أمراض مختلفة التي يخلفها المتظاهرين سلمياً في المكان .
4- القيود التي تفرض على حماية الآداب العامة , فقد يكون في التجمع ما يعد إخلالا بالآداب العامة في المجتمع ومفهوم الآداب العامة يختلف من مجتمع لأخر فتختلف المجتمعات الإسلامية عن تلك الغربية فالأولى لا تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء او الخلوة بينهما بينما الثانية تسمح بذلك .
1- الإعلان حقوق الإنسان الفرنسي والصادر سنة 1789
2- المدخل لدراسة حقوق الإنسان , د .مازن ليلو ماضي د. حيد ادهم عبد الهادي , كتاب غير منشور , صفحة 54-56
3- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217000 (د3) المؤرخ في 10 كانون الأول 1948
4- العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية
5- القيود التي تفرض حماية لحقوق الآخرين وحماية حرياتهم , فقد ينتج عن التجمع السلمي أضرار بحقوق الآخرين مثل قيامهم بقطع الطرق وان ينتج عنه إحداث أضرار بالممتلكات الخاصة بالأفراد او منع الافراد من ممارسة حرياتهم ,
وعليه نجد أن حق الاجتماع السلمي بهدف التظاهر في العهود والمواثيق الدولية ليس حق مطلق غير مقيد بل هو حق مقيد بقيود معينه تهدف الى حماية الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة وحقوق الآخرين وحرياتهم والآداب العامة , وكل مجتمع يضع من القيود ما يشاء بشرط أن تتوفر فيها الشروط السابق ذكرها , وان يكون الهدف فيها هو حماية المصالح التي جاءت في نص المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1
3- حق التجمع السلمي بهدف التظاهر في قانون دولة الإمارات العربية المتحدة
نص دستور دولة الإمارات في المادة 33 منه على ” حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات مكفولة في حدود القانون “2 فقد أعطى الدستور الإماراتي الحق في حرية الاجتماع – والذي يعنينا هنا هو التكلم عن الاجتماع بهدف التظاهر او إبداء الرأي وهو ما يطلق عليه المشرع الإماراتي لفظ التجمهر – ولكنه قيد هذا الحق بأن يكون استعماله في حدود القانون وقد جاء في المادة 197 مكرر 1 قانون العقوبات الاتحادي قيود على الاجتماع ( التجمهر ) لكنها لم ترد صراحتاً بل جاءت بشكل أفعال مجرمة ,
فنصت المادة 197 مكرر 1 من قانون العقوبات الاتحادي على ” يعاقب بالحبس او بالغرامة كل من اشترك في تجمهر لمنع او تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح وكان من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وأمر رجال الشرطة المتجمهرين بالتفريق فعلموا بالأمر ورفضوا طاعته او لم يعلموا به ,
وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا كان الغرض من التجمهر ارتكاب جريمة ما ,
وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات إذا كان شخص او أكثر من الذين يتألف منهم التجمهر حاملين أسلحة ظاهرة او مخبأه ولو كان مرخص حملها ,
ويعاقب بذات العقوبة كل من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة ” 3
وعليه وباستقراء نص المادة السالف ذكرها يتضح لنا أن المشرع الإماراتي وضع عدة قيود على ممارسة حق التجمع والتجمهر وهذه القيود نستطيع أن نبينها في الأتي :
1- لا يجوز أن يكون هدف التجمهر هو منع او تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح إذا كان من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر , فمثلا لا يجوز التظاهر ضد طائفة من المواطنين بسبب دينهم او عرقهم او جنسهم لما في ذلك من تكدير للسلم العام وتعريضه للخطر بجعل فئات وطوائف المجتمع في حالة كره لبعضها البعض كما قد يؤدي إلى حدوث نزاعات بينهم تخل بالسلم العام للمجتمع او أن يكون التجمهر يؤدي إلى تعطيل المؤسسات العامة للدولة عن أداء دورها او تعريضها للخطر .
2- لا يجوز أن يكون التجمهر ( التجمع السلمي ) الغرض منه هو ارتكاب جريمة ما او الحض على ارتكابها , والجريمة هنا هي كل فعل حرم إتيانه في الشرعية الإسلامية او القانون الإماراتي ونص على عقوبة في حال إتيانه , فمثلا لا يجوز أن يكون الهدف من التجمهر هو الدعوة إلى إباحة العلاقات الجنسية دون زواج لان ذلك يعد جريمة زنا معاقب عليها بالشريعة الإسلامية والقانون الإماراتي .
3- لا يجوز للمتجمهرين المتجمعين سلميا حمل أية أسلحة ظاهرة او مخبأه لما في ذلك من تعريض امن الدولة وامن المواطنين للخطر .
1- مرجع سابق , د .مازن ليلو ماضي د. حيد ادهم عبد الهادي , صفحة 56-57
2- دستور دولة الإمارات العربية المتحدة
3- قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987
4- حق التجمع السلمي بهدف التظاهر في قانون المملكة الاردنية الهاشمية :
نص دستور المملكة الاردنية الهاشمية في المادة 16 على حق الاجتماع فجاء في نص المادة ” 1 – للاردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون 2- للاردنين حق تألف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية ذان نظم لا تخالف احكام الدستور 3- ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها “1 .
الخاتمة
لما كان للإنسان الحق في الحياة والعيش بأمان والتعليم كان له الحق في التعبير عن رأيه بشتى سبل التعبير فكان للإنسان منذ القدم الحق في التعبير عن رأيه بأي طريقة كانت فكان العرب قبل الإسلام يعبرون عن رأيهم بفصاحة لسانهم وبلاغتهم بقولهم الشعر او في إظهار القوة واتى الإسلام وكفل حق التعبير عن الرأي ووضع له حدود وضوابط وجاءت بعده المواثيق والمعاهدات الدولية والقوانين للدول فكفلت حق التعبير عن الرأي بالتجمع السلمي للتعبير عن الرأي وقد تم توضيح موقف الإسلام في التعبير عن الرأي بالتجمع السلمي وتم توضيحه بالعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية وبعدها تم تبيان موقف المشرع الإماراتي من التجمع السلمي والحق في التظاهر للتعبير عن الرأي .
وان الحق في الاجتماع ( التجمع السلمي ) بهدف التظاهر للاعتراض على أوضاع سياسية او قانونية او اجتماعية معنية كوسيلة من وسائل التعبير عن الرأي من الحريات الهامة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الدساتير العربية حيث انه من الحقوق التي تؤدي إلى تنمية المجتمع وتوفير مناخ ديمقراطي للشعوب وذلك بقيامهم بالاجتماع وتكوين الجمعيات التي تساعد في التنمية وحل مشاكل المواطنين من خلال الجمعيات الأهلية , فقد كفل المشرع الإماراتي الحق في التجمع السلمي بهدف التظاهر ولكن وضع له ضوابط معينه حددها بالقانون ويتضح من القيود السابق ذكرها أن المشرع الإماراتي لم يخالف ما نص عليه من اشتراطات للقيود والقيد على حرية التجمع السلمي المنصوص عليه في المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فالقيود الواردة على حق التجمع السلمي صادرة طبقا للقانون وهدفها هو حماية الأمن القومي والسلامة العامة والنظام العام وحماية حقوق الآخرين .
قائمة المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم .
2- السنة النبوية .
3- دستور دولة الإمارات العربية المتحدة .
4- قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 .
5- حقوق الإنسان في الإسلام , د. عبد اللطيف بن سعيد الغامدي . الرياض 2000 , الطبعة الأولى , مركز الدراسات والبحوث , أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية .
6- المدخل لدراسة حقوق الإنسان , د .مازن ليلو ماضي د. حيدر ادهم عبد الهادي , كتاب غير منشور .
7- الإعلان حقوق الإنسان الفرنسي والصادر سنة 1789 .
8- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217000 (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول 1948.
9- العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية .
اترك تعليقاً